بقلم: هيثم شلبي
بالموازاة مع دعوة الهيئة الناخبة رسميا إلى انتخابات السابع من سبتمبر، كما ينص على ذلك القانون، تعيش الجزائر على وقع سلسلة من الفضائح، يجمعها ارتباطها المباشر بشخص الرئيس الجزائري الباحث عن عهدة ثانية، عبد المجيد تبون.
فضائح بدأت بخبر إقالة أحد أقرب مستشاريه الرئاسيين محمد بوعكاز، مسؤول التشريفات، بنفس الحجة دائما: “مخالفة أخلاقيات المهنة” وارتكاب “أخطاء جسيمة”! كلمات لا تشير إلى اتهامات محددة، وتفتح بالتالي باب التأويلات والإشاعات على مصراعيه.
ومما يزيد من تهافت هذه التهم، ويزيد من اللغط داخل الرأي العام المحلي، أن هذه التهم تحديدا تنطبق على الرئيس تبون نفسه، الذي يراكم “الأخطاء الجسيمة” منذ اليوم الأول لتوليه منصبه، كما تنطبق كذلك على باقي المسؤولين الجزائريين، مدنيين وعسكريين، منذ استقلال الجزائر “الصوري” عن فرنسا إلى يومنا هذا! فلماذا لم تتم إقالتهم وفق نفس المنطق؟؟ وبفارق ساعات، تم تسجيل فضيحة دبلوماسية أكبر، تعتبر سابقة عالمية لم تشهدها حتى أضعف الدول، وتتعلق بإقالة سفير الجزائر في مصر حسن رابحي بعد 24 ساعة من تقديمه لأوراق اعتماده لوزير الخارجية المصري سامح شكري!! وهي إقالة لا يمكن لأحد فصلها عن إقالة المستشار الرئاسي بوعكاز، بسبب التزامن بين الفضيحتين.
وفي غياب المعطيات الرسمية، كما هي العادة في النظام العسكري الجزائري المغلق، فقد تصدرت الساحة الداخلية والخارجية نظريتان لتفسير هذه الإقالات “الفضائحية”، تقول أولها أن السبب هو علاقة جنسية مفترضة بين المستشار بوعكاز وابنة الرئيس تبون الصغرى، والتي شملت تصويرها في أوضاع مخلة، وكشف بحث أجهزة مخابرات الجنرال عبد القادر حداد (ناصر الجن) وصول هذه الفيديوهات المخلة إلى هاتف السفير رابحي!! أما ثاني النظريات، فتربط بين المستشار بوعكاز ورجال أعمال جزائريين وأتراك، بشبكة تجسس مفترضة لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، عدو الجزائر الأكبر هذه الأيام!!
وسواء صدقت إحدى الروايتين، فهما يمسّان بشكل مباشر شخص الرئيس تبون، من خلال مستشاره وابنته وسفيره في القاهرة. هذين السيناريوهين، يفتحان الباب أمام فرضية ثالثة لم يتحدث عنها كثيرون، تقول بأن الهدف من تسريب هذه الفضائح، والتي استدعت التذكير بفضائح نجل الرئيس خالد تبون، الذي سجن بتهمة بتهريب الكوكايين، قبل أن يخرجه والده من السجن بمجرد دخوله قصر المرادية، وكذا تهمة الاتجار بالبشر عبر تهريب مئات الجزائريات القاصرات إلى أوروبا (بلجيكا) للعمل في الدعارة!! نقول، أن هدف الكشف عن هذه الفضائح مرتبط بمناورات الساعات الأخيرة لإضعاف حظوظ الرئيس تبون في الترشح لعهدة ثانية من قبل جهاز المخابرات بأفرعه المختلفة، ترجمة لاعتراض الجنرال القوي محمد مدين (توفيق) على التجديد لعهدة ثانية لتبون.
وسواء جاء الإعلان عن هذه الفضائح من أجل “ردع” تبون عن الترشح لعهدة ثانية، أو “مسك ملفات” ثقيلة تجعله تحت السيطرة التامة لرجالات الجنرال توفيق (جبار مهنا وناصر الجن والحسين بولحية وغيرهم)، فهي تدل على أن الساعات القادمة ستكون حبلى بالتطورات المفاجئة، التي ستحدد إلى حد بعيد مصير الرئاسة الجزائرية المقبلة.
وتؤكد مجمل هذه التطورات ما كنا نقوله منذ البداية، حول صعوبة الوصول إلى أي نتيجة لفهم السياسة الجزائرية باستخدام أدوات التحليل السياسي التقليدية، التي تتعامل مع الجزائر كدولة، ومع نظامها كرجال دولة؛ وأن هذا الفهم لن يتأتى سوى باستحضار كون النخبة الجزائرية الحاكمة ما هي إلى “مافيا” تتصارع أجنحتها وفق مبادئ وآليات عمل المافيا المتعارف عليها، من مسك كل جناح لملفات يحمي به نفسه ويهدد بها خصومه، وهي المعركة التي يسمح فيها باستخدام مختلف الأسلحة بغض النظر عن مدى أخلاقياتها، وتأثيرها على مصالح المواطنين ومجمل إدارة الشأن العام في هذا البلد المنكوب.
كما تظهر مناورات الساعات الأخيرة، أن حسم مصير الرئاسيات المتوقعة خلال ثلاثة أشهر، هو أبعد ما يكون عن التحقق. ومن جهة أخرى، تظهر هذه المناورات بجلاء، خلو الجزائر من شخصيات وازنة يمكن اعتبارها مرشحة “طبيعية” لمنصب الرئاسة.
ويكفي لإظهار هذه الحقيقة “خفة” وتهافت ولا شعبية جميع من أعلنوا عزمهم الترشح للرئاسيات المقبلة، سواء الرئيس تبون أو خصومه في المعارضة.
ولعل ما يزيد من تفاقم الوضع، أن بعض المرشحين المفترضين كالجنرال علي غديري الذي كان يفترض أن يخرج من السجن هذه الأيام، بعد أن قضى سنوات حبسه الأربع بناء على تهمة نشره مقالا في أحد الصحف المحلية! قد تم تمديد حبسه لعامين إضافيين بأوامر مباشرة من الرئيس تبون، خشية أن يجدد الجنرال توفيق ورجالاته في المخابرات تأييدهم له كمرشح للانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي يشكل تهديدا كبيرا لحظوظ الرئيس تبون. كما أن حركة حمس “الإسلامية” حسمت في إبعاد مرشحها الطبيعي عبد الرزاق مقري لصالح أمينها العام الحالي الذي لا يكاد يعرفه أحد في الجزائر.
لقد أكدت هذه الفضائح، ما يعرفه كل جزائري خرج خلال الحراك الشعبي لعام 2019، حول فساد طبقته السياسية برمتها، سواء من هم موجودون داخل السجون من رجالات الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، أو من هم في مقاعد المسؤولية الحالية؛ وتقدم دليلا -لمن لا يزال بحاجة لمثل هذا الدليل- على استحالة إصلاح منظومة الحكم العسكري الجزائرية من داخلها، مهما كانت هوية من يقول بمثل هذه المحاولات الإصلاحية، وأن الحل الوحيد لن يكون ممكنا إلا “بكنس” هذه الطبقة الفاسدة بأجنحتها الثلاثة (الرئاسة والجيش والمخابرات)، وبناء طبقة حاكمة جديدة “من الصفر”!!
كخلاصة، فإن مشهد “نهش” أجنحة العصابة الحاكمة في بعضها البعض الحالي، لن يكون الأخير، وأن فضائح أخرى ستأتي نتيجة الردود المتوقعة للأجنحة المستهدفة على الهجومات الموجهة إليها.
وعليه، فاعتبار ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية عبر توافق جناحي رئاسة الأركان (الجنرال شنقريحة) والمخابرات (الجنرال جبار مهنا) أمرا منتهيا ومحسوما، هي أقرب إلى “الأمنيات” من طرف جناح الرئاسة (تبون ومستشاريه) منها إلى الواقع؛ وأنه إن صار واقعا، نتيجة المساومات الحالية، فسيكون ثمن العهدة الثانية لتبون الضعيف دمارا شاملا لمختلف أركان الدولة الجزائرية ومؤسساتها، بطريقة ربما تقرب موعد الجولة الحاسمة من الحراك “المتجدد” المتوقع اندلاعه في أي لحظة رغم آلة القمع الجبارة. وعموما، فالساعات المقبلة حبلى بالمزيد!