جنرالات الجزائر يضيقون ذرعا حتى بمسانديهم من الأحزاب!

بقلم: هيثم شلبي

من كلاسيكيات العلوم السياسية المعروفة، أن أحد أهم مظاهر “شيخوخة” أي نظام سياسي، والإشارات التي تنبئ بسقوطه الوشيك، هو عندما تبدأ دائرة المحتكرين للسلطة الفعلية في التقلص التدريجي، وتضيق لتصبح السلطة، عمليا، حكرا على طبقة أو حزب أو عائلة أو فرد! ويبدأ هذا الطرف المسيطر في إخراج أطراف متزايدة، من مسانديه، من دائرة الحكم الفعلية، لينفرد بها دون غيره ممن شاركوه إياها على مدى العقود أو السنوات الماضية.

نسوق هذه الحقيقة في معرض تناول قانون الأحزاب الجزائرية الجديد، الذي تحاول الدائرة الضيقة في النظام فرضه، مع علمها أن هذه الأحزاب التي تحاول استهدافها حاليا، هي صنيعة جهاز المخابرات في عهد الرجل القوي الجنرال “توفيق”، وأنها قدمت مساهمات “جليلة” لهؤلاء الجنرالات، عندما اختاروا الانقلاب على الحياة الحزبية وصناديق الاقتراع في التسعينات، مما جعلها (أي هذه الأحزاب) تعيش حالة “صدمة” حاليا من نص القانون المتداول، والذي يظهر بكل جلاء، “ضيق” جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، بالحياة السياسية برمتها، ورغبتهم في إنهاء أي هامش للنقاش حول خياراتهم، بعد أن أنهوه من قبل الفاعلين في المجتمع المدني، عندما زجوا بالمئات من نشطاء الحراك في السجون، ونجحوا في السيطرة على الحياة الاقتصادية عبر إنهاء “سلطة” رجال الأعمال ورئيسهم علي حداد. أما السلطة الروحية الممثلة في رجال الدين، فقد تم “توظيفها” مبكرا، عبر “تدجين” الفقهاء ورجال الدين من جهة، و”شيطنة” الإسلام نفسه بخلق جماعات الإسلام الجهادية المتطرفة، وتوجيهها لارتكاب أبشع الجرائم ضد المواطنين الجزائريين العزل.

ومع أن معظم الهجوم الذي يتعرض له قانون الأحزاب المقترح، من طرف “أحزاب النظام”، منصب على تحديد ولاية الأمين العام في فترتين، بحد عشر سنوات كحد أقصى -تكاد تكون هذه النقطة هي الحسنة الوحيدة في القانون-، إلا أن العديد من النقط تهدد الحياة الحزبية السياسية الجزائرية جدّيا، على هزالتها، وتحرم هذه الأحزاب من أي تأثير مجتمعي، على الرغم من ضآلته أصلا، وتسعى إلى اختراع تعريف جديد للعمل السياسي، خاص بالجزائر دون بقية دول العالم!!.

وإلا، فما معنى “حظر” أي علاقة من أي نوع كان ما بين الأحزاب من جهة، والنقابات والجمعيات الأهلية، وكل تنظيم آخر من غير الأحزاب، من جهة أخرى؟! أليس تحسين حياة العمال خصوصا، والمواطنين عموما، والدفاع عن الحريات، ومحاربة الفساد في الحياة الاقتصادية، ونقاش السياسات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية للحكومة، مجالات مشتركة تهم السياسي (الأحزاب) والمهني (النقابات) والجمعوي (منظمات المجتمع المدني)، وتفترض بالتالي تعاونا بينهم؟! ثم كيف تمنع المسودة الحزب السياسي من “استعمال مقره لأغراض غير تلك التي صرح بها وأنشئ على أساسها. أو إيواء أي تنظيم أو أشخاص ليست لهم علاقة بالحزب السياسي”؟ ألا يحق لهذه الأحزاب أن تتبنى القضايا المجتمعية وتساهم في نشر الوعي الثقافي، وبالتالي تستضيف فاعليه؟! بل يحق لنا هنا أن نتساءل: كيف تتصور الحكومة الجزائرية أن يدار الشأن العام دون تدخل من هذه الأطراف مجتمعة، دون نسيان وسائل الإعلام، والتعبير المباشر عن الرأي للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟! .

وتلزم مسودة القانون الجديد الحزب السياسي “في حال إقامة علاقات تعاون مع أحزاب سياسية أجنبية، لا تتعارض مبادئها وتوجهاتها مع مصالح الجزائر”، الحصول على موافقة مسبقة من وزير الداخلية، بعد أخذ رأي وزير الخارجية!! وهو ما دفع سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد “المعارض” إلى القول: إذا تم اعتماد التعديلات المقترحة فستصبح الأحزاب كملحقة تابعة لوزارة الداخلية!! ثم كيف امتلكت الحكومة الجزائرية، الواجهة المدنية لجنرالات فرنسا، “الوقاحة” لتفترض أنها وحدها، وعبر وزيري الداخلية والخارجية، من تحدد ماهية “مصالح الجزائر”؟! وهل تدخل مثلا علاقات الأحزاب الجزائرية مع جبهة البوليساريو في خانة “التعاون مع أحزاب أجنبية”؟! وهل من يتحفظون على مثل هذه العلاقة يعتبرون “مضادين” لمصالح الجزائر؟!

وكما كان متوقعا من جنرالات فرنسا الملوثة أيديهم بدماء الجزائريين خلال العشرية السوداء، فقد حافظوا على منع جبهة الإنقاذ ومناصريها من المشاركة في الحياة السياسية، مع أن أيديهم أطهر من أيدي مانعيهم، بل وكانوا ضحايا في هذه الحرب الإجرامية ولم يكونوا جلاديها؟! أما “مهزلة” الحديث عن “استغلال الدين الذي أفضى إلى المأساة الوطنية” التي يتحدث عنها القانون، فهي لا تعني أحدا سوى جنرالات فرنسا حصريا، والذين كانوا سادة الجزائر في ذلك الوقت.

ولا تقف مهازل القانون عند هذا الحد، بل إنها تصل إلى حد تشريع “حل الأحزاب السياسية التي تقاطع استحقاقَيْن انتخابيين متتاليين”، أي أن المقاطعة كتعبير عن الرأي، واحتجاج على المهازل الانتخابية، ستؤدي لإنهاء الحزب وشطبه؛ بكلام آخر: إما أن تكون مشاركا في جرائم السلطة السياسية ومهازلها الانتخابية، أو لا داعي لوجودك أصلا! اما المواطنين الجزائريين، الذين يسجلون عادة أعلى نسب مقاطعة للاستشارات الانتخابية في العالم، فلا يستحقون وجود من يمثلهم ويشاطرهم هذا التعبير عن الاحتجاج!!! هذا دون الخوض في الحواجز والعقبات التي يضعها القانون في وجه من يوافق على المشاركة في المهازل الانتخابية، حيث يفرض على المرشحين جمع توقيعات عدد محدد قبل قبول ترشحهم، وهو الهدف الذي تقام من أجله الانتخابات أصلا!!

كخلاصة، وبعد أن اعتبر جنرالات الجزائر التعبير عن الرأي، سواء من المواطنين أو وسائل الإعلام، جريمة وتدخلا في السياسة وعمل الحكومة، “وزعزعة لاستقرار الوطن”؛ وجرّموا الجمع بين العمل السياسي والنقابي بجميع أنواعه؛ يقومون اليوم بتجريم العلاقة بين الأحزاب وباقي هيئات المجتمع، لتصبح إدارة الشأن العام، وفق تعريف هؤلاء الجنرالات، حكرا على ما تقوم به الحكومة بناء على أوامرهم، يستدعى للمصادقة عليه -دون نقاش- برلمانيون منبثقون عن بضعة أحزاب، تعمل وفق فلسفة القانون الجديد! وبهذا إعلان صريح ورسمي، عن “تصحّر” الحياة السياسية الجزائرية؛ وهي المرحلة الأخيرة قبل سقوط “أمطار الخير” التي ستنهي هذا الجفاف، وتسمح بإيناع أوراق وزهور سلطة جديدة، تمتلك مصيرها لأول مرة منذ الاستقلال، وتعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقة، التي تضمن للناس حياة كريمة.

اقرأ أيضا

انسحاب الجزائر من تنظيم الكان.. النهاية الطبيعية للإعلام الدعائي

بقلم: هيثم شلبي قبل الإعلان عن البلدين الفائزين بشرف تنظيم كأس أفريقيا للأمم لكرة القدم …

خطاب تبون في الأمم المتحدة.. الكذب على نطاق عالمي!!

بقلم: هيثم شلبي بعد أن كان نطاق كذب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون محصورا في …

لماذا انتقلت فرنسا من “عرض” مساعدتها على المغرب، إلى محاولة “فرض” هذه المساعدة؟!

بقلم: هيثم شلبي على الرغم من مرور قرابة أسبوعين على كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة …