لماذا انتقلت فرنسا من “عرض” مساعدتها على المغرب، إلى محاولة “فرض” هذه المساعدة؟!

بقلم: هيثم شلبي

على الرغم من مرور قرابة أسبوعين على كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز بالمغرب، لا زالت منابر إعلامية فرنسية -وبالضرورة جزائرية- تواصل التهجم على السلطات المغربية، بدعوى انها لا تهتم لشؤون مواطنيها، بعد رفضها عروض المساعدات التي قدمها الرئيس ماكرون، وتابعيه من جنرالات الجزائر.

ورغم إقرارهم أن رفض أو قبول المساعدات هو شأن سيادي، لا تملك دولة أخرى أن تعلق عليه، لاسيما مع دولة مكتملة السيادة كالمغرب، إلا أن إصرار وسائل إعلام البلدين على استمرار التطرق للموضوع، يحوّل هذه المساعدات من خانة “العرض” إلى خانة “الفرض”، بما يوحي بأن المغرب مجبر على قبولها، ولا يملك حتى خيار رفضها أو اعتبارها “غير ملائمة” لاحتياجاته! لكن ما الذي يمكن أن يفسر هذا اللغط غير المبرر؟!

بداية، هناك بعض النقط الأساسية التي يجب تذكرها ونحن بصدد مناقشة الموضوع؛ أولها أن هذا اللغط مرتبط بجناح الرئيس الفرنسي ماكرون، وليس موقفا فرنسيا عاما؛ وثانيها أنه يأتي في خضم تدهور العلاقة بين البلدين، وليس منفصلا عن الأزمة التي تشهدها؛ وثالثها أن الضجيج المشابه لدى إعلام الجنرالات في الجزائر هو مجرد صدى للأصل الفرنسي، إذ أنه مجرد تابع، لا يملك ترف التفكير فيما يكتب! هذه الأسس الثلاثة تقود إلى اعتبار أن الخطاب “المستفز” (بكسر الفاء) للرئيس ماكرون المستفز (بفتح الفاء)، هو خطاب موجه إلى الاستهلاك الداخلي بالأساس، وليس للمواطنين المغاربة كما حاول أن يصوّر، بمعنى أنه موجه إلى الجمهوريين وتيار الرئيس الأسبق ساركوزي، ومن لا يتوقفون عن انتقاد مسؤولية ماكرون عن تدهور العلاقة مع المغرب، بسبب إصراره على استمرار ضبابية موقف بلاده من مغربية الصحراء.

بهذا المعنى، فهو يقول للفريق المناوئ له: “ها أنتم ترون كيف أنني عرضت مساعداتنا على المغرب ورفضوها، بل وتجاوزت حتى الأعراف الدبلوماسية وخاطبت الشعب مباشرة بمعزل عن سلطاته لكن دون نتيجة”. لكن “رعونة” ماكرون، والعقلية الاستعمارية التي يمتلكها، تجعله لا يدرك أن ما أقدم عليه يدخل في خانة “عذر أقبح من ذنب”، وأن بلدا بثقل ورسوخ المغرب، لا يمكن أن تدار العلاقة به بمثل ما اعتادت فرنسا الاستعمارية إدارة علاقاتها مع جمهوريات غرب ووسط أفريقيا.

ويتجلى بؤس ماكرون وفريقه، في الخطوة التي تلت محاولة فرض المساعدة الفرنسية على المغرب، وتحديدا، عندما حاولت وزيرته في الخارجية التخفيف من وطأة رفض المغرب لليد الفرنسية الممدودة، بالإصرار مجددا على أن العلاقة ودية بين البلدين وزعيميهما، وأن هناك ترتيبات للقيام بزيارة الدولة التي يتجدد الحديث عنها دوريا دون أن يستطيع ماكرون القيام بها للمغرب. محاولة مكشوفة، سرعان ما تلقت إجابة حاسمة من مصدر دبلوماسي مغربي كذّب جملة وتفصيلا كل حديث وزيرة خارجية ماكرون عن زيارة محتملة للمغرب.

ما لا تدركه فرنسا، وتيار الرئيس ماكرون تحديدا، أن النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية قد انتهى، وأن المكابرة في رفض التعامل مع هذا الواقع، لن تسهم في إطالة عمره سوى لأسابيع أو أشهر قليلة.

وفي هذا السياق فقط، يمكن قراءة العلاقة المغربية الفرنسية، فطالما ترفض الأخيرة الاعتراف بالمعادلة الجديدة التي وضعها المغرب لعلاقاته الدولية، والتي حددها العاهل المغربي الملك محمد السادس بالموقف من مغربية الصحراء، فلن تشهد علاقات البلدين أدنى تحسن، ولن تستطيع فرنسا ماكرون، ولا من يليه، استرجاع شبر من علاقتها السابقة بالمغرب، دون تسليم صريح، لا يقبل التأويل، بمغربية الصحراء، شريطة أن لا يقترن ذلك بأي ثمن مقابل، يمكن أن تطلبه فرنسا من المغرب.

وعليه، وفي ظل هذه المعادلة، كان يمكن لأي طالب في المرحلة الثانوية أن يتوقع الرفض المغربي للمساعدة الفرنسية الجزائرية، إذ أنه في حال قبولها سيكون قد خرق معادلته الجديدة التي تربط العلاقات الخارجية للمغرب بالموقف من مغربية صحرائه.

نفس الأمر ينطبق على جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، الذين حرضوا الأقلام المرتبطة بهم على الترويج لخرافة أن المغرب قد أضاع فرصة تحسين العلاقة مع الجزائر، بناء على مفاهيم “دبلوماسية الأزمات والكوارث”، في تكرار للغط الفارغ الذي أثير في أعقاب اعتذار الملك محمد السادس عن حضور القمة العربية في الجزائر.

سذاجة هذه الطرح تتجلى في الحجج التي يسوقها الإعلام الجزائري -والعربي المأجور الدائر في فلك جنرالات الجزائر- من كون حديث جانبي بين الرئيس تبون والملك محمد السادس في قاعة التشريفات، كما قيل سابقا، أو ان حمولة طائرتي مواد إغاثية، جمع المواطنون المغاربة أضعافها في ساعات، كما أثير حاليا، كفيلة بإنهاء عداء نظام عسكري جزائري متأصل على مدى سنوات ما بعد الاستقلال الصوري لهذا البلد عن فرنسا!! لقد كان أولى لإثبات حسن النيات الجزائرية، تراجع هذا النظام عن قطع أواصر التواصل بين الشعبين الشقيقين، وبين باقي شعوب المغرب الكبير، باتخاذ خطوات للتراجع عن إغلاق الحدود، كأحد الردود على هذه الكارثة، أو أن تحدث السلطات الجزائرية تعديلا طفيفا في خطابها السياسي وهي تستقبل مبعوث الأمين العام ستيفان دي مستورا، بأن تكتفي بتشجيع الحل الدبلوماسي التوافقي، دون إرفاقه بجملتها “العدائية” المعتادة، حول “استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي” الافتراضي!! مواقف لا توجد لدى أي مراقب نزيه، أي أوهام حول إمكانية تحققها في ظل نظام جنرالات فرنسا الحاكم في الجزائر، في انتظار نجاح هذا الشعب العظيم من امتلاك مصيره وتطهير سلطته من هذه الزمرة الفاسدة.

ختاما، ومع استبعاد توقع اعتراف ماكرون وجناحه “بالهزيمة التاريخية” للاستعمار الفرنسي في أفريقيا، في ظل طغيان خطاب اليمين المتطرف، فلن يكون ممكنا تصور رؤية تحسن ملموس في العلاقات مع المغرب، وستستمر المغرب في تحصين وحدتها الترابية بمعزل عن فرنسا، مستفيدة من الزخم المتزايد للإقرار الدولي بمغربية الصحراء، واعتبار مبادرة الحكم الذاتي، الحل العملي الوحيد القابل للتطبيق والحياة.

وبموازاة مع ذلك، سيستمر المغرب في لعب دوره القيادي في محيطه الأفريقي، وتقديم النموذج الملهم للدول الأفريقية لسبل التخلص الحقيقي من مستعمريها، بالاعتماد على القوى الذاتية للقارة، والتعاون الحقيقي بين بلدانها ومجتمعاتها، وهو ما سيسرع في المحصلة، من عملية تخليص القارة من هيمنة ونفوذ فرنسا تحديدا، الأمر الذي سيقود إلى تقزيم حجمها الدولي، وإخراجها من عداد الدول الكبرى، أسرع مما يخشى ماكرون وتياره.

اقرأ أيضا

مسؤول فرنسي: باريس والرباط تحرزان تقدما في تنفيذ خارطة الطريق المشتركة الطموحة

أكد نائب المتحدث باسم وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، اليوم الخميس، أن فرنسا والمغرب تحرزان تقدما في تنفيذ خارطة الطريق المشتركة الطموحة.

لتعزيز التعاون الاقتصادي.. مزور يجتمع بوزير التجارة الفرنسي

شكل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وفرنسا محور مباحثات جرت، اليوم الخميس بالرباط، بين …

عبد المجيد تبون

النظام الجزائري يؤكد انتهاء صلاحيته ويعلن إفلاسه رسميا!!

لطالما اتخذت العرب موقفا سلبيا من عملية "تجريب المجرّب"، واعتبروها عبثا يدل على إفلاس صاحبه، بل "جنونا" ودليلا على وجود خلل في عقل من يقوم بالأمر، إذا اقترن هذا التجريب ليس فقط بمحاولة إعادة التجربة، بل باستخدام نفس الأدوات والفاعلين، مع انتظار الحصول على نتيجة جديدة لهذه التجارب القديمة المستهلكة. والنظام الجزائري، المنكوب بجنرالات فرنسا، كان وما زال، أحد "أساتذة" إعادة تجاربه الموروثة من عالم الحرب الباردة، مع علمه أن الفشل الذي عاشته تجاربه السابقة، سيكون مصير التجارب الجديدة- القديمة.