انسحاب الجزائر من تنظيم الكان.. النهاية الطبيعية للإعلام الدعائي

بقلم: هيثم شلبي

قبل الإعلان عن البلدين الفائزين بشرف تنظيم كأس أفريقيا للأمم لكرة القدم لعامي 2025 و 2027 بيوم واحد، جاء إعلان الرئيس الجديد للاتحاد الجزائري للكرة وليد صادي، عن انسحاب بلاده من سباق احتضان الحدثين، صادما لقطاعات واسعة من الرأي العام الجزائري، لاسيما ذلك الذي عاش “نشوة” الترويج “لخرافة” تفوق الملف الجزائري على نظيره المغربي؛ بينما وجد فيه القطاع الأكثر واقعية، النتيجة المنطقية للملف الجزائري الضعيف، في مواجهة أربعة منافسين يفوقونه قوة، وليس مجرد المغرب في 2025 والسنغال في 2027، وبطريقة تجنب الجزائر خسارة “مذلة” يصعب ترويجها وابتلاعها، لاسيما بعد عشرات النكسات الرياضية خلال العامين الماضيين. لكن، هل حفظ هذا الانسحاب، ماء وجه السلطات الرياضية والسياسية؟!.

بداية، من الغريب أن يتحدث أحدنا عن “ماء وجه السلطات السياسية” في شأن رياضي، لكن في حالة الجزائر، التي تشكل “استثناء عربيا وقاريا وعالميا”، يصبح التساؤل أكثر من مشروع، بعد أن اعتاد جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، إدخال أنوفهم في مختلف الشؤون الرياضية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاكتفاء بالشأن السياسي، ربما لقناعتهم باستحالة تسجيل أي انتصار يذكر على هذا الصعيد الأخير. الغريب، أن ملامح إخفاق تدخل الجنرالات في الرياضة كانت واضحة منذ البداية، وما رافق فضيحة الاستنجاد بحفيد مانديلا الصغير في افتتاح الكان المحلي! لكن، ولأن فهم الجنرالات عادة بطيء -فما بالنا إذا كانوا في أواخر السبعينات من أعمارهم- لم يحسنوا قراءة الواقع، ولم يستمعوا إلى صوت العقل الذي يقول، بأن مؤهلات الجزائر الرياضية، لا تزال بعيدة عن السماح لهم بالمنافسة قاريا، حتى لو رأى زفيزف ودراجي عكس ذلك؛ ولو كانوا يفقهون شيئا في الشأن الرياضي، كما السياسي، لأحسنوا قراءة مشهد الهزيمة المذلة لمرشح الجزائر لعضوية اللجنة التنفيذية للكاف أمام نظيره الليبي، ولعرفوا أنهم حتى لو صرفوا مداخيل النفط كاملة على شراء ملاعب وتجهيزات، فلن يستطيعوا “شراء” أغلبية داخل هذه اللجنة التنفيذية، تستطيع أن تمنحهم شرف تنظيم أحد كأسي أفريقيا القادمين.

وعلى هذا المنوال، نجد تدخل جنرالات العسكر والسياسة يفسد جهود جنرالات الاقتصاد والثقافة والرياضة وباقي أنشطة المجتمع، على الرغم من إصرار جنرالات الإعلام العاملين في خدمتهم، على قلب الحقائق وإنكار هذا الواقع، مع علمهم أن هذا النموذج البائس للإعلام الدعائي، سريع الفشل، وذاكرة الناس القوية لا تنفع معها مختلف الأكاذيب، لأن حبلها قصير كما اعتدنا على القول. لكن هذا الإعلام الذي لا يملك بديلا لهذه المهمة القذرة، يشي لسان حاله بفهم خاطئ لبيت شعر المتنبي، شاعر العربية العظيم، لاسيما في شطره الثاني، عندما قال:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد القول إن لم يسعد الحال

وهكذا، وفي مواجهة واقع بائس على مختلف الأصعدة، تفتقد فيه الجزائر، بسبب جنرالاتها الذين ابتليت بهم لكل شيء تقريبا، يؤثر الإعلام الدعائي، صنيعة الجنرال توفيق، في إسعاد الجزائريين بالقول، حيث لا مجال لإسعادهم بتحسن الأحوال.

ولعل من مظاهر الجهل، الراسخ أو المصطنع، المنطق الذي يروج به الإعلام لسقطاته ومظاهر فشله المستعصية على الستر. فتارة يلجأ إلى نظرية المؤامرة التي تنسب حتى الكوارث الطبيعية “للكولسة المغربية”، وتارة أخرى تختلق روايات لا تخرج عن نفس الإطار، رغبة في تبرئة سلطات العسكر وتابعيها من أي مسؤولية عن أي فشل. وهكذا، فبالنسبة لفشلها في تنظيم كأس أفريقيا لكرة القدم، تكتفي وسائل الإعلام الجزائرية، بالترويج لكولسة المغرب وخطورة رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع، وبالتالي تختصر الرد المطلوب، بالحاجة إلى رجل من نفس الطينة والمؤهلات، ليعيد الجزائر دولة عظمى في الكاف، على غرار محمد روراوة، متناسية أو متجاهلة أنه خرج من تنفيذية الكاف بهزيمة أشنع وأقسى من هزيمة زفيزف أمام الشلماني!! هذه العقلية “الاختزالية”، لا تفهم الميكانيزمات المعقدة جدا للانتصار، وأنه محصلة جهود متداخلة لمنظومة كاملة ومتشعبة من المتدخلين!! إن اختصار متطلبات الانتصار في بناء ستة ملاعب، يمنع بعد كل بطولة استخدامها “حتى لا يتأثر عشبها الطبيعي”، ناهيك عن كونه مفهوما متخلفا للبنية الرياضية، فإنه لا يجيب على أسئلة المتطلبات العصرية للنظام البنكي، أنظمة الاتصالات، البنية التحتية المتنوعة للإقامة السياحية، والسلوك الرياضي للجماهير، وغيرها الكثير، وهي كلها عناصر تعيش الجزائر ضعفا مزريا فيها، بسبب غيابها عن إدراك ووعي مسؤوليها، ولن يفيد إنكارها وتجاهلها، ومحاولة التغطية عليها، سوى في تفاقمها وجعل مهمة إصلاحها صعبة إن لم يكن مستعصية.

وكما في الحياة السياسية التي أفسدها جنرالات فرنسا منذ حصول البلاد على استقلالها الصوري، فإن تدخلهم في باقي الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والرياضية قاد إلى إفساد مماثل، ولن يكون هناك أي أمل في أي تحسن سوى بانسحابهم من هذه المجالات، وانكفائهم إلى ثكناتهم لممارسة مهمتهم الرئيسية والوحيدة وهي حماية الحدود، هذا إن كانوا لا يزالون يحسنون إدارتها والقيام بها أصلا، لاسيما مع الإخفاقات المسجلة في الصحراء جنوب الجزائر، أمام متمردي الطوارق وغيرهم من الميليشيات.

ختاما، على الإعلام الجزائري أن يصارح مواطنيه بأن أمل بلادهم في تنظيم كأس أفريقيا لكرة القدم لم يتبخر فقط لعامي 2025 (أمام المغرب) و 2027 (أمام السنغال)، بل وللدورات الثلاث المقبلة، أمام الملف المشترك لنيجيريا والبنين، والملف المشترك لكينيا وتنزانيا وأوغندا، والملف المصري الذي سحب بدوره بعد أن أدرك مصير الكأسين المقبلتين؛ أي أن على ملاعب الجزائر وجماهيرها أن تنتظر حتى عام 2035 للتنافس مع الملفات المقدمة ساعتها، والتي ربما شهدت وجود منافسين جدد قاموا بالعمل الجبار المطلوب، ولم يكتفوا بالترويج لانتصارات وهمية، سرعان ما تتبخر وينكشف سرابها!

اقرأ أيضا

ما الذي يجعل خريطة المغرب “قضية وطنية” جزائرية؟!!

بقلم: هيثم شلبي مرة أخرى، يتجدد “سعار” الأجهزة الرسمية والإعلامية تجاه الخريطة الكاملة للملكة المغربية، …

عبد المجيد تبون

أوجه الشبه بين “انتصار قميص بركان” و “كيان تبون المغاربي البديل”!!

ربما كان المتنبي هو أول من أبدع لفظ "ضحك كالبكاء" في هجائيته المشهورة لحاكم مصر المملوكي كافور الإخشيدي، حيث لم يجد مصطلحا أفضل لوصف حالة مصر في عهده، وكم فيها من المضحكات!! وعلى غراره يمكننا نحت مصطلحات مشابهة من قبيل "نصر كالهزيمة"، لوصف "انتصارات" النظام الجزائري، "وفتوحات" دبلوماسيته العريقة!! وهي غالبا هزائم، لا يجد إعلام النظام الدعائي أدنى غضاضة في إعادة تعريفها واعتبارها انتصارات مبهرة.

عبد المجيد تبون

النظام الجزائري يؤكد انتهاء صلاحيته ويعلن إفلاسه رسميا!!

لطالما اتخذت العرب موقفا سلبيا من عملية "تجريب المجرّب"، واعتبروها عبثا يدل على إفلاس صاحبه، بل "جنونا" ودليلا على وجود خلل في عقل من يقوم بالأمر، إذا اقترن هذا التجريب ليس فقط بمحاولة إعادة التجربة، بل باستخدام نفس الأدوات والفاعلين، مع انتظار الحصول على نتيجة جديدة لهذه التجارب القديمة المستهلكة. والنظام الجزائري، المنكوب بجنرالات فرنسا، كان وما زال، أحد "أساتذة" إعادة تجاربه الموروثة من عالم الحرب الباردة، مع علمه أن الفشل الذي عاشته تجاربه السابقة، سيكون مصير التجارب الجديدة- القديمة.