خطاب تبون في الأمم المتحدة.. الكذب على نطاق عالمي!!

بقلم: هيثم شلبي

بعد أن كان نطاق كذب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون محصورا في حدود الشعب الجزائري، وجواره العربي والأفريقي، وجد الرئيس تبون الفرصة سانحة للارتقاء بمستوى “إشعاع” قدراته المشهودة في التلاعب بالأرقام والحقائق، وذلك عندما اعتلى منبر الخطابة في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة في نيويورك، مختارا إطلاق وتعميم ما يحلو له من أحكام على ما يشاء من قضايا، وتجاهل ما لا يود مواجهته من حقائق أو مواقف دولية وقع فيها إجماع أو توافق على أقل تقدير.

ولأننا اعتدنا على قدرة الرئيس تبون في التدليس وقلب الحقائق في كل جملة ينطق بها، فسنكتفي هنا بالأكاذيب “الأممية” التي استعرضها على مرأى ومسمع الوفود الدولية الحاضرة؛

بدأ تبون خطابه بتدبيج عبارات إنشائية لا تجد لها مكانا في الممارسات الدولية، لا على المستوى الجماعي أو على المستوى الثنائي، بل ولا على مستوى الممارسة السياسية الجزائرية نفسها، من قبيل “أهمية الحوار والنقاش” في عالم قائم على “التعايش والتعاون والتضامن”، حيث يعلم الجميع ما صنعته الجزائر من تقطيع أواصر التواصل بين شعوب منطقة المغرب الكبير برمتها، عطلت تجارتها البينية، ومنعت جميع أشكال التعاون بين دولها ومجتمعاتها، بناء على أسباب “كاذبة” ومزيفة، يحاول جنرالات الجزائر من خلالها، إخفاء الأسباب الحقيقية لهذا السلوك المدان من قبل شعوب هذه المنطقة، والتي تتلخص في أنهم ينفذون أساسا ما يعطى إليهم من أوامر من قبل السيد الفرنسي، والتي تتقاطع مع أسبابهم الشخصية المبنية على إحكام السيطرة على الدولة والمجتمع الجزائريين.

ولم يكن تبون ليفوت هذه الفرصة لتكرار “النفخ” في شغل الجزائر لمقعد غير دائم في مجلس الأمن، بالتعمية على كونه إجراء روتينيا، تتداول فيه دول العالم المقاعد العشرة غير الدائمة بناء على ترشيحات المنظمات القارية، دون منافسات أو تصويت حقيقي.

وعليه، فشكر تبون للدول ال 184 التي “وضعت ثقتها في الجزائر” لشغل هذا المقعد، مجرد تعمية مقصودة، حيث أننا نعرف مسبقا، منذ الآن، لمن ستصوت هذه الدول بعد ثلاثين سنة من الآن.

ثاني أشهر الأكاذيب، أو لنقل محاولات التدليس، تتعلق بجملة الرئيس تبون: “إن الجزائر تعي جيدا ثمن انتزاع الحرية”، والتي يسوقها النظام الجزائري دائما، في إطار تبريره لهجومه المستمر على الوحدة الترابية المغربية، حيث أن الأمانة تقتضي إكمال هذه الجملة بما سيغير معناها ويهدمها.

فكيف يستقيم لذاكرة النظام الجزائري أن تختزن ثمن انتزاع الحرية، وتغفل وتتجاهل دائما القوى التي ساعدت على تمكين الشعب الجزائري من هذه الحرية؟! وكيف “يعاقب” جنرالات فرنسا جيرانهم في المغرب وتونس وليبيا على مساعداتهم للثورة الجزائرية واحتضانهم للثوار، إن لم يكونوا فعلا ينفذون ما توجههم إليه أحقاد السيد الفرنسي، انتقاما من نضالات شعوب وحكومات المغرب الكبير!! وعليه، فعندما يثار حديث التحرر والحرية، فالسلوك الطبيعي الوحيد لجنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، هو التواري خزياً وعاراً عن أنظار الناس، بسبب انتقامهم الخسيس من كل من ساعد الثورة الجزائرية على المستعمر الفرنسي.، وليس التبجح بأنهم ينتمون إلى هذه القيم، ويؤيدون من يسعون إلى التحرر.

يقودنا ذلك إلى الكذبة الأشهر والأكثر جرما لجنرالات الجزائر، والتي تعكس ثقافة سادتهم الفرنسيين، ونقصد حديثهم عن “شعب صحراوي” يعاني من “الاستعمار”!! فأي طالب في الابتدائي يعرف أن جميع سكان الصحراء الكبرى الممتدة من جنوب المغرب وحتى شرق النيجر، كانوا مرتبطين بروابط “البيعة” مع ملوك وسلاطين المغرب في امبراطورياتها المختلفة؛ بيعة تعتبر الشكل الوحيد للسيادة الذي عرفه العرب والمسلمون.

لكن جنرالات فرنسا لا يقيمون وزنا لثقافة البيعة، ويرحبون بدلا من ذلك “بهدايا الاستعمار المسمومة”، المتمثلة في الأراضي المقتطعة من المغرب وتونس وليبيا التي ألحقت بالجزائر الفرنسية؛ وهم وليس المغرب، كما قال تبون كاذبا في نفس الخطاب، من يتمسكون باصطناع “شرعية من لا شرعية”، ويتيحون لأنفسهم تكريس خيرات الشعب الجزائري خدمة لتفتيت أراضي جيرانهم.

وامتدادا لنفس الأمر، يطالب الرئيس تبون الأمم المتحدة بتنفيذ قراراتها، وفي نفس الوقت يطالب بتطبيق “الاستفتاء”، متجاهلا حقيقة أن خيار الاستفتاء في الصحراء قد تم حذفه من أدبيات الأمم المتحدة، ولم يرد ذكره مرة واحدة في أي قرار لمجلس الأمن منذ تقديم مبادرة الحكم الذاتي عام 2007! وتتناسل عن هذا التناقض المريع، جملة من الأكاذيب التي لا يفلت النظام الجزائري فرصة دون تكرارها، من قبيل أن “شعب الصحراء محروم من تقرير مصيره”! في تجاهل تام لحقيقة مشاركة الصحراويين المغاربة في جميع الاستشارات الانتخابية، وتحكم منتخبيهم بمواردهم، تحصيلا وصرفا، في تناغم تام مع سلطات بلادهم المركزية.

أما المعاناة الحقيقية فهي تقتصر على محتجزي مخيمات تندوف لدى عصابة الجنرالات وخدمهم مرتزقة البوليساريو، والذين لا تعلم هيئة أممية واحدة العدد الحقيقي -ولو التقريبي- لهؤلاء المحتجزين. فعن أي تقرير مصير يتحدث تبون، هل للصحراويين “الأسياد” في وطنهم المغرب، أم الصحراويين “المستعبدين” في مخيمات العار الجزائرية!! كما يدرك أكثر من أي شخص آخر، أن خيار “الاستفتاء” مستبعد أمميا، بعد أن توافق على استحالة تطبيقه ثلاثة أمناء عامين للأمم المتحدة، بدءا بكوفي عنان، حتى الآن، وكذا الممثلين الشخصيين لهؤلاء الأمناء العامين، بعد جهود استمرت لسنوات، لعملية تحديد الهوية “المستحيلة” بشروط البوليساريو والجزائر نفسها.

وعليه، فإن استمرار الجزائر وبضعة دول أفريقية في تكرار المطالبة بهذا الاستفتاء لن يمنحه فرصة للحياة. ومع ذلك، وبسبب العجز عن مواجهة الواقع أو إيجاد بدائل -وليس موقفا مبدئيا كما يشيعون كذبا- يستمرون في تكرار هذه الأسطوانة التي تفتقر لأدنى حد من الجدوى أو المصداقية.

ولأن استمراء الأكاذيب يغري بالاستزادة، حرص الرئيس تبون على الترويج لكذبة “الخبرة الدولية الجزائرية في مكافحة الإرهاب” مع أن العالم أجمع، وليس فقط جوارها الأفريقي، يعلم يقينا أن عماد هذه “التجربة” المشهودة، مبني على مكافحة “مزعومة” لقوات الأمن الجزائرية، لجماعات إرهابية قامت نفس القوى الأمنية بتأسيسها وتوجيه ضرباتها ضد مواطنيها!! .

وعليه، فالخبرة الوحيدة المشهود بها لجنرالات الجزائر، وهو ما كان تبون شاهدا عليه من موقعه الوزاري ساعتها، هي الخبرة في تأسيس وتغذية الجماعات الإرهابية، وتسهيل تنقلها وعملها في الصحراء الكبرى، ووضعها في خدمة السادة الفرنسيين، سلاحا مسلطا على رقاب الأفارقة الذين يفكرون في الانعتاق من نير الاستعمار الفرنسي. ومن هنا، فلا مصداقية لأي حديث لاحق حول “إسهامات الجزائر في مكافحة الإرهاب، وتدعيم جهود الوساطة الدولية”.

أخيرا، وبتجاوز أكاذيب الرئيس تبون حول الجهود المحلية “للتنمية المستدامة”، وتحقيق المناصفة بين الذكور والإناث في سوق العمل، وتدعيم مساهمة الشباب في الحياة الاقتصادية والسياسية للجزائر، وهي طروحات يكذبها الواقع الذي يعيشه الجزائريون عموما، في ظل طوابير المواد الغذائية التي لا تنتهي، والانقطاع المتكرر لخدمات الماء والكهرباء، وأرقام البطالة العالية، وقوارب الموت التي تحمل آلاف الجزائريين إلى ضفة الحلم الأوروبي، وشيخوخة المسؤولين في جميع مفاصل الدولة، وأولهم الرئيس تبون نفسه الذي يشرف على الثمانين؛.

نقول، وبتجاوز هذه الأكاذيب المفضوحة، نصل إلى ما اختار الرئيس تبون أن يختم به حديثه من على هذا المنبر الدولي، عندما لم يرف له جفن وهو يروّج “بشكل وقح” لسجلّ بلاده في حقوق الإنسان، مكررا أسطوانة أن الجزائر حظيت بثقة دول العالم لعضوية مجلس حقوق الإنسان الأممي، متجاهلا أن كل من يستمعون له، قد سمعوا على الأقل بآلاف معتقلي الرأي الذين تعج بهم سجونه، لمجرد أنهم مارسوا ما اعتقدوه حقا مصونا للتعبير عن الرأي، ليجدوا أنفسهم بجوار معتقلي الحراك الذين أخطأوا بدورهم، لإيمانخم بحقهم في التظاهر والتعبير عن رفضهم لواقعهم المعيشي والسياسي والحقوقي المزري. إن بلدا يمنع جميع الهيئات الدولية العاملة في المجال الحقوقي من زيارته، يحتاج إلى مسؤولين بمثل وقاحة الرئيس تبون، للحديث عن احترامهم للحدود الدنيا لأي من حقوق مواطنيهم المتعارف عليها دوليا.

ولأن هناك نسخة واحدة من الرئيس تبون، فقد كان اعتلاؤه منبر الأمم المتحدة، فرصة نادرة لإعطاء نموذج من “الدعاية الكاذبة” التي لا تتورع عن ممارسة مختلف أنواع الأكاذيب، دون طيف من خجل أو حشمة!!

اقرأ أيضا

جنرالات الجزائر يضيقون ذرعا حتى بمسانديهم من الأحزاب!

بقلم: هيثم شلبي من كلاسيكيات العلوم السياسية المعروفة، أن أحد أهم مظاهر “شيخوخة” أي نظام …

انسحاب الجزائر من تنظيم الكان.. النهاية الطبيعية للإعلام الدعائي

بقلم: هيثم شلبي قبل الإعلان عن البلدين الفائزين بشرف تنظيم كأس أفريقيا للأمم لكرة القدم …

لماذا انتقلت فرنسا من “عرض” مساعدتها على المغرب، إلى محاولة “فرض” هذه المساعدة؟!

بقلم: هيثم شلبي على الرغم من مرور قرابة أسبوعين على كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة …