بقلم هيثم شلبي
لا حديث لوسائل إعلام النظام الجزائري هذه الأيام، سوى عن احتضان بلادهم للدورة الرابعة من معرض التجارة البينية الأفريقية، من 4-10 سبتمبر. حدث تم رفعه إلى مستوى أهمية يتجاوز بكثير مستوى ما يحيط بالاجتماع السنوي للأمم المتحدة على مستوى رؤساء الدول، ملصقين به شتى الأوصاف التي تجعله دليلا على أهمية “الجزائر الجديدة” ومكانة “القوة الضاربة”. بل إن الأمر وصل من العبث حدا تم فيه تعطيل جلسة افتتاح الدورة العادية للبرلمان، بحجة إتاحة الفرصة للدولة لإنجاح تنظيم المعرض، وهو ما أثار ولا يزال، ردود فعل غاضبة من بعض النواب، لاسيما المنتمين إلى “حركة مجتمع السلم”، إذ كيف يمكن لمعرض سيفتتح في الرابع من سبتمبر أن يمنع عقد جلسة -بروتوكولية- يوم 2 سبتمبر؟؟! يحدث هذا فقط في بلاد الجنرالات!
بالعودة إلى المعرض، فقد سبق تنظيمه عامي 2018 و2023 في القاهرة بجمهورية مصر العربية، وعام 2021 في ديربان بجنوب أفريقيا، دون أن يترتب على عقده فائدة عظيمة تبرر كل هذه “الجعجعة” التي يحيطه بها الإعلام الدعائي للنظام الجزائري. لكن، ولو دققنا أكثر في الدعاية الجزائرية، فما هي أبرز الخلاصات التي يمكنها ترجيح، أو استبعاد، أن يترتب على هذه الجعجعة “إنتاج أي طحين” كما يقول المثل العربي المشهور؟
بداية، فالحديث عن 35 ألف زائر من 140 بلدا، لمشاهدة ما يعرضه 2000 عارض، لا تمنح المعرض أهمية استثنائية، إذ من المعلوم أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الزوار هم جزائريون، أما وجود ممثلين عن 140 بلدا فهي “كذبة باينة” لأن الجزائر لا تمتلك هذا الحجم من العلاقات الدبلوماسية، أو قنوات التواصل مع هذا العدد من البلدان، التي قد يكون أحد رجال أعمالها معنيا بمشاهدة ما يجري في معرض الجزائر!! أما رقم 2000 عارض، فمعلوم أنه يعني 2000 مشارك، دون أن يمتلك معظمهم أجنحة فعلية، كما هي عادة المعارض في الدنيا كلها، اللهم إلا إذا كانت الجزائر استثناء كونيا!!
وبالحديث حول ما يروج له من أخبار لتأكيد أهمية المعرض، بالحديث عن صفقات متوقعة بقيمة 44 مليار دولار، فهي أيضا قصة “تدليس” واضحة تحتاج بعض التوضيح: في المعرض الأول في القاهرة عام 2018، تم الإعلان عن صفقات بقيمة 32 مليار دولار، ارتفعت إلى 42 مليارا في ديربان بجنوب أفريقيا عام 2021 (سنة كورونا!!!) ورقم مشابه في دورة القاهرة 2023؛ فهل تم فعليا تنفيذ مشاريع بهذه الـ100 مليار في المعارض الثلاثة؟ الإجابة القاطعة هي: لا! فمعظم هذه الأرقام هي للاستهلاك المحلي، وكدعاية للأنظمة التي تنظم بلادها أي حدث، للقول بأنها مكان عالمي لتوقيع الصفقات المليارية، بينما الحقيقة هي أن كثيرا من الصفقات الحكومية المتفق عليها سابقا يتم توقيعها على هامش المعرض، حتى تظهر أرقامها من ضمن منجزاته. أما القسم الأكبر من المبالغ المذكورة، بما فيها 44 مليارا لمعرض الجزائر، ما هي إلى مذكرات تفاهم، وإعلانات نوايا، وغيرها من الصيغ التي تعبر عن رغبات أكثر مما تمثل من مشاريع واقعية، وينتهي الأمر بتجاهل معظمها، وعدم تحول حتى 10% منها إلى مشاريع حقيقية!
دعاية أخرى انخرط فيها الإعلام الجزائري، وذلك العربي المرتبط بالنظام الجزائري، من أجل تبرير احتضان الجزائر للحدث، كدليل على أهميتها القارية، عبر الإشارة إلى ما تسميه “عدة مشاريع هيكلية كبرى تبنتها البلاد”، أبرزها “مشروع الطريق العابر للصحراء بطول 10 آلاف كلم الرابط بين الجزائر ولاجوس، والطريق الرابط بين تندوف والزويرات بموريتانيا، إضافة إلى أنبوب الغاز العابر للصحراء الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر النيجر والجزائر، ومشاريع الربط الطاقوي والكهربائي مع بلدان غرب إفريقيا. كما استثمرت الجزائر في مشروع الوصلة المحورية للألياف البصرية بالصحراء لتعزيز الاتصال والتنمية الرقمية، وهي مشاريع تسعى لتجسيد التعاون القاري على أرض الواقع”. ولنعلق على هذه المشاريع واحدا واحدا بشكل مقتضب.
فالطريق العابر للصحراء، المعروف أيضًا “بالطريق السريع العابر للصحراء” أو “طريق الوحدة الأفريقية”، هو في حقيقته ليس طريقا سريعا ولا يحزنون، فمجمل ما أنجز منه كطريق سريع لا يتجاوز 600 كيلومتر من أصل 2400 كيلومتر جهزتها الجزائر (400 كيلومتر بين البليدة والجلفة، وقرابة 100 كيلومتر في كل من ولايتي غرداية والأغواط) أما الـ1800 كيلومتر المتبقية فلا تعدو كونها طرقا معبدة تسير فيها العربات في الاتجاهين. أما الـ7600 كيلومتر الأخرى المارة من الدول الأفريقية المعنية، ففي معظمها هي طرق معبدة بشكل سيء ومهترئ، مع بقاء قرابة 1000 كيلومتر منها بدون تعبيد؛ فعن أي طريق سريع للوحدة يتحدثون؟ الفضيحة الأكبر تخص الطريق الرابط بين تندوف والزويرات، حيث تركز الدعاية الجزائرية على اكتمال الشق الجزائري من الطريق، الذي سيقفز بالصادرات الجزائرية إلى موريتانيا وغرب أفريقيا؛ لكن ما هو حجم الإنجاز الكلي؟ ومتى سننتهي من الطريق، ليكتمل فتح الأسواق الأفريقية أمام الصادرات الجزائرية التي لا نعلم ما هي حتى اللحظة؟ الشطر الجزائري الذي أنجز هو المقطع الذي يصل بين تندوف والحدود الموريتانية، وطوله 80 كيلومتر، أما الـ900 كيلومتر المتبقية، والتي تمثل طول الطريق المطلوب إنجازه بين نقطة الحدود الجزائرية الموريتانية ومدينة الزويرات، فلم تبدأ الأعمال التمهيدية فيه بعد!! بمعنى أنه خلال أزيد من عام، لم تتجاوز نسبة الإنجاز في هذا الطريق 8%، فما هو مبرر الاحتفال إذا؟؟!!
نفس الأمر يهم خط أنبوب الغاز النيجيري- الجزائري، إذ لا زال إعلام النظام مصرا على أن المشروع قيد التنفيذ، في الوقت الذي يعلم القاصي والداني أنه لم يبدأ حتى، بسبب ما يحيط به من عقبات تحول دون تنفيذه، خارج الدعاية الجزائرية. نفس الأمر ينطبق تماما على الربط الكهربائي بين الجزائر وجوارها الأفريقي، المنعدم حاليا، والذي يصعب تصور رؤيته للنور في المدى المنظور؛ وهو ما ينطبق على خط الألياف البصرية الذي توقف عند حدود موريتانيا والنيجر.
وهنا نتساءل، إذا كان حجم التجارة البينية الأفريقية كان في عام 2018 في حدود 15%، ولم يتجاوز نفس النسبة في عام 2024، أي بعد ثلاث نسخ من المعرض مثار الضجة، فما الذي يجعلنا نعتقد بأن الدورة الجزائرية من المعرض ستحقق أي اختراق وتغير هذا الواقع؟!
ونختم بالحديث عن انخراط الاقتصاد الجزائري في الاقتصاد الأفريقي، وهنا نتحدث عن الواقع الحقيقي من خلال إحصائيات 2023، وليس الافتراضي من خطابات الرئيس عبد المجيد تبون. مجموع الصادرات الجزائرية إلى القارة الأفريقية يبلغ 2.6 مليار دولار (من أصل صادرات إجمالية تبلغ 52.4 مليارا)، يذهب 1.8 مليارا منها إلى تونس فقط، بمعنى أنها بالمجمل تمثل أقل من 5% من صادراتها، وفي الحقيقة -إذا ما استثنينا تونس- فصادرات الجزائر الأفريقية لا تتعدى 800 مليون دولار، أو ما يمثل 1.5% من مجموع صادراتها!! أما وارداتها الأفريقية فلا تتجاوز 1.8 مليار دولار، منها قرابة 1.6 مليارا تأتي من مصر وتونس وموريتانيا. بعبارة أخرى، فواردات الجزائر الأفريقية لا تتجاوز 0.5% من مجمل وارداتها البالغة حوالي 40 مليار دولار!! فهل في هذه الأرقام ما يبرر الحديث عن كون الجزائر تمثل “جسرا” تجاريا بين قارة أفريقيا والعالم؟!
كخلاصة، وكما هي عادته دائما، يجتهد الإعلام الدعائي الجزائري في الترويج لواقع موهوم، علّ المواطنين الجزائريين يصدقون ولو جزءا يسيرا من أرقام النظام، ويتجاهلون ما يلمسونه بأيديهم من تقهقر مكانة بلادهم اقتصاديا وسياسيا، إقليميا وقاريا ودوليا؛ وما هذه المعارض والمؤتمرات إلا هدرا وفسادا ماليا، وجعجعة فارغة دون طحين حقيقي!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير