التغيير الحكومي في الجزائر.. هل المشكلة في عدم تنفيذ برنامج الرئيس أم في غياب البرنامج أصلا؟!

بقلم: هيثم شلبي

مع استلام الوزير الأول سيفي غريب مهامه كرابع من شغلوا المنصب في عهد الرئيس تبون (6 سنوات)، على رأس الحكومة الثامنة التي تشهدها “الجزائر الجديدة”، يعود الجزائريون لطرح “سؤال المليون دولار”: ما هو السر وراء تعدد الحكومات في عهد الرئيس عبد المجيد تبون؟! حيث أن السبب المعلن لم يعد مقنعا لأحد، والقائل بأن الرئيس تبون ما زال يبحث عن التركيبة الفريدة التي يمكنها تجسيد برنامجه على أرض الواقع! فلماذا لم يعد الجزائريون مقتنعون بهذا المبرر؟

بداية، فقد تعاقب على رئاسة الحكومة أربعة وزراء من خلفيات مختلفة، وبالتالي فمن غير المنطقي أن لا يكون أحد هذه “البروفايلات” مناسبا لتنفيذ رؤى الرئيس وبرامجه. نفس الأمر ينطبق على الحكومات الثمانية، إذ لو كان العيب في وزير محدد لهان الأمر وحلت المشكلة، لكن بعد أن تناوب على كل منصب ستة أشخاص على الأقل، فلا بد أن نستبعد فرضية أن يكونوا جميعا فاشلين في ترجمة أفكار الرئيس إلى واقع يعيشه الجزائريون. وأمام هذه الحقائق لا يبقى أمامنا إلا أحد احتمالين: إما أن برنامج الرئيس معقد وضخم وطموح بحيث يعجز هذا الجيش من التكنوقراط عن تنفيذه، أو ببساطة، أن المشكلة تكمن في غياب ما يمكن تسميته “برنامج” الرئيس عبد المجيد تبون، وأن كل ما يقال في هذا المجال عن وصف برنامج الرئيس ما هو إلا أفكار عشوائية لا ينظمها خيط رابط، ولا تسندها دراسات واقعية، ولا تعدو كونها “شعارات انتخابية”، لا يحسن الرئيس تبون التفريق بينها وبين البرامج الواقعية الحقيقية.

إن المشكلة الحقيقية للحكومات الجزائرية المتعاقبة، أنها لا تنطلق في علاجها للواقع الذي يعيشه الجزائريون من معطيات الواقع نفسه، وإنما من “فرضيات” افترضها الرئيس دون أساس علمي أو واقعي، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى. فالرئيس يفترض أن الناتج المحلي الخام للجزائر سيقفز من 160 مليار دولار، إلى 260 مليارا، دفعة واحدة خلال عام واحد، ثم 360 مليارا في العام الذي يليه، من أجل الوصول به إلى 400 مليار التي حددها مسبقا كهدف يجب تحقيقه قبل نهاية 2026. فماذا يستطيع أي وزير أن يفعل إذا كان الاقتصاد الجزائري ينمو بوتيرة لا تتجاوز 4% سنويا؟!! نفس الأمر ينطبق على الصادرات خارج قطاع المحروقات، حيث حدد الرئيس لنفسه هدفا بنقلها من 5 مليارات دولار إلى 30 مليار دولار قبل نهاية عهدته (خلال اربع سنوات)، دون أن يكلف نفسه أن يسأل: ماذا سنصدر خارج قطاع المحروقات أصلا؟! وهو ما يقود إلى الواقع الذي يقول بأن الجزائر، ومنذ استلام الرئيس تبون مهامه في بداية 2020، لم يستطع حتى نهاية 2024 من تجاوز حاجز ال 5 مليارات دولار!! هذا الواقع “العجائبي” هو الذي يدفع “بعض” الوزراء إلى إعلان فشلهم، وبالتالي استبدالهم، على اعتبار أنهم لم ينجحوا في ترجمة “أوهام” الرئيس إلى واقع، دون أن يملك أحد الجرأة للتشكيك في الأهداف الموضوعة، بدلا من انتقاد آلية تنفيذها.

وإذا زدنا على ما سبق، أن طبيعة الاقتصاد الجزائري، بل والنظام الحاكم نفسه لا يتيح مجالا لتحقيق أي من أوهام الرئيس، لكونه نظاما سياسيا واقتصاديا مغلقا، لا مجال للاجتهاد فيه خارج الحدود التي يضعها “العسكر” الممسكون بزمام الأمور في شتى الميادين. إن نظاما لا يتيح مجالا لحرية التفكير أو التعبير أو المبادرة، وتحتكر الدولة كامل المساحات التي يفترض أن يتكلف بها القطاع الخاص؛ ناهيك عن الاعتماد على “الدعاية” بدلا من العمل التراكمي المدروس، للحفاظ على “صورة” النظام على حساب الواقع المعيشي للجزائريين، يحكم مسبقا على مآل أي جهود إصلاحية بالفشل، حتى لو شكلت الحكومة الجزائرية من 30 شخصا حائزا على جائزة نوبل كل في مجاله.

يضاف إلى ما سبق، وربما بسببه، أن نظام اختيار المسؤولين يعتمد على معايير “الولاء” لا الكفاءة، لأن المطلوب هو نيل رضى الرئيس، وعدم إغضاب الجنرالات، بغض النظر عن مدى التغيير الإيجابي الحاصل في حياة الناس. هذا الأمر بدا صارخا وصادما في آن معا في حكومة سيفي الأخيرة. وهنا سنكتفي بمثال واحد يهم شخصين على تماس مباشر مع كارثة واد الحراش التي أودت بحياة 18 مواطنا جزائريا فقيرا. فعقب الحادث عجت مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات شديدة لوالي الجزائر العاصمة عبدالنور رابحي ووزير النقل سعيد سعيود، وأثير جدل كبير حول البنية التحتية للطرق والجسور في العاصمة، وما إذا كانت تتحمل الضغط المروري، ناهيك عن تقادم حظيرة الحافلات التي يعمل بعضها منذ أيام الرئيس هواري بومدين، فضلاً عن مدى جاهزية فرق الإنقاذ والاستجابة للكوارث، فماذا كانت النتيجة؟ ترقية رابحي إلى مرتبة وزير مع احتفاظه بمنصبه، وترقية سعيود بإضافة الداخلية والجماعات المحلية إلى وزارته (النقل)، أي أن الحادثة وبدل أن تتسبب في معاقبة المسؤولين المباشرين عن الكارثة، أسهمت في ترقيتهما!! فأي مثال أوضح من هذا؟!

إن احتفاظ تبون برجالاته المخلصين، كعرقاب وسعيود ورزيق ومراد وعطاف والزرد من بين آخرين، يرسل إلى الجزائريين رسائل واضحة، بأن لا أمل يرجى في تغيير واقعهم، حتى لو تم تغيير بعض الوجوه والمناصب، لأن المعضلة في نظام الحكم نفسه؛ وما يسمى برامج الحكومة؛ وأسس إدارة الشأن العام. ومع الغياب التام للأحزاب، رغم وجودها “الصوري” في البرلمان، فعهد تبون محكوم بالاستمرار في ترداد “خرافات” الرئيس، مع تشريع النهب المنظم والممنهج لميزانية الجزائر، كما سيحدث مع صفقة الـ10000 حافلة التي أمر تبون بشرائها خلال 6 أشهر، وترك أمر تنفيذ هذا المشروع لوزيره سعيود، أحد أبرز الأشخاص الذين تلاحقهم تهم الفساد في الجزائر!

كخلاصة، مهما غير الرئيس تبون من رؤساء حكومات ووزراء وولاة ومسؤولين، ستبقى أحوال الجزائريين على سوئها، وهو ما يدعم الأصوات المطالبة بتجديد الحراك الشعبي لكنس هذا النظام برمته، مدنيين وعسكريين. ساعتها فقط، يمكن للجزائريين أن يحلموا بتبدل أحوالهم إلى الأفضل، دون الحاجة إلى دعاية كاذبة او وعود خادعة!

اقرأ أيضا

بعد اتهام الجزائر بالخيانة.. عطاف يبرر التصويت على القرار الأمريكي بشأن غزة بمجلس الأمن!

بعد سيل من الانتقادات واتهام الجزائر بالخيانة من قبل الفصائل الفلسطينية، كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، اليوم الثلاثاء، عن الأسباب التي دفعت بلاده إلى التصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي المتعلق بقطاع غزة.

نظام الكابرانات يرضخ.. رئيس الاستخبارات الفرنسية يكشف رغبة الجزائر في استئناف الحوار

فضح رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، نيكولا ليرنر، وهم القوة الذي يدعيه النظام العسكري الجزائري؛ فبعد أزيد من سنة من قطيعة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، كشف المسؤول الفرنسي، اليوم الاثنين، عن تلقي باريس إشارات من الجزائر تفيد باستعدادها لاستئناف الحوار.

ماذا بعد اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797 حول الصحراء المغربية؟

بعد تصويت مجلس الأمن الأخير، والذي رسخ مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية أساسية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، من المرتقب أن تُواجه الجزائر ضغوطا دولية لقبول الوضع الجديد، إذ سيُضعف القرار موقفها الداعم لجبهة "البوليساريو" الانفصالية أمام المجتمع الدولي.