بقلم: معن البياري*
وحدهما جوزيف بلاتر وداعش يحضران على الصفحة الأولى في واحدةٍ من خمس جرائد جزائرية، بين حزمة من أخبار محلية، تجول عليها عابراً، وتلحظ فيها جرعة انتقادية عالية لمسؤولين في البلاد، وتقع على منسوب طيب من تعيين أوجه قصور في قطاعات مختلفة، أشارت إليها الجرائد بشيء من الاستقصائية المهنية. والبادي، فيما تقرأ، أن صحافة الجزائر المكتوبة تعرِف جمهورها، وتيسّر له خدمة إخبارية ونقدية مثيرة، حين تؤشر إلى مواضع خلل وفساد، وحين تهتم اهتماماً لافتاً بأخبار الجرائم وتجارة المخدرات وتوقيف مرتكبيها، وعندما تضيء على أنشطة احتجاجية ونقابية في ولايات مختلفة.
وإذ لا يسعف الوقت والمزاج زائراً إلى الجزائر، وللمرة الأولى، لكي يحيط بهذا كله، وبكثير مما هو شائق ربما، فإنه “ينقّب” عن مشاغل عربية ودولية في هذه الصحافة، ليتعرّف، ما أمكن، إلى النقاط الأسخن التي يراها القائمون على هذه الصحافة أدعى للمرور عليها، في أخبارٍ متفرقة، صغيرة على الأغلب، فيلفتك أن الجرائد، هنا، لا تكترث بشيء خارج الجزائر وقضايا مواطنيها، فبالكاد تقع على أخبار عربية ودولية، وإنْ يحضر جوزيف بلاتر مستقيلاً من رئاسة الفيفا شأناً بارزاً، لجاذبيةٍ متحققة في هذا الخبر، المتصل بداهة بلعبةٍ كرة القدم الأكثر شعبية بين الجزائريين، ومعلوم أن رئاسة خامسة تجددت لبلاتر، قبل أيام فقط، لمّا فاز في انتخابات نافسه فيها الأمير علي بن الحسين المتزوج جزائرية، وتردد أن الجزائر أعطته صوتها.
يجوز الزعم أن داعش ليس تنظيماً إرهابياً عابراً للقطريات العربية فقط، بل أيضاً، في وسع أنشطته وحروبه أن تندس بين زوبعة المشكلات والقضايا الشديدة المحلية والقطرية في غير بلد عربي، والأمر في مقدورك أن تتبيّنه من دون عناء في مطالعتك خمس جرائد جزائرية، كيفما اتفق، ولا سيما أن التنظيم المذكور يعلن الحرب، هذه المرة، على حركة حماس في غزة، على ما اختارت صحيفة الخبر عنواناً لخبر قصير أبرزته لقرائها. وقد كابد الجزائريون طويلا من إرهاب عسير، ولداعش في بلادهم، في جبالها وسهوبها على الأغلب، مكانة مقلقة. وعلى ما وجد كاتب هذه السطور من أمن وأمان وفيرَين في العاصمة الجزائر ووهران، إلا أن حركة ضيوفٍ مهرجان للسينما تلزمها رفقة حراس أمن، فهذا يُشعرك بمخاوف وجيهة لدى السلطات المختصة. ولا تتمايز جرائد الجزائر كثيراً عن نظيراتها في غير بلد عربي عندما تعطي داعش حصة وازنةً من مساحات الأخبار الخارجية في صفحاتها، طالما أن مسلحيه ينجزون “نجاحاتٍ” غير هينة في العراق وسورية، وللإرهاب فيهما مطرحه من مشاغل جرائد الجزائر التي تقرأ في إحداها أن 45 ألف دركي تم حشدهم من أجل تأمين 272 شاطئ في موسم الاصطياف الذي يبدأ قريباً، بعد الانتهاء من امتحانات الثانوية التي جاء طريفاً أن وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، طمأنت الطلاب بأنها ستكون “سهلة”، كما أشهر ذلك “مانشيت” لافت لصحيفةٍ، لم يحظ بمثله بلاتر ولا داعش.
تقرأ بين زحمة الأخبار العديدة أن الحكومة الجزائرية وافقت على طلب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الداعي إلى إنشاء مرصد وطني لمكافحة الانحراف المذهبي والتطرف الديني، من بين مهامه “منع تمرير الفتاوى التي تمس المجتمع الجزائري ووحدته”. وأن يأتي إلى بالك أن ظاهرة التطرف الديني شديدة الإلحاح والخطورة، في الجزائر وغيرها، فإنك تحار في تفسير ما يعنيه مفهوم “الانحراف المذهبي” الذي سيكافحه المرصد المرتقب، ولا سيما أن اللحظة العربية شديدة التشوش على صعيد مناقشة الحالة الدينية عموماً. لا تجهد نفسك في التفكير في الأمر، وتنصرف إلى التملي في خبر مسامحة جزائريةٍ زوجها حاول ذبحها، بعد شكّه في خيانتها، وهو مدمن، واعترف في المحاكمة بأن “وساوس” كانت تحرّضه على ارتكابه الجريمة … ثمّة تسامح من هذا النوع أيضاً في الجزائر!
* كاتب وصحفي من الأردن/”العربي الجديد”