الأحزاب الإسلامية في تونس والمغرب.. مخاض لم يكتمل بعد

كانت سنة 2011 فاصلة في تاريخ المجتمعات العربية والإسلامية، بعدما هبت رياح ما يسمى بـ”الربيع العربي”. والذي ميز ما بعد الحراك وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى تدبير الشأن العام في كل من مصر وتونس والمغرب، وكانت النتيجة فشل ذريع لحزب الإخوان في مصر، ومراوحة برغماتية في تونس مع حزب النهضة، في حين لايزال العدالة والتنمية المغربي على رأس الحكومة منذ العام 2012.
وفي هذا الخصوص، ترصد “العرب” سلوك الأحزاب الإسلامية قبل وأثناء الثورات وما بعدها، وتطرح سؤالا حول طريقة تعامل تلك الأحزاب وتغييرها لما صارت تمارس السلطة في خطابها وسلوكها مع الواقع الاجتماعي والسياسي، وركزنا كمثال حصري على حزبين برزا ما بعد حراك 2011 في شمال أفريقيا، واندمجا داخل دواليب السلطة في بلديهما، وهما حزب العدالة والتنمية بالمغرب وحزب النهضة بتونس.

الطريق نحو السلطة

في هذا السياق يرى عبدالإله السطي الباحث في الجماعات الإسلامية، في تصريح لـ”العرب”، أن من تبعات الحراك الثوري العربي في العام 2011، فتح المجال الاجتماعي والسياسي أمام كل التوجهات والحركات.
واستدرك الباحث المغربي، قائلا “إن تيارات الإسلام السياسي استطاعت أن تفرض وجودها لأنها كانت الأكثر تنظيما والأكثر تأطيرا والأكبر من حيث القاعدة الجماهيرية مقارنة بباقي التيارات السياسية”.
وأشار السطي، إلى أن حالة الإبعاد والإقصاء التي عاشتها هذه التيارات من قبل الأنظمة السياسية، ساهمت في إكساب هذه التيارات تعاطفا شعبيا بالنظر لعدم مشاركتها في الحكومات السياسية السابقة.
ويعتقد الباحث المغربي في حديثه لـ”العرب” أن هذه الأحزاب الإسلاموية كانت الخيار الوحيد أمام الشعوب خصوصا في ظل الشعارات الأخلاقية التي رفعتها للترويج لبرامجها الانتخابية، ويعتبر حزب العدالة والتنمية وحزب النهضة نموذجين بارزين في هذا الباب.
من جانبه لفت رضا الهمادي، رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية، في حديثه لـ”العرب”، إلى أنه يجب الحذر في تعريف الأحزاب الإسلاموية والتفريق بين حركات إسلامية محضورة وجدت نفسها في السلطة بطريقة فجائية بعد ثورات الربيع العربي، كحركة الإخوان المسلمين بمصر وحركة النهضة بتونس، وأخرى قامت بمراجعات عميقة لمواقفها ودخلت معترك السياسة ومارست المعارضة من داخل المؤسسة البرلمانية لسنوات قبل أن تبوئها الانتخابات الصدارة في إطار اللعبة الديمقراطية، كحزب العدالة والتنمية المغربي.
واعتبر الكاتب والمؤرخ، حسن أوريد، في أحد حواراته مؤخرا، أن الذين صوتوا لفائدة حزب العدالة والتنمية لم يتبنوا مشروعه، بل تبنوا الخيار الديمقراطي.
يبقى رهان الناس الذين أوصلوا تيار الإسلام السياسي إلى السلطة إنما على الشعارات التي رفعها، لكن الواقع كذب تلك الشعارات واتضح أنها مجرد جعجعة لا طائل من ورائها سياسيا واجتماعيا وتنمويا.
ومن هذا المنطلق يرى رضا الهمادي، في حديثه لـ”العرب” أن هذا الأمر انعكس بشكل كبير على سلوك هذه الأحزاب الإسلاموية، فالإخوان المسلمون بمصر جاؤوا بمشروع مجتمعي غير واضح المعالم يقوم على أساس أن الإسلام هو الحل، وأهملوا الحلول الاقتصادية، بل وحاولوا التحكم في مفاصل الدولة وأسلمتها. موضحا أن هذا ما ألب عليهم المواطن الذي انتظر منهم حلولا لمشاكل البطالة والفقر والتعليم وغيرها من الأسباب التي أوقدت نار الثورة في مصر.
وفي ما يتعلق بحزب العدالة والتنمية المغربي، يقول رئيس المرصد المغربي للسياسات العمومية، “رغم أن برنامجه الانتخـــابي متشبع بحـــمولة المرجعية الإسلامية، إلا أنه استوعب أن حل المشاكل الاقتصادية للمغرب سيكون البوابة الوحيدة التي على أساسها ستتم إعادة انتخابه، فركز جيدا على برنامجه الاقتصادي والاجتماعي وحاول أن يبتعد عن كل نقاش بين التيار المحافظ والحداثي”.
ويلاحظ عبدالإله السطي أنه بوصول العدالة والتنمية المغربي إلى قيادة الحكومة، ومشاركة حزب النهضة التونسي في حكومة بلاده، هناك تحولات أساسية عرفها هذان التياران سواء على مستوى الخطاب السياسي الذي يعتمدانه أو على مستوى أسلوبيهما في الممارسة السياسية وتدبيرهما للشأن العام.
ويوضح الباحث المغربي، أن هذه الحركات بدت أكثر براغماتية في تعاملها مع منطق الممارسة السياسية بالابتعاد شبه الكلي عن استخدام الخطاب الديني ولغة الشريعة في القضايا السياسية والاجتماعية العامة من جهة، وهو ما ترجمه حزب النهضة بتونس الذي بحث على توافقات وأقر بتنازلات مع باقي مكونات المشهد السياسي بعد الثورة.
مضيفا أن الأمر نفسه اعتمده حزب العدالة والتنمية في البحث عن حلفاء من مختلف التوجهات الأيدولوجية للمشاركة معه في قيادة الحكومة، وتبني آليات الحكم والإدارة المدنية الديمقراطية في التنافس مع باقي القوى السياسية.
ولاحظ الكاتب والمؤرخ المغربي، حسن أوريد، في أحد حواراته مؤخرا، أن الأحزاب الإسلامية تغير تعاملها لما صارت في السلطة عما كانت عليه وهي في صفوف المعارضة، حيث كان الخطاب الإسلامي وقت المعارضة مبنيا على النزعة الأخلاقية، بخلاف حالها عندما شاركت في الحكم.
والمثير الذي أورده المؤرخ المغربي، حول مسار حزب العدالة والتنمية، أن خطابه السياسي تغير عقب الانتخابات المحلية والجماعية في سبتمبر الماضي، حيث بات يعتبر نفسه حزبا حداثيا، ويقدم نفسه على أنه يحمي الحداثة، بينما كان في ما قبل يعتبر نفسه معاديا لما هو حداثي.

التحولات

لكن ما الذي يفسر هذا التحول الذي عرفته هذه التيارات التي كانت حتى وقت قريب تتبنى الأسلوب الدعوي؟ يجيب الباحث في الحركات الاسلاموية عبدالإله السطي، عن هذا السؤال عبر مستويين من التحليل حيث يعتبر أولا: أن فكرة “الدولة الإسلامية” أضحت متجاوزة واقعيا نظرا لحجم التحولات المجتمعية التي عرفتها البلدان العربية وبالنظر لفشل التجارب التي حاولت إقامتها بعض التيارات الدينية في بلدان إسلامية عديدة، والتي أثبتت أن الحديث عن بناء الدولة الإسلامية بالقواعد الشورية هو فكرة حالمة وطوبوية، مما اضطرها إلى أن تجنح نحو تكييف خطابها مع مستجدات الواقع واعتبار البناء الدستوري الحداثي للدولة المعاصرة هو قاعدة طموحاتها.
ثانيا: أن الممارسة السياسية داخل الأجهزة الحكومية الرسمية، كما عاشها كل من حزب النهضة التونسي وحزب العدالة والتنمية المغربي، جعلها تصطدم بمنطق آخر بعيدا عن الشعارات الفضفاضة. ما جعلها تظهر بأسلوب مختلف في الخطاب، ونظرة برغماتية مصلحية لباقي القوى السياسية.
وحول مكمن الفروق بين الخطاب السياسي للعدالة والتنمية في وقت كانت فيه في المعارضة، وبين واقعها داخل السلطة حاليا، قال رضا الهمادي: لا تشكل الحركات والأحزاب الإسلاموية استثناء في تغير خطابها مع تغير موقعها من المعارضة إلى الأغلبية، فقد سبقها حزب الاتحاد الاشتراكي بالمغرب الذي تنكر لهويته اليسارية وعمل على خوصصة المؤسسات العمومية.

إقرأ أيضا: الكنبوري: “الجماهير أصبحت تحاسب الإسلاميين على أساس المكاسب وليس الدين”

وبخصوص مقاومة حزب العدالة والتنمية للفساد الذي رفعه شعارا لحملته الانتخابية، أكد رضا الهمادي أن مرد ذلك عدم توفر استراتيجية واضحة المعالم لمحاربة الفساد من جهة، وعجزه عن مقارعة اللوبيات الكبرى من جهة أخرى.

خطاب النهضة بتونس

شكل حزب النهضة بتونس حسب مراقبين، مثالا للبراغماتية والتلون حسب الظرف السياسي والاجتماعي داخليا وإقليميا، بالمقارنة مع باقي الحركات الإسلاموية في المنطقة، وقد أضحى الحزب ذا تمثيلية أكبر في مجلس الشعب التونسي، إثر الانشقاق الذي شهده حزب نداء تونس، بعدما كان يمثل أكبر كتلة برلمانية. وفي هذا السياق أكد محمد اليوسفي، الإعلامي والباحث في تاريخ الحركات الإسلامية، في حديثه مع “العرب” أن خطاب حركة النهضة شهد تقلبات جمة، فإثر حصولها على التأشيرة للعمل القانوني بعيد الثورة في 2011، حاولت اتباع نهج خطاب تطميني بشأن مكتسبات تحديث الدولة والمجتمع وخاصة في علاقة بقضية الديمقراطية والحريات المدنية، غير أن هذا التوجه على مستوى الخطاب عرف نكوصا لا سيما غداة فوزها الكبير في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
ويقول محمد اليوسفي: إن حزب النهضة التونسي سبق وتراجع عن وعود سابقة بشأن حقوق المرأة ومكانتها المساوية للرجل التونسي، فضلا عن قضايا أخرى تتعلق بمدنية الدولة أو بالمسار التحديثي الذي بدأه الرئيس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال.
حزب النهضة بتونس يشكل مثالا للبراغماتية والتلون حسب الظرف السياسي والاجتماعي داخليا وإقليميا، بالمقارنة مع باقي الحركات الإسلاموية
وأضاف الباحث التونسي أن الأمر قد وصل إلى مطالبة بعض نواب حركة النهضة بالتنصيص على الشريعة كمصدر أساسي في الدستور لسن قوانين البلاد واقتراح مشروع لإعادة الأوقاف التي ألغيت منذ أكثر من نصف قرن.
وأكد محمد اليوسفي أن كل هذه المقترحات والمطالب لم يتضمنها البرنامج الانتخابي لحزب النهضة وهو ما اعتبر من قبل المعارضين لها انقلابا على التطمينات التي وزعها قبل وصوله إلى السلطة.
وشدد محمد اليوسفي، الإعلامي والباحث في تاريخ الحركات الإسلامية، على أن تراجع حزب حركة النهضة عن خطابه المعلن في 2011 تسبب في انقسام البلاد إلى معسكرين أيديولوجيين وسياسيين وقد كانت تونس وقتها على مشارف تطاحن مجهول العواقب، لولا التسويات السياسية التي تمت بين المعارضة والحركة على وجه الخصوص.
وبسؤالنا هل لاتزال النهضة تائهة إلى الآن أم أنها تلعب على مفهوم التقية تحت غطاء البرغماتية واقتناص الفرص؟ قال الباحث والإعلامي التونسي: حاليا من الواضح أن تجربة حزب النهضة في الحكم وتعرفه من الداخل على منظومة الدولة واستحقاقاتها وطبيعة المجتمع التونسي عجلت بدفع قيادته المركزية بشكل خاص إلى إطلاق مسار تسميه في أدبياتها الاستخلاصات التقويمية اللازمة.
واعتبر محمد اليوسفي أن هذه المراجعات ستتوضح حصيلتها بشكل جلي خلال المؤتمر العاشر الاستثنائي للحزب الذي سيعقده خلال ربيع هذا العام.
لكن إلى أي حد يمكن اعتبار حزب النهضة جادا في مسعاه الإصلاحي أو التقويمي؟ أجاب محمد اليوسفي، أنه في كل الحالات لم يعد لحركة النهضة مجال كبير للمناورة أو لاجترار التقية والمخاتلة السياسية والأيديولوجية كما يقول معارضوها من العلمانيين والحداثيين.
وأشار الإعلامي التونسي لـ”العرب” إلى أن حزب النهضة بذراعه الدعوية إزاء فرصة تاريخية للقطع مع ما تبقى لديه من الإرث الإخواني المشرقي الذي جلب له الوبال ولقواعده وللبلاد التونسية ككل من أجل أن يصبح حزبا سياسيا مدنيا تونسيا بتوجهات محافظة.
وفي ذات التوجه أقر محمد اليوسفي أنه من الصعب أن تهضم حركة النهضة سريعا مراجعات عميقة فكرية وسياسية واستراتيجية، مستدركا أن تطورها يبقى حتمية تاريخية لها وللمشروع الوطني الإصلاحي في تونس وحتى في الوطن العربي.

كاتب صحفي/”العرب”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *