في إطار ندوة “الجامعة الصيفية” التي أعلنت قيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي عن انعقادها، من 19 إلى 20 من الشهر الجاري بمحافظة الطارف المتاخمة للحدود التونسية، جدد رئيس هذا الحزب، عبدالله جاب الله، وعوده بأنه سيواصل دعوة الأحزاب الإسلامية، وكل من يجد لنفسه مكانا طبيعيا ضمن التيار الإسلامي الجزائري بمختلف زعاماته، للمشاركة في تفعيل مبادرته التي ترمي، حسب تصريحاته، إلى لَم شمل الإسلاميين الجزائريين وتجاوز الخلافات التي تطفو بينهم، سعيا لخلق قطب إسلامي معارض وموحد وقوي.
المزيد: جاب الله يفشل في استقطاب مؤيدين لتشكيل القطب الإسلامي الجديد
ولكن هذه المبادرة لم تجد إلى يومنا هذا أذانا صاغية من طرف الأحزاب الإسلامية مثل حزب حركة مجتمع السلم، وحزب النهضة، وتجمع أمل الجزائر، وحركة البناء الوطني وغيرها من الأحزاب الصغيرة الأخرى التي تنتمي إلى الإسلام السياسي. أما الشخصيات الإسلامية البارزة في الحياة السياسية الوطنية، مثل أحمد طالب الإبراهيمي، فلم تقل كلمتها في الموضوع إلى اليوم. ويلاحظ أن مبادرة عبدالله جاب الله مطروحة في مناخ معقد وفي فضاء معبأ بالتناقضات على جميع المستويات، خاصة وأن أغلب ما يسمى بالأحزاب والشخصيات السياسية العلمانية المعارضة، بمختلف انتماءاتها، هي نتاج القمع المادي والمعنوي السائد في الجزائر منذ الاستقلال، وجراء هذا فقد نشأت وترعرعت في مناخ اجتماعي وسياسي مشتت وغارق في التقليدية، والتفقير الفكري والثقافي والازدواجية في السلوك والمواقف.
هذه النزعات السياسية التقليدية ليست في جزء كبير منها سوى نسخ لقشور الليبرالية السياسية المستوردة من الغرب على نحو خاص، والتي جرَدها النظام الجزائري على مدى سنوات طويلة، من مضامينها الأصلية بواسطة تطبيقاته لسياسات تعميم الأمية الفكرية والسياسية في المجتمع المدني وفي المجتمع السياسي.
مبادرة جاب الله رئيس حزب العدالة والتنمية، تهدف ظاهريا، إلى تشكيل قطب إسلامي بدعوى جمع شمل الإسلاميين، ولكنها ترمي في العمق، وبشكل غير مباشر، إلى تحضير تكتل إسلامي بزعامته هو لمرحلة ما بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وأكثر من هذا فإن فصيلا من تنسيقية المعارضة الجزائرية التي تضم مختلف الأطياف السياسية قد اعتبر هذه المبادرة بمثابة تهديد لوحدتها، كما أبدى هذا الفصيل مخاوفه من طموحات جاب الله الانفرادية التي ستنسف الأرضية الجامعة التي تمخض عنها المؤتمر الذي انعقد منذ أشهر بمنطقة مزفران والذي بموجبه ولدت هذه التنسيقية. وفي هذا السياق صرح جهيد يونسي، الأمين العام السابق لحركة الإصلاح الوطني، للصحافة الجزائرية مبرزا أن هذا النمط من المبادرة ذات الطابع الفردي والأيديولوجي سيغلق الأبواب على التيارات المعارضة الأخرى، وبسبب ذلك فإنه في تقديره غير مجد. وفي الوقت نفسه فقد التزم جزء آخر من تشكيلة تنسيقية المعارضة الصمت في إطار تكتيك مدروس يهدف إلى تهدئة الأمور حتى تتضح معالم المشهد السياسي الجزائري الذي يقف على رمال متحركة. في هذا السياق يطرح هذا السؤال: هل هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها الإسلاميون توحيد صفوفهم، أم ثمة محاولات قد بذلت في الماضي وانتهت نهاية غير سعيدة؟
وبهذا الخصوص وضح الباحث والإعلامي الجزائري محمد مسلم “لم تكن مبادرة جاب الله هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة الإسلامية في الجزائر، بل تعتبر حلقة في سلسلة طويلة من الفشل تعود إلى مرحلة ما قبل الانفتاح السياسي في الثمانينات من القرن الماضي”. من بين حلقات الفشل التفاهم الذي حصل في مرحلة السرية بين محفوظ نحناح (التيار الإخواني) وعبدالله جاب الله (الإخوان الإقليميون) ومحمد السعيد (تيار الجزأرة) في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، على تقاسم مناطق النفوذ تفاديا للاصطدام، غير أن هذا التفاهم لم يكتب له النجاح.
المزيد: إسلاميو الجزائر: لمّ الشمل في زمن الشتات !
في مرحلة إقرار التعددية السياسية حدثت عدة محاولات لجمع شمل التيارات الإسلامية ولكنها باءت بالفشل، وذلك عندما تمكنت جبهة الإنقاذ الإسلامية من السيطرة على المشهد السياسي، وتوجت هيمنتها بحصولها على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية ثم ألغيت المرحلة الثانية منها في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وأسفرت عن إبعاده هو من الحكم، ثم ألغيت جبهة الإنقاذ ذاتها من المشهد السياسي، ثم عقب كل ذلك الانفجار المسلح الذي دام أكثر من 10 سنوات ولا تزال تداعياته قائمة.
الجدير بالذكر هنا هو عدم تماسك التيارات السياسية الإسلامية بعد حظر جبهة الإنقاذ ومنعها من العمل السياسي، ولقد ظهر تشتتها بتشكيل فسيفساء أحزاب إسلامية كثيرة، وفي سلوك عدد منها لسياسات براغماتية أدت بها إلى التحالف مع النظام بعيد تحطيمه لجبهة الإنقاذ الإسلامية.
هذه الخلفية ضرورية لفهم جزء ظاهري من أسباب تشظي الصف الإسلامي في الجزائر في الماضي، وهي الصيغة التي تتكرر الآن بطرق أخرى على أساس مبررين إثنين، أولهما يتمثل في رفع جزء من تشكيلة الأحزاب الإسلامية لشعار “ضرورة الحفاظ على وحدة تنسيقية المعارضة” التي تضم مختلف الأحزاب والشخصيات الإسلامية والعلمانية المطالبة بالتغيير السياسي سلميا في إطار تكتل جماعي، وثانيهما يتلخص في كشف بعض الشخصيات الإسلامية القيادية في الأحزاب الإسلامية لأوراقها بعد إعلانها عن استعدادها للانضمام إلى النظام. ومن بين أبرز هذه الشخصيات الرئيس السابق لحزب حركة مجتمع السلم “حمس” أبوجرة سلطاني الذي شغل سابقا منصب وزير الدولة أيام التحالف الرئاسي بقيادة الرئيس بوتفليقة.
* كاتب جزائري/”العرب”