بدأت التساؤلات تزداد في الجزائر عن الأسباب التي أدت إلى تخلّي غالبية المساهمين عن ائتلاف «ديزيرتك»، الذي كان يطمح إلى إنتاج نحو 20 في المئة من احتياجات أوروبا من الكهرباء المولّدة بالطاقة الشمسية من منطقة شمال أفريقيا، خصوصاً، جنوب الجزائر. لكن السلطات الجزائرية المختصّة لم تكن تعطي هذا الجانب الانتباه المنشود، ولم تكن على الموعد، ولم تستغلّ الظروف المتاحة.
وبعدما اعتبر المشاركون في قمة المناخ التي استضافتها باريس الشهر الماضي، أن مشروع «نور 1» المغربي يمثّل «ثورة نوعية»، وأن هذه المحطة التي بدأت إنتاجها نهاية كانون الأول (ديسمبر)، ستكون أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، بدأت الأصوات ترتفع في الجزائر محمِّلة إياها مسؤولية التخلّي عن مشروعها الكبير الذي شارك فيه حوالى 20 مساهماً، من بينهم «دويتشه بنك» الألماني العملاق، ورؤوس أموال كبرى واستثمارات جدية، خصوصاً تلك التي تعود إلى بعض الدول المهتمة.
كان الهدف الرئيس لهؤلاء، أن يجعلوا من الجزائر أحد أكبر البلدان المنتجة للطاقة الشمسية في العالم، قبل أن يسبقها المغرب الذي افتتح مشروعه عام 2013 وخصّص له 600 مليون دولار في المرحلة الأولى لإنتاج 160 ميغاواط من الكهرباء. وتُطرح اليوم، تساؤلات على كل المستويات في الجزائر عن الأسباب الفعلية التي دفعت بالسلطات إلى استقبال هذه الفرصة التاريخية بكثير من البرود، والاستخفاف إلى حد أن المشاركين في المشروع خسروا كثيراً من الوقت والأموال.
وفي خضمّ التبريرات التي تأتي في هذه المرحلة، كثُر الحديث عن أن المغرب هو الذي سيستفيد لاحقاً، وفي شكلٍ كبير، من حسنات الطاقة المتجددة، خصوصاً بعد إطلاق مشروع «نور ورزازات» الذي سيضمّ أيضاً محطات «نور2» و «نور3» الحراريتين و«نور4» التي ستعتمد على الخلايا الضوئية، كما سيهدف في مجمله إلى إنتاج 580 ميغاواط، ستكون كافية لإمداد مليون بيت بالكهرباء منذ إطلاق المشروع.
إقرأ أيضا: الطاقة الشمسية : التوجه نحو إنجاز المرحلة الأولى ل ” نور ميدلت”
تعانــــي المساكن في العديد من المناطق الجزائرية، مـــن تزايـــــد انقطاع التيار الكهربائي. وما يزيد الأمور تعقيداً، أن المشرـفين علــــى هذا الملف في الجزائر يتراشقون الاتهامات بالتقصــــير من جــــهة، ومن جهة أخرى، يحاولون تحميل مسؤولية التخلّـــف عــــن الموعد وتفويت هذه الفرصة التي تصعب معها اليوـــم العودة إلى اقتناصـــها بسهولة كما كانت الحال في البداية. فالبعض ومن دون أن يملك في وقتٍ من الأوقات أي أدلة، يؤكد أن النفوذ السلبي للمجموعات الاقتصادية والرسمية المقرّبة من فرنسا هو الذي عطّل هذا المشروع كون باريس لا تملك في هذا المجال التقنيات الكافية التي تملكها منافستها ألمانيا، علماً أن الجـــزائر كانت لديها كل الفرص لكسب هذا المشروع العملاق فــــوق أراضــــيها. فالمشروع البالغة عائداته 400 بليون دولار خلال 15 سنة، كان يمكن أن يجعل من الشريط الصحراوي الوحيد الذي يكفي لتوزيع الكهرباء على عددٍ كبير من دول الاتحاد الأوروبي.
يضاف إلى ذلك، الخلل الفاضح في التقدير والحسابات والتخطيط، ليس فقط لتحقيق الأرباح بل لحل مشاكل الطاقة المتجـــــددة التي تحتاجها الجزائر قبل أي شيء، لأن السلطة كانت منشــــغلة بأشياء أخرى كما تراهن في الدرجة الأولى على عائدات الهيـــدروكربورات لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة بمفردها من دون التعاون مع مساهمين آخرين، حتى ولو كان هؤلاء سينقلون الخبرة والتكنولوجيا المطلوبة التي تنقص الجزائر في شكلٍ واضح.
اليوم، يعتقد العديد من الخبراء أن الوقت فات، خصوصاً بعدما جرى التداول في قمة المناخ في أن التقدم المطرد الذي حققه المغرب يخوّله تنظيم القمة المقبلة في مدينة مراكش. وما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى الجزائر في هذا المضمار، أن مشروع «ديزيرتك» لم يعد يشمل سوى ثلاثة مساهمين فقط. وعلى هؤلاء أن يسووا العديد من القضايا القانونية المرفوعة أمام القضاءين الجزائري والألماني. تُضاف إلى ذلك، الشكوك في نوايا أطراف فاعلة في الحكم بالجزائر لا تزال تعرقل عودة هذه الورشة الجبارة للتحرك مجدداً، ذلك أن الشريط العريض من الصحراء الجزائرية يستطيع استيعاب الألواح ومحطات الطاقة الشمسية التي تغطي آلاف الكيلومترات المربعة، تُضاف إليها الكابلات التي يمكن تمريرها تحت سطح البحر لنقل الكهرباء.
وعلى رغم كل الإيجابيات اللوجستية، لا تزال القوانين ذات الصلة ناقصة حتى الآن، وأحياناً متناقضة. فهناك مشكلة القانون الذي يجبر على وجود شريك جزائري يملك أكثر من 50 في المئة من رأسمال المشروع، الأمر الذي لا تزال ترفضه الشركات الأجنبية في كل القطاعات، أبرزها قطاع الطاقة. وتزيد الوضع غموضاً، الأخطاء التي ترتكبها الحكومة على مستوى الإعلام الرسمي تجاه ما تبقى من مشروع «ديزيرتك»، إذ يجهل المهتمون حتى اللحظة ماهية الخطوات التي يمكن أن تعتمدها السلطة في هذا الصدد. أمر ليست صعبة الإجابة عنه لأن الجزائر تعيش اليوم مرحلة انتقالية وتجاذبات على صعيد تركيبة الحكم المقبلة ورأس هرمها.
*خبير اقتصادي/”الحياة”