بقلم: محمد الأشهب*
عندما يقول رئيس الحكومة المغربية إن بلاده مستعدة أن تتقدم خطوات أكبر في اتجاه الجزائر في حال أقدمت الأخيرة على خطوة واحدة فقط على طريق الانفراج، فمعنى ذلك أن كسر الحواجز النفسية والسياسية وارد بأقل قدر من إبداء الرغبة.
مبعث الإشارة الدالة في توقيتها ومصدرها، أن سياسة اليد الممدودة لم تنقطع، وإن وصلت في كثير من الأحيان إلى الباب المغلق. لكن عبد الإله بن كيران الذي أبدى انفتاحاً على الجزائر بمجرد تحمله مسؤولية رئاسة الحكومة، لا يرغب في إنهاء ولايته الحالية من دون إنجاز اختراق في مسار العلاقات المغربية– الجزائرية. وسواء كانت رسالته موجهة إلى مراجع القرار راهناً ومستقبلاً، أو تلتقي مع مطالب أوروبية لناحية الدعوة إلى حلحلة الأزمة، فإن من يلوح بخطوات أكبر في إمكانه أن يصبح مبادراً.
في وقت سابق جربت أحزاب مغربية وجزائرية أن تنفتح بعضها على بعض من دون انتظار المبادرة من السلطة السياسية. لم يكن «العدالة والتنمية» من بينها، بسبب تداعيات حساسيات جزائرية حيال التيارات الإسلامية في فترة الصراع الداخلي. غير أن الوضع اختلف جذرياً وأصبح الحزب الإسلامي المغربي يقود الحكومة، وبالتالي فإن كلامه يحسب لفائدته مثل العملة ذات الوجهين، إن لوح باسمه كحزب سياسي فلا حرج في المغرب أو الجزائر، وإن تحدث بصفته ممثلاً للسلطة الحكومية فالموقف يلزم بلده.
الأهم في غضون ذلك أن العلاقات بين الرباط والجزائر، ومن خلالها على المستوى الإقليمي في الشمال الإفريقي برمته لم تعد تحتمل منسوباً زائداً من التوتر والاحتقان، بخاصة أن ابتعاد أحد الجارين عن الآخر له ارتدادات تشمل ترتيبات أكبر، كما في حال الحوار المغاربي– الأوروبي، أو على صعيد غياب التنسيق في مواجهة التهديدات الأمنية المتنامية.
للمزيد:بين المغرب والجزائر
منذ فترة غير قصيرة اعتزل كل من البلدان الآخر، حتى أن مؤتمرات عادية ذات طابع أورو- متوسطي أو إقليمي أو قطاعي، كانت تسمح بمبادلة التحية ودبلوماسية العتب، تراجع مستوى المشاركة فيها. وقد تكون نقطة الضوء اليتيمة في مسار العلاقات بين البلدين أنهما احتفظا بسفارتي بلديهما، من دون أن يكون لذلك تأثير ملموس في الانعطاف الإيجابي نحو معاودة بناء الثقة.
أصبح آخر شيء يفكر فيه البلدان الجاران هو بذل جهود مشتركة لحلحلة الأزمة القائمة التي صار التعايش معها جزءاً من معالم سياسية، فقد تراجع زخم طلب معاودة فتح الحدود البرية المغلقة عن صدارة الاهتمام، بعد أن بُحَّت الأصوات المنادية بأي شكل من أشكال التطبيع الإيجابي، وإن لأهداف إنسانية تخص معالجة أوضاع سكان الحدود المرتبطين بالمصاهرة والتجارة والعلاقات الاجتماعية. فيما زادت الهوة اتساعاً إزاء المواقف من نزاع الصحراء إلى الحرب على الإرهاب، مروراً بجمود الاتحاد المغاربي الذي لم يبق منه غير الاسم.
ليس الاستثناء في واقع العلاقات المغربية– الجزائرية جديداً، إلا أنه على رغم مرور عقود وتدفق مياه تحت الجسور، بقيت حصى الأزمة عالقة في الأحذية، تحول دون الوقوف أو السير العادي. الدول كما البشر، تلتفت دائماً إلى الأشواك التي تدمي الأقدام تزيلها بألم أو من دونه. وإذا كانت حالات الجراحة المستعصية تحتم التخدير، فإنه سرعان ما يتبدد بعد الخضوع للعلاج. المشكل أن العلاقات بين المغرب والجزائر لم تصل درجة الإنعاش السريري، لكنها بعيدة من أن تكون معافاة بالكامل. وثمة أعراض اخترع علاج الصدمات للشفاء منها.
*كاتب صحفي/”الحياة”