كرة الثلج التي دشنتها حملة “مانيش راضي” لا تزال بعيدة عن احتواء النظام الجزائري!

بقلم: هيثم شلبي

لا يزال النظام العسكري في الجزائر يعاني من حالة “رعب” واضح بدأت من لحظة سقوط دكتاتور سوريا الهارب بشار الأسد، وتكرست مع هاشتاغ “مانيش راضي” الذي دشنه مواطنون جزائريون بسطاء منذ قرابة ثلاثة أسابيع.

رعب عكس نفسه من خلال إطلاق أكثر من هاشتاغ مضاد، بدا واضحا فشلها في دحض أي من شكاوى المواطنين التي وردت في الهاشتاغ الشهير، إضافة لعفو رئاسي “صوري” طبل له “ذباب” النظام الإعلامي، سرعان ما قوضه سلوك النظام العسكري نفسه الذي دشن حملة اعتقالات للمشاركين في الهاشتاغ “المرعب”.

رعب النظام بدا واضحا دون رتوش خلال خطاب الرئيس عبد المجيد تبون أمام من يسمون “نواب الأمة” قبل توديع عام 2024، والذي كانت لغة وملامح الرئيس خلاله بالغة التعبير عن رعبه، ورعب نظامه.
إن خوف النظام العسكري، كأي نظام مشابه آخر في المنطقة، من تجمع المواطنين فعليا أو افتراضيا، في الواقع الحقيقي (الشوارع) أو الإلكتروني (وسائل التواصل الاجتماعي)، هو “عقيدة” راسخة راجعة لذكريات هذه الأنظمة تجاه ما سمي الربيع العربي عام 2011 وما بعده.

وما المحاولات المستميتة لشيطنة الحراكات الاجتماعية التي شهدتها كثير من الدول العربية، إلا تعبيرا صادقا عن حالة الرعب هذه.

وفي الجزائر، فإن أشباح حراك 2019 لا تزال تتراقص أمام أعين جلادي الشعب الجزائري الذين يمسكون بزمام الأمور في نظامهم العسكري، لدرجة تجعلهم يمنعون أي تجمع مهما تضاءل حجمه واتضحت دوافعه؛ ولعل منع جميع مظاهرات التضامن مع فلسطين وغزة المحاصرين -رغم كل ادعاءات النظام بنصرة فلسطين- لدليل واضح على خوفه من تجمع أكثر من ثلاثة جزائريين لأي سبب!!

لذا، جاء هاشتاغ “مانيش راضي” ليشكل صدمة للنظام العسكري في الجزائر، دفعته لإخراج جميع أسلحته مرة واحدة، بدل إخراجها بشكل متدرج -كما جرت العادة-، الأمر الذي يرشح الحملة الشعبية لتشكيل نواة لحراك أكبر بعد تجاوز محاولات قمعه التي واكبت بداياته، وبعد امتصاص ضربات النظام الهادفة لتدميره، والنجاح في الاستمرار والصمود.

وتزداد خطورة الهاشتاغ بالنسبة لمجرمي النظام الجزائري -إضافة لما سبق- إلى كون أسباب عدم الرضى التي يوردها المتفاعلون مع الهاشتاغ، ومرسلي الرسائل عبره، بسيطة وواضحة وغير قابلة للإنكار أو التبرير.

فطوابير الحليب والغاز والمواد الغذائية الأخرى هي مشهد مألوف يعرفه كل جزائري، ولا يمكن بحال من الأحوال، النجاح في وصمها بعبارة “إشاعات مغرضة”. طوابير تتناقض بشكل فج مع دعاية النظام الغبية حول “القوة الضاربة” و “الجزائر الجديدة” وما يترتب على هذه الشعارات من مشاريع “وهمية”!

لقد تحول هاشتاغ “مانيش راضي” إلى صرخة الطفل البريء في قصة “ملابس الملك الجديدة” للأديب الدنماركي هانس كريستيان أندرسن، عندما صرح بالحقيقة التي يتجاهلها كل من يرى الملك بملابسه الزاهية الوهمية: “لكنه عارٍ!!”، وفضح عدم رضى الجزائريين، زيف دعاية إعلامهم حول قوة نظامهم، التي يبني عليها شرعيته بعد الحراك المجهض.

وإذا أضفنا التفاعل الكبير مع الهاشتاغ المرعب، إلى الأرقام المزورة لنسبة المشاركة في انتخابات تبون، والتي أعلنت عن مشاركة قرابة 5.5 مليون جزائري، قالت المحكمة الدستورية لاحقا أن عدد الأصوات الملغاة في نفس الانتخابات تجاوزت 1.764 مليون صوت، ندرك أن عدد المشاركين -برغم التزوير- لم تتجاوز 3.866 مليون ناخب، وهو ما يمثل أقل من 16% من الناخبين المسجلين.

وبمراعاة “سوابق” النظام في تزوير الانتخابات، ندرك أن نسبة من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لم تتجاوز رقما فرديا من خانة واحدة (أقل من 9%)، وهو ما يؤكد بشكل جلي وواضح أن النظام العسكري في الجزائر بعيد جدا عن كسب رهان “المشروعية” الشعبية، رغم قمع أجهزة النظام الأمنية، و”بهلوانيات” الرئيس تبون الذي أصبح “كذبه” مادة للتهكم في وسائل التواصل الاجتماعي للجزائريين كافة.

أما رعب النظام الواضح في أعقاب سقوط نظام الأسد في دمشق، فلا يرجع فقط إلى كون النظامين من أوثق الحلفاء تاريخيا، بل بالأساس إلى حقيقة أن القمع الوحشي للنظام البعثي، والذي يندر وجود مثيل له عربيا ودوليا، لم يستطع تقديم الحماية له في وجه الشعب السوري المنتفض.

رسالة يدرك النظام العسكري في الجزائر، مدى خطورة تركيز الضوء عليها من قبل النشطاء الجزائريين المعارضين للنظام، وتحويلها إلى “ملهم” للحراك الشعبي المقبل.

لقد دعم سقوط نظام الأسد القمعي حقيقة أن الطريق الوحيد لتقصير أمد معاناة الشعب الجزائري، والشعوب العربية التي تعيش أوضاعا مشابهة، هو بسقوط النظم القمعية الحاكمة بالرعب والسجون والنفي والتعذيب.

أما المراهنة على تجديد نخبها، وتحسين أوضاع المواطنين عبر تحسين أوضاع الدولة واقتصادها، فلا تعدو كونها “أوهام”، تحرص النخب المثقفة المنتفعة من النظام على إشاعتها وتكريسها والترويج لها، تأجيلا للحظة الحقيقة المتمثلة في نزول الناس إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط هذا النظام تمهيدا لنيل حقوقهم.

ختاما، وعكس ما تروجه أبواق النظام الجزائري الإعلامية والفكرية -والأنظمة المشابهة لها-، يستطيع الناس الصبر على سوء أوضاعهم المعيشية إذا أدركوا صدق نوايا القائمين على شؤونهم العامة في تحسين هذه الأوضاع؛ كما تدرك الجماهير العريضة مدى صعوبة هذه المهمة، في السياق الدولي المأزوم. لكنها في المقابل، تحسن قراءة والتقاط أي تحسن في واقعها على أي صعيد، وتحويله إلى مبرر للتفاؤل بمستقبل أفضل، وهو ما يشكل أفضل ضمانة لأي نظام حاكم.

أما الاستمرار في الاتكاء على الدعاية الكاذبة، وحملات النفخ الكاذب في كبرياء افتراضي لا علاقة له بواقع الناس المعيشي، فلن ينجح في منح هذه الأنظمة ما يكفي من أكسجين للبقاء على قيد الحياة، لاسيما وأن معظم هذه الأنظمة في حالة “موت سريري” منذ زمن بعيد، وتنتظر فقط من يكتب شهادة وفاتها!!

اقرأ أيضا

عبد المجيد تبون

حملة إعلامية “فاشلة” لأبواق جنرالات الجزائر للطعن في سياسة الهجرة المغربية!

بشكل منسق ومنظم لا تخطئه عين، تشن وسائل الإعلام الجزائرية، حملة إعلامية منسقة لاتهام السلطات المغربية بارتكاب "جرائم" بشعة في حق المهاجرين غير الشرعيين من دول جنوب الصحراء.

ما الذي يجعل خريطة المغرب “قضية وطنية” جزائرية؟!!

بقلم: هيثم شلبي مرة أخرى، يتجدد “سعار” الأجهزة الرسمية والإعلامية تجاه الخريطة الكاملة للملكة المغربية، …

عبد المجيد تبون

أوجه الشبه بين “انتصار قميص بركان” و “كيان تبون المغاربي البديل”!!

ربما كان المتنبي هو أول من أبدع لفظ "ضحك كالبكاء" في هجائيته المشهورة لحاكم مصر المملوكي كافور الإخشيدي، حيث لم يجد مصطلحا أفضل لوصف حالة مصر في عهده، وكم فيها من المضحكات!! وعلى غراره يمكننا نحت مصطلحات مشابهة من قبيل "نصر كالهزيمة"، لوصف "انتصارات" النظام الجزائري، "وفتوحات" دبلوماسيته العريقة!! وهي غالبا هزائم، لا يجد إعلام النظام الدعائي أدنى غضاضة في إعادة تعريفها واعتبارها انتصارات مبهرة.