بالرغم من كونهما محسوبين على تيار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تميزت الشهور الماضية بتوتر ظاهر في علاقة الحزبين الكبيرين في الجزائر، “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي”.
التوتر بين الجانبين اتخذ شكل ما يشبه الحرب الكلامية بين زعيمي الحزبين، عمار سعداني الأمين العام لتشكيلة “الأفالان”، وأحمد أويحيى الأمين العام المؤقت لحزب “الأرندي “.
طيلة أشهر تبادل الرجلان معا الرسائل المشفرة في ظل ما اعتبره البعض صراعا من الجانبين على ريادة المشهد الحزبي في البلاد.
الصراع يحمل في طياته كذلك تنافسا بين أويحيى وسعداني حول منصب الوزير الأول بحسب ما يؤكده مراقبون للشأن الجزائري.
صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية أشارت إلى أن جذور الخلاف بين رجلي بوتفلقية وحزبيهما قديمة وتعود إلى الانتخابات البرلمانية سنة 1997، حين فاز التجمع بالصدارة على حساب جبهة التحرير، التي كانت تمثل الحزب الوحيد سابقا في الجزائر والحزب الأول في مرحلة التعددية السياسة.
فوز التجمع ما كان ليروق للأفالان، لكن الحزبين معا اضطرا إلى التعايش في ما بينهما بإيعاز من السلطة لكن ذلك لم يمنع من استمرار التوتر بين الجانبين.
إقرأ أيضا:سعداني يهاجم أويحيى ويرفض تعيينه رئيسا للحكومة القادمة
بمجيء عمار سعداني على رأس “الأفالان” ارتفع صوت الحزب ليعلن لخصمه الأول وشريكه في القرب من السلطة أنه هو التشكيلة السياسية الأولى في الجزائر، وبالتالي على التجمع أن يعلم أن الجبهة لن تكتفي بلعب دور ثانوي في الحياة الحزبية بالبلاد وأنها يجب أن تكون القاطرة التي تقود باقي العربات خصوصا في إطار التحالفات المؤيدة للسلطة.
هذا ما يفسر تقاذف الحزبين معا لمدة أشهر لكرة تشكيل تحالف حول دعم البرنامج الرئاسي لبوتفليقة، حيث أصر الجانبان على قيادة الإطار المذكور دون أن يحصل توافق بينهما.
مع تبني البرلمان الجزائري للدستور المعدل، يبدو أن الصراع بين حزبي النظام دخل مرحلة جديدة، خصوصا في ظل المادة 77 من الدستور التي تفرض على الرئيس التشاور مع الحزب المشكل للأغلبية داخل البرلمان قبل تعيين الوزير الأول.
هذه المادة تسيل لعاب جبهة “التحرير الوطني”، تقول “الوطن”. فحتى قبل إعلان حكومة عبد المالك سلال على استقالتها، بدأ عمار سعداني تحركاته لقطع الطريق أمام عودة محتملة لأحمد أويحيى على رأس الوزارة الأولى.
وبالنسبة لسعداني ينبغي أن يكون الوزير الأول المقبل من داخل “الأفالان” باعتباره القوة السياسية الأولى في البرلمان.
اعتراض زعيم “جبهة التحرير الوطني” على أويحيى لا يبدو أنه نابع فقط من حرصه الظاهر على احترام مقتضيات الدستور، فالرجل لم يتوانى في تصريحات صحفية على قصف منافسه معتبرا أنه لا يصلح لقيادة الحكومة في المرحلة الحالية التي تتطلب وجوها جديدة.
الأكيد أنه من الغريب الاستماع إلى مثل هذا الكلام من فم زعيم سياسي دافع بشراسة عن بقاء بوتفليقة في السلطة بالرغم من المرض وتقدمه في السن، حيث تجاوز عمره السبعين، واستمراره في الرئاسة لأزيد من 16 سنة.
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير، الصديق بوقطاية، حرص بدوره على تقطير الشمع لأحمد أويحيى عندما قال إن لديه الثقة في كون الرئيس سيختار رئيس حكومة يكون ضامنا للاستقرار، في إشارة ربما إلى أن أويحيى لا يتوفر فيه هذا الشرط.
ويبدو أن الصراع بين “الأفالان” و”الأرندي” مرشح للاستمرار في ظل الاستحقاقات البرلمانية المنتظرة في 2017 التي ينتظر أن تكون جذوة المنافسة فيها مشتعلة بين حزبي النظام.
وبالتالي، فإن إشكالية من يكون القاطرة ومن يكون العربة ستظل حاضرة ما يهدد بإزاحة قطار السلطة عن سكته على حد تعبير صحيفة “الوطن”.