مقدمة تاريخية
بدأت العلاقة المباشرة بين تونس الولايات المتحدة بعد قيام الثورة الأمريكية مباشرة حيث فقدت السفن الأمريكية التي كانت تجوب البحر الأبيض المتوسط حاملة العلم البريطاني الحماية البريطانية. تلك الحماية التي اكتسبت من خلال المعاهدات التي عقدتها بريطانيا مع دول المغرب العربي ومن بينها تونس، ولكن التطورات خلال حرب الاستقلال الأمريكية جعلت البريطانيين يتخلون عن حماية السفن الأمريكية التي أصبحت معرضة لهجمات دول المغرب العربي ومن بينها تونس نظراً لعدم وجود معاهدات مع الأمريكيين يمكن من خلالها حماية مصالحهم في البحر الأبيض المتوسط. وعندما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على استقلالها كان لابد لها أن تبحث عن امتيازات تجارية مشابهة لما يتمتع الأوربيون به في البحر الأبيض المتوسط خاصة وأن سفنها بدأت تتعرض للكثير من المضايقات من المغاربة الذين كانوا يسعون إلى عقد معاهدات تجارية مع الدول الغربية التي أخذت مصالحها تتنامى في البحر الأبيض المتوسط ومن بينها الولايات المتحدة التي شهدت نمواً اقتصادياً كبيراً بعد حرب الاستقلال مما جعلها تبحث عن أسواق تجارية جديدة لتسويق منتجاتها([1]).
لقد أدرك الأمريكيون أن تجارتهم في خطر في البحر الأبيض المتوسط خاصة وأن سفنهم ترفع علماً جديداً لم يعهده المغاربة من قبل، ونتيجة لذلك حاولوا الحصول على حماية من الفرنسيين ولكن تلك المحاولة لم يكتب لها النجاح بسبب احتجاج المغاربة على أن الاتفاقيات التي وقعت مع فرنسا لا تحمي سفن الغير وبذلك أصبحت سفنهم هدفاً لسفن المغاربة عموماً. تلك المضايقات التي تعرضت لها السفن الأمريكية مع عدم قدرة الحكومة الأمريكية على حمايتها جعل الحكومة الأمريكية تتقرب من بعض الدول المغربية التي أظهرت مرونة في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية كمراكش التي كانت أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة، وبناء على ذلك قررت الحكومة الأمريكية تكوين لجنة من القناصل الأمريكيين الذين كانوا يقيمون في المغرب العربي أو من المهتمين بالعلاقات مع دول المغرب العربي وبالذات بعض القناصل الأمريكيين الذين كانوا يعملون في أوربا لتدرس الطرق الكفيلة بحماية السفن الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط. وبعد دراسة لتلك الوضعية توصلت اللجنة إلى ضرورة عقد معاهدات تجارية مع دول المغرب العربي ومن بينها تونس، وأوصت بإرسال وفد معه حوالي ثمانين ألف دولار لكي يتوصل إلى اتفاقات مع دول المغرب العربي لتأمين سلامة التجارة الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وعندما وصل الوفد إلى شمال إفريقيا نجح في عقد اتفاقية مع المغرب الأقصى في يوليو سنة 1786 م الموافق لشهر رمضان 1200 ﻫ مقابل عشرة آلاف دولار وهدايا أخرى بلغت قيمتها حوالي خمسة آلاف دولار بينما فشل في التوصل إلى معاهدات مماثلة مع دول المغرب العربي الأخرى([2]).
وعلى الرغم من نجاح الوفد الأمريكي في التوصل إلى اتفاقية مع المغرب إلا أن محاولاته لعقد اتفاقيات مماثلة مع دول المغرب العربي الأخرى قد باءت بالفشل بسبب مطالبة حكومات تلك الدول بمبالغ مالية طائلة، فعلى سبيل المثال طالبت الجزائر بدفع مبالغ مالية كفدية حددت بمبلغ كبير للأسرى الأمريكيين المحتجزين لديها والذين بلغ عددهم حوالي إحدى وعشرين أسيراً، وطالبت كل من تونس وطرابلس من الولايات المتحدة بمبالغ تدفع في مقابل سلامة التجارة الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط وتقديم بعض الخدمات للسفن الأمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لتلك النيابات. ومع أن الولايات المتحدة كانت في حاجة إلى التوصل إلى تلك الاتفاقيات إلا أن الكونجرس الأمريكي لم يوافق على ذلك مما أخر الوصول إلى اتفاقيات مع تلك الدول إلى فترة زمنية وصلت ما يقارب من أحد عشر عاماً، وهذا بالطبع زاد من صعوبة المفاوضات وأعطى فرصة للسفن المغربية بتكثيف هجماتها على السفن الأمريكية حيث أصبحت التجارة الأمريكية في خطر([3]).
وكان من الأسباب وراء تردد الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل إلى اتفاقيات مع بقية دول المغرب العربي هو عدم وجود أموال في الخزينة الأمريكية تستطيع دفعها لتأمين تجارتها وفك أسر رعاياها الذين أصبحت أعدادهم تزداد في الأسر يوماً بعد آخر نتيجة لتزايد هجمات الأساطيل المغربية على السفن الأمريكية، فالأسرى الأمريكيون المحتجزون لدى الجزائر على سبيل المثال، ارتفع من إحدى وعشرين أسيراً في أواخر الثمانينات من القرن الثامن عشر ليصل إلى 119 في بداية التسعينات من نفس القرن، وبلغ عدد السفن التي قام الأسطول الجزائري باحتجازها في مدة شهرين خلال عام 1200 ﻫ/ 1793 م حوالي إحدى عشرة سفينة. وكان كل من الأسطول التونسي والطرابلسي يقومان بهجمات مماثلة لكي يرغما الولايات المتحدة على إبرام اتفاقيات تجارية مماثلة للاتفاقيات التي أبرمت مع بعض الدول الأوربية، ونتيجة لذلك كان على الأمريكيين أن يتخذوا قراراً عاجلاً بشأن التطورات في البحر الأبيض المتوسط وظهر توجه داخل الكونجرس الأمريكي يتبنى فكرة بناء أسطول يمكن من خلالها محاربة دول المغرب العربي ولكن أيضاً عدم توفر المال اللازم لبناء سفن حربية جعل الرأي الآخر والذي يدعو للتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع دول المغرب العربي يتغلب على فكرة الدفاع عن المصالح الأمريكية في حوض البحر الأبيض المتوسط بالقوة. ولذلك قرر الكونجرس انتداب وفد برئاسة جيمس لياندر كاثكرت James Leander Cathcart ليتوصل إلى اتفاقيات تجارية ويقوم بتخليص الأسرى الأمريكيين المحتجزين في دول الشمال الأفريقي، وبالفعل توصل ذلك الوفد بعد مفاوضات شاقة إلى عقد اتفاق مع الجزائر بعد التزام الوفد الأمريكي بدفع 642000 دولاراً نقداً ودفع ما قيمته 216000 دولاراً كمعدات بحرية، وصادق الكونجرس على ذلك في 5 سبتمبر 1796 م (3 ربيع الأول 1211 ﻫ)، أما تونس وطرابلس فلقد نجح الوفد الأمريكي في عقد معاهدتين معهما في السنة التالية حيث عقد مع طرابلس معاهدة التزمت فيها الولايات المتحدة بدفع 12000 دولاراً، والتزمت أيضاً لتونس بدفع مبلغ 107000 دولاراً حيث وقعت معها معاهدة مماثلة في أول أغسطس سنة (1797 م الموافق (8 محرم 1212 ﻫ) ([4]). تلك المبالغ التي دفعت من الحكومة الأمريكية تعتبر بمثابة مؤشر على رضوخ الولايات المتحدة لمطالب دول المغرب العربي وعلى أن المعاهدات التي عقدت مع تلك الدول تفاوتت من دولة إلى أخرى.
تأسيس العلاقات الرسمية بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر اتفاقية السلم والصداقة التي وقعتها تونس مع الولايات المتحدة في الأول من أغسطس عام (1797 م الموافق (8 محرم 1212 ﻫ) وصادق عليها الكونجرس الأمريكي في السادس من مارس سنة (1798 م الموافق (18 رمضان 1212 ﻫ) بداية لعلاقة رسمية ومباشرة بين الدولتين استمرت حتى فرض الحماية الفرنسية على تونس. تلك الاتفاقية التي اشتملت على ثلاثة وعشرين بنداً والتي ركزت على إقامة صداقة بين الدولتين وتأمين السفن الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط وعدم أسر الأمريكيين سواء كانوا على سفن أمريكية أو غيرها. وعند تحليل بنود الاتفاقية نجد أن البند الأول ركز على قيام سلام بين تونس والولايات المتحدة بصفة دائمة ومستمرة على أن تكون كلتا الدولتين حريصتين على تنميته، أما البند الثاني فيؤكد على حماية رعايا كلتا الدولتين وممتلكاتهما في عرض البحر وإذا قامت سفن الباشا (الباي) بمهاجمة السفن الأمريكية فإن الباشا يتعهد بإعادة الرعايا الأمريكيين وجميع ممتلكاتهم، وفي البند الثالث تَمّ التأكيد على أنه إذا دخلت الدولتان في حرب فإن سفن الدولة الأخرى التجارية لا يقبض عليها أو تحتجز من الطرف الآخر. وفي البندين الخامس والسادس أكدت الاتفاقية على عدم حجز أو تفتيش السفن الأمريكية وفي حالة أسر أي رعايا أمريكيين فإن القنصل يقوم بالتنسيق مع الحكومة التونسية لفك أسرهم، وإذا حاولوا الهرب فإن القنصل أيضاً ملزم بإعادتهم أو القيام بدفع فدية إذا لم يتمكن من ذلك وخولت الاتفاقية للباي حق استخدام السفن الأمريكية عند الحاجة إليها، أما البند السابع وحتى البند الحادي عشر فقد اشتملت بنوده على تأمين السفن والرعايا الأمريكيين في البحر والحصول على امتيازات تخول الأمريكيين استخدام الموانئ التونسية على أن يعامل التونسيين بالمثل. وركزت البنود من البند الثاني عشر وحتى نهاية البند الواحد والعشرين على تنظيم الحقوق لكل رعايا دولة على أرض الدولة الأخرى وذلك بممارسة حقوقهم كاملة من الإقامة والحفاظ على أرواحهم وأموالهم وحق ممارسة شعائرهم الدينية والسماح لكل طرف بإقامة تمثيل دبلوماسي للمحافظة على مصالح رعاياه، وحددت الاتفاقية الامتيازات التي يتمتع بها القنصل الأمريكي والتي تشتمل على أحقيته في استيراد الأشياء الخاصة به دون دفع جمارك عليها، وله كامل الحماية وجميع أفراد أسرته، ومن الناحية القانونية ضمنت للقنصل الأمريكي بحل المنازعات بين الرعايا الأمريكيين وإذا حدث خصام بين من هم تحت حمايته فعليهم الاحتكام إلى القنصل وليس إلى السلطات التونسية. وكفلت تلك البنود ممارسة التجارة لرعايا كل دولة على أرض الدولة الأخرى وحددت الجمارك على البضائع في الموانئ التونسية بنسبة عشرة في المائة أما البضائع الواصلة إلى الموانئ الأمريكية فحددت بنسبة ثلاثة في المائة فقد لندرة وصول التجار التونسيين إلى تلك الموانئ. والتزم المفاوضون الأمريكيون بدفع برميل بارود لكل طلقة من المدفعية التونسية عندما تدخل سفينة تابعة للولايات المتحدة إلى الموانئ التونسية، كما تعهدوا بدفع هدايا للباي والمقربين له عند توقيع المعاهدة وفي المناسبات الرسمية، أما بقية النبود فأشارت إلى كيفية الفصل في الخلافات الناشئة فيما بعد حول تطبيق الاتفاقية أو تفسير بنودها ووقعت من الباي حمودة باشا ومن ممثل الحكومة الأمريكية ويليم إيتون William Eaton وجيمس لير كاثكارت James Kear Cathcart على أن يصادق عليها الكونجرس فيما بعد([5]).
تطور العلاقات التونسية الأمريكية في ظل المستجدات العسكرية
بعد توقيع المعاهدة التونسية الأمريكية والتصديق عليها دخلت العلاقات التونسية في مرحلة جديدة تأثرت بالأحداث العسكرية وبالذات حرب الولايات المتحدة ضد طرابلس وفيما بعد ضد الجزائر. فعلى الرغم من تباين الموقف التونسي تجاه الحربين إلا أن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية تأثرت سلباً أو إيجاباً، فالعلاقات التونسية الأمريكية ظلت تراوح مكانها خلال الحرب الطرابلسية الأمريكية فمطالب الباي للحصول على أسلحة لم تجد أذناً صاغية من الحكومة الأمريكية لتخوف الولايات المتحدة من استخدام تونس للسلاح ضدها، والشراكة التجارية التي حاول الباي توثيقها مع الولايات المتحدة لم تتقدم إلى الأمام خطوة واحدة بسبب ظروف الحرب مع طرابلس وما كانت تقابله سفن الولايات المتحدة من أخطار في البحر الأبيض المتوسط، ولكي تتخلص التجارة الأمريكية من تلك الأخطار وتطور العلاقات بين البلدين اقترح القنصل الأمريكي على حكومته في رسائله المتعددة التي كان يبعث بها إلى وزارة الخارجية الأمريكية بأنه يجب تلبية المطالب التونسية إذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على الصداقة مع تونس والحفاظ على المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في المعاهدة التي صادق عليها الكونجرس الأمريكي بعد التعديلات التي أجريت عليها. وحذر القنصل من إهمال ذلك وإلا فإن العلاقات بين البلدين ستتضرر خاصة وأن الباي هدد أكثر من مرة بإنزال العلم الأمريكي وطرد القنصل وإعلان الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تلبى مطالبه. وفي نفس الوقت طرح القنصل خيار “الجزرة والعصا” والتلويح بالحرب ضد تونس إذا استمر الباي في تهديداته للولايات المتحدة لكي يأخذ الأمر بجدية ويكف عن تلك التهديدات([6]).
إن التهديدات التي أطلقها الباي ضد الولايات المتحدة أخذت مأخذ الجد من القنصل الأمريكي إيتوت الذي بدأ يحاول التلميح باستخدام القوة ضد الباي فكتب إلى قائد السفن الأمريكية في البحر المتوسط فالنتين ريتشارد موريس F.R. Maurice والذي كان من مهامه مضايقة السفن الطرابلسية بل وفرض الحصار على طرابلس بزيارة تونس ببعض سفنه لإظهار قوة الولايات المتحدة للتونسيين. ذلك الطلب حمل محمل الجد من قائد السفن الأمريكية الذي كتب إلى وزير الخارجية الأمريكية يخبره بعزمه زيارة الشواطئ التونسية وإظهار قوة الأسطول الأمريكي أمام المسؤولين التونسيين وذلك بقوله:
«… سأدعو يوسف صاحب الطبع وبعض المسؤولين في تونس لتناول العشاء على سفينة الكومدور وسألفت نظرهم إلى تجهيزاتها ومدافعها وسأقول لهم أنظروا هذه هي قوتنا الضاربة وبها نحمي مصالحنا ونحافظ على معاهداتنا وإذا رأيتم في هذا بعض العداوة فإنها الأسلوب الوحيد لحفظ السلام..» وبالفعل قام الأسطول الأمريكي بزيارة الشواطئ التونسية في محاولة لكبح مطالب الباي المتزايدة من وجهة النظر الأمريكية([7]).
لقد حدثت تطورات عديدة كان لها الأثر على العلاقات التونسية الأمريكية فالحرب الطرابلسية الأمريكية جعلت الخلافات تتطور بين التجار التونسيين وبين القنصل الأمريكي إيتون الذي أصبح مدان لهم بالكثير من الأموال التي صرفها على متطلبات الحرب، وكان من بين الديون التي كان من المفترض أن يقوم القنصل بتسديدها دين بلغ 34000 دولاراً إسبانياً ليونس بن يونس أحد التجار التونسيين الذين كانوا على علاقة قوية معه. ولم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة التي تركت أثراً على العلاقات، فالمصاعب العسكرية التي كان يواجهه الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط بسبب تعرضه لهجمات مضادة من الأسطول الطرابلسي جعلت القنصل يقرر مغادرة البلاد في مارس سنة 1803 م (ذي القعدة 1271 ﻫ) للاستنجاد بحكومته لإيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها المصالح الأمريكية في شمال أفريقيا تاركاً خلفاً له الدكتور جورج ديفس George Davis مؤقتاً في تونس([8]). ويبدو أن مغادرة إيتون لتونس كان الهدف منها تحصيل بعض الأموال من حكومته وإقناعها بفكرة استخدام أحمد باشا القرمانلي أخ يوسف باشا والذي قام بالثورة عليه في 23 ذي القعدة 1209 ﻫ (11 يونيو 1795 م) وطرده من البلاد مما اضطره إلى اللجوء إلى القاهرة([9]). ومن خلال الاتصالات التي قام بها إيتون مع أحمد باشا القرمانلي قرر الأخير التعاون مع الأمريكيين الذين قادوا حملة من مصر في صفر سنة 1220 ﻫ (يونيو 1805 م)، شارك فيها أحمد باشا القرمانلي وإيتون حيث استطاعا احتلال درنة والوصول إلى طرابلس وأمام الضغوط البرية والبحرية الأمريكية اضطر يوسف باشا إلى توقيع صلح مع الأمريكيين في 5 ربيع الأول 1220 ﻫ ( 3 يوليو سنة 1805 م)، وأدرك أحمد بأنه خدع من قبل الأمريكيين وبذلك أنهيت مرحلة من مراحل الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين طرابلس والتي لم يكن تأثيرها فقط على العلاقة بين البلدين بل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المغرب العربي الأخرى([10]).
إن الحرب الأمريكية الطرابلسية تركت أثراً على النشاط الدبلوماسي لممثلي الولايات المتحدة في الشمال الأفريقي وبالذات القنصل الأمريكي في تونس الذي عمل جاهداً في مساندة أسطول بلاده وتقديم التسهيلات للسفن الأمريكية التي تصل إلى الموانئ التونسية ومحاولته امتصاص غضب الباي الذي كان يطالب ببعض الأسلحة والهدايا من وقت لآخر، وكان لها أيضاً الأثر الكبير في الانتصار الذي حققه الأمريكيون على يوسف باشا القرمانلي بل أن ذلك امتد إلى العلاقات التونسية الأمريكية التي لولا الانتصارات التي أحرزها الأمريكيون في طرابلس لتدهورت تلك العلاقات وربما تطورت إلى حرب بين البلدين. ومع ذلك حاول الأمريكيون بعد انتصارهم على يوسف باشا أن يثبتوا لدول شمال إفريقيا إنهم أكثر قوة وأنهم يستطيعون حماية تجارتهم في البحر الأبيض المتوسط وأنهم لا يأبهون بتهديدات حكام المغرب العربي، ففي شهر أغسطس من سنة 1805 م (أواخر جمادى الأولى 1220 ﻫ) قام قائد الأسطول الأمريكي جون رودجرز John Rodgers بالوصول إلى المياه التونسية وضرب حصاراً على الأسطول التونسي وطلب من الباي حمودة باشا أن يتنازل عن مطالبه ضد الولايات المتحدة والتي تتعلق بما تبقى من التعويضات التي امتثل بها القنصل للتجار التونسيين نتيجة للأضرار التي لحقت بمراكب التجار التونسيين التي كانت في طريقها إلى طرابلس أثناء حصار الأمريكيين لها والتي قام الأسطول الأمريكي باحتجاز بعضها. ولم تقتصر مطالب قائد الأسطول الأمريكي عند هذا الحد بل طالب الباي بتوقيع اتفاقية تؤكد الاحترام المتبادل بين الطرفين وعدم الإصرار على مطالبة القنصل الأمريكي بهدايا إضافية وإنما فقط الالتزام بما اتفق عليه في المعاهدة التي وقعت بين البلدين في سنة 1798 م. ولم يستجب الباي لتلك المطالب بل حاول أن يراوغ وأصدر أمره إلى أحد مراكبه بالإفلات من الحصار للتعرف على جدية الأمريكيين ولكن السفن الأمريكية هاجمته مما جعل المركب يتراجع إلى الميناء. ونتيجة لذلك أعلن الباي بأنه ينوي إرسال سفير إلى الولايات المتحدة لكي يتفاوض مع الحكومة الأمريكية حول بعض المسائل العالقة بين البلدين. وبالفعل قبل رودجرز بذلك الاقتراح وظل الأسطول الأمريكي مرابطاً في المياه التونسية في انتظار إرسال الباي سفيره إلى الولايات المتحدة الأمريكية([11]).
وبدون تريث عين الباي سفيراً لتلك المهمة هو سيدي سليمان ميلميللي الذي غادر تونس على متن سفينة أمريكية متجهاً إلى الولايات المتحدة في اليوم الأول من سبتمبر من عام 1805 م (7 جمادى الثانية 1220 ﻫ) مع بعض الهدايا التي زود بها للرئيس الأمريكي منها على سبيل المثال أربعة خيول عربية وبعض المنسوجات التونسية. وبعد وصول السفير التونسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية قابل الرئيس الأمريكي هناك وناقش معه بعض المسائل التي تتعلق ببنود المعاهدة التي وقعت بين البلدين وأقرها الكونجرس في سنة 1798 م على أن تراعى اقتراحات الحكومة الأمريكية حول بعض بنود المعاهدة، وأكدت الحكومة الأمريكية على الحصول على وعد من السفير التونسي بسلامة سفنها من القرصنة في البحر الأبيض المتوسط وتطبيق بنود المعاهدة الموقعة بين البلدين مقابل مغادرة السفن الأمريكية المياه التونسية. وأثناء المفاوضات التزمت الحكومة الأمريكية بدفع عشرة آلاف دولار تسلم للباي بعد إثبات نواياه تجاه السفن التجارية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط على أن لا يسلم ذلك المبلغ إلا في سنة 1807 م([12]).
وعندما تقابل أمير اللواء سيدي عثمان ميلميللي مع الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون Thomas Jefferson تبادل الطرفان عبارات الترحيب وقال الرئيس الأمريكي للمبعوث التونسي في كلمته المعربة ما نصه: «… أفرد لكم… سروري لهذه الوجهة الحبيبة التي اقتضاها نظر المعظم الباي فإن لنا محبة بالأمة التونسية ونود خيرها ونجاحها وإن شاء الله من هذه الوجهة تنتج الخلطة الحسنة بين البلدين وإن شاء الله في إقامتكم في هذا الوطن لن تجدوا إلا ما يسركم ويرضيكم… إن خدمتكم الرسمية تمت على حسن المراد وإن شاء الله عند رجوعكم لبلادكم تؤكدون لدولتكم ولأهليكم محبة أميركة (هكذا) وما أثر فيكم مما رأيتموه فيها والله تعالى يبلغكم السلامة ويوصلكم سالمين ومسرورين لبلادكم ويديم خيرها ونجاحها…»([13]). وخلال بقاء سليمان ميلميللي في الولايات المتحدة تقابل مع لعديد من المسئولين الأمريكيين في وزارة الخارجية الأمريكية وناقش معهم المصالح المشتركة بين الطرفين والمشاكل العالقة بين الطرفين ومنها حادثة استيلاء الأسطول الأمريكي على بعض المراكب التونسية التي كانت تحمل مؤناً تريد إيصالها إلى طرابلس أثناء الحصار الأمريكي لها وما خلفه ذلك النِّزاع من احتكاك بين الأسطولين أدى إلى مرابطة الأسطول الأمريكي أمام السواحل التونسية بعد انتهاء الحرب الأمريكية الطرابلسية والذي يعتبر السبب المباشر وراء بعثة ميلميللي إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لقصر الفترة التي كان يعتزم المبعوث التونسي بقاءها في الولايات المتحدة عرضت مسألة النِّزاع على وجه السرعة على الكونجرس الأمريكي الذي وافق على إعادة السفن التونسية ولكنه رفض التزام الولايات المتحدة بتقديم إعانة لتونس إلا ما كان متفق عليه بين الطرفين من قبل([14]). وبعد بقاء سليمان ميلميللي بضعة أسابيع في الولايات المتحدة تخللها بعض الزيارات الترفيهية عاد إلى تونس. وبذلك تلافت تونس الحرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس الوقت نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إظهار قوتها أمام تونس وأنها قادرة على تأمين التجارة الأمريكية دون التسليم بمطالب الباي التي كانت في مجملها من وجهة النظر الأمريكية غير مقبولة.
بعد الانتصارات العسكرية والنجاحات السياسية التي تحققت للولايات المتحدة الأمريكية على دول المغرب العربي وبالذات طرابلس التي حقق الأسطول الأمريكي نصراً عسكرياً عليها وتونس التي نجحت الدبلوماسية الأمريكية في التوصل إلى حلول مرضية معها قررت الحكومة الأمريكية سحب أسطولها من البحر الأبيض المتوسط تدريجياً خاصة وأنها ترتبط مع دول المغرب الأخرى مثل الجزائر ومراكش بمعاهدات مشابهة للمعاهدات التي وقعت مع تونس. وخلال الفترة التي تلت انسحاب الأسطول الأمريكي ظلت التجارة الأمريكية من دون حماية في البحر الأبيض المتوسط وانشغلت الولايات المتحدة بحربها مع بريطانيا وهذا أدى إلى محاولة كل من الدولتين الإبقاء على علاقات جيدة مع الأخرى([15]).
ومع أن العلاقات بين تونس والولايات المتحدة تحسنت إلى حد كبير بعد زيارة سليمان ميلميللي إلى الولايات المتحدة وظلت السفن الأمريكية في مأمن من ملاحقة الأسطول التونسي لها إلا أن هناك بعض الحوادث التي كادت أن تعكر صفو العلاقة بين البلدين. ففي عام 1810 م (1225 ﻫ) اشترى يوسف صاحب الطابع، الوزير الأول للباي سفينة أمريكية من قراصنة فرنسيين كانوا قد استولوا عليها من تجار أمريكيين، وعندما علمت الحكومة الأمريكية بذلك طلبت من الباي إعادة السفينة باعتبار أن بيعها لا يعتبر شرعياً، ولكن الباي رفض ذلك الطلب وهدد بإعلان الحرب على الولايات المتحدة إذا استخدمت القوة في محاولة لاستعادة السفينة المباعة بل أن الباي هدد بمصادرة ممتلكات الأمريكيين والتي قدرها القنصل الأمريكي بحوالي مائتين وخمسين ألف دولار وتحت ذلك التهديد صرفت الولايات المتحدة الأمريكية النظر في المطالبة بتلك السفينة خاصة وأنها لا تملك القوة للقيام بذلك بعد أن سحبت أسطولها من البحر الأبيض المتوسط([16]).
أما عن المستجدات العسكرية الأخرى فالخلاف الحدودي بين تونس والجزائر الذي حدث في نهاية العقد الأول من القرن التاسع عشر الميلادي أثر على العلاقة بين البلدين حيث قلل التعاون بين أسطولهما في البحر بل أنه نقل الخلاف إلى صراع بينهما فأصبح كل منهما يهاجم سفن الآخر. ومن تلك الحوادث ما قامت به سفينة حربية جزائرية من الهجوم على مركب تجاري تونسي وأسرت من عليه ونهبت ما فيه. وبعد الاستيلاء على المركب بعث به إلى الجزائر وأبقى الأسرى محتجزين في مركب جزائري بعيداً عن الشاطئ، وبعد بقاء المركب في البحر فترة من الزمن نفذ ما معه من الماء وفي تلك الأثناء التقى بمركب أمريكي وطلب الجزائريون من الأمريكيين تزويدهم بالماء بعد أن قام بالترجمة لهم الأسرى التونسيون، وبعد تزويدهم بالماء طلب التونسيون من الأمريكيين تخليصهم من الأسر وبالفعل استجاب الأمريكيين لذلك الطلب وحرروا التونسيين من الأسر بل إنهم نقلوهم إلى مرسى غار، وعندما أراد التونسيون تقديم بعض المكافآت لهم رفض الأمريكيون ذلك وكان لذلك العمل أثره الطيب على نفوس التونسيين([17]).
وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فلقد ظلت الولايات المتحدة الأمريكية ترسل قناصلها إلى تونس للحفاظ على مصالح التجار الأمريكيين الذين يصلون بتجارتهم إلى الموانئ التونسية، وكانت من مهام أولئك القناصل تزويد الخارجية الأمريكية بالمستجدات السياسية والاقتصادية حيث أن التقارير التي ترسل من القناصل الأمريكيين تعرض على مجلس الأمة الأمريكي بعد دراستها في وزارة الخارجية الأمريكية، ففي إحدى التقارير التي عرضها الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في 20 فبراير 1815 م (5 ربيع الأول 1230 ﻫ) بناء على طلب قدم له من المجلس أشار بقوله «بناء على قراركم لإعطائكم معلومات عن دول البربر أفيدكم بما يلي: ليس هناك أي دليل على أن علاقتنا مع المغرب وتونس وطرابلس قد تعرضت لأي شيء أخيراً وكل شيء سائر حسب المعتاد معها، أما بالنسبة للجزائر فإن ما أحاله السيد الرئيس من وثائق في 1812 م تدل على أن الباي (الداي) قد هدد قنصل الولايات المتحدة الأمريكية ورعاياها بدون سبب، بل إن تهديدات الباي (الداي) كانت تهديدات خطيرة تتنافى والاتفاقية المعقودة مع بلاده وابتز من قنصلنا مبلغاً كبيراً من المال تحت التهديد والجبروت، واتبع الباي (الداي) هذا الاعتداء باستيلاء سفنه على سفن أمريكية والسيطرة على مواطنين أمريكيين…»([18]).
ونتيجة لتلك التطورات قررت الولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع معاهدة سلام مع بريطانيا سنة 1815 م (1230 ﻫ) إرسال أسطولها إلى البحر الأبيض المتوسط لحماية التجارة الأمريكية ومحاربة الجزائريين وإجبار الداي عمر باشا على توقيع معاهدة سلام حصلت فيها الولايات المتحدة الأمريكية على امتيازات جديدة([19]). تلك التطورات تركت أثارها على العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتونس حيث حاول الباي محمود باشا التأكيد على حسن العلاقة بين بلاده وبين الولايات المتحدة، ووجدها فرصة للتعبير عن ذلك في الرسالة التي بعث بها مع القنصل الأمريكي كارلو كوكس التي انتهت فترته كقنصل في تونس، وذلك بقوله: «… من عبد الله سبحانه محمود باشا باي مير ميران بتونس المحروسة إلى الأفخم حبيبنا وأكبر محبينا رايس دولة الماريكان (هكذا) إن قنصلكم ونائب دولتكم كرلو كوكس الذي أقام بهذا الأوجاق أكثر من ثمان سنين حيث أنه عن أمركم جعلتم قنصلاً آخر عوضه… وهو كان السبب في زيادة المصافاة والموالاة الموجودة الآن بيننا أعني بين طايفتنا وطايفتكم وعمالاتنا وعمالتكم وكان حسب ثقتكم التي جعلتوها فيه…»([20]).
ومن الآثار الذي تركه انتصار الولايات المتحدة على الجزائر، وتوقيعها معاهدة معها كفلت لرعاياه امتيازات جديدة تتناسب مع المتغيرات والظروف المستجدة، مطالبة قناصل الولايات المتحدة في المغرب العربي بالحصول على معاهدات مشابهة أو على أقل تقدير تنقيح المعاهدات السابقة. ففي تونس قابل القنصل الأمريكي الباي محمود باشا 1229-1239 ﻫ (1814-1824 م) وناقش معه فكرة إعادة النظر في بعض بنود المعاهدة باعتبار أنها السبب الرئيسي في ضعف المبادلات التجارية بين البلدين بل وقلة عدد السفن الأمريكية الراسية في الموانئ التونسية بينما الواقع يشير إلى تنامي التجارة الأمريكية في الموانئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وكان رد الباي إيجابياً على ذلك الطلب بل أنه وعد بتقديم الخدمات اللازمة للسفن الأمريكية القادمة إلى الموانئ التونسية والاحتفاء بأول سفينة أمريكية ترسو في الموانئ التونسية وذلك بتحيتها ببعض الطلقات المدفعية. وعندما طلب القنصل من الباي عدم مضايقة السفن الأمريكية في نوعية البضائع التي تحملها أو الركاب الذين يستقلونها وعده بعدم التدخل في ذلك وأخبره بأنه سوف يلغي القرار الذي اتخذه سابقاً والذي يلزم القنصل بإعادة العبيد الذين يفرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية مستقلين السفن الأمريكية الذي كان قد فرض سابقاً([21]).
وخلال الاجتماعات التي عقدها القنصل الأمريكي في تونس مع بعض الوزراء التونسيين وخاصة الوزير الأول يوسف صاحب الطابع طالب القنصل بأن توثق وعود الباي بصفة رسمية وترسل إلى القنصلية الأمريكية حتى يبعثها إلى حكومته، وتوصل الطرفان أيضاً إلى تنقيح بعض بنود الاتفاقية وخاصة البنود السادس والحادي عشر والثاني عشر والتي كان بعضها مثار خلاف بين الطرفين عند توقيع المعاهدة في أواخر القرن الثامن عشر. فعلى سبيل المثال ورد في البند السادس في الاتفاقية القديمة إذا استقل عبيد سفناً أمريكية فإن القنصل الأمريكي ملزم بإعادتهم إلى الموانئ التونسية أو دفع مبالغ مالية كفدية لهم، وفي البند الحادي عشر عدل ذلك البند إلى عدم إلزام الولايات المتحدة الأمريكية بدفع ثمن البارود الذي تستخدمه تونس في الطلقات المدفعية كتحية للسفن الأمريكية، وفي البند الثاني عشر طلب القنصل بعدم وضع بعض القيود على التجارة الأمريكية وتسهيل العقبات التي تعترض التجار الأمريكيين في تونس أسوة بغيرهم من رعايا الدول الأخرى وذلك بإعطائهم الأحقية في المتاجرة لأي سلعة من السلع التجارية والبقاء في تونس في أي مدينة بدون أية قيود، أما الحكومة التونسية فيحق لها استخدام السفن الأمريكية إذا كانت بحاجة إلى ذلك ولكن يشترط موافقة مالكيها على أن تدفع لهم الأجور التي يطلبونها. وفي البند الرابع عشر ورد في المعاهدة القديمة أن التجار الأمريكيين إذا قدموا على سفن غير أمريكية إلى تونس فإنهم يدفعون ستة في المائة كجمارك على تجارتهم ولكن المعاهدة الجديدة ألغت ذلك الشرط واستبدلته بعبارة وجوب معاملة رعايا البلدين بالتساوي سواء كان ذلك في تونس أو في الولايات المتحدة على أن تعامل الولايات المتحدة معاملة الدول الأكثر تفضيلاً في تونس. ولقد وافق الباي على تلك المقترحات وصادق عليها الكونجرس الأمريكي بتاريخ 4 فبراير 1825 م.
إن المرونة التي أبداها الباي مع الولايات المتحدة الأمريكية كانت نتيجة طبيعية للمتغيرات الدولية وما آل إليه الصراع بين دول المغرب العربي وبين الدول الغربية ذات المصالح في البحر الأبيض المتوسط، فبعد أن كانت دول المغرب العربي تفرض شروطها على تلك الدول في نهاية القرن الثامن عشر نتيجة لقوة الأساطيل المغربية نجد أن الحال تبدل في الربع الأول من القرن التاسع عشر حيث أخذت الدول الغربية تعمل مجتمعة للقضاء على ما يسمى القرصنة. ففي مؤتمر ﭬﻴﻴﻨﺎ سنة 1815 م قرر الأوربيون القضاء على القرصنة المغربية، وكان تحطيم الأسطول الجزائري من قبل الإنجليز والهولنديين سنة 1816 م نقطة تحول في التوازن العسكري بين دول المغرب العربي والدول الغربية التي أخذت في منع المغاربة من استرقاق الأوربيين وعملت على تنقيح بنود الاتفاقيات التي كانت قد عقدتها مع المغاربة لتتماشى مع التحولات الجديدة، ونتيجة لتلك الظروف استفادت الولايات المتحدة من ذلك وطالبت تحديداً بعدم السماح للتونسيين باسترقاق الأمريكيين أو حتى المتاجرة في الرق، وبالطبع وافق الباي على هذا الشرط دون تردد([22]).
إن حصول الولايات المتحدة الأمريكية على امتيازات مرضية لها فتحت صفحة جديدة من العلاقات تتسم بالاحترام المتبادل بين الدولتين ومعاملة كل دولة الأخرى بالمثل وخاصة في تحديد مسألة الجمارك بين البلدين. ونظراً لضعف الأسطول التونسي وعدم وجود تجارة ذات قيمة كبيرة لتونس في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ظلت العلاقات الاقتصادية تميل لصالح الولايات المتحدة في استخدام الموانئ التونسية وفي توريد التجار الأمريكيين لمنتجات بلادهم خاصة في ظل تنامي التجارة الأمريكية في حوض البحر الأبيض المتوسط. ومما ساعد على نمو تلك التجارة عودة الهدوء إلى البحر الأبيض المتوسط بعد احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 م([23]). ونتيجة لذلك أصبحت بقية دول المغرب العربي مهددة في استقلالها مما جعل حكامها لا يحركون ساكناً في محاولة لعدم إثارة النِّزاع مع الدول الغربية خاصة وأن الأساطيل المغربية أصبحت في موقف ضعيف أمام تطور الأساطيل الغربية.
إن أهم السمات التي اتسمت بها السياسة التونسية بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر هي استخدام سياسة التوازن بين الدول ذات المصالح في تونس ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية. وكان الهدف من تلك السياسة محافظة تونس على استقلالها بعيداً عن التدخلات الأجنبية وظهر ذلك واضحاً في سياسة الباي مصطفى الذي أدرك الخطر الذي كان ينتظر بلاده من تدخلات الدول الأوربية التي أصبحت تنظر إلى دول المغرب بمزيد من الاهتمام خاصة في ظل التنافس الاستعماري بين الأوربيين. وعندما دنا الأجل من الباي مصطفى في أكتوبر سنة 1837 م أوصى ابنه «… بأن لا يخص أحداً من قناصل الدول بصحبة ذاتية وإنما يخالطهم بقدر الحاجة على احترام مناصبهم ودولهم..»([24]).
تلك السياسة سار عليها خلفه أحمد باي الذي أظهر سياسة أكثر مرونة مع قناصل الدول الغربية ومن بينهم قنصل الولايات المتحدة الأمريكية وظهر واضحاً في عدم تردد الباي من تلبية طلب الهيئة الدبلوماسية للدول الأجنبية بزيادة مساحة الكنيسة بتونس العاصمة بعد أن تزايدت أعداد الأجانب القاطنين بالبلاد التونسية. ولكي يثبت الباي الجديد حسن نواياه تجاه الأجانب في تونس أسقط عنهم الرسوم التي كانت تؤدى للخزينة التونسية ومقدارها ألف ريال([25]). تلك السياسة الجديدة جعلت الولايات المتحدة الأمريكية كغيرها من الدول الأوربية تنظر باهتمام إلى مصالحها في تونس في ظل التوجهات الجديدة للحكومة التونسية والتي أصبحت لا تقتصر على حماية سفنها التجارية في البحر الأبيض المتوسط بل زيادة استثماراتها في البلاد التونسية ومن خلال ذلك التوجه دخلت العلاقات التونسية في مرحلة جديدة اتسمت بزيادة النشاط التجاري للأمريكيين في تونس.
نمو العلاقات وموقف كل بلد من الأحداث الداخلية في البلد الآخر
قبيل منتصف القرن التاسع عشر بدأت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في التنامي في دول حوض البحر الأبيض المتوسط ومن بينها تونس التي أخذ الأمريكيون كغيرهم من رعايا الدول الغربية في التوافد عليها كتجار وباحثين عن فرص استثمارية مما جعل القنصل الأمريكي يطلب من الباي السماح بتعيين نواب له في كل من بنْزرت والمهدية وحلق الوادي وسوسة. ففي الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن التاسع عشر الميلادي وافق الباي على فتح فروع لقنصلية الولايات المتحدة الأمريكية في المدن المشار إليها([26])، وكان هدف الباي من ذلك زيادة النشاط الاستثماري للأمريكيين في بلاده لكي تستفيد الخزينة التونسية من ذلك وليحافظ على سياسة التوازن بين الدول الأجنبية حتى تبقى تونس بعيدة عن النفوذ الأحادي خاصة من الدول ذات النفوذ الكبير في البلاد الطامعة في بلاده. وجاءت تلك الاستجابة كمؤشر على عزم الباي في المضي في سياسة الإصلاح التي استحدثها في الأربعينات من القرن التاسع عشر الميلادي والتي تشجع على فتح البلاد للاستثمارات الأجنبية.
ولم تقتصر تلك السياسة على تلك الأسباب بل إن هناك أسباب أخرى تركت آثارها على سياسة الباي الخارجية ألا وهي التطورات العسكرية التي تلت احتلال الفرنسيين للجزائر والتي تمثلت في القضاء على مقاومة أحمد باي قسنطينة وعلى تحقيق انتصارات أخرى على الأمير عبد القادر الجزائري في وهران([27]). هذه التطورات دفعت الباي إلى توثيق علاقته مع الدول ذات المصالح الهامة في تونس وسعى إلى تنمية مصالحه مع الدول الأخرى حتى يحافظ على استقلال بلاده من الفرنسيين الذين بدأت أطماعهم تزداد في تونس. وهذا بالطبع جعل التقارب يزداد بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية وظهر ذلك واضحاً عندما أخذ القنصل الأمريكي جون باين John Payne في تعيين نواب له في كل من المنستر وصفاقس وجربة وطبرقة والمهدية، وهذا بالطبع زاد من التواجد الأمريكي في تلك المدن التونسية. هذا التواجد كان وراءه نشاط دبلوماسي قام به القنصل الأمريكي في تونس ووزارة الخارجية الأمريكية التي كانت حريصة كل الحرص على زيادة الاستثمارات الأمريكية في تونس والتي قامت بنشاط للتعريف بتلك الفرص وذلك من خلال الإعلان للشعب الأمريكي في الصحف بالأعمال التي قام بها القنصل في تونس وإرفاق ترجمة بالإنجليزية للمعاهدة التي وقعتها الولايات المتحدة مع تونس. ولقد ورد ذلك في مرسوم رئاسي نشر في الثاني من أكتوبر عام 1843 م حث الأمريكيين على البحث عن فرص تجارية واستثمارية في تونس([28]).
إن المصالح الأمريكية في تونس أخذت في النمو في منتصف القرن التاسع عشر ولم تكن مقتصرة على تأمين التجارة الأمريكية في حوض البحر الأبيض المتوسط وزيادة الاستثمارات الأمريكية في تونس بل تعدت ذلك إلى محاربة تجارة الرقيق والاهتمام بشؤون اليهود التونسيين الذين أخذ القناصل الأمريكيون في تعيينهم كنواب لهم في القنصليات الأمريكية الجديدة. ففي بداية الأربعينات الميلادية من القرن التاسع عشر أخذ القناصل الأجانب ومن بينهم القناصل الأمريكيون في الضغط على الباي بإصدار قانون يمنع فيه الرق في البلاد التونسية وعدم السماح بشراء العبيد أو بيعهم في الأسواق التونسية. ونتيجة لذلك اضطر الباي أحمد باي إلى إصدار منشور في رجب سنة 1257 ﻫ (سبتمبر 1841 م) بمنع بيع الرقيق في الأسواق التونسية بل أمر بإزالة الدكاكين التي كان يعرض فيها أولئك العبيد. وفي ذي القعدة من عام 1258 ﻫ/ 1842 م صدر أمر من الباي بأن جميع العبيد المولودين في البلاد التونسية أحراراً. وفي محرم سنة 1262 ﻫ (يناير 1846 م) صدر أمر بوقف العمل بالرق في تونس([29])، وبذلك القرار كسب الباي الرأي العام للهيئة الدبلوماسية في تونس والتي يبدو أنها زودت بتعليمات من بلدانها بمحاربة الرق والضغط على الباي بإلغائه وهذا ما أدى إلى علاقات جيدة مع تلك الدول ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تكن الهيئة الدبلوماسية الأمريكية بمنأى عن التنافس بين الهيئات الدبلوماسية الأوربية التي كانت تحاول إبراز دورها من خلال زيادة استثمارات بلدانها ولكي تحقق ذلك كان لابد من الاستعانة بمواطنين تونسيين توفر لهم الحماية أمام القانون التونسي. ومع أن “نظام الحماية الدبلوماسية” في تونس كان على نطاق محدود إلا أن هناك بعض الحمايات التي قدمت لأفراد كانوا مطلوبين من القضاء التونسي وهذا ما أثار مشاكل بين الحكومة التونسية والهيئة الدبلوماسية الأمريكية خاصة عندما قام أحد المطلوبين ويدعى سعيد الجرفي بالالتجاء إلى القنصلية الأمريكية مما حدا بالباي ليقوم بالكتابة إلى القنصل الأمريكي ويطلب منه التخلي عن حماية الجرفي وإخراجه إلى إحدى الزوايا كما هو متعارف عليه في القانون التونسي لتقرر السلطات التونسية مصيره. ولقد ورد في الرسالة ما نصه «… فإنه بلغنا أن سعيد الجرفي هرب عندك في القنصلية ومضت له مدة وهو هارب بداركم فالعمل أن تخرجه في الحين وتجعله في زاوية كما هو القانون الجاري به العمل…»([30]).
ومن بين المصالح الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية الاستعانة بالتونسيين من يهود ومسلمين كنواب للقنصل الأمريكي في عدد من المدن التونسية وتوظيف البعض كسماسرة لتوزيع البضائع الأمريكية في البلاد التونسية. فعلى سبيل المثال طالب القنصل الأمريكي جون هاورد باين John Howard Payne من محمد الصادق باي باعتماد عدد من القناصل وطلب منه منحهم الامتيازات التي يتمتع بها القنصل الأمريكي في تونس وتطورت تلك المطالب لتصل إلى أن شملت تلك الامتيازات المترجمين الذين يعملون في القنصليات التابعة للولايات المتحدة الأمريكية كغيرهم من مترجمي القنصليات الأوربية، وللمثال على ذلك ما كتبه الباي في رسالة إلى القنصل ذكر فيها «… أمرنا هذا بيد سعيد ابن الحاج مروان الصفاقسي وإننا جعلناه ترجماناً لقنصليات المركان (هكذا) بصفاقس وأجريناه في ذلك مجرى الترجمانات أمثاله وأوصينا برعايته واحترامه وأن لا يقاس بما يقاس سواه…»([31])، ذلك الخطاب يعطي دلالة واضحة على تمتع من يعمل في القنصليات التابعة للولايات المتحدة بمعاملة ممتازة وصلت إلى التمييز وخاصة في العبارة التي استثني فيها الباي بأن لا يقاس بما يقاس سواه بل يعطى تميزاً خاصاً عن المترجمين العاملين في الهيئات الدبلوماسية الأخرى.
إن تعيين نواب للقنصل وسماسرة كان الهدف منه تنمية المصالح الأمريكية في تونس وهذا ما جعل أولئك النواب والسماسرة والمترجمين يقومون بعملية البيع والشراء للكثير من السلع باسم القنصلية الأمريكية أو بأسماء تجار تحت حمايتها وهذا بالطبع أعطى قوة للاستثمارات التابعة للولايات المتحدة والتي تركزت في بدايتها على الاستيراد والتصدير تجارة التجزئة داخل المدن التونسية. ومع أن بعض التابعين أو المتعاونين مع القنصل الأمريكي ونوابه كانوا يقومون بعمليات بيع خاصة بهم مع عدم الالتزام بالوفاء بأثمان تلك السلع مما جعل بعض الخلافات تنشأ بين القنصل والحكومة التونسية، وهذا ما يتضح في الخلاف حول بعض الصفقات التي أتمها بعض التجار العاملين لحساب القنصلية الأمريكية. ففي إحدى الرسائل الواردة من الباي والتي توضح نشاط أولئك المتعاونين مع القنصلية الأمريكية وارتباطهم بهيئتها الدبلوماسية ورد في الرسالة ما نصه «… أما بعد فإنه بلغنا كتابكم الأول المؤرخ في التاسع من مارس وكتابكم الثاني المؤرخ في الرابع عشر في شأن ترجمان القنصلات والجواب أن هذا الرجل اشترى مائة لوح لنفسه ولما طلبه البائع في الثمن ادّعى أن هذا الرجل بإذن القنصل “فان” واللوح له والحكم يقضي أن الثمن لازم لمن باشر الشراء بنفسه أبقيناه بباردو ليرفع ما لزمه… وعلى كل حال فلما طلبتم توجيه الترجمان وجهناه لكم والحق ثابت عليه في ثمن اللوح…»([32]).
ومن المصالح الأمريكية التي أخذت في الظهور محاولة الولايات المتحدة في البحث عن سوق لأسلحتها في تونس، ففي منتصف القرن التاسع عشر نمت الصناعات في الولايات المتحدة الأمريكية وكان من أهداف الحكومة الأمريكية البحث عن أسواق لمنتجاتها. ومع أن سوق السلاح في حوض البحر الأبيض المتوسط وفي تونس بالذات كان يسيطر عليه بعض الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا إلا أن القنصل الأمريكي عمل جاهداً على تسويق منتجات بلاده في تونس وذلك بتقديم بعض الأسلحة كهدايا إلى الباي كنموذج للسلاح الأمريكي الذي يمكن أن يغزو الأسواق التونسية. ففي إحدى الرسائل التي كتبها القنصل إلى الباي بخصوص عرض منتجات بلاده والحصول على قبول من الباي بتوريد تلك الأسلحة إلى تونس حيث ورد فيها «… أتشرف بأن أطلب من فضل السيادة بالنيابة عن السنتور جيمس سميث James Smith عامل وطن رودز أيلند Roads Island بأمريكية قبول مكحلة وقرابيلة وصفادة أهداهم جنابه لحضرتكم العلية ليس من وجه ما لهم من القيمة بل على شكل عرض من سلاح أمريكية وصفتها ودليلاً على محبة جنابه وميله لحضرتكم العلية، أما المكحلة فإنها سلاح عسكر الترتيب بأمريكية، وأجدى فبريكات الدولة تصنع ألف مكحلة مما ذكر في اليوم وربما بقية الفبريكات تصنع بالجملة من الأربعة إلى الخمسة آلاف مكحلة في كل يوم، وأما القرابيلة فإنها سلاح عسكر الخيالة وهي محسوبة من أرفع قرابيلات النيشان والصفادة هي النوع المستعمل الآن عندنا ويوجد أيضاً ماية عمارة لكل من المكحلتين المذكورتين وعدة أمور أخرى تتعلق بما ذكر وجناب العامل المذكور كلفني بأن أبلغ لعلي جنابكم تحيته ودعائه في سعد جنابكم وفخر عهدكم وخير وطنكم…»([33]).
ولم تقتصر نمو العلاقات بين البلدين على عرض الأسلحة الأمريكية في تونس بل إن القنصل حاول تشجيع بعض أفراد الحكومة التونسية لزيارة الولايات المتحدة والاطلاع على تقدم الصناعات هناك وشراء ما ترغبه الحكومة التونسية من منتجات أمريكية. فعندما تقابل القنصل الأمريكي مع وزيري العدل والحربية التونسيين في عام 1280 ﻫ/ 1863 م بحث معهما العلاقات بين البلدين وعندما أبديا رغبتهما في زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية شجعهما على السفر والاطلاع على الصناعات الأمريكية خاصة وأن الحكومة التونسية كانت تنوي شراء بعض السفن للبحرية التونسية التي أصبحت مهددة أمام الأساطيل الأوربية والتي أصبحت أكثر تطوراً من السفن التونسية التي لم يطرأ عليها الكثير من التجديد خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. لقد وعد القنصل الوزيرين بتقديم المساعدة لهم واستضافتهما من قبل الحكومة الأمريكية في محاولة لتنمية العلاقات التي وصفها القنصل بأنها علاقة ود وصداقة بل أنها علاقة مرضية، ولكن تلك العلاقة من وجهة نظر القنصل تفتقد إلى التمثيل الدبلوماسي لتونس في الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أكد القنصل في الخطاب الذي بعث به إلى وزارة الخارجية الأمريكية بأن قبول الوزيرين لزيارة إلى الولايات المتحدة فرصة يجب أن تستغل أحسن استغلال من الجانب الأمريكي وهي فرصة حقيقية لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين خاصة وأن الحكومة التونسية لديها الرغبة في الحصول على أسلحة وذلك لحاجتها إليها للقضاء على التمردات الداخلية واستخدامها لدرء الأخطار الخارجية وخاصة في نزاعها مع بعض القبائل الجزائرية على حدودها الغربية([34]).
رحبت حكومة الولايات المتحدة بالزيارة المرتقبة بالفعل عندما سافر الوزيران إلى الولايات المتحدة بعث الباي معهما بهدايا مماثلة كان الهدف منها شكر جيمس سميث حاكم إقليم رود إيلاند والتعريف بالصناعة التونسية وخاصة صناعة الملبوسات التي كانت من أجود الصناعات العالمية، وعندما وصلت تلك الهدايا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما كان من جيمس سميث إلا أن يرسل خطاباً يشيد فيه بالباي وبالصناعة التونسية ويتمنى الرفاهية والتقدم لتونس في عهد الباي محمد الصادق. ولقد ورد في الخطاب ما نصه «… أتشرف بإعلام سعادتكم بأنه وصلني من لدنكم هدية هي برهان جلي على عظيم فخر سعادتكم وجزيل كرمكم ودليل واضح على أن الصنائع النافعة والظريفة بلغت في مملكتكم العامرة أعلى درجة الكمال، وأما الهدية التي أتحفتني بها فتشتمل على ثوبين من أفخر الملبوس المزركش وبرنسين من أنعم الكشمير وتربيعتين من الحرير الناعم الذكي الصنع وثلاث تقريطات بديعة السج مما لا يمكن صنعه إلا في تونس فأقدم لسعادتكم مواجب الشكر على هذه الهدية إشعاراً بممنونيتي لجنابكم السامي على إياي بها…»([35]).
إن التقارب بين تونس والولايات المتحدة الذي أخذ في التنامي منذ منتصف القرن التاسع عشر أعطى الثقة للباي بأن يطلب من السفير الأمريكي في تونس جورج نيكلسون George Nicholson بالتوسط في تنظيم العلاقة بين الباي والسلطان العثماني خاصة وأن تونس في تلك الفترة تريد تجديد الثقة مع الدولة العثمانية في ظل الظروف الدولية والضغوط الأوربية وبالذات من فرنسا التي بدأت أطماعها تتزايد في تونس يوماً بعد آخر، ويبدو أن القنصل الأمريكي أرسل خطاباً إلى قنصل الولايات المتحدة في استانبول يطلب منه التعرف على وجهة النظر العثمانية عن العلاقات بين الدولة العثمانية وتونس في ظل المستجدات الدولية بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ولقد أجاب القنصل الأمريكي في استانبول بقوله «… بعد وصول مكتوبكم إلينا توجهت لمقابلة وزير الخارجية فؤاد باشا وعرضت عليه مضمون كتابكم فأجابني بأن دولة السلطان لا تريد إلا أن تكون بينها وبين المشير إلاَّ المحبة الدائمة لأن دولة السلطان تقرر عندها أن هذا المشير صاحب عقل ورأي سديد ويظهر لدولة السلطان أن دولة تونس مهما كانت محافظة على الارتباط بالمحبة مع دولة السلطان تكون محفوظة في جميع الحالات لأجل محافظة الدول على الدولة العثمانية بمقتضى الشروط التي بين الدولة وبين سائر الدول إذ هي جزء منها، أما إذا كان لم يكن له ارتباط مع دولة السلطان بأن كان مستقلاً وحده فإن الفرنسيس (هكذا) التي يريد (هكذا) أن يعمل لنفسه دولة قوية بأفريقية مراده أن يتسلط عليه ويضمه لبلاده إما بمحاربة وإما بدون محاربة ولن يجد المشير إعانة من أحد، أما إذا كان له ارتباط مع دولة السلطان بأن يكون كجزء كبير منها فإنها تحميه ممن يريده بسوء ولا يخفى أن تونس محاطة بدول عظام وينبغي لها أن تعلم (ما يتأتى) لها من الخوف منهم بخلاف ما إذا كانت مع دولة السلطان بأن لا تخشى منهم شيئاً وليس للسلطان مراد في الدخول في أحوال المشير…»([36]).
أما موقف تونس من الحرب الأهلية الأمريكية التي اندلعت في عام 1861 م/ 1277 ﻫ فلقد اتسم بعدم التدخل في الشؤون الأمريكية، وعندما أرسلت الحكومة الأمريكية إلى هيئاته الدبلوماسية منشوراً تحذر فيه القوى العالمية وجميع الدول من مساعدة الثوار أو التعامل معهم. وعندما وصل ذلك المنشور المؤرخ في 9 مارس سنة 1863 م ( 18 رمضان 1297 ﻫ) إلى القنصل الأمريكي أموس بري في تونس الذي بدوره أرسله إلى الحكومة التونسية وذلك في خطاب ورد فيه «أتشرف بأن أوجه للسيادة نسخة من تقرير آراء مجلس سناتور دولة أميركية وصدر لي الإذن بإعلام السيادة بأن أحكام المجلس المذكورة مطابقة للقواعد والسياسة التي سار بها دولتنا في النازلة ولا زالوا يسيرون بها هذا ما لزم عرضه ومضمون التقرير المذكور هو اعتماد دولة أميركية على عدم قبول مداخلة الدول الأجنبية في هذه النازلة واعتبار مداخلتهم نقصاً في محبتهم لها فإنها تحمل الثائرين على عدم الطاعة…»([37])، وبالفعل لم يكن هناك أي تدخل من قبل الحكومة التونسية بل إنها لم تستقبل سفن الثوار في موانئها خاصة وأن الثوار كانوا يحاولون تسويق بعض السلع الأمريكية للحصول على أموال ومواصلة الثورة.
وظهر الموقف التونسي واضحاً في الاستجابة لمطالب القنصل الأمريكي في تونس عندما قام بتزويد الحكومة التونسية ببعض الأسماء والشركات التي كانت تعمل لصالح الثوار في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أكد على عدم تعامل الحكومة التونسية أو حتى مواطنيها مع أنصار الثورة بل إنه حذر من التعامل مع أولئك الخارجين عن القانون من وجهة نظره فإنه سوف يؤثر على العلاقات الأمريكية التونسية. ووردت تلك المطالب في خطاب من القنصل الأمريكي ذكر فيه «… بلغني بنوع أكيد أن ليس فقط مسيو أر لنجر R. Lanjer وشركائه بل أيضاً مسيو شرودر Schrewder وشركائه وغيرهم أعانوا أعداء دولتي الذي عصوها ولذلك رأيت أنه من الواجب علي إعلام السيادة، ونذكرها بأن كل خلطة تقع مع الينكي([38]) المذكورين على يد وكيلهم هذا الذي هو مسيو شرنوسكي Shernwesky تكون محسوبة في عكس مصالح دولة أمريكية…»([39]).
وظلت تونس تلتزم بعدم مساعدة الثوار أو السماح لهم باستخدام الموانئ التونسية وعندما أخذت الثورة في الانكماش باركت الحكومة التونسية تلك التطورات بل إن أمير اللواء سيدي عثمان هشام عندما زار الولايات المتحدة الأمريكية أبرز موقف تونس من الحرب الأهلية في خطابه أمام الرئيس الأمريكي Andrew Johnson وذلك بقوله: «… إن المعظم الأرفع سيدي باي تونس يهدي لحضرتكم أخص سلامة مع التحية المناسبة لمقامكم الرفيع وقد وجهني لجنابكم لأقرر لكم ولبلادكم كبير سروره في إطفاء نار الحرب بهذه المملكة العظيمة ورجوع العافية والهناء بها…»([40]). أن ذلك الخطاب ما هو إلا ترجمة للسياسة التونسية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والتي حاولت طيلة الحرب الأهلية أن لا تتدخل في الصراع الداخلي الأمريكي رغم أن مصالحها كانت تقضي بالتعامل مع السفن التجارية التي تصل إلى الموانئ التونسية أياً كانت جنسيتها لأن ذلك يعود على الخزينة التونسية بعوائد كانت البلاد في حاجة لها.
تلك العلاقة الحميمة التي جعلت الحكومة التونسية تقف إلى جانب حكومة الولايات المتحدة الشرعية كان لها الأثر في نفوس الأمريكيين وبرز ذلك الأثر في استقبال الحكومة الأمريكية للمبعوث التونسي والذي زود من قبل الرئيس بعبارات الشكر للباي على موقف تونس من الحرب الأهلية وعلى التعزية في وفاة الرئيس الأمريكي السابق ابراهام لينكلن Abraham Lincoln وعلى بعض الهدايا التي بعث بها الباي للرئيس الأمريكي الجديد آنذاك، وورد في خطاب الرئيس الأمريكي ما نصه «… يليها الحبيب الكبير الصديق (هكذا) أن كتابكم المؤرخ في 29 غشت الفارط الذي اقتضى نظركم توجيهه لي في التهنئة بفوز عساكر العمالات المتحدة ورجوع العافية والهناء بهذه البلاد المتسعة فأنا أشكر جنابكم الرفيع شكراً قلبياً على هذه التهنئة التي تدل على اعتناء جنابكم بنا وعلى تلك المحبة التي أومل (هكذا) دوامها بين المملكتين ونموها على الدوام…»([41]).
وعندما قامت ثورة علي بن غذاهم([42]) حاول القنصل الأمريكي تزويد حكومته بأخبار الثورة التي أخذت تنتشر في وسط البلاد وغربها ففي إحدى الرسائل المؤرخة في 23 أبريل 1864 م (16 ذي القعدة 1280 ﻫ) أشار القنصل إلى أسباب الثورة والتي أعادها في المقام الأول إلى الضرائب الباهظة التي كان يجمعها الباي وإلى الفساد المنتشر في البلاد كالرشوة، وأضاف القنصل أن من بين أسباب الثورة هو التضييق من الباي على تجارة العبيد التي كانت تمثل دخلاً لبعض القبائل التي كانت تجلب الرقيق من جنوب الصحراء. ووصف القنصل حجم الثورة التي كانت متركزة في القيروان وفي المناطق الواقعة غرب تونس وبالذات قبائل خمير والعروش وكيفية التعامل معها وخاصة عندما زاد الباي عدد جيشه إلى حوالي عشرة آلاف رجل في محاولة لقمع الثورة التي تهدد استقرار البلاد([43]). وفي رسالة مماثلة في 14 مايو 1864 م ( 9 ذي الحجة 1280 ﻫ) أوضح القنصل الأمريكي خطر الثورة على البلاد وعلى الأجانب فيها وحجم التدخلات الأجنبية وبالذات من فرنسا ومن الدولة العثمانية وبريطانيا وإيطاليا وأبان أن الحكومة أصدرت بياناً بأنها غير قادرة على حماية الأجانب من الثوار، وتعرض على سبيل المثال على محاولة الدولة العثمانية مساعدة الباي في القضاء على الثورة خاصة عندما وصل أسطول عثماني يقل جنوداً ومساعدات مالية وأسلحة عسكرية حيث كانت في وضع المراقبة من الفرنسيين الذين كانوا يشجعون الثوار على الاستمرار في الثورة في محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية التونسية([44]).
وعندما نجح الباي في قمع الثورة واستطاع القبض على زعيمها علي بن غذاهم كانت تلك الأخبار تصل إلى الحكومة الأمريكية في العديد من الرسائل التي كان القنصل الأمريكي يزود بها حكومته، ونتيجة لذلك طلبت الحكومة الأمريكية من قنصلها تهنئة الحكومة التونسية بالنجاحات التي حققتها وإخبارها بالقبض على زعيم الثورة الأمريكية، وبالفعل كتب القنصل الأمريكي رسالة أشار فيها «… لا يخفى لمعلوم سعادتكم أن في السنة الماضية قبض على جفرسن دكسن Jefferson Dixon رئيس الثورة بأمريكا وقد حصل في قلوب أهل أمريكا عموماً كل المسرات وكما هنأتنا سائر الدول المحبة لنا يوجب علي والحالة هو أن أهنئ سعادتكم بالقبض على رئيس ثورتكم علي بن غذاهم وعندي أن هذا الخبر يسر أهل أمريكا غاية المسرات وأرجو أن بعد هذا تزيد دولتكم في اتساع فلاحة الأراضي وسائر الصنائع فإن ذلك أساس عمران البلاد…»([45]). وبتلك الرسالة يتضح الموقف الأمريكي تجاه ثورة علي بن غذاهم والذي يتسم بعدم التدخل في شؤون فرقة وأضرار اقتصادية تترك أثرها على قوة الدولة وعلى المصالح الأجنبية في تونس ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
العلاقات بين البلدين في ظل التدخلات الخارجية
ظهر واضحاً أن الدول الأوربية بعد منتصف القرن التاسع عشر أخذت في زيادة نفوذها في تونس وذلك بالحصول على امتيازات لرعاياهم ومن تلك الامتيازات إعفاء الأجانب من الكثير من الضرائب ومن المثول للقضاء التونسي حيث كانوا يحتكمون إلى محاكم أجنبية خاصة بهم. تلك الامتيازات شجعت الكثير من الأوربيين على الهجرة إلى تونس من أجل زيادة استثمارات بلدانهم بالطرق المشروعة أو غير المشروعة وكان الرعايا الفرنسيون والإيطاليون والبريطانيون من أكثر الرعايا الأوربيين الذين أخذوا في التوافد بأعداد كبيرة. ومع أن الحكومة التونسية حاولت الحد من تجاوزات الأجانب في تونس إلا أنها لم تحقق نجاحات تذكر. ولم تقف المسألة عند هذا الحد بل أن الحكومة التونسية تورطت في ديون كان الهدف منها الاستمرار في العملية الإصلاحية التي كانت في حاجة إلى أموال كثيرة وفرتها الحكومة التونسية من المؤسسات الأوربية والأجانب المقيمين في تونس. وعندما أصبحت الحكومة عاجزة عن دفع تلك الديون قررت الدول ذات المصالح الكبيرة تكوين لجنة مالية كان الهدف منها ضمان حقوق الدائنين مما جعل التدخلات الأجنبية تتزايد وأدى بالحكومة التونسية للبحث عن مخرج من تلك الأزمة([46]).
ومع أن الولايات المتحدة كانت واحدة من الدول التي لها مصالح في تونس إلا أنَّ سياستها كانت تختلف بعض الشيء عن السياسة الأوربية التي كانت تسعى للوصول إلى أهدافها دون النظر إلى الوسائل التي تستخدمها في سبيل الوصول إلى تلك الأهداف. ووضحت السياسة الأمريكية في وصف القنصل الأمريكي لسياسة تونس التي شبه سياستها بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية عندما أشار إلى أن تونس دولة مسالمة تريد أن تحفظ التوازن بين القوى الأجنبية التي تتصارع في سبيل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من مصالحها دون إعطاء أي اعتبار لأحوال تونس الداخلية، وشبه القنصل الحكومة التونسية بالكونجرس الأمريكي في سياسته الخارجية حيث أنها تحاول التودد إلى حكومات الدول المجاورة لتونس وإلى القوى العالمية حتى تتجنب تعريض بلادها لتدخلات أجنبية. وأكد القنصل أن الولايات المتحدة تتمتع بسمعة جيدة بين التونسيين وأنه في أحد المقابلات مع بعض الوزراء التونسيين وجد قبولاً في زيادة المصالح الأمريكية باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة تتسم سياستها بعدم التدخل في شؤون الغير وأنها دولة تحمل مبادئ تختلف عن مبادئ الأوربيين والذي وصفهم بالطامعين في تونس([47]).
لم تكن مهمة القناصل الأمريكيين تنحصر في مراقبة الوضع الداخلي في تونس وموقف الحكومة التونسية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بل إنهم زودوا حكومتهم بالعديد من الرسائل والتقارير التي تصور التنافس الأجنبي في تونس وخاصة بين الفرنسيين والبريطانيين الذين أخذ التنافس يشتد بينهم في تونس في الستينات من القرن التاسع عشر الميلادي. ففي إحدى الرسائل التي أرسلها القنصل ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى وزير الخارجية الأمريكي أشار القنصل إلى ذلك التنافس والذي يتلخص في الحصول على امتيازات لرعايا تلك الدول من الحكومة التونسية. فالحكومة البريطانية عقدت معاهدة مع الحكومة التونسية تحصلت فيها على امتيازات للرعايا البريطانيين مما جعل الفرنسيين يطالبون بامتيازات مماثلة، وهذا جعل الباي يصدر قوانين تحمي الرعايا الأجانب وتنظم علاقاتهم مع التونسيين في محاولة لعدم إعطاء الفرصة لأي دولة للتفرد بنفوذ خاص في تونس، ومع أن الباي حاول التريث في اتخاذ قرار بالموافقة على جميع المطالب إلا أن التهديدات التي كان يطلقها قناصل الدول الأوربية المشار عليها بإحضار أساطيلهم إلى الشواطئ التونسية جعلت الباي يوافق على جميع المطالب الأوربية، إضافة إلى أن الباي اتخذ قراره بالموافقة على جميع المطالب الأوربية بناء على توصيات تلقاها من أفراد حكومته ومن أصدقائه في الخارج والذين شجعوه على حفظ التوازن بين الدول ذات المصالح الكبيرة في تونس حتى يحافظ على استقلاله([48]).
وإلى جانب المشاكل الداخلية والتدخلات الخارجية عانت تونس من المجاعة التي ضربت البلاد في عام 1868 م والتي تركت آثاراً سيئة على الاقتصاد التونسي بل على سكان تونس حيث هلك الكثير من الناس حتى أن بعض التقديرات أشارت إلى هلاك نصف السكان بل إن هناك تقديرات ذهبت أبعد من ذلك وقدرت الذين هلكوا بحوالي ثلثي السكان([49]). ونتيجة لتلك الكارثة التي حلت بالبلاد فقد ساهمت بعض الدول في إرسال بعض التبرعات إلى تونس ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية، ففي إحدى الرسائل التي بعثها القنصل الأمريكي إلى دولته ذكر منها أنه تسلم التبرعات من أطعمة وملابس وقام بتوزيعه على الفقراء من نساء وأطفال، وأوضح القنصل بأنه في حاجة إلى المزيد من التبرعات التي يمكن من خلالها إبقاء الناس على حياتهم حتى يأتي موسم الحصاد، وإنه إذا لم تصل التبرعات من خارج تونس فإن الآلاف من الناس سيفقدون حياتهم خاصة وأن الأمراض أصبحت منتشرة نتيجة لموت المئات من الناس يومياً في مشهد مأساوي كبير حيث أصبح الأحياء عاجزين عن دفن الموتى مما أدى إلى تفشي الأمراض وعدم قدرة الحكومة على السيطرة على الوضع([50]).
إن التنافس الأوربي حول تونس جعل الحكومة التونسية تبحث عن حلفاء يكون لديهم القوة التي يمكن من خلالها إيقاف التهديد الأوربي لتونس، وكان الخيار التونسي بالتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أخذت مصالحها تتنامى في البحر الأبيض المتوسط، وكانت تنظر إلى كل من بريطانيا وفرنسا بأنها دول استعمارية، إضافة إلى أن التحالفات في أوربا وأثرها على ميزان القوى العالمية جعل الولايات المتحدة تحاول بناء حلف مع الروس الذين كانوا ينظرون إلى دول غرب أوربا بأنها دول تحييد الآخرين لذلك التقت المصالح الأمريكية مع الروسية في التفكير بمشروع حلف ضد غرب أوربا التي كانت تريد أن تفرض سيطرتها على الدول التي خارج دائرة دول غرب أوربا وبالذات دول مثل الولايات المتحدة وروسيا، ويبدو أن الباي سعى لعقد ذلك التحالف بصفة سرية حيث انتدب محمد البكوش إلى باريس ليتناقش مع الدكتور كيستل نوبر Castel Newber الذي فرضته الحكومة الأمريكية لمناقشة تلك المفاوضات السرية، ويبدو أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد اقتنعت بفكرة عقد حلف مع تونس نتيجة للمعلومات التي كان قنصلها في تونس يزودها بها، وعلى أثر ذلك تقابل محمد البكوش مع المبعوث الأمريكي في باريس وتفاوضا على مشروع ذلك الحلف. وفي خطاب من البكوش إلى الباي أخبره بما دار في اللقاء حيث ورد في الخطاب بأن كيستل «… تعهد بعقد اتفاق خصوصي سري بين دولة مولانا ودولة أمريكيا بإعانة دولة تونس أمام دولة الموسكو على الاتحاد في الحرب والسلم وتلتزم دولة أمريكيا بحماية دولة تونس أمام دول أوربا على شروط تحرر بينها سرية حتى تتم وليظهر لعبدكم صدق دعواه وقدومه على أمر مهم مثل هذا حملني يوم التاريخ قبل الزوال بساعة إلى زيارة سفير أمريكيا بباريز (هكذا) وهو الجنرال ديكس فزرته معه ثم فتح الكلام بأن دولة مولانا يسرها الالتحام مع دولة أمريكيا إلى غير ذلك من الكلام، وما هي عليه من العسر السياسي والمالي مع فرنسا وانقليزة (هكذا) وإيطاليا فأجاب السفير بجواب مخزني بأنه ربما يتم ذلك مع أمريكيا وأنه يكتب يوم التاريخ لدولته ويأتيه الجواب بسرعة في النازلة بكلام يفهم من قبلهم، لذلك بمقتضى ما قرره لي الرجل من خارج من أمريكيا تشتهي أن تكون لها سطوة في بحر الروم مثلما لفرنسا وأنقليزة (هكذا) فقال عبدكم لجناب السفير أرجو أن تكون مكاتبتكم لدولتكم على وجه سري لأن ربما تفطن بذلك إحدى الدولتين فرنسا وانقليزة (هكذا) يتغيروا من ذلك ويروا أن هذا السعي ضدهم فأجابني كن مطمئناً فإن كتابتي تكون على وجه خصوصي لا يعلمه أحد…»([51]).
وظل محمد البكوش يزود الباي بمحادثاته في اللقاءات التي كان يعقدها مع مندوب الولايات المتحدة الدكتور كيستل فوبر والمبعوث السوفيتي صفالان خان Saflan Khan حيث أشار إلى أنه تقابل مع خان الذي تباحث معه بخصوص مشروع الحلف المزمع الاتفاق عليه، وخلال مناقشة الحلف وجد البكوش من المبعوث السوفيتي إصراراً بعرض ذلك المشروع على الباي إما بإرساله إلى تونس أو السماح له بالسفر ومقابلة الباي. وعلى الرغم من حماسة خان لإنجاح المشروع في أسرع وقت ممكن إلا أن البكوش طلب منه التريث حتى يستشير الباي وحتى عودة الدكتور كيستل الذي سافر إلى لندن لفترة قصيرة ليطلع على مشروع الحلف ولقد ورد في الخطاب ما نصه: «… فإني كاتبت سيدي على طريق إيطاليا أول أمس وشرحت له ما عندي ولم يزد بعد ذلك أمر مهم يستحق الذكر إلا أن الرجل الروسي مسيو صفالان خان أحضر البروجي (هكذا) الذي سيعرض المخروج (هكذا) بالسياسة والمال وصحح عليه وبقي متردداً بين إرساله أو حمله لكم بنفسه وعبدكم يثبطه بينما نعلم رأيكم في النازلة من فتح باب الاتحاد مع أمريكيا والرويسية (هكذا) أم لا لأن الأمر بحسب ضعف رأي مهم جداً لا سيما إذا حصل ما يدعيه الرجل مع أمريكيا لأن الآن بأوربا لا يوقروا الدول الكبار دولة مثل دولة أمريكيا ولا سيما فرنسا وانقليزة (هكذا) ورسولهم له سطوة هنا ما ليس لغيرهم من الدول وبمقتضى ما رآه عبدكم من كلام السفير أن دولتهم تود أن تكون لها مرسى أو مراسي ببحر الروم لأساطيلها وذخائرها الحربية سواء كانت كراء أو شراء أو اتحاد بشروط حماية ونظركم وراء ذلك، هذا وأن الدكتور كستيل توبر بلغني أنه سافر بالأمس للندرة (لندن) وأنا مترقبة لما وعد به…»([52]).
إن ذلك التحالف الذي كان يصب في مصالح الدول التي كانت تسعى لعقده جعل بعضها أكثر حاجة له من الأخرى ووضح ذلك في حرص تونس التي رغم أنها تعاني من ضائقة مالية إلا أنها كانت مستعدة لدفع مبلغ مجزي للوسطاء مقابل أن تحافظ على استقلالها. فالوسيط الروسي خان طلب من البكوش مبلغاً كبيراً مقابل توسطه في عقد ذلك التحالف السري والذي بمقتضاه ستحصل الولايات المتحدة الأمريكية على قواعد عسكرية لسفنها على السواحل التونسية، وفي المقابل ستضمن تونس حمايتها من التدخل الأجنبي وحصولها على مبالغ مالية يمكن من خلالها التغلب على أزمتها الاقتصادية. ومع أن أحد الوسطاء طلب من محمد البكوش مبلغاً مالياً كبيراً لكي تتم الصفقة إلا أن البكوش تردد في ذلك وأرسل إلى الباي يخبره بما تَمّ في المحادثات بخطاب أشار فيه إلى قوله «… أما نازلة سفير أمريكيا فإنه لم يكن هو الطالب للملايين الخمسة عشر بل الطالب هو الواسطة وهو مسيو صافلان خان جزاء له على إتمام النازلة وأما السفير الجنرال ديكس Dix فهو من الرجال المعتبرين المشاهير لم يكن من شأنه طلب الجزاء ولو أعطي ملايين لم يقبل لأنني قلت سيدي أنه رجل مسن ومن رجال الأمريكا (هكذا)… وله اعتبار هنا بباريز على جميع السفراء وله وداد شخصي مع شخص الإمبراطور… وهو الذي توسط بين فرنسا وأمريكيا في المسالمة بعد أن وصل للمشاحنة وحاصل ما فهمت من أن دولته ترغب في مرسى بالبحر الأبيض لمراكبها ومهماتها الحربية أمام فرنسا وأنقليزة (هكذا)»([53]).
ومع أن الحكومة التونسية كانت تطمح إلى عقد ذلك الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن الحكومة الأمريكية كانت مترددة في عمل ذلك الحلف حيث أن تلك المفاوضات السرية توقفت لأجل غير مسمى. ويبدو أن أخبار تلك المفاوضات السرية قد تسربت إلى بعض الفرنسيين الذين كانوا على علاقة جيدة مع بعض أفراد الحكومة التونسية، وهذا ما يلمس من رسالة أحد أعيان باريس الذي كان ينوي السفر إلى الولايات المتحدة والذي أبدى استعداده بمناقشة اتفاق ودي بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية. ولقد ورد في الخطاب الذي أرسله السيد دي كولووني Du Kulwony ما نصه «… أما بعد فإني لما كنت مزمعاً على السفر لبر أميركة قصدت مخاطبة جنابكم لنعرض عليكم بأني حاضر لخدمة دولة الحضرة العلية إن اقتضى نظر جنابكم السديد أني عسى أن أكون صالحاً لكم في شيء من الخدمات وقد كنت تشرفت بمقابلة أمير الأمراء السيد حسين بفرنسا في شهر مايه (هكذا) الفارط وعرضت عليه وجه معاهدة متجرية وشروط محبة بين دولتي أميركة وتونس فعلى جنابكم الاستفهام عن ذلك من المذكور وإن أراد جنابكم أن يكلفني بجس دولة أميركية في ذلك بوجه غير رسمي فليوجه لي جنابكم الإذن في ذلك وتروني حاضراً أبداً لخدمتكم…»([54]).
إن المراسلات التي أرسلها القناصل الأمريكيون إلى وزارة الخارجية الأمريكية في أواخر الستينات وبداية السبعينات الميلادية من القرن التاسع عشر من تونس لم تشر إلى معرفتهم بالمحادثات التي كانت تدور حول إقامة تحالف سري بين تونس والولايات المتحدة وبعض القوى الأخرى. ففي إحدى التقارير التي أرسلت من القنصل الأمريكي في تونس والتي اشتملت على تقييم للأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والنّزاع الدولي حول تونس والعلاقات بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية ومصالح الرعايا الأمريكيين، وكان من أبرز الموضوعات التي أكد عليها القنصل ممارسة اللجنة المالية لعملها تحت إشراف الفرنسيين والإنجليز والإيطاليين والتي بدأت تقتطع من خزينة الدولة وتدفع للدائنين الأوربيين لكي تسدد الدين العام على تونس، وأكد القنصل على تنامي المصالح الأوربية وعلى تنامي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتركز في تربية الأبقار والخيول والزراعة وفي التجارة وإن الحكومة التونسية تقدم كل تشجيع للاستثمارات الأمريكية، بل إن الباي امتدح سلوكيات الأمريكيين في معاملاتهم مع التونسيين مقارنة مع الأوربيين، ووصف القنصل العلاقات بين البلدين بأنها أحسن حال وأنه في المقابلات الرسمية مع الباي ووزرائه يقابل بكل احترام حيث يبادلونه الكلمات الحميمة التي تنم على عمق الصداقة بين البلدين وأضاف أن ظهور السفن الأمريكية في الشواطئ التونسية له أهميته في زيادة النفوذ الأمريكي في تونس خاصة وأن الباي حريص على استقبال قادة البحرية الأمريكية عند زيارتهم بلاده ودائماً يؤكد على الاحترام المتبادل بين الطرفين([55]).
إن الضغوط الأوربية على تونس جعلت القنصل الأمريكي ينقل أحداثها والتي تمثلت في قيام بعض المناورات العسكرية الفرنسية على الحدود الجزائرية التونسية ومحاولة القنصل الفرنسي التدخل في الشؤون الداخلية لتونس. ونتيجة لذلك أخذ التنافس يشتد بين الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين والذي كما توقع القنصل بأن سوف يفقد تونس استقلالها وربما يقود إلى صراع عسكري بين تلك الأطراف التي بدأت تبحث عن حل مرضي للجميع يمكن من خلاله تجنب الحرب فيما بينها. أما الدولة العثمانية التي كانت تراقب التنافس الأوربي حول تونس بالكثير من الاهتمام فلقد جعل السلطان العثماني ينعم على الباي بلقب باشا ويعطيه صلاحيات واسعة في تونس كإشعار للدول الأوربية بأن تونس جزء من أراضي الدولة العثمانية ولا يمكن التنازل عنها. ولم يمهل القنصل الإشادة بالعلاقات بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية والتي في نظره أنها علاقات متميزة خاصة وأنه على صداقة كبيرة مع الباي وأفراد حكومته وأن هناك توافق كبير بين الطرفين على كثير من المسائل الداخلية والخارجية التي تهم البلدين([56]).
لقد ظلت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية تتركز على المصالح الاقتصادية والإستراتيجية في علاقاتها مع تونس ولكن التنافس الأوربي جعل الولايات المتحدة تحافظ على تلك المصالح ما أمكنها ذلك دون الدخول في صراع مع الدول الأوربية، ويبدو أن هذا التوجه هو الذي قاد الولايات المتحدة إلى صرف النظر عن التحالف مع روسيا ضد تلك الدول، بل جعل السياسة الأمريكية تأخذ منحى آخر في الحفاظ على مصالحها داخل تونس. ففي منتصف السبعينات من القرن التاسع عشر الميلادي أصدر وزير الخارجية الأمريكية تعليماته إلى قنصل بلاده في تونس يأمره بتقليص القنصليات الأمريكية في كل من المهدية والمنستر وسوسة وجربة، وهذا ما ورد في خطاب القنصل إلى الوزير الأكبر حيث طلب منه إبلاغ عمال تلك المناطق بالقرارات الأمريكية حتى تُخلى مسؤولية القنصلية الأمريكية من أي تبعات لتلك الفروع([57]). ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أدركت حجم النِّزَاع على تونس من قبل الأوربيين مما جعلها تقرر عدم الدخول في صراع مع تلك الدول التي كانت مستعدة بالتضحية بالكثير في سبيل السيطرة على تونس. وحتى لا تفقد الولايات المتحدة الأمريكية مصالحها في تونس حاول القناصل الأمريكيون الحفاظ على مصالحهم المباشرة وذلك من خلال بناء صداقات قوية مع أفراد الحكومة التونسية وتقديم الحماية لليهود التونسيين الذين أخذوا يبحثون عن الحماية الأمريكية مستغلين بعض الحوادث التي تعرض لها بعض اليهود. ونتيجة لذلك طلب اليهود الحماية القنصلية من القنصل الأمريكي الذي أشعر حكومته بطلبهم مما جعل وزير الخارجية الأمريكي لا يتردد في إصدار تعليماته إلى القنصل بمنح الحماية لأي يهودي تونسي يطلب الحماية([58]). ويبدو أن هدف وزير الخارجية الأمريكي هو محاولة الحفاظ على المصالح الأمريكية من خلال منحه الحمايات لليهود التونسيين.
إن العلاقات التونسية الأمريكية ظلت في أحسن حال رغم عدم إتمام التحالف بين البلدين فالمقابلات التي كانت تجري بين القنصل والباي وبعض أفراد حكومته كانت تشير إلى عمق العلاقات الودية بين تونس والولايات المتحدة، وهذا ما أكده القنصل في العديد من الرسائل التي كان يبعث بها إلى حكومته. تلك المجاملات الدبلوماسية تعدت ذلك لتصل إلى رسائل متبدلة بين الحكومة الأمريكية وباي تونس فعندما جنحت سفينة أمريكية بالقرب من طبرقة تعرضت للغرق مما جعل بعض أفراد البحرية التونسية والفرنسية يقومون بمساعدة طاقم تلك السفينة ونقلهم إلى طبرقة([59]). وعندما أخبر القنصل الأمريكي في تونس حكومته بتلك الحادثة ما كان من الرئيس الأمريكي إلا أن يطلب من وزير خارجيته بإرسال رسالة شكر إلى الباي على ما قام به التونسيون تجاه السفينة المنكوبة ويؤكد له على عمق العلاقة بين البلدين والتي من وجهة نظره يجب أن تطور خاصة وأنها علاقة مبنية على الاحترام والتبادل بين الطرفين([60]).
وعندما تقابل القنصل الأمريكي الجديد ليو فيش Leo Fish مع الباي ليقدم أوراقه كقنصل للولايات المتحدة الأمريكية في تونس تباحث مع الباي حول العلاقات بين البلدين ووصف تلك المقابلة بأنها مقابلة ودية ومرضية ويمكن تطوريها خاصة وأن الباي يسعى إلى زيادة المصالح الأمريكية في تونس. وخلال المقابلة أبدى الباي إعجابه بالرفاهية التي نجح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وحكومته في تنميتها في بلادهم، وأنه يتطلع إلى تقوية العلاقات بين البلدين واصفاً إياها بالعلاقات المتميزة والتي يجب أن تستمر إلى الأبد بين الدولتين. تلك العبارات تعطي دلالة واضحة على العلاقات القوية بين البلدين خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج سياسة عدم التدخل في شؤون الغير، وهذا ما جعل الباي وحكومته ينظرون إلى تلك الحكومة بالكثير من الإعجاب والتقدير.
إن العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وتونس لم تصل إلى ما وصلت إليه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهذا ما جعل وزير الخارجية الأمريكية يصدر تعليماته إلى القنصل الأمريكي في تونس طالباً منه تنمية العلاقات التجارية خاصة للشركات الأمريكية التي تسعى على الاستثمار في تونس كشركة البحر الأبيض الأمريكية والأفريقية. تلك الشركة التي أرسلت إلى القنصل الأمريكي موضحة رغبتها في الحصول على فرص استثمارية في تونس وخاطبت وزير الخارجية ليستحث القنصل في تقديم المساعدة لتلك الشركة من فرص استثمارية في المجال التجاري والصناعي. وذكر القنصل أنه لا يمكن إيجاد السبب في عدم منافسة الأمريكيين للأوربيين في تونس والذين استحوذوا على جميع الاستثمارات في ذلك البلد وحث القنصل التجار الأمريكيين على منافسة الأوربيين ليس فقط في تونس وإنما في بلدان شمال أفريقيا قاطبة، وأبدى استعداده لتقديم الكثير من الخدمات لمن يرغب في الاستثمار سواء كان ذلك بطريقة رسمية أو شخصية، وأشار إلى أنه قد أخبر شركة البحر الأبيض بالاستثمارات التي يمكن الدخول فيها في تونس([61]).
وعلى الرغم من محاولة القنصل الأمريكي تنمية مصالح بلاده التجارية وخاصة تشجيع بعض تجار بلاده من توريد بعض السلع الأمريكية كالقطن، والكيروسين الذي كان يجلب عن طريق الأوربيين إلى تونس ويستخدم للإضاءة إلا أن الأوربيين كانوا هم المسيطرون على أسواق تونس بل على أسواق المغرب العربي بأكمله. ويبدو أن محاولة القنصل اصطدمت بقوة التنافس الأوربي على السيطرة على أسواق البلاد، وخاصة من الفرنسيين والإيطاليين، والذي نبه على خطره على البلاد عندما أشار أن تونس مقبلة على تغيير كبير في ظل التدخلات الأوربية في الشؤون التونسية والتي بدأت تتضح معالمها في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن التاسع عشر الميلادي. فمن الناحية الاقتصادية كانت فرنسا تتحكم في اقتصاد البلاد بل أنها أقدمت على بناء سكة حديد لتربط بين الجزائر وتونس كمؤشر لمزيد من الهيمنة الاقتصادية وربما التدخل العسكري والعقبة التي تقف دون ذلك هي طموحات إيطاليا التي تسعى إلى الحصول على حصتها في السوق التونسية وذلك من خلال إقامة بعض المشاريع الاستثمارية وزيادة هجرة الإيطاليين إلى البلاد. أما من الناحية السياسية فيبدو أن هناك شبه اتفاق بين فرنسا وبريطانيا على عدم معارضة بريطانيا لفرنسا في مطامعها في تونس والمعارضة الوحيدة التي يمكن أن تقف أمام الطموحات الفرنسية هي من إيطاليا التي تطمح هي الأخرى في الحصول على نصيبها في تونس. أما عسكرياً فالحالة على الحدود التونسية الجزائرية تنذر بالخطر في ظل التدخلات الفرنسية وعدم سيطرة الباي على قبائل العروش وخمير([62]).
إن توقعات القنصل الأمريكي بأن البلاد مقبلة على تغيير كبير كانت صائبة خاصة عندما أخذ الفرنسيون في اختلاق المشاكل على الحدود الجزائرية التونسية لإثارة القبائل التونسية ومن تَمّ استخدام تلك المشاكل كذريعة لغزو تونس والسيطرة عليها. وبالفعل أخذ الفرنسيون في مهاجمة الأراضي التونسية مما جعل الباي يطلب من دبلوماسيي الدول الأجنبية في تونس بأن يكاتبوا دولهم للتدخل لوقف الهجمات الفرنسية على الأراضي التونسية خاصة وأن الباي كما أشار في خطابه اتخذ الوسائل اللازمة لمعاقبة القبائل التونسية التي لا تلتزم بالهدوء. ولقد ورد في رسالة الباي ما نصه «… أما بعد فإنه كان عرض المحترم قنصل الفرنسيين تشكي من خمير وعروش بمملكتنا واتخذنا الوسائل اللازمة لذلك وفي أثناء ذلك وقعت مراجعات بيننا أخرها المكتوب التي أرسلت لكم نسخته، ولما كان دخول العساكر الفرنساوية لترابنا يمس حقوقنا وحقوق الدولة العثمانية كاتبناه بما تصلكم نسخته وكاتبنا الدول الخمس منهم بريطانيا – إسبانيا – ألمانيا – روسيا والدولة العثمانية العظام بذالك وأعلمناكم بذالك لتكونوا على علم منه وتعرفوا جناب دولتكم الفخيمة بالحال ودمتم في أمن الله…»([63]).
إن توسلات الباي لدى المجتمع الدولي والدول التي يعتقد أنها سوف تقف أو على الأقل تستنكر التدخلات الفرنسية في تونس لم تلاق آذاناً صاغية في ظل التطورات التي حدثت على الحدود الجزائرية التونسية خاصة عندما عبر الجنود الفرنسيون وسيطروا على بعض المدن في غرب تونس كطبرقة والكاف في 24 أبريل سنة 1881 م. ومع أن الباي حاول التوصل إلى حلول سلمية مع الفرنسيين إلا أن الحكومة الفرنسية كانت عاقدة العزم على تنفيذ مخططاتها التوسعية في تونس وقامت بإنزال جنودها في بعض الموانئ التونسية كبنْزرت وقامت بضرب الحصار على تونس العاصمة وهدد روستان Roustan، القنصل العام الفرنسي في تونس، بتنحية الباي إذا لم يوقع معاهدة حماية مع فرنسا. وتحت تلك الضغوط اضطر الباي محمد الصادق باي إلى توقيع معاهدة الحماية في 12 مايو 1881 م مع الفرنسيين، وبذلك أصبحت فرنسا لها حق السيادة على الشؤون الخارجية لتونس ولها حق التدخل في الشؤون الداخلية كالأمن والإشراف على مداخيل الدولة المالية([64]).
أما الولايات المتحدة فلقد وقفت موقف الحياد من الغزو الفرنسي لتونس، ويبدو أن السياسة الأمريكية في تلك الفترة كانت تنتهج سياسة عدم التدخل في شؤون الغير ولم تكن مصالحها تقضي بالتدخل في ذلك النِّزاع. وفي حقيقة الأمر أن القنصل الفرنسي في تونس طمأن قناصل الدول الأجنبية في تونس وبالذات قنصل الولايات المتحدة الأمريكية والذي وعده بأن فرنسا ستحافظ على أمن الرعايا الأمريكيين في تونس ولن تمس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في البلاد. تلك الضمانات التي قدمها القنصل الفرنسي أبرزها القنصل الأمريكي في خطاب إلى حكومته يؤكد التزام الحكومة الفرنسية بالمصالح الأمريكية في تونس ويشير إلى التطورات التي قام بها الفرنسيون من احتلال العديد من المدن التونسية في ظل عجز الجيش التونسي في التصدي للجيوش الفرنسية التي أصبحت لها اليد العليا في البلاد([65]). وبقيت الولايات المتحدة الأمريكية على موقفها الحيادي كالكثير من الدول الأجنبية من المقاومة التونسية الشعبية التي انتشرت في البلاد والتي لم تدم طويلاً حيث استطاع الفرنسيون القضاء عليها. وبذلك دخلت تونس في مرحلة جديدة من تاريخها الحديث والذي عرف بفترة عهد الحماية الذي سيطرت فيه فرنسا على العلاقات الخارجية لتونس.
مراجع
([1]) هيفاء معلوم الإمام، «العلاقات الأمريكية – الشمال إفريقية في العصر الحديث»، المجلة التاريخية المغربية، عدد 15-16، يوليوز، 1979، ص. 63.
([2]) لويس رايت وجوليا ماكليود، الحملات الأمريكية على شمال إفريقيا في القرن الثامن عشر: عرض تحليل ومفصل لحروب الولايات المتحدة على شمالي إفريقيا 1799-1805، تعريب محمد روحي البعلبكي، لندن، دارف المحدودة، 1985، صص. 44-45.
([3]) لويس رايت وجوليا ماكليود، مرجع سابق، ص. 45-48.
([4]) هيفاء معلوم الإمام، مرجع سابق، ص. 86-72.
([5]) المصدر نفسه والصفحة.
([6]) هيفاء معلوف الإمام، المصدر السابق، ص. 12-14.
([7]) امحمد سعيد الطويل، مرجع سابق، ص. 236؛ هيفاء معلوف الإمام، «العلاقات الأمريكية – الشمال أفريقية في العصر الحديث»، المجلة التاريخية المغربية، العدد 15-16، جويلية 1979.
([8]) لويس رايت وجوليا ماكليود، مرجع سابق، صص. 207-210.
([9]) إتوري روسي، ليبيا منذ الفتح العربي حتى سنة 1911 م، ترجمة خليفة التليسي، دار الثقافة، بيروت، 1974، ص. 314.
([10]) نيكولاي إيليتش بروشين، تاريخ ليبيا من منتصف القرن السادس عشر حتى مطلع القرن العشرين، ترجمة عماد حاتم، دار الكتاب الجديدة، بيروت، د. ت، ص. 182-190.
([11]) رسالة من رودجرز إلى حمودة باشا في 11 أغسطس 1805 م (15 جمادى الأول 1220 ) محفوظة تحت عنوان مراسلات دبلوماسية تتعلق بالخلاف بين حمودة باشا وقائد الأسطول الأمريكي روجرز وبعثة سليمان ملميللي لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ملف 680، صندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي؛ أيضاً انظر: لويس رايت وجليا ماكليود، مرجع سابق، صص. 315-316.
([12]) المرجع السابق، صص. 316-317.
([13]) المقابلة التي جرت بين الرئيس الأمريكي Thomas Jefferson والمبعوث التونسي سليمان ميلميللي في واشنطن في أكتوبر سنة 1805 م (شعبان سنة 1220 ﻫ)، محفوظة تحت عنوان مراسلات دبلوماسية تتعلق بالخلاف بين حمودة باشا وقائد الأسطول الأمريكي روجرز وبعثة سليمان ميلميللي لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ملف 680، صندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([14]) مناقشات الكونجرس الأمريكي المعربة والمحفوظة في مراسلات دبلوماسية تتعلق بالخلاف بين حمودة باشا وقائد الأسطول الأمريكي روجرز وبعثة سليمان ميلميللي لدى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ملف 680، صندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([15]) هيفاء معلوف الإمام، مرجع سابق، صص. 75-76.
([16]) في رسالة وردت من القنصل الأمريكي س. د. كوكس C.D. Coxe بتاريخ 26 أغسطس 1810 م (25 رجب 1225 ﻫ).
([17]) أحمد بن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان، الدار العربية للكتاب، تونس، 1999، ج 3، ص. 42، 51، 58.
([18]) حرب القرصنة بين دول المغرب العربي والولايات المتحدة (من محاضر مجلس الأمة الأمريكي)، جمع وترجمة منصور عمر الشتيوي، مؤسسة الفرجاني، طرابلس، 1970، صص. 288-289.
([19]) أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1990، ج 1، ص. 250.
([20]) رسالة من محمود باي إلى الرئيس الأمريكي في 23 صفر 1230 ﻫ (2 فبراير 1815 م) مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 690، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([21]) في رسالة وردت من القنصل الأمريكي س. د. كوكس C.D. Coxe بتاريخ 24 يناير 1824 م.
([22]) منصور أحمد أبو خمسين، استرقاق الأسرى وأثر ذلك على العلاقات بين دول المغرب العربي وأوربا خلال القرن الثامن عشر، العصور، المجلد السابع، الجزء الأول، يناير 1992 م، (رجب 1412 ﻫ)، صص. 67-68.
([23]) جلال يحيى، المغرب العربي وهجوم الاستعمار، ص. 109-113.
([24]) أحمد بن أبي الضياف، مرجع سابق، ج 3، ص. 227.
([25]) أحمد بن أبي الضياف، المرجع السابق، ج 4، ص. 79.
([26]) انظر خطابات جون بري إلى أحمد باي وانظر خطابه بتاريخ 12 ذو القعدة 1259 ﻫ (4 ديسمبر 1843 م)، محفوظة في مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 690، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([27]) عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962 م، دار الغرب الإسلامي، لبنان، 1997، ص. 114-117.
([28]) انظر نص المنشور بتاريخ 2 أكتوبر 1843 م (8 رمضان 1259 ﻫ) في رسالة ن وزارة الخارجية الأمريكية إلى القنصل الأمريكي في تونس محفوظة في مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 690، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([29]) أحمد بن أبي الضياف، مرجع سابق، ج 4، صص. 86-87.
([30]) رسالة من أحمد باشا إلى القنصل الأمريكي في 10 شوال 1257 ﻫ (21 صفر 1274 ﻫ) مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 691/1، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([31]) رسالة من محمد الصادق باي إلى القنصل الأمريكي جون باين 1 شعبان 1282 ﻫ (أغسطس 1865 م) مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 695، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([32]) رسالة من المشير أحمد باي في 18 ربيع الثاني 1263 ﻫ (4 أبريل 1847 م) مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، رقم الملف 691، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([33]) رسالة من أموس بري إلى محمد الصادق باي، العلاقات التونسية الأمريكية، مراسلات دبلوماسية، الملف 291/2، صندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([34]) رسالة من أموس بري Amos Perry إلى وزير الخارجية الأمريكي ويليم سيوارد William Seward في 21 فبراير 1863 م (2 رمضان 1279 ﻫ).
U.S. Department of States, Foreign Relation of the United States 1863, vol. 10, p. 1219.
([35]) رسالة من جيمس سميث Jemes Smith إلى محمد الصادق باي في 25 ديسمبر 1864 م (25 رجب سنة 1281 ﻫ) العلاقات التونسية الأمريكية، مراسلات دبلوماسية، الملف 291/2، صندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([36]) رسالة من سفير الولايات المتحدة باستنبول (غير موجود الاسم على الوثيقة) إلى جورج نيكلسون بتاريخ 14 ديسمبر 1859 (19 جمادى الأولى 1276 ﻫ) مفاوضات سرية بخصوص إقامة تحالف تونسي أمريكي لمجابهة القوى الأوربية، ملف 691/4، الصندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([37]) رسالة من أموس بري إلى محمد الصادق باي بتاريخ 13 أبريل 1863 م (24 شوال 1279 ﻫ)، العلاقات التونسية الأمريكية ومراسلات دبلوماسية، الملف 291/2، صندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([38]) الينكي Yankee كلمة إنجليزية تطلق على من استقر في بعض الولايات الجنوبية من أمريكا الشمالية.
([39]) رسالة من أموس بري إلى سيدي مصطفى في 21 مايو 1863 م (3 ذو الحجة 1279 ﻫ)، نفس الملف والصندوق، الأرشيف الوطني التونسي.
([40]) الخطاب الذي ألقاه أمير اللواء سيدي عثمان هاشم أمام الرئيس الأمريكي، د. ت، وثيقة رقم 12، نفس الملف والصندوق السابقين، الأرشيف الوطني التونسي.
([41]) رسالة من الرئيس الأمريكي أندرو جونسون إلى المشير محمد الصادق باي في 14 نوفمبر 1865 م، (25 جمادى الثانية 1282 ﻫ) وثيقة رقم 13، نفس الملف والصندوق السابقين، الأرشيف الوطني التونسي.
([42]) ثورة علي بن غذاهم من الثورات التي أدت إلى زعزعة الأمن في تونس وسببها سياسة الحكومة التونسية التي فرضت ضرائب باهظة كضريبة المجبِي على التونسيين وبالذات القبائل الريفية التي كانت تعتمد على الزراعة والتي أصبحت عاجزة عن دفع تلك الضرائب في ظل الجدب الذي أصاب البلاد، ومن أسبابها أيضاً تذمر التونسيين من هيمنة الأجانب على اقتصاد البلاد مما أدى إلى عصيان كبير وعدم دفع الضريبة التي أمر الباي جمعها بالقوة فقامت الثورة وتزعمها علي بن غذاهم في شوال 1280 ﻫ (مارس سنة 1864 م) واستمرت حتى 28 فبراير حيث استطاعت الحكومة التونسية القضاء عليها بعد أن أخذت من الحكومة التونسية الجهد والمال الكثير لإخضاعها (ثورة علي بن غذاهم، الدار التونسية، تونس، 1967، ص. 55-58، 233-234).
([43]) رسالة من أموس بري Amous Perry إلى ويليم سيوارد William Seward 23 أبريل 1864 م (16 ذي القعدة 1280 ).
U.S. Department of States, Foreign Relation of the United States 1863, vol. 10, p. 1221.
([44]) رسالة من أموس بري Amous Perry إلى ويليم سيوارد William Seward 14 مايو 1864 م (9 ذي الحجة 1280 ﻫ).
U.S. Department of States, Foreign Relation of the United States 1863, vol. 11, pp. 444-445.
([45]) رسالة من أموس بري إلى الوزير الأكبر سيدي مصطفى 2 مارس 1866 م (14 شوال 1282 ﻫ) العلاقات التونسية، مراسلات دبلوماسية، الملف 291/2، صندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([46]) جلال يحيى، المغرب الكبير العصور الحديثة وهجوم الاستعمار، دار النهضة الحديثة، بيروت، 1981، ج 3، ص. 263-271.
([47]) رسالة من أموس بري Amous Perry إلى وزير الخارجية الأمريكي ويليم سيوارد William Seward في 10 أبريل 1863 م (21 شوال 1279 ﻫ).
([48]) رسالة من ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى ويليم ﻫ. سيوارد William H. Seaward في 3 ديسمبر 1867 م (6 شعبان 1286 ﻫ).
([49]) أحمد بن أبي الضياف، مرجع سابق، ج 6، ص. 105.
([50]) رسالة من ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى ويليم ﻫ. سيوارد William H. Seaward في 14 أبريل 1868 م (1 محرم 1285 ﻫ).
([51]) رسالة من محمد البكوش إلى محمد الصادق باي في 14 جمادى الثاني 1285 ﻫ (1 أكتوبر 1868 م) مفاوضات سرية بخصوص إقامة تحالف تونسي أمريكي لمجابهة القوى الأوربية، ملف 291/4، الصندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([52]) رسالة من محمد البكوش إلى محمد الصادق باي في 19 جمادى الثانية 1285 (6 أكتوبر 1868 م)، مفاوضات سرية بخصوص إقامة تحالف تونسي أمريكي لمجابهة القوى الأوربية، ملف 691/4، الصندوق رقم 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([53]) رسالة من محمد البكوش إلى محمد الصادق باي في 27 جمادى الثانية 1285 ﻫ (14 أكتوبر 1868 م)، مفاوضات سرية بخصوص إقامة تحالف تونسي أمريكي لمجابهة القوى الأوربية، نفس الملف ونفس الصندوق، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([54]) رسالة من دي كولووني Du Kulwony إلى سيدي مصطفى خزنة دار، رئيس الوزراء 11 سبتمبر 1871 م (25 جمادى الثانية 1288 ﻫ)، مفاوضات سرية بخصوص إقامة تحالف تونسي أمريكي لمجابهة القوى الأوربية، نفس الملف ونفس الصندوق، السلسلة التاريخية، الأرشيف الوطني التونسي.
([55]) رسالة من ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى ويليم ﻫ. سيوارد William H. Seaward في 31 ديسمبر 1872 م (30 شوال 1289 ﻫ).
([56]) رسالة من ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى هاملتون فيش Hamilton Fish بتاريخ 31 ديسمبر 1874 م (22 ذي القعدة 1291 ﻫ) مراسلات من القناصل الأمريكيين في تونس إلى الحكومة الأمريكية، ت. 303، رسائل القناصل الأمريكيين، فيلم رقم 11، الأرشيف الأمريكي، واشنطن.
([57]) رسالة من ق. ﻫ. هيب إلى الوزير الأكبر في 17 مايو 1875 م (11 ربيع الثاني 1292 ﻫ)، مراسلات دبلوماسية في خصوص تسمية قناصل ونواب قناصل وترجمانات بقنصليات الولايات المتحدة الأمريكية بالحاضرة ومختلف المدن التونسية، وثيقة رقم 84، رقم الملف 690، رقم الصندوق 252، السلسلة التاريخية، الأرشيف التونسي.
([58]) رسالة من هاملتون فيش Hamilton Fish إلى ج. كبسول، J. Cubisol، نائب القنصل الأمريكي في تونس، بتاريخ 13 يونيو 1876 م (21 جمادى الثانية 1293 ﻫ).
([59]) رسالة من ق. ﻫ. هيب G.H. Heap إلى ويليم ﻫ. سيوارد William H. Seaward في 1 فبراير 1878 م (28 محرم 1295 ﻫ) مراسلات من القناصل الأمريكيين في تونس إلى الحكومة الأمريكية، ت. 303، رسائل القناصل الأمريكيين، فيلم رقم 12، الأرشيف الأمريكي، واشنطن.
([60]) رسالة من ليو فيش Leo Fish إلى W. Hunter، وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 17 أكتوبر 1878 م (20 شوال 1295 ﻫ)، نفس المصدر السابق.
([61]) رسالة من ليو فيش Leo Fish إلى W. Hunter، وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 21 يونيو 1879 م (1 رجب 1296 ﻫ)، نفس المصدر السابق.
([62]) رسالة من ليو فيش Leo Fish إلى W. Hunter، وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 1 سبتمبر 1879 م (14 رمضان 1296 ﻫ)، نفس المصدر السابق.
([63]) رسالة من محمد الصادق باي إلى ليو فيش في 10 جمادى الأول 1298 ﻫ (9 أبريل 1881 م)، نفس المصدر السابق.
([64]) شوقي عطا الله الجمل، المغرب العربي الكبير من الفتح الإسلامي إلى الوقت الحاضر، ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب الأقصى (مراكش)، المكتب المصري، القاهرة، 1997، ص. 304-307.
([65]) رسالة من ليو فيش Leo Fish إلى W. Hunter، وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 11 مايو 1881 م (12 جمادى الثانية 1298 ﻫ) مراسلات من القناصل الأمريكيين في تونس إلى الحكومة الأمريكية
ت. 303، رسائل القناصل الأمريكيين، فيلم رقم 12، الأرشيف الأمريكي، واشنطن.
مجلة “التاريخ العربي”