كانت دمشق أكبر مركز ثقافي في بلاد الشام، طوال عصور التاريخ، من أقدم الأزمنة إلى أيامنا الحاضرة. وفيها كانت مدارس العلم وخزائن الكتب، أنشأها وبناها خلال هذه الحقب أولو الأمر وأصحاب الفضل من الملوك والأمراء والحكام والوزراء والقضاة وشيوخ العلم الكبار، وجمعوا فيها أسفار العلم، ووقفوا عليها الأوقاف. ولهذا كانت هذه المدارس مجامع لمخطوطات الثقافة العربية الإسلامية على اختلاف فنونها. وكانت لذلك موئل العلماء وطلاب العلم على مر العصور، يلتقون فيها، ويقرؤون ويدرسون ويرجعون إلى مخطوطاتها في دراستهم.
وإلى جانب هذه المدارس كانت هناك خزائن الكتب الخاصة في بيوت الأعلام والأسر المعروفة من عامة الناس. بل كان وجود خزانة الكتب في البيوت تقليداً عاماً من التقاليد التي يراعيها الناس، ويعدونها من كمال أسباب الحياة، وتمام أداة البيت، مثل قطع الأثاث والرياش ووسائل الزينة والزخرف. وهي خزانة خشبية كبيرة مزينة بالنقوش تسمى بالكتبية. وكانت تنصب في غالب الأحوال في صدر القاعة الكبرى في البيت، وترصف فيها المخطوطات صفاً صفاً، قليلة أو كثيرة، حسب مكانة صاحب البيت وعلى قدر اهتمامه بالعلم والكتب. فقد يكون عالماً من العلماء فتكثر كتبه، أو يكون رجلاً من عامة الناس فتقل كتبه، ولا تعدو بعض نسخ المصحف وبعض أسفار الحديث وعلوم الدين المعروفة.
وفي القرن التاسع عشر حين بدأت نظم التربية والتعليم تتغير بتغير معطيات العلم والحضارة الجديدة في العالم، وصارت الكتب تطبع في المطبعة، وأنشئت مدارس العلم الحديثة في العالم الإسلامي على مثال المدارس في بلاد المغرب، قلّ اهتمام الناس بالمخطوطات، وانصرف معظم طلاب العلم من المدارس القديمة. فضعف لذلك شأنها، واختل نظامها، واستهان بها الرجال الذين كانوا يتولون أمرها وبما حفظ فيها من أسفار مخطوطة. فأخذت هذه الأسفار تتفرق شيئاً فشيئاً، وامتدت إليها الأيدي الطامعة بالربح من ثمن بخس تبيعه به، فضاع شيء كثير منها. فانتبه لذلك بعض النابهين من أولي الأمر والسلطة ومن ذوي الفضل والكرم، وفكروا في حفظها والإبقاء عليها.
وكان معظم المخطوطات في بلاد الشام مجموعاً محفوظاً في دمشق وحلب وهما العاصمتان الثقافيتان الكبيرتان في هذا البلد. وسنقصر كلامنا هنا على المخطوطات الموجودة في دمشق وحدها، وفي الخزائن العامة المعروفة فيها، دون الخزائن الخاصة الكائنة في بيوت الناس. وهذا لا ينفي أن تكون هناك مخطوطات في أماكن غير هاتين العاصمتين. ولكن عددها قليل، وشأنها ضعيف ضئيل، فلا تستحق لذلك الذكر والبيان.
مخطوطات دمشق:
عندما تذكر المخطوطات في دمشق، ينصرف ذهن الإنسان عفواً إلى اسم علم من الأسماء الشهيرة الجميلة في دمشق هو اسم الظاهرية، أو المكتبة الظاهرية كما يسميها الناس، أو دار الكتب الظاهرية، وهو اسمها الرسمي. والسبب في ذلك أن مخطوطات دمشق قد جمعت وحفظت في الظاهرية فصارت محلاً لها، كما صارت هذه المخطوطات شهرة للظاهريّة. وعرف الناس ذلك من أمرها داخل البلاد وخارجها.
ولكن كيف تجمعت هذه المخطوطات في الظاهرية؟ إن لذلك حديثاً نرويه ها هنا في كليمات قصار، فنقول: هبط دمشق سنة 1878 الوالي العثماني المشهور مدحة باشا، وهو رجل ذكي لامع، كان يحب الإصلاح والتجديد. فاهتم بأمر العلم والمعارف، ورأى أن ينشئ في دمشق مكتبة عامة على مثال المكتبات الموجودة في إستانبول عاصمة الدولة. فدعا بعض علماء البلد وأعيانه، وشاورهم في الأمر. ولما اتفق رأيهم على ذلك، ألف منهم جماعة سماها الجمعية الخيرية، وكلفها أن تعمل على إنشاء المدارس والعناية بالتعليم والبحث عن الكتب وجمعها. فشرعت هذه الجمعية بجمع المخطوطات الموقوفة في مدارس دمشق المختلفة، ونقلتها إلى المدرسة الظاهرية بعد إصلاحها وإعدادها لذلك([1]). ورتبتها في خزائن خاصة موضوعة في قبة ضريح الملك الظاهر على مثال خزائن المخطوطات في إستانبول تماماً.
وما كاد مشروع المكتبة يتم حتى عزل الوالي مدحة باشا عن دمشق، وأقبل مكانه أحمد حمدي باشا. فتم الأمر في زمنه، وفتحت المكتبة أبوابها للقراء من طلاب العلم والباحثين، وسميت بالمكتبة العمومية، ووضعت تحت إشراف لجنة من أعضاء الجمعية الخيرية دعيت جمعية المكتبة العمومية.
وكانت الكتب التي جمعت في الظاهرية مخطوطات كلها إلا بضع عشرات من الكتب المطبوعة. وكان عددها حينذاك 2453 كتابٍ كما يظهر في الفهرس الذي صنع للمكتبة في ذلك الحين، وطبع بمطبعة الجمعية الخيرية. ويبدو أن هذا الفهرس كان من صنع الشيخ طاهر الجزائري. وقد أخذت هذه المخطوطات من مكاتب مدارس دمشق القديمة، وهي عشر مدارس كما ذكر في أول فهرس المكتبة. أولها المدرسة العمرية، ثم مدرسة عبد الله باشا العظم، ثم مدرسة سليمان باشا العظم، ثم مكتبة الملا عثمان الكردي وكانت في مدرسة سليمان باشا أيضاً، ثم مكتبة الخياطين وكانت في مدرسة إسماعيل باشا العظم، ثم المدرسة المرادية، ثم المدرسة الشميصاتية، ثم المدرسة الياغوشية، ثم مكتبة الأوقاف، ثم مكتبة بيت الخطابة في جامع بني أمية. إلا أن في فهرس المكتبة إشارات وملاحظات تدل على أن جملة من الكتب قد أهدي إلى المكتبة إهداء من بعض علماء المدينة وبعض موظفي الولاية. وكان عدد المخطوطات 2387 مخطوطة، وباقي الكتب وهو 66 كتاباً من المطبوعات.
وأخذ عدد الكتب يزداد في المكتبة مع الزمن شيئاً فشيئاً عن طريق الإهداء والوقف فحسب. فقد كان علماء المدينة وفضلاؤها وموظفو الولاية ودوائرها الرسمية ونظارة المعارف العثمانية يرسلون إلى المكتبة الكتب المخطوطة والمطبوعة. ويظهر هذا جلياً في الذيل الذي صنع لفهرس المكتبة، وألحق به مكتوباً بخط اليد. وقد بلغ عدد المخطوطات فيها سنة 1894 في عهد الوالي رؤوف باشا الذي أولى المكتبة عناية خاصة 2548 مخطوطة.
ثم قامت الدولة العربية في بلاد الشام أوائل سنة 1919 في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأنشئ ديوان المعارف، وألحقت به المكتبة، وسميت بدار الكتب العربية. وهنا بدأت مرحلة جديدة، طيبة وخيّرة في تاريخ الظاهرية. فقد عزم ديوان المعارف على توسعتها، وخصص المال المطلوب لذلك. يظهر لنا ذلك من هذا الإعلان الذي أذيع في الصحف في العشرين من آذار سنة 1919 بعد قيام الدولة العربية، بتوقيع رئيس ديوان المعارف، وهذا نصه:
عزمت الحكومة العربية على إنشاء دار للكتب في هذه العاصمة، تجمع فيها نفائس الكتب القديمة والحديثة، من مخطوطة ومطبوعة، في العلوم والفنون المتنوعة؛ في اللغة العربية وغيرها من اللغات المشهورة، لكي يتسنى للأمة العربية الارتقاء العلمي والأدبي بمطالعة ما تختاره من تلك الكتب. فمن كان عنده شيء منها، وأراد بيعه، فليعلم بذلك ديوان المعارف، فيعطى الثمن الذي يتم عليه الاتفاق بلا تردد ولا مماطلة ([2]).
ثم ألحقت بالظاهرية في السنة نفسها بالمجمع العلمي العربي، ولقيت عناية كبيرة من رئيس المجمع الأول العلامة محمد كرد علي خلال سني رئاسته الطويلة للمجمع حتى توفي سنة 1953.
وفي هذه المرحلة ازداد عدد الكتب في الظاهرية زيادة كبيرة. فقسمت مقتنياتها لذلك إلى ثلاثة أقسام: قسم المخطوطات، وقسم الكتب المطبوعة، وقسم المجلات والصحف. وقد كان عدد المخطوطات فيها 2833 مخطوطة في شهر حزيران سنة 1919. فبلغ عددها 3830 مخطوطة في نهاية سنة 1928. وصار عددها 3927 مخطوطة في نهاية سنة 1936، و7156 مخطوطة في نهاية سنة 1951، و9062 مخطوطة في نهاية سنة 1960. وعددها اليوم يقارب 11500 مخطوطة.
مخطوطات الخزائن الخاصة بدمشق:
أما المخطوطات المكنونة في الخزائن الخاصة، فما زال أمرها مكتوماً مجهولاً غير معروف. وكان في دمشق عدد من هذه الخزائن الخاصة الغنية التي لا تقل عن الظاهرية قيمة وشأناً، مثل خزانة أبي السعود الحسيبـي نقيب الأشراف في العهد العثماني، وعبد المجيد السقطي، والشيخ طاهر الجزائري، والشيخ خالد الصاحب، والشيخ أحمد أبي الفتح، ومحمود حمزة، ومراد القوتلي، وكثيرين غيرهم. ذكر هذا كله حبيب الزيات في كتابه “خزائن الكتب في دمشق وضواحيها”([3]) الذي طبعه في القاهرة سنة 1902. وعنه أخذت هذا الكلام، ولا أدري ما حقيقة كلامه. على أنني أجد فيه آثاراً من المبالغة التي يعمد إليها الإنسان لإثبات الشيء وتقويته، كما يقول أحدنا في حديث له مع أخ من إخوانه: »قلت لك هذا مائة مرة«.
فهرسة المخطوطات في الظاهرية:
1 ـ دفتر المكتبة الأول:
وضع للمكتبة في أول تأسيسها فهرس بدائي كان أقرب أن يكون سجلاً للكتب أريد به إحصاء عددها وضبط أسمائها، وسمي بدفتر المكتبة. وقد وضع هذا الدفتر شبيهاً بالدفاتر الموضوعة لخزائن المخطوطات العربية في إستانبول أيام الدولة العثمانية. وسجلت الكتب في هذا الدفتر على أبواب مصنفة حسب أصناف العلوم، وأحصي عدد الكتب في كل صنف منها بأرقام متسلسلة. ولكن تصنيف الكتب في هذه الأبواب لم يكن دقيقاً. وفي ذلك قال حبيب الزيات في كتابه الذي ذكرناه آنفاً: »ومما يدل على تسرع اللجنة في إفراز هذه الكتب، وعدم تأنيها في تمييز مشتملاتها، هذا الخلط الواقع في توزيع المؤلفات على أصناف العلوم. فإن كثيراً منها مذكور في غير فنه الجدير به، حتى لقد يرى الكتاب الواحد في نسختين أو أكثر وكل منها في واد« ([4]).
وطريقة وضع هذا الدفتر ساذجة، لا تعدو ذكر اسم الكتاب واسم مؤلفه في اختصار، وإيراد بعض الملاحظات الأخرى التي لا تنفع كثيراً في تقويم الكتب. وكل ذلك في سطر واحد وحسب. والاختصار آفة في مثل هذا المجال. فقد اقتصر الذين وضعوا هذا الدفتر على نقل جزء من أسماء الكتب وأسماء مؤلفيها في كثير من الأحيان لضيق السطر الواحد من استيعاب التفصيل في ذلك. واكتفوا كذلك بتسجيل العنوان الظاهر في أول المخطوطة دون السعي إلى تقليب صفحات المجلدات وتسجيل الكتب الموجودة فيها. وكان بين المخطوطات آنذاك عشرات من المجاميع لم تسجل إلا باسم الكتاب الأول في كل مجموع منها في أغلب الأحيان. حتى قال حبيب الزيات في كتابه:
إن المطالع الذي يقع إليه برنامج المكتبة الظاهرية خاصة لا يعلم من أمرها ومأخذها وتاريخ مصير هذه الكتب إليها إلا ما يقرؤه في الفاتحة من أسماء المكاتب العشر التي نقلت منها. ولا يدري أحياناً ما وراء هذه الأرقام والألقاب المدلول بها على المخطوطات إلا ما ينبئ عنه الظاهر فقط، فضلاً عما يفوته مراراً ضمنها من المؤلفات والأجزاء التي لم ينتبه لها عند التقويم والإحصاء ([5]).
2 ـ كتاب خزائن الكتب في دمشق وضواحيها:
كان يتردد إلى الظاهرية في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر عالم قارئ هاو، يهوى القراءة والاطلاع على المخطوطات، اسمه حبيب الزيات، وهو من أبناء دمشق كما يقول عن نفسه. وقد ذكرنا اسمه مرات أثناء كلامنا في الصفحات السابقة.
رأى الزيـات ـ كما يقول ـ فهارسَ الظاهرية في دمشق والمكتبة الخالدية في القدس، ورأى أنها تقتصر على سرد الأسماء دون تحقيق ولا استيفاء في البحث والنقل. فأراد أن يكمل هذا النقص. وقال يبين ذلك:
دفعتني آصرة البلدية والرغبة المخلصة في الخدمة الأدبية إلى أن أتولى بقدر ما يسعه الذرع القاصر سدّ جانب من هذه الثلمة في تاريخ وطني دمشق. فعلقت منذ أربع سنوات أقلب مخطوطات خزانتها الظاهرية وأطالع منها ما دعت الحاجة إلى مطالعته، إلى أن تم لي مراجعة كل كتبها الأدبية، خلا الحديث والفقه كما سيأتي شرح ذلك في مكانه. فأثبت باختصار ما اجتمع لدي من هذه التعليقات والقيود في الجزء الأول من هذا الكتاب ([6]).
وذكر الزيات في مكان آخر من كتابه أنه ظل يتردد على الظاهرية عشر سنين، طالع خلالها معظم كتبها الأدبية. فندب نفسه لذلك لصنع فهرس لمخطوطات الظاهرية([7]).
والظاهر هو أن الزيات كان قد اطلع على بعض الفهارس العلمية التي صنعها المستشرقون للمخطوطات العربية المحفوظة في مكاتبهم، مثل فهارس مكتبة برلين وغيرها([8]). فأراد أن يحذو حذوهم، ويستفيد من مناهجهم في عمله. ولكن علمه وخبرته ضاقا عن ذلك، فلم يستطع السير في أثر هؤلاء المستشرقين، فقال يبين ذلك:
هممت أن أتلو في وصف هذه المخطوطات تلو الفهارس الأوربية من بسط الكلام على كل كتاب وتعريف ماهيته، وإيراد جانب من ترجمة مؤلفه حيث تدعو الضرورة إليه، واقتضاب نبذ منه، وتعيين تاريخ نسخه ومكانه، واسم الناسخ له، وما شاكل ذلك من الإيضاحات التي يتبين بها حال الكتاب، وتظهر أغراضهم. ولكني وجدت أن ما يستغرقه هذا التطويل من الأوقات والنفقات يضيق عن بلوغه ذرعي. فاكتفيت بنقل عنوان المؤلف واسم مؤلفه فقط، مع الإشارة إلى موضوعه الخاص، وذكر أوائله أحياناً ([9]).
عمد الزيات أولاً إلى المجاميع، وهي من أغنى مخطوطات الظاهرية، وكان عددها حينئذ 132 مجموع، تضم مئات من الكتب والوسائل والأمالي القصار النادرة في فنون الثقافة العربيةالمختلفة، ولا سيما فن الحديث. فذكر ما تضمنه كل مجموع من الكتب والرسائل جميعاً. وهذا ما لم يذكر في دفتر الظاهرية الأول الذي تكلمنا عليه آنفاً، وهو أجود ما صنعه الزيات في كتابه وأحسنه.
ثم انتقل المؤلف بعد ذلك إلى المخطوطات الأخرى، فذكر عدداً منها كان يختاره من كل فن من الفنون واتبع في ذلك ترتيب الفنون في دفتر الظاهرية الأول دون تغيير البتة. وقد صرح بذلك قائلاً:
ومع كوني خالفت الفهرست في أشياء كثيرة أوردها على غير وجهها الصحيح، فقد اضطررت أن أوافقه على ترتيبه الذي جرى عليه في نسق المؤلفات، ونسبتها إلى فنها الخاص بها فذكرت كل مخطوط في الباب الذي ساقه فيه، وإن كان غيره أحياناً أولى به وأحرى بمكانه، وذلك تسهيلاً للطلب، وحذراً من التشويش ([10]).
وقد بدأ الزيات ذلك بعلم الفرائض، وختمه بعلم الهيئة، تاركاً الفنون التسعة الأولى في دفتر الظاهرية الأول، وهي في علوم القرآن والحديث والفقه الإسلامي.
وهكذا نرى أن صاحب كتاب خزائن الكتب في دمشق وضواحيها لم يستطع صنع شيء كبير، ولم يمكنه الخلاص من الدوران حول دفتر الظاهرية الأول في جملة عمله. لقد أراد أن يضع فهرساً علمياً لمخطوطات الظاهرية، فقصر باعه عن ذلك، ووقفت به همته عن بلوغ ما كان يصبو إليه ويرغب فيه. وقد أحس بذلك من نفسه، فاعتذر عنه في مقدمته كما ذكرنا آنفاً. ولكن الزيات مع ذلك كان أول من فكر في هذا الأمر، ونبه إليه أذهان الناس في بلاد الشام. فكان له حسنى السبق إلى ذلك، وإن لم يكن له حسنى الإجادة فيه.
هذا وقد جعل الزيات كتابه أربعة أقسام سماها أجزاء. الجزء الأول منها في مخطوطات الظاهرية ( ص 1 ـ 90)، وهو الذي تكلمنا عليه في الصفحات السابقة. والجزء الثاني في خزائن الكتب في الأديار والكنائس (ص 91 ـ 120). والثالث في بلدة معلولا ولهجتها السريانية (ص 121 ـ 161). والرابـع في بلـدة يبرود ومكتبـة المطران غريغـوريوس عطا فيها (ص 161 ـ 246).
والأجزاء الثلاثة الأخيرة من الكتاب لا صلة قريبة لها بالمخطوطات، ولا تضم سوى أخبار وروايات حول بعض المكاتب والمخطوطات الكنسية، وهي مع ذلك لا تتصف بالدقة، ولا تسير على خطة علمية.
3 ـ فهرس الكتب الخطية لدار الكتب الظاهرية للشيخ حسني الكسم
عين الشيخ حسني الكسم مساعداً لمحافظ الظاهرية، واستلم عمله فيها سنة 1919، وظل في هذا العمل مدة طويلة امتدت إلى غاية كانون الثاني (يناير) سنة 1934. وكان في هذه الفترة الطويلة هو المدير الفعلي للظاهرية.
ويبدو أن الشيخ حسني قد لاحظ أن الدفتر الأول الذي وضع للظاهرية لا يفي بالغرض، ولا يفيد كثيراً في تعريف المخطوطات وبيان أحوالها. فعزم لذلك على صنع فهرس آخر لهذه المخطوطات يكون أجدى وأوفى بالغرض. فاتبع طريقة دفتر الظاهرية الأول، وصنف المخطوطات حسب أصناف العلوم كما جاءت في ذلك الدفتر. وسار بعد ذلك على سنّة حسنة فساق أسماء الكتب في كل صنف مرتبة على حروف الهجاء. وهذا ما لم يفعله أصحاب دفتر الظاهرية الأول ولا حبيب الزيات في كتابه. وإنما هو شيء جديد بدأ به الشيخ حسني. ويغلب على ظننا أنه اقتدى في ذلك بالدفاتر الموضوعة لخزائن المخطوطات في إستانبول، وكان رآها في الظاهرية إذ أرسلتها إليها نظارة المعارف العثمانية فيما أرسلت من الكتب.
وكذلك سار الشيخ حسني على سنّة حسنة أخرى أيضاً، فذكر أسماء الكتب والمؤلفين مفصلة كاملة في أغلب الأحيان، مع ذكر وفيات المؤلفين. وفاق بذلك واضعي الدفتر الأول وحبيب الزيات معاً، وزاد في فهرسه أشياء أخرى لم يفطن لها هؤلاء جميعاً. فنراه يأخذ في وصف المخطوطات وبيان أحوالها وأشكالها، مثل بيان موضوعها ومضمونها، وذكر أجزائها، وأنواع خطوطها، وعدد صفحاتها، وتاريخ نسخها، وأسماء الناسخين، وإيراد جمل من أوائل الكتب تبين أغراضها في أغلب الأحيان، وغير ذلك من المعلومات المفيدة في هذا المجال.
وهذا مثال مما جاء في هذا الفهرس في وصف جزء مخطوط من كتاب “المجمل” في اللغة لابن فارس. قال:
“المجمل في اللغة”: لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي القزويني الشهير بابن فارس المتوفى سنة 390. الموجود منه مجلد في 375 صفحة متوسطة، يبتدئ من مادة (ع ب ث) إلى آخر الكتاب. وهو معجم مرتب على الحروف كترتيب “المصباح”، التزم فيه الصحيح والواضح من الكلام العرب دون الوحشي المستنكر، وآثر فيه الإيجاز. كتب بقلم نسخ نفيس مضبوط الحركات سنة 589، رقم 123 ([11]).
ومن الحق أن نقول إن عمل الشيخ حسني الكسم كان شيئاً جديداً فذاً في فهرسة المخطوطات في دمشق. فيمكننا أن نعده لذلك خطوة واسعة للوصول إلى وضع الفهرس العلمي الدقيق الصحيح للمخطوطات، وكاد الشيخ حسني يبلغ هذه الغاية، ويصيب الغرض بعمله هذا، لولا افتقار فهرسه إلى شيء من الدقة والتنظيم، ولولا نقص تجربته، وقلة معرفته وخبرته بالكتب وطبيعة المخطوطات.
هذا، وقد أنجز الشيخ حسني فهرسة معظم مخطوطات الظاهرية في فهرسه هذا، فجاء في 187 صفحة كبيرة بخطه. ولكنه لم يكمله بعد أن قارب تمامه. فقـد انتهى فيه إلى حرف الهاء من قسم كتب الفلك والميقات، ولم يتم هذا القسم بدليل أنه ترك فيه بياضاً في آخره كأنه كان يريد أن يكتب فيه شيئاً. ثم انتقل إلى كتب علم الحساب من قسم الرياضيات، ورسم عنوان هذا القسم، ولكنه لم يذكر فيه شيئاً من الكتب البتة.
والظاهر أن المنية قد وافت الشيخ حسني، وحالت بينه وبين إتمام فهرسه، فبقي ناقصاً مبتوراً في مسودته. وأهمل هذا الفهرس بعد ذلك، وترك للنسيان. وهو اليوم لا يستعمل، ولا ينظر فيه أحد، وإنما بقي في الظاهرية ذكرى تمثل مرحلة مهمة في سبيل وضع فهارس علمية صحيحة لمخطوطات الظاهرية.
4 ـ فهرس المجاميع
في الوقت الذي كان فيه الشيخ حسني الكسم يقوم بإعداد فهرسه الذي وصفناه آنفاً، كان الشيخ صادق المالح يضع فهرساً آخر للكتب والرسائل والأجزاء والأمالي الموجودة ضمن المجاميع المخطوطة في الظاهرية. وقد أشرنا إلى هذه المجاميع فيما سبق من بحثنا هذا.
كان الشيخ صادق موظفاً بوظيفة ناسخ في الظاهرية، فكلفه الشيخ حسني الكسم بأن يضع فهرس المجاميع بإشرافه. فقام الشيخ صادق بذلك، وكتب لهذه المجاميع سجلاً عاماً بخط يده في دفتر كبير، استوفاها فيه جميعاً، وأحصى ما تضمنته بالتفصيل كتاباً كتاباً ورسالة رسالة حسب ترتيب ورودها في كل مجموع مع ذكر أسماء أصحابها وعدد صفحاتها، دون أي ترتيب آخر. ولكنه لم يصنع شيئاً آخر وراء هذا الإحصاء، حتى إنه ذكر كل كتاب منها في سطر واحد وحسب. فكان عمله في جملته سجلاً عاماً لما في هذه المجاميع كما قلنا. وهذا هو الذي قصد إليه الشيخ صادق من عمله في الأصل، وليس غير ذلك. ويبدو أنه اقتفى في كتابة سجله خطى حبيب الزيات فيما صنعه في كتابه “خزائن الكتب” من نثر ما تضمنه عدد كبير من هذه المجاميع كما ذكرنا.
ولم يتم الشيخ صادق هذا السجل جميعه، وإنما بقيت منه بقية ضئيلة أتمها السيد فوزي العاني بخط يده.
ويفيدنا هذا السجل في تيسير الاطلاع على ما تضمنه كل مجموع من كتب ورسائل في سهولة ويسر. ويوفر علينا الوقت الطويل الذي نصرفه في تقليب أوراق المجاميع الكثيرة طلباً للكتب والرسائل الصغيرة الضائعة في ثناياها.
5 ـ سجل المخطوطات
كانت المخطوطات والكتب المطبوعة تحفظ معاً في مكان واحد في الظاهرية من يوم تأسيسها. وقد ذكرنا آنفاً في كلامنا على دفتر الظاهرية الأول أنها سجلت معاً أيضاً في هذا الدفتر، وكانت الكتب المطبوعة قليلة حينئذ، لا يعدو عددها بضع عشرات من الكتب. وكذلك ظلت المخطوطات والكتب المطبوعة التي دخلت الظاهرية بعد تأسيسها وطبع دفترها الأول، ظلت تسجل في أوراق ملحقة بهذا الدفتر، وعلى الترتيب نفسه الذي اتبع فيه، أي مصنفة حسب أصناف العلوم.
وظلت الأمور تسير هكذا في الظاهرية حتى كثرت مقتنياتها مع مضي الأيام، وزاد عدد المطبوعات على عدد المخطوطات فيها في أيام الدولة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. وصارت الحاجة وضرورات التنظيم تدعو إلى فصل المخطوطات عن المطبوعات. وفي هذه الأثناء تولى إدارة الظاهرية الأستاذ عمر رضا كحالة أواخر سنة 1934، فرأى أن يحقق هذا الأمر. فتم استقلال المخطوطات في تلك الآونة، وجعل لها سجل خاص بها في دفتر كبير الحجم. وكتبت المخطوطات جميعاً في هذا السجل على الطريقة التي اتبعت في دفتر الظاهرية الأول بأسماء الكتب ومرتبة حسب أصناف العلوم، مع تغيير طفيف وزيادات قليلة في حقول الملاحظات والمعلومات. وأعطيت المخطوطات في هذا السجل أرقاماً متسلسلة إلى جانب أرقامها الخاصة القديمة.
على أن تسجيل المخطوطات في دفتر مثبت الأوراق حسب أصناف العلوم أمر يسير إذا كان عدد المخطوطات ثابتاً لا يزيد مع الأيام. فإذا كان عددها يزيد، أصبح تسجيلها على هذه الطريقة أمراً عسيراً جداً في دفتر مثبت الأوراق. وكانت مخطوطات الظاهرية تزيد زيادة مطردة على الزمن. وأمام هذا العسر رئي التخلي عن هذه الطريقة، وترجيح تسجيل المخطوطات في الدفتر بأسماء الكتب حسب ورودها ودخولها الظاهرية بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، واختيار إعطائها أرقاماً متسلسلة وحسب. والأمر مستمر على هذه الطريقة إلى اليوم. وتسجيل المخطوطة في هذا السجل يشبه بوجه من الوجوه شهادة ميلاد لها في الظاهرية أو وثيقة سجن مؤبّد فيها، لأنها لا تخرج منها في حال من الأحوال.
6 ـ فهرس المؤلفين
في سنة 1935 عين الدكتور يوسف العش مديراً لدار الكتب الظاهرية، فبدأت بذلك مرحلة جديدة خيرة في تاريخ هذه الدار، نستطيع أن نسميها المرحلة العلمية في وضع الفهارس، وتنظيمها على أسس وقواعد معروفة واضحة في جميع أقسام الدار. وكان الدكتور يوسف العش قد حصل على شهادة المكتبات من باريس، وعاد للعمل في الظاهرية، فكان أول ما بدأ به في قسم المخطوطات هو تنظيم فهرس آخر للمخطوطات حسب أسماء المؤلفين أول مرة في تاريخ الظاهرية.
لم ينظم هذا الفهرس في دفتر صغير أو كبير مثل الفهارس والسجلات التي وصفناها فيما مضى من كلامنا، وإنما نظم في جذاذات مفردة متساوية من الورق السميك، وحفظت في أدراج مقسمة ضمن خزانة خاصة.
كتب لكل مخطوطة جذاذة خاصة في هذا الفهرس، تبدأ بالاسم أو الشهرة أو اللقب الذي عرف به المؤلف، أي بالاسم العلمي الذي يعرف به، مثل امرئ القيس وابن قتيبة والمبرد والجاحظ مثلاً. ويكتب مفرداً في سطر، ويكتب معه اسم المؤلف كاملاً وتاريخ وفاته. ويأتي بعد ذلك تعريف موجز للكتاب، وبعده وصف موجز للمخطوطة أيضاً، مضمونها وشكلها، مثل عدد أوراقها وتمامها أو نقصانها ونوع خطها وتاريخ نسخها واسم ناسخها وما إلى ذلك من المعلومات. وتختم الجذاذة برقم المخطوطة، وقد رتبت هذه الجذاذات بعد ذلك في أدراجها الخاصة حسب أسماء المؤلفين بترتيب حروف الهجاء.
هذا الفهرس مفيد جداً للباحثين، ولا سيما في معرفة المخطوطات الموجودة للمؤلف الواحد في الظاهرية. ولكنه على فائدته ليس بدقيق ولا تام، إذ تعاورت عليه أيد مختلفة في فترات مختلفة من الزمن، من اليوم الذي بدئ فيه بتنظيمه إلى هذا اليوم. فهو لذلك يضل الباحثين في بعض الأحيان، ويحسن لذلك مراجعته وإصلاحه وتنظيمه بدءاً تنظيماً دقيقاً يجعل الاستفادة منه ميسرة مثمرة، ولكن ذلك شأن بعيد المنال الآن بسبب كثرة المخطوطات من جهة، وقلة الاختصاصيين الذين يجيدون العمل في ميدان المخطوطات من جهة أخرى.
7 ـ فهرس الموضوعات
في الوقت الذي بدئ فيه بتنظيم فهرس المؤلفين الذي تحدثنا عنه قبل هذا، وضع فهرس آخر حسب الموضوعات، أي حسب أصناف العلوم. وقد وضع على شاكلة فهرس المؤلفين على جذاذات من الورق السميك حفظت كذلك في أدراج مقسمة في الخزانة الخاصة التي حفظت فيها جذاذات فهرس المؤلفين.
كتب لكل مخطوطة جذاذة خاصة في هذا الفهرس تبدأ باسم الكتاب مكتوباً في سطر، ويتلو ذلك اسم المؤلف في سطر أيضاً، ويأتي بعده وصف المخطوطة وبيان أحوالها كما جاءت في الجذاذة الخاصة بالمخطوطات نفسها في فهرس المؤلفين. وقد رتبت جذاذات هذا الفهرس، في كل فن من العلوم، حسب أسماء الكتب وعلى ترتيب حروف الهجاء.
هذا الفهرس مفيد جداً في معرفة المخطوطات الموجودة في الفن الواحد من العلوم في الظاهرية. ولكنه مع ذلك ليس بدقيق ولا تام للسبب نفسه الذي بيناه في كلامنا على فهرس المؤلفين غير بعيد، ويحسن لذلك إصلاحه وتنظيمه من جديد وإكمال نقصه لتحصل منه الفائدة. ولكن هذا مطلب عسير يستغرق زمناً طويلاً لكثرة المخطوطات وقلة الاختصاصيين. هذا، وقد سعت إدارة الظاهرية منذ سنوات في سبيل إنجاز الفهارس العلمية الموضوعة على الموضوعات، وهي التي ستغني الباحثين عن فهرس الموضوعات هذا وسواه من الفهارس.
8 ـ فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية
وينتهي بنا البحث أخيراً إلى الكلام على فهرس ختم به هذا الجهد الطويل الذي استمر أكثر من خمسين سنة في سبيل الوصول إلى وضع فهرس علمي لمخطوطات الظاهرية. فقد كان أقصى ما فكر فيه الدكتور يوسف العش، بعد تنظيمه شؤون الظاهرية على أسس جديدة، أن يضع فهرساً علمياً قويماً لمخطوطاتها على نمط بعض الفهارس العلمية التي وضعها المستشرقون للمخطوطات المحفوظة في خزائن بلادهم.
كان هذا الفهرس، كما تصوره الدكتور يوسف العش، سلسلة من الفهارس الموضوعة على تعريف المخطوطات ودراستها وتحليلها، تخصص كل حلقة منها لفن من فنون الثقافة العربية، وتطبع في كتاب قائم على جدته، وتوزع مثل سائر الكتب المطبوعة، ليطلع عليها القاصي والداني من الباحثين في الثقافة العربية في الشرق والغرب من بقاع الأرض.
وكانت الفهارس المختلفة التي تحدثنا عنها آنفاً لا تفيد إلا القارئ الذي يقصد الظاهرية بنفسه، ويطالع فيها، لأنها كانت مكتوبة بخط اليد غير مطبوعة، سوى الدفتر الأول منها. وقد ابتدأ بهذه السلسلة الدكتور يوسف العش نفسه، فوضع الجزء الخاص بالتاريخ وملحقاته، وطبعه مجمع اللغة العربية بدمشق في سلسلة مطبوعاته سنة 1947.
أ ـ التاريخ وملحقاته
كان عمل الدكتور يوسف العش فذاً فريداً في بابه، يجري أول مرة في العالم العربي. وبسبب ذلك كان فضل السبق للظاهرية في هذا الميدان. وقد جرت قبل عمله محاولتان اثنتان في هذا السبيل في الظاهرية. الأولى محاولة حبيب الزيات في كتابه “خزائن الكتب”، والثانية محاولة الشيخ حسني الكسم في “فهرس الكتب الخطية”. ولكن المحاولتين كانتا ناقصتين غير تامتين، ولم تسيرا على منهج علمي صحيح كما بينا آنفاً. وكانت المحاولة الثانية مع ذلك أقوم وأوفى من المحاولة الأولى.
بيّن الدكتور يوسف العش خطته التي اتبعها في فهرسه، فقال:
سرت في هذا الفهرس على نهج اختطته ليكون وافياً بغاية الباحث، قريب المتناول، سهل التصفح. فقسمت موضوعات التاريخ إلى أقسام توخيتها واضحة، ثم وزعتها إلى فصول تبين أجزاءها، وتضبط مناحيها، ثم أدرجت في كل فصل وصف المخطوطات التي تنتمي إليه خاصة، أو تنتسب إليه أكثر مما تنتسب إلى غيره. ورتبتها بتتابع وفيات مؤلفيها إن عرفتها، أو بترتيب تاريخ تأليفها إن اتضح لي، فقدمت القديم على ما هو أحدث منه، ثم أدرجت في آخر الفصل ما جهلت.
وأقسام الفهرس التي أشار إليها المؤلف هي:
1 ـ علم التاريخ ومقدماته. وفيه فصل واحد.
2 ـ التاريخ الإسلامي وعصوره. وفيه أحد عشر فصلاً.
3 ـ تاريخ الأقطار الإسلامية. وفيه ستة فصول.
4 ـ التراجم. وفيه أربعة عشر فصلاً.
5 ـ ملحقات التاريخ الإسلامي. وفيه فصلان اثنان.
6 ـ تاريخ الأنبياء وغير المسلمين. وفيه فصل واحد.
ونفهم من كلام المؤلف في بيان خطته كما نرى في هذا التقسيم الذي عمد إليه أن هذا الفهرس قد قسم أقساماً وفصولاً على الموضوعات. وذكرت المخطوطات في هذه الفصول المختلفة، ورتبت فيها ترتيباً زمنياً حسب وفيات مؤلفيها أو زمان تأليفها، أي بتقديم القديم على ما هو أحدث. وهكذا.
ونلاحظ للوهلة الأولى أن الدكتور يوسف العش قد أكثر من الأقسام والفصول في كتابه. فقد بلغت فصوله خمسة وثلاثين فصلاً، وفي هذا شيء كثير من الكلفة والتعقيد على المؤلف والباحث معاً. وقد زاد الأمر تعقيداً ترتيبه المخطوطات في الفصول ترتيباً زمنياً كما ذكرنا، وكان الأقوم أن ترتب على حروف الهجاء. هذا وقد صنع المؤلف فهارس لأسماء الكتب وأسماء المؤلفين وغير ذلك على حروف الهجاء، وألحقها في آخر كتابه، فكانت هذه الفهارس سبيلاً إلى تيسير الأمر وإزالة قسط كبير من التعقيد؛ ولولا هذه الفهارس، لشق أمر النظر في الكتاب على الباحثين.
ولقد وصف الدكتور يوسف العش كل مخطوطة في فهرسه وصفاً قصد أن يكون دقيقاً وافياً، وجعل هذا الوصف في خمس فقرات بينها في مقدمته، فقال:
1 ـ الفقرة الأولى: ذكرت فيها اسم الكتاب والمؤلف بحروف دقيقة ثخينة بعد أن اختصرتها بأقصر عبارة.
2 ـ الفقرة الثانية: نقلت اسم الكتاب من طرة المخطوطة كما ورد فيها… ثم أوردت اسم المؤلف كما هو في طرة المخطوطة… وأتبعت بذلك بذكر تاريخ وفاة المؤلف.
3 ـ الفقرة الثالثة: أشرت فيها إلى طبع الكتاب إن كان مطبوعاً، وقابلت فيها المطبوع بالمخطوط، وأشرت إلى الاختلاف بينهما، وذكرت وصف موضوع الكتاب إن لم يكن مطبوعاً، وتحقيقاً عنه إن استحق التحقيق، وبيان فصوله ومكانها من الكتاب إن اتضحت وكانت مما يستوجب البيان، أو نقلت من خطبة الكتاب ما يشير إلى موضوعه أو يفسر أمره، ومن خاتمته ما يفصح عن نهايته. وإذا كان الكتاب في التراجم، أشرت إلى ما حفل منها بالأخبار واتسع وفصل.
4 ـ الفقرة الرابعـة: وصفت فيها النسخة… ووصفت خط النسخة… وذكرت تاريخ النسخة إن عرفته… وذكرت اسم الناسخ إن عثرت عليه.
5 ـ الفقرة الخامسة: أوردت فيها رقم النسخة الذي تجلب به من خزائن الظاهرية.
هذه هي خطة الدكتور يوسف العـش في وصف المخطوطات. وهي ـ لعمري ـ طريقة مثلى في هذا المجال، لا ريب. ولكننا نرى الإطالة ظاهرة فيها، فليس من وظيفة واضع فهرس المخطوطات أن يحلل مضمون المخطوطة، ويوازن بينها وبين غيرها مما هو في موضوعها. وليس من وظيفته كذلك أن يقابل مخطوطة كتاب ما بالمطبوع منه، ويشير إلى الاختلاف بينهما. فهذا ومثله من عمل المحققين الذين ينشرون المخطوطات، وإلا طال الأمر على واضعي فهارس المخطوطات، وهم قلة قليلة في كل الأزمان، ومضت أعمارهم دون أن ينجزوا شيئاً مذكوراً. وهذا مع كثرة المخطوطات العربية التي تعد بالآلاف في معظم الخزائن كما في الظاهرية. ولهذا السبب نفسه نرى أن الدكتور يوسف العش لم يستطع إنجاز فهرس آخر غير فهرس التاريخ. فكان من الضروري إعادة النظر في طريقته لتحقيق التيسير المطلوب في فهرسة المخطوطات، والسرعة في إنجازها.
ب ـ علوم القرآن
كان الدكتور يوسف العش قال في مستهل مقدمته لفهرس التاريخ: “وعسى أن يسعف الزمان بإتمام الأقسام الأخرى، أتولاها أنا أو غيري”. ولكن يبدو أن شواغل قد شغلت الدكتور يوسف العش، وصرفته عن الاستمرار في العمل الجليل الذي كان بدأ به. ولم يسعف الزمان كذلك بمن يتولى إتمام هذا العمل طوال سنين عديدة. ثم جئت إلى دار الكتب الظاهرية أواخر سنة 1959، وكنت قد تمرست بالاطلاع على مخطوطات التراث العربي في خزائن إستانبول وسائر مدن الأناضول خلال إقامتي الطويلة في تركية. وخزائن التراث العربي في تركية أغنى الخزائن في العالم إطلاقاً. فقضيت مثل رهبان الدير أياماً طويلة في عتمة هذه الخزائن ساعياً وراء عيون تراثنا المفقودة.
قمت في أول الأمر بتنظيم المخطوطات في قبة الملك الظَّاهر. ثم كان جل اهتمامي منصرفاً بعد ذلك إلى وضع فهارس لفنون المخطوطات المختلفة، ووصل ما انقطع من هذا العمل العلمي الجليل الذي افتتحه الدكتور يوسف العش. فابتدأت بالعمل في مخطوطات علوم القرآن، وجعلتها في جزء ذكرت فيه جميع الكتب التي تمت إلى القرآن الكريم بسبب من الأسباب.
توخيت في هذا الفهرس أن يكون مختصراً ميسراً، خالصاً من التعقيد الواقع في فهرس التاريخ. وجوهر الأمر فيه قائم على تعريف المخطوطة وتعريف صاحبها تعريفاً صحيحاً، ثم بيان حال هذه المخطوطة وقيمتها، من غير عناية كبيرة بتحليلها أو دراستها مجملاً أو مفصّلاً للسبب الذي شرحته حين كلامي على فهرس التاريخ آنفاً. ولبلوغ هذه الغاية، رسمت لنفسي خطة خاصة تتفق وخطة الدكتور يوسف العش في خطوطها العامة. وسعيت إلى بيان الأمور التالية فيها:
1 ـ بيان اسم الكتاب المخطوط في تفصيل، وتعريفه في إيجاز.
2 ـ بيان اسم مؤلفه في تفصيل، وذكر تاريخ وفاته، أو تعيين العصر الذي عاش فيه.
3 ـ وصف المخطوطة وبيان قيمتها في إيجاز.
4 وصف خطها، وذكر اسم الناسخ وتاريخ النسخ.
5 ـ ذكر السماعات المرقومة عليها وتاريخها، والتملكات وتاريخها حين اللزوم.
6 ـ بيان عدد أوراقها، وعدد السطور في كل صفحة، وقياس طولها وعرضها، وبيان رقمها.
7 ـ الإشارة إلى المصادر التي ذكرت الكتاب المخطوط أو تكلمت عليه.
ولقد جعلت هذا الجزء في أقسام أيضاً مثل فهرس التاريخ، ولكنني أخليته من الفصول لتسهيل الرجوع إليه والنظر فيه. وأقسامه هي:
1 ـ المصاحف الشريفة.
2 ـ كتب التجويد.
3 ـ كتب القراءات.
4 ـ كتب التفسير.
5 ـ كتب علوم القرآن العامة.
ورتبت المخطوطات في كل قسم على حروف الهجاء لتسهيل المراجعة على الباحثين. وصنعت لهذا الجزء فهرسين أيضاً، أحدهما لأسماء المؤلفين، والثاني لأسماء النساخ، وألحقتهما في آخره.
هذا، وقد طبع هذا الجزء الخاص بعلوم القرآن في سلسلة مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1962، أي بعد خمسة عشر عاماً من طبع الجزء الخاص بالتاريخ وملحقاته.
وبعد صدور فهرس علوم القرآن، مضى العمل حثيثاً في إعداد أجزاء أخرى من سلسلة فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية خلال عشر سنوات متتالية، على الطريقة التي رسمتها، وشرحتها آنفاً، مع تعديلات طفيفة فيها. فتم وضع عدة فهارس طبعت جميعها في سلسلة مطبوعات مجمع اللغة العربية، وهي:
– الفقه الشافعي، من وضع الأستاذ عبد الغني الدقر، وقد طبع سنة 1963.
– الشعر، من وضع الدكتور عزة حسن، وقد طبع سنة 1964.
– الطب والصيدلة، من وضع الدكتور سامي خلف الحمارنة، وقد طبع سنة 1969. وقد سار المؤلف في هذا الفهرس على طريقة خاصة فيها دراسات وتحليلات كما في فهرس التاريخ.
– علم الهيئة وملحقاته، من وضع الأستاذ إبراهيم خوري، وقد طبع سنة 1969.
– المنتخب من مخطوطات الحديث، من وضع الأستاذ ناصر الدين الألباني، وقد طبع سنة 1970.
– الجغرافية وملحقاتهـا، من وضع الأستاذ إبراهيم خوري، وقد طبع سنة 1970.
– الفلسفة والمنطق وآداب البحث، من وضع الأستاذ عبد الحميد الحسن، وقد طبع سنة 1970.
– التاريخ، الجزء الثاني، وهو يتضمن مخطوطات التاريخ التي اقتنتها الظاهرية بعد سنة 1945، من وضع الأستاذ خالد الريان، وقد طبع سنة 1972.
– اللغة وعلومها، من وضع الأستاذة أسماء الحمصي، وقد طبع سنة 1973.
– الفقه الحنفي، من وضع الدكتور مطيع الحافظ، وقد طبع سنة 1973.
([1]) حبيب الزيات، خزائن الكتب في دمشق وضواحيها، القاهرة، 1902، ص. 5.
([2]) أسماء الحمصي، المدرسة الظاهرية، ص ص. 49 ـ 50.
([3]) انظر الكتاب المذكور، ص. 90.
([4]) خزائن الكتب في دمشق وضواحيها، ص. 20.
([5]) المصدر نفسه، المقدمة د.
([6]) المصدر نفسه، المقدمة د ـ هـ.
([7]) المصدر نفسه، ص. 21.
([8]) المصدر نفسه، المقدمة أ.
([9]) المصدر نفسه، ص. 26.
اقرأ أيضا
طالت عدداً من النشطاء السياسيين.. اعتقالات جديدة في الجزائر تعيد النقاش حول ملف الحريات
شنّ النظام العسكري الجزائري خلال الساعات الماضية حملة اعتقالات واسعة طالت نشطاء سياسيين يعبّرون عن نظرة نقدية للأوضاع، بينهم من تبنّى وسم "مانيش راضي"، والذي انتشر مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.
الرباط.. الإطلاق الرسمي لبرنامجي “تحدي القراءة العربي” و”المشروع الوطني للقراءة”
تم اليوم الثلاثاء بالرباط، الإطلاق الرسمي لبرنامجي “تحدي القراءة العربي” و”المشروع الوطني للقراءة” برسم موسم 2024-2025، وذلك خلال لقاء نُظم بمبادرة من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط-سلا-القنيطرة.
صينية تتظاهر 5 سنوات بأنّها أختها المتوفاة
كشفت تيك توكر صينية “السر المدفون” الذي أخفته عن جدّيها طيلة 5 سنوات، واعترفت أنها …