شيئا فشيئأ، تتضح مدى قساوة الضربة التي وجهها المغرب لعصابات البوليساريو، بتطهير البؤرة الإجرامية المتمثلة في منطقة الكركرات، أو ما يطلق عليها “قندهار”. وهكذا، وبعد أن فشل صراخ قيادة البوليساريو في لفت انتباه الأمم المتحدة وإيصال شكواها إلى مجلس الأمن، ولم يتمكن وكلاؤها في المجلس من استصدار توصية صريحة تعطل الأعمال التي تقوم بها الوحدات الهندسية المغربية بحماية الدرك الملكي، من تهيئة للطريق الواصل من منطقة الكركرات شمال الجدار الأمني وحتى الحدود الموريتانية، نظرا للتقارير الأممية التي سجلت عدم تواجد أية قوات أو معدات عسكرية جنوب أو شرق الجدار الأمني، لم يبق أمام قيادة عصابة البوليساريو سوى سلاح الأكاذيب والإشاعات المغرضة، من أجل مجابهة الخطوة المغربية الجريئة.
فكما كان متوقعا، خرجت بلاغات قيادة البوليساريو لتؤكد أن قواتها ومعداتها قامت بتعطيل، أو هي في طريقها لتعطيل، عمل المعدات المغربية التي تقوم بتعبيد الطريق المذكور، وهي الأخبار التي لا تمتلك الحد الأدنى من المصداقية، ولم يتم تأكيدها من قبل أية جهة مستقلة. تصريحات قيادة البوليساريو حول محاولة تعطيل بناء الطريق الهادف لضمان عدم عودة أنشطة تهريب المخدرات والسلاح والبشر والسلع في هذه المنطقة، وتأمين تدفق التبادل التجاري وتنقل الأشخاص في ظروف مثالية، ما هي إلا رسالة يائسة “للمعنيين بالأمر” داخل محيمات تندوف، والذين كانوا يوجهون ويستفيدون من إدارة شبكات الجريمة المنظمة في المنطقة. وما شحنة المخدرات التي ضبطتها قوات الأمن المغربية، داخل أحد الشاحنات في الكركرات بحمولة تزيد عن أربعة أطنان ونصف من الحشيش، إلا دليلا على “المنجم” الذي كان يدر الذهب على قيادة عصابة البوليساريو، وجاءت العملية التطهيرية المغربية لتقفله وتمنع عنهم عائداته.
وتعلم قيادة البوليساريو قبل غيرها، أن هامش المناورة أمامها شبه معدوم، بعد الشهادة الاممية “بمدنية” البعثة المغربية، وخلوها من القوات والمعدات العسكرية. لذلك، فإن أية محاولة لافتعال مشكلة، أو محاولة لعرقلة عملها في تنظيف المنطقة من بؤر الجريمة المنظمة، من شأنها أن تضع قوات البوليساريو في موقع المعتدي، وتؤدي من جهة، لتعرضها لإدانة أممية صريحة، ومن جهة أخرى، وهو الأهم، يشرعن للقوات المغربية، سواء تلك التي تحمي العملية الهندسية، أو تلك المتواجدة شمال وغرب الجدار الأمني، من أجل الرد بقوة على استهداف بعثتها المدنية، ذات الأهداف المشروعة باعتراف المنتظم الأممي، مما سيكشف هشاشة وهزالة قوات البوليساريو، ويعري تهديداتها باستئناف الحرب أمام المحتجزين في مخيمات تندوف والحمادة، ويجعل منها أضحوكة في المحصلة، الأمر الذي سيزيد من تجرؤ المحتجزين هناك على محاولة التمرد على سجانيهم، وستكون له تداعيات كارثية على الروح المعنوية لمن غرر بهم من شباب الصحراويين المحتجزين في مخيمات العار.
خلاصة القول، أن العملية التطهيرية التي تعتبر بحق “ضربة معلم”، وممهدة لإحداث تغيير قوي في قوانين اللعب في المنطقة، ماضية في طريقها، لوضع حد نهائي لهذه البؤرة الإجرامية التي لطالما كانت مصدر صداع للأجهزة الأمنية، نظرا للمخاطر التي يمكن أن تسببها حالة التسيب هناك. وما هي إلا أيام قليلة، وينتهي تعبيد الطريق، ويحاط بإجراءات الحماية المرسومة، وينهي خرافة تقاسم السيادة على الصحراء المغربية شمال وغرب الجدار الأمني، مع جنوبه وشرقه، ليدق مسمار آخر في نعش هذه العصابة التي عاشت أكثر مما ينبغي، مستفيدة من حالة العداء التي اصطنعتها أجهزة المخابرات الجزائرية، ودوائر معينة داخل أروقة السلطة الجزائرية، والتي تعيش بدورها (أي حالة العداء ووكلاؤها)، حالة من الاحتضار نتيجة توالي المتغيرات التي تقلب موازين القوى داخل الجزائر، ومعها مجمل المقاربة الجزائرية تجاه العلاقة مع الجار الشقيق: المغرب.