ترتبط أغلب المدن الجزائرية، على غرار باقي المدن العربية، بأحد الأولياء الصالحين المعروفين بكراماتهم الغريبة التي لا تزال إلى يومنا هذا راسخة في الذاكرة الجمعية للشعب الجزائري بمختلف مكوناته وشرائحه العمرية; ففي الوقت الذي ارتبطت فيه العاصمة الجزائر باسم الولي الصالح والعالم المعروف سيدي عبد الرحمن، وعرفت فيه “بجاية” بمدينة يما ڤوراية و”سطيف” بمدينة سيدي الخير و”عنابة” بمدينة البوني، اشتهرت فيه مدينة وهران الباهية بأحد ابرز العلماء العارفين والأولياء الصالحين، سيدي الهواري الشهير.
ولعل تردد اسم هذا العارف الكبير في أغاني “الراي” الجزائري لم يأتي عبثا، وإنما لمكانة “سيدي الهواري” لدى الجزائريين، حيث يعد بمثابة الأب الروحي لسكان مدينة وهران المتواجدة غرب العاصمة، والذي قصده السكان سابقا من كل حدب وصوب طلبا للاستشارة والرأي في مختلف شؤون الحياة اليومية.
هو الإمام محمد أبو عبد الله عمر الهواري، ازداد سنة 750هـ 1350م بمغوارة وتربى في منطقة “هوارة” الواقعة بين قرية تسمى “المطعم” ومدينة “غليزان”، حيث تلقى تعليمه الأول على يد شيخ يسمى علي بن عيسى الذي أتم على يده حفظ القرآن في سن العاشرة.
تمدرس سيدي الهواري على يد عدد من مشايخ وعلماء الصحراء قبل أن ينتقل إلى العيش في مدينة “مزونة” وبعدها “بجاية” التي كانت منطلق رحلته في أرجاء العالم الإسلامي طلبا للعلم والارتقاء في سلم التصوف.
عرف سيدي الهواري بكثرة ترحاله وانتقاله عبر أرجاء المعمور، فبعد تتلمذه على يد علماء الجزائر، قرر العارف بالله التوجه إلى حاضرة المغرب الأقصى وبالضبط عاصمة الأدارسة مدينة فاس العريقة، التي اعتبرت حينها أحد أبرز قبلات العلم في العالم الإسلامي بعد قرطبة وبغداد.
تلقى سيدي الهواري دروس القرآن وتفسيره والفقه والعلوم الشرعية إضافة إلى الأدب العربي على يد أبرز شيوخ جامع القرويين، حيث تمكن من إتمام حفظ مدونة الإمام مالك وهو لم يتم سن 25 سنة.
بعد مدينة فاس، قرر سيدي الهواري السفر باتجاه المشرق العربي مارا عبر تلمسان ووهران وهوارة ومزونة وبجاية ثم تونس وليبيا والقاهرة التي استقر بها لطلب العلم بجامع الأزهر الشريف، قبل أن يهز رحاله باتجاه مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
لم يمكث العالم الوهراني كثيرا ببلاد الحجاز، ليرتحل مرة أخرى نحو قبلة بيت المقدس ودمشق التي عاد منها إلى موطنه ومدينة تلمسان بالذات التي أنشأ بها مدرسته الهوارية قبل أن ينقلها فيما بعد فيما إلى وهران حيث استقر وتزوج.
ترك سيدي الهواري عدد من الآثار العلمية كان أبرزها منظومته “التسهيل” و”شرح المنفرجة” وكتاب شهير يحمل اسم “السهر”.
توفي سيدي الهواري سنة 843 هـ في مدينة وهران الجزائرية حيث يوجد ضريحه الذي تحول فيما بعد إلى مزار ارتبط اسمه بوهران الباهية.