الجزائر

من يطيح بالآخر أولا: الجنرال شنقريحة أم الرئيس تبون؟!

بقلم: هيثم شلبي

دخول سياسي ساخن، ذلك الذي تم تدشينه بإقالة الوزير الأول نذير العرباوي المقرب من الرئيس تبون، دون أن يكلف النظام الجزائري نفسه عناء إعطاء الجزائريين أسبابا مقنعة لهذا التغيير. ومع الأنباء التي تقول بأن عرباوي وضع قيد الإقامة الجبرية، تأخذ القصة أبعادا أخرى، مما يحتم مقاربتها بنوع من التوسع والشمولية. لقد كانت إقالة عرباوي متوقعة منذ زمن ليس بقليل، بسبب حاجة النظام إلى “كبش فداء” يتم تحميله عبء سوء الأوضاع في الجزائر، والتي تدفع أعدادا متزايدة من المواطنين للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم، وهو ما ينذر -إن تم التهاون معه- بأن يتراكم ويقود إلى تجدد الحراك الشعبي، لاسيما عندما يتأكد الشعب أن قبضة العسكر الحاكمين منذ الاستقلال قد بدأت بالتراخي، بحكم السن أولا (معظم من هم في دائرة القرار ثمانينيون)، وبحكم صراعات الأجنحة التي أضعفت الجميع في المحصلة، وبحكم الكوارث التي سببها ارتجال الرئيس تبون وحكوماته المتعاقبة منذ وأد الحراك الشعبي مع مجيء كورونا.

لكن معضلة النظام الجزائري الحقيقية تكمن في اهتراء وتقادم رؤوس أقطاب الحكم الثلاثة: الرئاسة والجيش والمخابرات، الرئيس تبون، والجنرال شنقريحة، والجنرال حسان! فالرئيس تبون من الضعف والهوان بحيث يصبح كل حديث له موضوعا جديدا لتندر الشعب الجزائري، يزيد من سوء هذه الحالة، عدم تحرجه من الكذب والمبالغة وسرد أرقام وإحصائيات خيالية متناقضة. وعليه، فمن الصعب إيجاد جزائري واحد يمكن أن يذرف دمعة على رحيله. نفس الأمر ينطبق على الجنرال شنقريحة، الذي يوجد إجماع فريد على نقطتين محددتين: دمويته وفساده، الأمر الذي يجعله الشخصية الأكثر كرها في المؤسسة العسكرية. ولهذا، لا يكفي القول بأن لا أحد سيذرف عليه دمعة، بل من الضروري القول بأن الكل سيتطوع للقيام بأي جهد من أجل تقليل عدد أيامه في الدنيا، أو على الأقل، على رأس المؤسسة العسكرية، والنظام بالتبعية. أما الجنرال حسان، فما هو إلا ظل للرجل الذي كان أيام رب نعمته محمد مدين (توفيق)، حيث تم جلبه من الاستيداع، لخدمة رب نعمته الجديد شنقريحة، وبالتالي، فلا يمكن الحديث عن قطب منفصل حقيقي يمكنه أن يوازي القطبين الآخرين، مع ضرورة عدم إغفاله تماما من معادلات التغيير.

أمام وضع كهذا، تبدو عملية إقالة عرباوي واستبداله بسيفي غريب، كخطوة “أجلت” عمليه الإطاحة بتبون، بضعة أيام؛ أو أسابيع؛ أو شهور!! لأن النظام الجزائري لا يمكنه بأي حال، تحمل تبعات إكمال الرئيس عبد المجيد تبون عهدته كاملة، وهو الذي بالكاد أكمل شهره الثامن من عهدته الثانية، وبقي أمامه أكثر من أربع سنوات وربع. ومع توقع تراجع أسعار النفط والغاز بشكل حاد خلال العام المقبل، بما لا يتجاوز سعر 50 دولارا للبرميل، ومع عجز معلن في الميزانية الجزائرية يتجاوز 50% (62 مليار دولار)، فإن لحظة الانفجار الاجتماعي وتجدد الحراك قد بدأت تلوح أولى تباشيرها بطريقة لا تخطئها عين. وما تأزيم الوضع مع فرنسا (بدل الدفع إلى التهدئة)؛ وإطلاق ألسنة المؤثرين المرتبطين بجهاز المخابرات كبن سديرة على الرئيس تبون طاقم مستشاريه وحكومته وقراراته وخرجاته الصحفية، بطريقة لا أسقف عليا لها؛ والإيعاز لخطباء المجالس بتحميل الرئيس تبون شخصيا مسؤولية الموافقة على أحد بنود اتفاقية سيداو الدولية الخاصة بحقوق المرأة، بطريقة تجعله مدانا من الناحية الشرعية والاجتماعية، إلا مقدمات “لشيطنة” الرئيس تمهيدا للإطاحة به. ولعل غيابه معظم فترات الشهر الماضي، والتسريبات “المدروسة” عن كونه كان في رحلة علاجية في ألمانيا، سوى تمهيد للإعلان من طرف الجنرال شنقريحة، بأن منصب الرئاسة قد شغر نتيجة ظروف الرئيس الصحية، وهو ما يتوجب على تبون القبول به إن هو أراد “خروجا آمنا” من السلطة، دون أن ينتهي به المطاف في القبر أو السجن!

أمام هذا السيناريو الذي يمكن أن نطلق عليه “أحداث عزل معلن” استلهاما من عنوان الرواية المبدعة “أحداث موت معلن” للعبقري غابرييل غارسيا ماركيز، يمكن لتبون -نظريا-، أو للمتربصين بشنقريحة من داخل مؤسسة الجيش، أن يبادروا للغداء بشنقريحة قبل أن يتعشى بهم! ولأن اعتماد شنقريحة داخل المؤسسة العسكرية يكاد يقتصر على عدد محدود من الجنرالات لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، فإن تصور مثل هذا السيناريو ليس ضربا من الخيال، بل إنه من الواقعية بحيث توجد مؤشرات قوية تدفع للاعتقاد به بغض النظر عن مصير تبون. بمعنى، أن مصير شنقريحة سيكون غاية في السوء سواء نجح في الإطاحة بالرئيس تبون أم لم يسعفه الوقت لذلك. وهو ما يصدق في الحقيقة على وضع الرئيس تبون، الذي يعرف القاصي والداني بأن يفتقر لأدنى المؤهلات التي ترشحه لإدارة مدرسة ناهيك عن دولة بحجم الجزائر! وبالتالي، نكاد نجزم بعدم وجود فرصة أمامه لإكمال ولايته الثانية، أيا كانت الأسباب.

إن كل المؤشرات التي تتسارع وتلعن عن نفسها بشكل سافر، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، بأن أيام هذا النظام برأسيه، تبون وشنقريحة، قد أصبحت معدودة، سواء من داخل النظام نفسه (تغيير للوجوه او تغيير حقيقي) أو عبر تجدد الحراك الشعبي. بل إن هذا التغيير سيأتي أسرع بكثير مما يتوقعه داعموه ويخشاه رافضوه!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

مسجون ظلما في الجزائر.. دفاع الصحافي الفرنسي غليز يأمل بـ”نتيجة إيجابية” في الاستئناف

ينظر قضاء عصابة قصر المرادية، يوم غد الأربعاء، استئنافيا في ملف الصحافي الرياضي كريستوف غليز المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا في الجزائر، في قرار مجحف بحق مراسل مهني ومتمرس في السجن بالجزائر،