هل يمكن أن تستر “الورقة” الإيطالية العورة الدبلوماسية للنظام الجزائري؟!

بقلم: هيثم شلبي

تتوالى الانتصارات الدبلوماسية المغربية على صعيد قضية وحدته الترابية، بموازاة استمرار عجز الدبلوماسية الجزائرية، منذ عقود، عن كسب تأييد بلد جديد واحد يدعم رؤيتهم للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

هذا المشهد الصادم في وضوحه، لا يجد من ينبري لتفسيره داخل أروقة النظام الجزائري أو أبواقه الدعائية، اللهم إلا إذا اعتبرنا تخاريفهم عن “الكولسة المغربية” صالحة لتفسير تقهقرهم الدبلوماسي، كما هي معتمدة لتبرير تقهقر أدائهم الرياضي.

وعليه، وعند كل محطة مفصلية، تحمل اعترافا جديدا بمغربية الصحراء، يلجأ الرأس المدني للنظام الرئيس عبد المجيد تبون إلى الهروب.

وهكذا، وبموازاة اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء قفز الرئيس تبون إلى البرتغال دون ترتيب؛ أما الاعتراف البريطاني، فحمل الرئيس تبون إلى سلوفينيا؛ ليأتي الدور الآن على الاعتراف البرتغالي، ليطير الرئيس تبون إلى إيطاليا، شريكه التجاري الأوروبي الأول، فهل جميع هذه الأحداث هي محض صدفة؟! وهنا يطرح سؤال: هل يمكن للبهرجة الإعلامية التي أحاط بها النظام الجزائري زيارة الرئيس تبون لإيطاليا، أن تداري على عجز دبلوماسيته، وتستر “عورتها”؟!

بداية، فالعلاقة الجزائرية الإيطالية محددة سلفا من الجانب الإيطالي في البعد الطاقي، على اعتبار المراهنة على الغاز الجزائري لتعويض ما خسرته إيطاليا من غاز روسيا.

وهكذا، ومن أصل حوالي 49 مليار متر مكعب من الغاز بنوعيه (غاز بترول مسال وغاز طبيعي مسال)، استقبلت إيطاليا ما يناهز 28 مليار متر مكعب (من أصل مجمل استهلاكها السنوي البالغ 68 مليار متر مكعب)، مما يجعلها الزبون الأول للجزائر في هذه المادة.

وحتى في هذه المادة، تجدر الإشارة إلى تسجيل تراجع سنوي شبه ثابت في صادرات النفط والغاز الجزائري بل وفي مجمل الصادرات الجزائرية منذ مطلع العقد، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة هنا.

أما دعاية النظام في قصة مختلفة، إذ لا يمل الرئيس تبون من تكرار أرقامه الكاذبة حول نمو صادرات الجزائر غير النفطية، إذ أعلن أنه بلغ سبعة مليارات دولار قبل سنتين، بينما صحح له الرقم وزيره في التجارة عندما أعلن عن تحقيق خمسة مليارات فقط، لكنه سرعان ما توقع بلوغ السبعة التي ذكرها الرئيس في 2024، ومضاعفة الرقم إلى 13 مليار في عام 2025، دون ان يكلف نفسه -كالعادة- عناء تفسير كيف يمكن لصادرات بلد، أي بلد، أن تتضاعف وتنمو بنسبة 100% في ظرف عام واحد.

وحتى “تكتمل الباهية” بدأ النظام الجزائري منذ اللحظة الترويج لارتفاع صادراتهم غير النفطية إلى أزيد من 30 مليار دولار عام 2030، متجاهلين أن مجموع صادرات الجزائر حاليا، بما فيها النفط والغاز لا تصل إلى 49 مليارا! بل إن صادرات الجزائر تراجعت ما بين عامي 2022 و 2023 بنسبة تزيد عن 19%، وأكد الديوان الوطني للإحصاء أن هذا التراجع استمر ما بين عامي 2023 و 2024 بتسجيل رقم يقترب من -12%!! فهل يمكن لبلد هذه أرقامه أن يضاعف صادراته بنسبة 100% ما بين 2024 و 2025؟؟!!

ورغم كل ما سبق، وبالعودة إلى الساحة السياسية، يحق لنا أن نتساءل: هل نجحت الجزائر في “كسب” إيطاليا لصفّها؟ والكسب هنا يحمل أحد معنيين: أن تؤيد إيطاليا الرؤية الجزائرية لحل النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، بأن تتبنى الاستفتاء كشكل وحيد لتقرير المصير، والمعنى الآخر -وهذا أضعف الأيمان- أن تتجاهل إيطاليا خطة الحكم الذاتي وأن تتجاهل الإشادة بها.

واضح من خلال زيارة الرئيس تبون الحالية لإيطاليا، أنه لم يحقق أيا من الأمرين. فصيغة البيان المشترك تختلف عما تفوه به هو ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني في مؤتمرهما الصحفي المشترك.

فالبيان الصحفي مثّل “الحل الوسط” لما قاله الرئيسان كل في كلمته. فالرئيس تبون ضغط على الكلمات جيدا عندما وصل إلى ذكر “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي” دون أن يتجرأ على ذكر الاستفتاء؛ بينما اختارت ميلوني تجاهل الموضوع بشكل كامل، ولم تتطرق له بكلمة واحدة، رغم أنها أشارت إلى تطرق محادثاتها مع تبون لمواضيع الهجرة، منطقة الساحل، ليبيا، أوكرانيا، والشرق الأوسط.

بينما لخص البيان الختامي الموضوع بدعم دي مستورا، ودعوة الأطراف إلى الجلوس إلى المائدة المستديرة للبحث عن حل “واقعي توافقي وفق قرارات مجلس الأمن”. هذه الصيغة تظهر مدى التراجع المهول عن كلاسيكيات النظام الجزائري ومواقف دبلوماسيته العنترية.

فهل هي بداية تغير لموقف الجزائر من النزاع، أم رضوخ لمنطق المضيف، والذي هو الطرف الأقوى في العلاقة، بما لا يقاس مع شريكه الصغير الجزائر.

لقد بدا واضحا من خلال تجاهل رئيسة وزراء إيطاليا للموضوع برمته، واستخدام البيان المشترك لغة تعلم أنها لا تغضب المغرب، أن صياغة السلطات الإيطالية للموضوع كانت بهدف عدم إغضاب المغرب أكثر منها بهدف إرضاء الجزائر!! وهكذا، يبدو واضحا أن “كسب” الجزائر لإيطاليا، لا يعني أو يمثل خسارة المغرب لها، وأن الأمر برمته لا يعدو كونه بحث الدول المختلفة عن مصالحها الاقتصادية.

لكن، هل يمكن اعتبار فرملة الاعتراف الإيطالي الصريح بمغربية الصحراء، نجاحا للنظام الجزائري على اعتبار أنه استطاع أن يستميل لصفه واحدة من الدول الأوروبية الوازنة، مقابل أزيد من 24 دولة تصطف بجانب المغرب وتعترف -بشكل أو بآخر- بمغربية صحرائه؟ وبأي ثمن يمكن لهذا الأمر أن يتم؟ من البديهي أن إيطاليا وإن لم تتخذ موقفا مشابها لما سبقتها إليه إسبانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، وأزيد من عشرين دولة من شرق ووسط وغرب وجنوب القارة، فإنها حريصة على اتخاذ موقف “حياد دبلوماسي” يشيد بمبادرة الحكم الذاتي وجديتها ومصداقيتها، دون أن يعتبرها “الأساس الوحيد، او الأكثر مصداقية” لحل النزاع حول الصحراء تحت السيادة المغربية.

بهذا المعنى، فإن كسب الدبلوماسية الجزائرية لإيطاليا خال من المعنى والمضمون. وعلى المستوى القاري، فكسب دولة كإيطاليا لا تحظى تقليديا بأي ثقل في القارة السمراء، لن يفيد الجزائر في شيء، لاسيما لجهة وقف مسار سحب الاعتراف بجمهورية تندوف ومرتزقة البوليساريو، والذي تتوالى فيه انتصارات الدبلوماسية المغربية بشكل مضطرد.

وعلى الساحة الدولية، لا يوجد عاقل يقتنع بأن النظام الجزائري معني بتحقيق أي إنجاز مهما كان ضئيلا، ليقينه أكثر من غيره، بعجزه عن تحقيق مثل هذه الإنجازات. لتبقى في النهاية، كامل الدعاية واللغط الذي يثيره إعلام الجنرالات حول الشراكة الاستراتيجية مع دولة أوروبية كبرى كإيطاليا محض هراء ولا يصمد أمام أي محاججة.

كخلاصة، فإن كسب الجزائر “لودّ” دولة أوروبية مؤثرة كإيطاليا، جاء على حساب دولة عظمى كروسيا، التي لم تستسغ بعد جهود الجزائر للمساهمة في تعويض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، بعد توقف تدفقه إثر حرب أوكرانيا.

كما لم تستسغ، التنسيق الجزائري الفرنسي لمواجهة “المد الروسي” في منطقة الساحل؛ الأمر الذي يوحي أن الجزائر دفعت وستدفع ثمنا باهضا لإغضاب روسيا، مقابل إرضاء إيطاليا وفرنسا.

هذا الأمر، يدفعها للوقوف “عارية” على أعتاب البيت الأبيض في واشنطن، عارضة جميع مقدرات الجزائر، أو ما تبقى منها لسيد البيت الأبيض، علّها تحظى بالتفاتة منه تجعل إعلامها يتلهى “بكسب” جديد، حتى وإن كان مجرد قشرة فارغة. فمنح الشركات الأمريكية كامل ثروة الجزائر من النفط الصخري لا يبدو أنه كان كافيا لإرضاء الرئيس ترامب، لعلمه بأن الجنرالات الذين أصبحوا مكشوفين دون مظلة حماية روسية أو فرنسية أو صينية، مستعدين لتقديم ما لا يخطر على باله للحصول على مظلة أمريكية، يمكن أن تسهم في إطالة عمر النظام بضعة شهور إضافية.

اقرأ أيضا

في الذكرى السادسة للحراك الشعبي.. ماذا حققت “الجزائر الجديدة” لمواطنيها؟!

في مثل هذه الأيام قبل ست سنوات، خرج ملايين الجزائريين ليملأوا الميادين والشوارع في جميع مدن الجزائر وقراها، متخذين من رفض ترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة -وهو الشخص العاجز طبيا حتى عن رعاية نفسه، ناهيك عن رعاية مصالح الجزائريين- شعارا ومدخلا لرفض النظام العسكري الذي يحكمهم منذ الاستقلال، والمطالبة بإسقاطه.

هل سيشكل اعتراف الصين وروسيا وبريطانيا بمغربية الصحراء مفاجأة حقيقية للنظام الجزائري؟!

بقلم: هيثم شلبي لا يزال جنرالات الجزائر وإعلامهم “يتلهّون” بحكم المحكمة الأوروبية الخاص بالصحراء المغربية، …

“حكم تعسفي”.. خبراء أمميون يطالبون بإلغاء إدانة فنانة جزائرية فرنسية

يواصل القضاء الجزائري إثارة الجدل بسبب إصداره سلسلة أحكام يصفها المجتمع الدولي بـ"المجحفة" في حق نشطاء وأصوات تطالب بالحرية ورفع القمع الذي يمارسه نظام العسكر.