هل سيشكل اعتراف الصين وروسيا وبريطانيا بمغربية الصحراء مفاجأة حقيقية للنظام الجزائري؟!

بقلم: هيثم شلبي

لا يزال جنرالات الجزائر وإعلامهم “يتلهّون” بحكم المحكمة الأوروبية الخاص بالصحراء المغربية، على الرغم من أن كل الدلائل تشير إلى أن الدول الأوروبية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، قد تجاوزت هذا الحكم -كما كان متوقعا للجميع باستثناء الجزائر- وتعمل على توثيق علاقاتها مع المغرب بشكل أفضل مما كانت عليه، وفق الشرط المغربي الذي يرفض استثناء أقاليمه الجنوبية من أي اتفاق تجاري.

هذا التلهي يعود من جهة، إلى كون الأطروحة الجزائرية لم تحصل على دفعة “معنوية” مماثلة منذ عقود، ومن جهة ثانية، لكون النظام قد استسلم لواقع انتهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، ولم يعد باستطاعته فعل أي شيء لمرتزقة البوليساريو، دبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا، سواء على مستوى الدول، أو على مستوى الأمم المتحدة.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما يقال، امتلأ الفضاء الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع بأخبار، يمكن لواحد منها أن يشكل كارثة للنظام الجزائري، فما بالك إن صدقت جميعها.

أخبار بدأت مع زيارة مبعوث إيراني للرباط، على إثر وساطة خليجية، تمهيدا لاعتراف إيراني بمغربية الصحراء. نفس الأمر تطرقت له الصحافة الإسبانية، حول قرب اعتراف الصين بمغربية الصحراء، نقلا عن مصادر صينية رسمية رافقت الرئيس الصيني شي جينبنغ، خلال توقفه في جزر الكناري، في طريقه لحضور قمة العشرين في البرازيل، وهي كارثة إن صحت، ستشكل زلزالا أين منه الاعتراف الإيراني، نظرا لفارق حجم البلدين وتأثيرهما الدولي.

أما ثالثة الكوارث، فتتعلق باعتراف روسي وشيك بمغربية الصحراء، بناء على موقفها في مجلس الأمن من التعديلات الجزائرية على قرار التمديد للمينورسو، حيث عارضت روسيا التعديلات الجزائرية مما دفع مندوب الجزائر للتغيب عن جلسة التصويت!

وإذا أضفنا إلى ما سبق الاعتراف البريطاني المنتظر منذ وقت بعيد، نعلم مقدار الورطة التي يعيشها النظام العسكري في الجزائر، والذي يجد نفسه مجبرا على التفكير بإحداث تغيير جذري على موقفه تجاه القضية الصحراوية، في حال اكتمل مسلسل اعتراف الأعضاء الدائمين الخمسة في مجلس الأمن بمغربية الصحراء.

وهنا نتساءل: هل في أي من هذه الاعترافات مفاجأة حقيقية للنظام الجزائري، بطريقة تجعلهم يبحثون عن “مؤامرة” لتفسير هذه الانقلابات؟! الإجابة القطعية هي بالنفي التام لأي عنصر مفاجأة في الموضوع.

ولنبدأ ببريطانيا، والتي تأخر اعترافها بمغربية الصحراء في الواقع، بعد أن كان منتظرا في أعقاب الاعتراف الأمريكي. بريطانيا التي أصدرت أعلى هيئة قضائية فيها حكما مناقضا لحكم محكمة العدل الأوروبية، ونفت عن البوليساريو صفة تمثيل ساكنة الصحراء المغربية، ناهيك عن أنها تعول على مساهمة الطاقات المتجددة للأقاليم الصحراوية في توفير الكهرباء لسبعة ملايين منزل بريطاني، دون إغفال عدم امتلاك النظام الجزائري أي ورقة لمساومة البريطانيين، أمنيا أو اقتصاديا.

فهذا الاعتراف، الذي سيأتي من قبل العضو الثالث دائم العضوية في مجلس الأمن، هو تحصيل حاصل، ومسألة وقت لا أكثر، وليس فيه أدنى مفاجأة. أما إيران، فهي كانت دائما على استعداد لعودة العلاقات مع المغرب، وسبق لها مرارا تجميد اعترافها بالبوليساريو، كما أن تحسين العلاقة بالمغرب، مع ما يملكه هذا البلد من ثقل خليجي ودولي، هو مصلحة إيرانية واضحة، في عهد الرئيس بزشكيان تحديدا (وقد بدأ من أيام الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي) يعبر عنها مسؤولوها وخبراؤها، بشكل لا يقارن مع مصالحها مع الجزائر.

وعليه، فمن المخادعة القول أن الاعتراف الإيراني سيكون مفاجأة حقيقية للنظام الجزائري، بل وربما كان أول الاعترافات!

نأتي إلى مربط الفرس، الاعتراف الصيني والروسي، ولنبدأ بالأول. فالصين، القطب الموازي للولايات المتحدة وإن لم تكن حليفا للجزائر مثل روسيا، إلا أن حجم استثماراتها في القارة السمراء، جعلها قبلة لرؤساء هذه الدول، ودفع الرئيس تبون لزيارتها “مدبجا القصائد” في مدحها.

لكن الأخبار الأخيرة التي لم يستطع إعلام الجنرالات إخفاءها، تقول بأن الاستثمارات الصينية التي أعلن عنها بالمليارات في قطاع الفوسفات قد ألغيت، لكن العذر الذي ساقوه كان مثارا للسخرية: عدم قدرة الشريك الصيني على توفير موارد مالية لتغطية حصته البالغة 44% من المشروع (في حدود 2.8 مليار دولار بواقع 1.4 مليارا لكل شركة صينية!!) لعلمنا أن السيولة المالية هي أكثر ما تتوفر عليه الشركات الصينية.

وإذا أضفنا لذلك، الإلغاءات السابقة في مشروع غار جبيلات، نتأكد أن الشركات الصينية لم تجد بيئة مناسبة للاستثمار في الجزائر، اللهم باستثناء الشعارات!!

في المقابل، تتقاطر الشركات الصينية على الجار المغربي في شتى المجالات، من النسيج إلى البطاريات الكهربائية، ومن الطاقات المتجددة إلى مشاريع البنية التحتية لاسيما القطار فائق السرعة القنيطرة- مراكش، حيث حصلت الشركات الصينية على حصة الأسد فيه.

وهكذا، وفي أي مفاضلة صينية بين التواجد في الجزائر أو المغرب، يمكن القول أنه لا يوجد مجال للمقارنة، فالمغرب يقدم لهذه الشركات موقعا فريدا يسهل الولوج إلى قارات أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين؛ واتفاقيات للتجارة الحرة مع جميع هؤلاء الفاعلين، بما يتيح للشركات الصينية التغلب على الضرائب الأمريكية والأوروبية؛ وبنية تحتية متطورة لاسيما على صعيد الموانئ البحرية؛ ويدا مدربة عالية المهارة؛ وبيئة سياسية وقانونية مستقرة؛ وهي جميعها عناصر تفتقدها الجزائر.. فهل سيكون في الأمر أي مفاجأة، في الانحياز الصيني الى المغرب ووحدته الترابية، في مقابل الجزائر وأوهامها الانفصالية؟!

أما روسيا، التي ينظر إليها على أنها شريك استراتيجي “تاريخي”، فمنذ انتهاء الحرب الباردة رسميا بانتهاء الاتحاد السوفييتي، أصبح هذا “الشعار” فارغا، ولا يعبر عن واقع الحال.

فما يربط بين روسيا والجزائر، هو اعتبار هذه الأخيرة مجمعا “لخردة” الاتحاد السوفييتي العسكرية، ومشتريا سخيا للسلاح الروسي الذي توافق على بيعه! أما ما عدا ذلك، فولاء جنرالات الجزائر لسادتهم في فرنسا لم يغب يوما عن ذهن الروس. ولعل مفارقة وحيدة يمكنها إجلاء الحقيقة في هذا المجال.

فقد وقع المغرب وروسيا اتفاقا “للشراكة الاستراتيجية المعمقة” في مارس 2016، بينما لم تستطع الجزائر فعل الأمر نفسه سوى خلال زيارة الرئيس تبون في يونيو 2023!! فأي الجارين المغاربيين يحوز على الموقع الأفضل في الكرملين؟!

كما أن التصريح الصادم لوزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، لتفسير عدم حصول الجزائر على عضوية تجمع البريكس (العضوية تعطى للدول التي لها وزن وهيبة على الساحة الدولية)، لا يزال غصة في حلق الجنرالات وإعلامهم. ومع التواجد الروسي المباشر في محيط الجزائر (ليبيا والنيجر ومالي) ناهيك عن السودان وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، تضاءلت كثيرا أهمية الجزائر بالنسبة لروسيا.

بل إن الحرب التي تخوضها الجزائر -بالوكالة- بدلا من فرنسا داخل التراب المالي، زادت من أسباب الغضب الروسي. ومع تأكد الروس بأن الجزائر لن تجرؤ على مجرد التفكير في شراء أي سلاح جديد منها، مع تواجد السيناتور ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي الجديد، وهو الذي قدم سابقا طلبه مرتين من أجل أن يقوم بلينكن بتفعيل العقوبات على الجزائر لإعلانها عن صفقات سلاح مليارية مع روسيا.

أمام هذا الواقع، هل هناك من معنى للقول بأن اعترافا روسيا بمغربية الصحراء، وقلب صفحة الجزائر سيكون مفاجأة للجنرالات وإعلامهم؟

ختاما، سواء أتت هذه الاعترافات عاجلا أم آجلا، فقطار إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية قد انطلق من محطته، ولن يتوقف قبل طرد البوليساريو وجمهوريتها الوهمية من الاتحاد الأفريقي، وإخراج الملف من اللجنة الرابعة والأمم المتحدة برمتها.

وستشهد الأيام المقبلة اعترافات متوالية من مختلف دول العالم، كبيرها وصغيرها، انسجاما مع هذه الحقيقة، وسعيا لتحسين العلاقة مع المغرب. فهل لا زال عند الجنرالات بقية من حكمة لركوب هذا القطار قبل أن يفوتهم إلى غير رجعة، ويندمون يوم لا ينفع الندم؟!

اقرأ أيضا

هلال: اقتراح الجزائر تقسيم الصحراء المغربية مهرب معتاد من انتكاساتها الدبلوماسية

أبرز السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بنيويورك، أن اقتراح الجزائر تقسيم الصحراء المغربية يشكل ذريعة معتادة للهروب من انتكاساتها الدبلوماسية.

هلال: قرار مجلس الأمن يعتبر مخطط الحكم الذاتي “الأساس الوحيد والأوحد” لتسوية قضية الصحراء المغربية

قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، بنيويورك، إن القرار الجديد لمجلس …

ماذا استفادت الجزائر من عضويتها في مجلس الأمن.. قضية الصحراء نموذجا؟!

بقلم: هيثم شلبي كما كان منتظرا، مدد مجلس الأمن ولاية بعثته “المينورسو” عاما كاملا حتى …