إلى متى يستمر النظام الجزائري في التجارة الكاذبة بـ”مليار التنمية الأفريقية”؟!

بقلم: هيثم شلبي

جدل جديد أثاره النظام الجزائري هذه الأيام، عندما عمد إلى الترويج لخبر مفاده أن الرئيس عبد المجيد تبون قرر تخصيص مليار دولار لدعم جهود التنمية في بعض الدول الأفريقية!

ويرجع هذا اللغط الداخلي بالأساس، والالتباس الذي وقعت فيه بعض وسائل الإعلام الدولية، إلى عدم الإلمام حقيقة بطبيعة النظام الجزائري، الذي تعتبر “الدعاية الكاذبة” عموده الفقري! فالصيغة العامة التي عرض بها الوزير الأول نذير عرباوي الأمر، عندما تحدث (قرأ رسالة الرئيس تبون) عن تخصيص بلاده -بأوامر من الرئيس تبون- لمبلغ مليار دولار لدعم جهود التنمية في الدول الأفريقية.

هذه الصيغة جعلت مؤسسة إعلامية بحجم بي بي سي البريطانية تتحدث كما لو أن القرار جديد، ويختلف عن المليار الذي خصصه الرئيس تبون لدعم التنمية في أفريقيا في منتصف فبراير عام 2023!

وبما أن الإعلام الدعائي الجزائري يفرح بالترويج لأي “تريند” حتى لو كان فضيحة، فقد أعجبه هذا الخلط وسوء الفهم، وبدأ الترويج للأيادي البيضاء للقوة الضاربة في أفريقيا، عبر ذراعها الطويلة المتمثلة في الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.

في المقابل، كانت أولى التبعات لهذه الدعاية الكاذبة توفير مادة خصبة لمعارضي النظام عبر الفضاء الافتراضي، الذين لم يكلفوا أنفسهم بدورهم عناء التأكد مما إذا كان “مليار تبون” الحالي، هو نفس المليار الذي أعلن عنه قبل أزيد من عامين، أم أنه مليار جديد، واستغلوا الغضب الجماهيري في منصات التواصل الاجتماعي، التي ضجت بأصوات الجزائريين المحتجين على أوضاع بلادهم التنموية داخليا، مؤكدين أنهم أولى بمليار تبون من باقي الشعوب الأفريقية!

لكن بعيدا عن هذا اللغط “الافتراضي” الخالي من المعنى، دعونا نتصدى للمهمة التي لا يحسنها ولا يعتم بها أصلا الإعلام الجزائري، ولا المتابعين للشأن الجزائري من الخارج، ونتساءل: ما هو مصير “مليار تبون” الذي أعلن عن تخصيصه للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي بداية 2023؟ وهل تم إنفاقه كاملا، لنبدأ في التفكير في تخصيص مليار ثان؟ ومن استفاد من “جهوده التنموية”؟!

الجواب البسيط والصادم، ومن واقع ما تروجه الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي على موقعها الإلكتروني، فإنه خلال عامين ونصف (منذ الإعلان عن مليار تبون الأول) تم الإنفاق على المشاريع التالية: إنجاز 3 دراسات تقنية؛ الصرف على بناء 6 تجهيزات مختلفة تتفاوت ما بين مدرسة وبئر ومسجد ومركز تصفية دم، الخ؛ إرسال 3 تبرعات (لقاحات، أسمدة، صهريج مياه)؛ إنفاذ بعثة طبية واحدة؛ وأخيرا، عقد سبع دورات تدريبية!! أي في المجموع عشرة مشاريع دعم، ومثلها عشرة دراسات تقنية ودورات تدريبية!! كم برأيكم يمكن لهذه المشاريع أن تستهلك من مليار تبون؟! وما هو الدعم التنموي القوي الذي يمكن أن يبرر كل هذا الضجيج الذي يصنعه النظام الجزائري حول الموضوع؟!

وتتمثل الفضيحة الكبرى هنا، في أن النظام الجزائري أدخل من ضمن برامج الوكالة التي يصرف منها على التنمية في أفريقيا، مشروع بناء طريق تندوف- الزويرات (أزيد من 800 كيلومتر)، وبناء منطقة تجارة حرة في تندوف!! وهنا نتساءل: هل أصبحت تندوف رسميا، بالنسبة للجزائر، جمهورية إفريقية مستقلة تستحق أن يقدم الدعم لمشاريعها؟! واستباقا للجواب نقول: أيا كانت الإجابة فهي فضيحة.

إذا اعتبرنا أن صرف مليار تبون لتنمية الدول الأفريقية “الشقيقة” ينطبق على مشاريع تندوف فهي فضيحة سياسية، تخرج هذه المنطقة من جغرافيا الجزائر المستقلة باعترافهم؛ وإن كانت الإجابة بالنفي، وأن تندوف منطقة جزائرية خالصة، فهي فضيحة مالية وإدارية، إذ كيف يمكن لوكالة التعاون الدولي للتنمية الأفريقية أن تصرف مليار تبون على مشاريع جزائرية، تنفذ عبر شركات جزائرية، وتذهب منافعها إلى جيوب جزائرية؟!

إن التكلفة التقديرية الأولية لبناء مشروعي تندوف تتجاوز مجموع مليار تبون لتنمية أفريقيا، لتبقى الحقيقة الصارخة، أن مجمل مشاريع الوكالة الهزيلة المخصصة لأفريقيا، لا تتجاوز قيمتها بأي حال مليوني دولار!!

فهل بهذا المبلغ يمكن لثالث أقوى اقتصاد أفريقي أن يدعم جهود التنمية في أفريقيا؟! وحتى لا يظن أحد أن مشروعي تندوف هما الوحيدان اللذان تشملهما الفضيحة، نخبرهم أن هناك مشروعين آخرين -على الأقل- مخصصين لفائدة السكان الجزائريين، ولا علاقة لدعم أفريقيا بهما؛ بينما تنال موريتانيا حصة مماثلة (في حدود 5 مشاريع)، لتذهب المشاريع المتبقية لفائدة مالي والنيجر (قبل التوتر القائم بينهما والنظام الجزائري)، مع مشروع يتيم لكينيا (قبل اعترافها بمغربية الصحراء).

مما سبق يتضح حجم الدعاية الكاذبة المحيطة “بمليار تبون” منذ لحظة الإعلان عنه، فما هو مخصص لتنمية أفريقيا لا يتجاوز أقل من نصف بالمئة من هذا المبلغ، بينما تذهب 99.5% منه إلى مشاريع جزائرية!!

وبسبب هذه الهزالة، لا يمكن لهذه المشاريع البعيدة عن تلبية الحاجيات التنموية الحقيقية (بناء مسجد ومدرسة وحفر بئر وشراء صهريج مياه!!) أن تحقق المطلوب منها: لا المعلن منه (دعم التنمية)، ولا المضمر منه ويعرفه القاصي والداني (رشاوى لتغيير مواقف هذه الدول من مغربية الصحراء)!! وهو ما يقضي على فرصة أن يفكر تبون في إطلاق كذبة المليار الثاني لأفريقيا، وبالتالي ينهي كل هذه الجدل في مهده.

كخلاصة، “مليار تبون” هو دعاية كاذبة أطلقها النظام العسكري في الجزائر وروجتها أبواقه الإعلامية، وليس هناك لا مليار ولا مليون، بل إن الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي نفسها، وهي المؤسسة الملحقة بالرئاسة الجزائرية، لا تعدو كونها أداة أخرى للنهب والسرقة لمليارات الشعب الجزائري، ويذهب معظم أموالها إلى جيوب المسؤولين الجزائريين بطريقة مباشرة (سمسرة) أو غير مباشرة (امتلاك رأسمال الشركات المنفذة للمشاريع)، ولن تعود بأي فائدة تذكر لا على أفريقيا، ولا حتى على الجزائر.

ما عدا هذه الحقائق، هو سفسطة افتراضية لا تفهم النظام العسكري في الجزائر وآليات اشتغاله، وتؤكد ما يعلمه الجميع من كون أي جهد لإصلاح النظام -بدل إسقاطه- هو جهد عبثي لن يفضي إلى أي نتيجة!!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

مسجون ظلما في الجزائر.. دفاع الصحافي الفرنسي غليز يأمل بـ”نتيجة إيجابية” في الاستئناف

ينظر قضاء عصابة قصر المرادية، يوم غد الأربعاء، استئنافيا في ملف الصحافي الرياضي كريستوف غليز المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا في الجزائر، في قرار مجحف بحق مراسل مهني ومتمرس في السجن بالجزائر،