بقلم: هيثم شلبي
ربما لن تجد شعوبا كانت “ضحية” للإعلام الدعائي أكثر من الشعوب العربية، وتحديدا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسيد دعايتها بدون منازع “جوزيف غوبلز” وزير الدعاية النازية. ويمكن اعتبار غوبلز، صاحب مقولة “اكذب واكذب واكذب حتى يتم تصديقك”، ومقولة “أعطني إعلاما بلا ضمير، اعطك شعبا بلا وعي”، الأب الروحي للإعلام الدعائي العربي ورموزه منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، وهو ما لا نحتاج لجهد كبير من أجل إثباته. ويكفي أن نستحضر مذيع “صوت العرب” أحمد سعيد وبياناته النارية المناقضة للواقع حول إسرائيل؛ وأحمد سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين الذي كان يؤكد صباح يوم سقوط بغداد أن “الجنود الأمريكان ينتحرون بالآلاف على أسوار بغداد”؛ وآخرها وزير الداخلية السوري الذي كان يؤكد في الساعات الأولى من صباح سقوط دمشق، أن “العاصمة محصنة ولا يمكن اختراق دفاعاتها”، في نفس الوقت الذي كان رئيسه الطاغية يحزم ما خف من أمتعته ويهرب إلى موسكو!
نسوق هذه المقدمة ونحن نطالع حال الجهاز الدعائي الإعلامي للنظام الجزائري، وإصرارهم على إنكار ما يعلمه كل جزائري من حقيقة هوان “مكة الثوار”، وفساد “الجزائر الجديدة”، وضعف “القوة الضاربة”، وعزلة “الرائدة الأفريقية”، وفقر أبناء “ثالث قوة اقتصادية”! دعاية لم تترك مهمة إدارتها لجهاز الإعلام الرسمي، وقرينه الخاص المرتبط بالمخابرات الجزائرية فحسب، بل شاركت فيه السلطة التنفيذية بوزرائها وولاتها، وعلى رأسها “رئيسهم الذي علمهم السحر.. أقصد الكذب”: عبد المجيد تبون! وتبدو المفارقة صارخة بين الواقع الجزائري المتدهور، اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا ورياضيا وثقافيا.. الخ، وبين الصورة الوردية الكاذبة التي لا يكل الرئيس ووزراؤه وإعلامه من تكرارها، على أمل أن يصدقها الناس وتنجح في التغطية على واقعهم، كما بشر بذلك أستاذهم غوبلز!
الغريب، أنه ومع توالي فضائح الإعلام الدعائي الجزائري، ولكثرة موجات التهكم والسخرية من تصريحات ووعود وأرقام وإحصائيات الرئيس تبون، التي لا يصدقها هو نفسه، أصبح جهاز الدعاية هذا محصنا تجاه “الخجل” و “فقدان ماء الوجه”، معتمدا على أن كل كذبة مهما كانت محرجة، ستتبعها بالضرورة كذبة أكبر تنسي الناس سابقتها، وبالتالي فلا مبرر للخجل أو الخوف من ردود الأفعال الشعبية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، وبقوة: مع التأكد بأن تكرار هذه الدعاية الكاذبة لن تدفع الناس لتصديقها؛ فهل ستنجح هذه الدعاية في إطالة عمر النظام كما يأمل جنرالاته، وتأجيل اكتشاف الجزائريين بأن نظامهم ما هو إلا جثة هامدة، وكل تأخير في دفنه هو إطالة لأمد وجودهم على قارعة العالم، وعلى هامش الأمم!!
من المفيد هنا الإقرار بأن الواقع أقوى من أي دعاية على وجه الأرض، وأن نجاح جهاز دعائي ما بنسج صورة جماعية وردية تغطي الحقيقة عن مجموع المواطنين لبعض الوقت، لا يؤدي بأي حال إلى أداء نفس الدور على المستوى الفردي! فالواقف في طوابير الحليب والغاز والبقوليات والسكر والقهوة وأخيرا أكباش عيد الأضحى، لن تنجح دعاية في الدنيا بجعله يقتنع بكون الجزائر هي القوة الاقتصادية الثالثة في افريقيا! أما من هم دون خط الفقر، فلن يفيدهم في شيء أن تسرد على مسامعهم معدل دخل الفرد الجزائري من الناتج المحلي الخام، والذي يفترض أنه يقترب من 4500 دولار سنويا!! هنا، تبقى الدعاية المتاحة التي يمكن المراهنة عليها، هي تلك المتعلقة بتغذية “شعور” قومي وهمي بالعظمة، وهو ما تبرع الأنظمة العربية، والجزائر في مقدمتها، في الترويج له صباح مساء، بعد أن يئست من الترويج لواقع اقتصادي واعد على المستوى الفردي. من هنا، نفهم تركيز الإعلام الدعائي للنظام الجزائري على “ملف الذاكرة” مع فرنسا، وثقافة “النيف” الجزائرية، التي تمنح للمواطن البسيط شعورا خادعا بالعظمة والاهمية، على الرغم مما تطالعه عينه من مظاهر البؤس في جميع زوايا حياته ومعيشته.
إن استمرار الإعلام الدعائي الجزائري في الترويج لكذبة تبني قضيتي فلسطين والصحراء المغربية، مع علم كل الجزائريين بأن جميع أشكال التظاهر المساند للنضال الفلسطيني ممنوعة في بلادهم؛ إضافة لقيام القوات المسلحة الجزائرية بقصف سكان مخيمات تندوف بالطائرات المسيرة، والهجوم على المواطنين الصحراويين المنقبين عن الذهب بجميع الأسلحة المتاحة، لن يمنح النظام الجزائري “شرعية نضالية” تعفيه من الإجابة على مطالب الجزائريين المعيشية المحقة. كما أن “أسطورة” القوة الضاربة لن تفيد في التغطية على تساؤلات المواطنين الجزائريين حول ملياراتهم التي تنفق من أجل تكريس صورة هذه القوة، علما بأن موازنات الجيش ممنوعة من النقاش داخل البرلمان أو وسائل الإعلام. والأدهى، أن الموازنات المعلنة للتسلح لا يتم إنفاق عشرها على ما يروج من صفقات تسلح، لا تجد لها طريقا للتنفيذ، ومع ذلك، يمنع طرح التساؤل: فأين ذهبت هذه المليارات المرصودة إذا، إذا لم يتم شراء أسلحة بها؟!
بنفس الطريقة، فالترويج لمكة الثوار، والمكانة المرموقة للجزائر في محيطها القاري، ينهدم أمام حقيقة أنها بلد محاصر جغرافيا وسياسيا من طرف جيرانه في ليبيا والنيجر ومالي وموريتانيا والمغرب. وقس على ذلك جميع دعاية النظام الجزائري منعدم التأثير تماما في محيطه العربي والأفريقي والدولي، والذي لن يستطيع تحقيق أي رقم من وعود رئيسه الاقتصادية، لأسباب عديدة أهمها الطبيعة الشمولية المغلقة للنظام العسكري في الجزائر، والضعف المزمن لقطاعه الخاص، والتأخر الشديد في تطوير نظامه التعليمي وبنيته التحتية، والأهم مما سبق، عجزه عن صياغة مشروع مجتمعي يحفز المبادرة والتعبير الحر، ويسهل انخراط جميع الجزائريين في تحقيق أهدافه المشتركة، لاسيما مع ما تحتضنه السجون الجزائرية من عشرات النشطاء، وما تمثله القوانين الجزائرية من عوائق مكبلة لحرية جميع الجزائريين.
كخلاصة، تكمن المفارقة التي لا يتنبه إليها جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، في أن الإعلام الدعائي الكاذب، وبدل أن يضمن “تخدير” المواطنين الجزائريين، ويمنح بالتالي النظام الشمولي منتهي الصلاحية بضع سنوات أو عقود، يصبح نفسه (أي الإعلام الدعائي) سببا في تقصير أيام النظام، بزيادة السخط الشعبي، وتقريب ساعة تمردهم عليه. وبما أنه من غير المتصور أن يتخلى النظام الجزائري عن عقليته الدعائية، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو مواجهة “القدر المحتوم” بالانهيار تحت وطأة “ثورة شعبية” تأتي امتدادا للحراك الذي قام به على مدى أزيد من عام، ملايين الجزائريين الذين لم يسبق لهم الاتفاق على أي شيء بمثل هذا الإجماع. وهكذا، فالتضخم غير المسبوق الذي نشهده حاليا في الدعاية الرسمية الجزائرية، ما هو إلا انعكاس لغياب وانعدام الثقة بين النظام وجماهيره، وتجسيدا لسياسة الهروب إلى الأمام، ولن يقود سوى إلى التعجيل في كتابة شهادة وفاته، بعد أن يتأكد الناس، أن هذا النظام قد لفظ أنفاسه الأخيرة منذ زمن طويل، دون أن يكون عندهم علم بذلك، وأن الأفضل للبلاد والعباد أن يفصلوا هذا “الميت سريريا” عن أجهزة التنفس والحياة الصناعية، وبالتالي تسهيل انتقاله إلى الدار الآخرة!!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير