الجزائر

بعد فضيحة ترسانة أسلحة الجزائر خلال الاحتفال بثورة التحرير.. أين ذهبت مليارات ميزانية التسلح؟!

بقلم: هيثم شلبي

لا تزال فضائح ترسانة الأسلحة التي ظهرت خلال استعراضات الاحتفال بالذكرى السبعين لثورة التحرير الجزائرية تتفاعل في أوساط المواطنين الجزائريين، ومعارضي النظام في الخارج، وباقي المتابعين للشأن الجزائري. البداية كانت مع محاولات النظام الجزائري “محاكاة” الاحتفالات المماثلة في المغرب، حيث ظهر “التقليد” بعيدا جدا عن النسخة الأصلية؛ مرورا بهزالة الحضور الأجنبي في المنصة الرئيسية، حيث غاب الغالبية العظمى من الرؤساء العرب والأفارقة؛ ناهيك عن فقرات الاستعراض الشبيه بالاستعراضات “المدرسية” خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي. لكن أبرز ما لفت الانتباه، هي الحالة المتهالكة للمعدات العسكرية التي ظهرت في الاستعراض، وذلك لأن معظمها “خردة” موروثة من الحقبة السوفييتية! وهنا، يقفز إلى الذهن سؤال حارق: إذا كانت الجزائر هي المستورد الأول للأسلحة في قارة أفريقيا، وتقول أنها قد صرفت من أجل ذلك قرابة 6% من دخلها القومي، فأين ذهبت هذه المليارات؟ وأين هي الأسلحة التي تم اقتناؤها بأموال الشعب الجزائري؟!

قبل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات، من المفيد أن نوضح نقطتين في غاية الأهمية: الأولى أن الطبيعة المغلقة للنظام العسكري في الجزائر، تجعل موثوقية الأرقام والإحصائيات التي تصدرها الجهات الرسمية في هذا البلد، متدنية جدا، وتكاد تكون معدومة، وهو ما يبدو جليا من خلال تناقض الأرقام المعلنة، وصعوبة استخلاص أرقام موثقة في المصادر المعلوماتية المتاحة. ثاني هذه الحقائق، والتي تعتبر سابقة على مستوى العالم، أن القانون الجزائري يمنع، رسميا، نواب الشعب من الاطلاع، وبالتالي نقاش، ميزانية وزارة الدفاع، ومن ضمنها ميزانية اقتناء الأسلحة، وهو الأمر الذي يزيد الغموض المحيط بالمليارات المرصودة سنويا في الميزانية العامة للدولة تحت هذا البند.

وحتى نخوض في هذه المهمة الاستقصائية الشاقة، من المفيد أن نحاول سبر “لعبة الأرقام” الخاصة بترسانة الأسلحة الجزائرية، لمعرفة حالتها تبعا لتاريخ اقتنائها، وكم تشكل أسلحة الحقبة السوفييتية “المتهالكة” نتيجة مرور أزيد من ثلاثة عقود أو أربعة، وربما أكثر، على اقتنائها؛ وكم هي الأسلحة التي تم اقتناؤها خلال السنوات ال 15 الأخيرة (بدءا من 2011- 2025)، والتي يمكن اعتبارها حديثة نسبيا!!

البداية ستكون مع حجم الموازنات “المعلنة” التي رصدت تحت بند التسلح في الفترتين 2011-2020، و2021-2025. خلال الفترة الأولى أنفقت الجزائر مبلغا يتراوح ما بين 9 و10 مليارات دولار سنويا من أجل التسلح (أو كميزانية لوزارة الدفاع، من يدري على وجه الدقة؟!)، وبمبلغ إجمالي مقداره 98.2 مليار دولار!! (9.82 مليارا في العام الواحد كمتوسط). هذا المبلغ شهد ارتفاعا مهولا في السنوات الخمس الموالية، وتحديدا في السنوات الثلاث الأخيرة 2023 بإجمالي 18.26 مليار دولار، و2024 بإجمالي 22 مليار دولار، و2025 بإنفاق مرصود يصل إلى 25 مليار دولار، الأمر الذي يصل بالميزانية المجمعة للخمس سنوات تبلغ 83.6 مليار دولار، أي بمتوسط سنوي يبلغ 16.7 مليار دولار!!! وهنا يقفز السؤال المركزي الذي لا يستطيع نواب الأمة في مجلس الشعب طرحه: ما هي الأسلحة التي اقتناها الجيش الجزائري بمبلغ يصل إلى 182 مليار دولار خلال ال 15 سنة الأخيرة؟!!

وقبل بدء “لعبة الأرقام” من المهم توضيح أن استعراض نسبة السلاح السوفييتي المتهالك في الترسانة الجزائرية لا يهم فقط الحديث عن محدودية تأثير هذه الأسلحة “المتجاوزة” في أي مواجهة عسكرية، بل -وهذا هو الأساس- للقول بأنها اقتنيت في سنوات مبكرة، ولا تشملها موازنات التسلح خلال السنوات ال 15 الأخيرة. الآن، نمر إلى أهم الأرقام المتعلقة بترسانة الجيش الجزائري من الأسلحة، ولنبدأ بالقوات البرية. بالنسبة للدبابات، عصب القوات البرية، يمتلك الجزائر 596 دبابة روسية من طراز T-90 الحديثة نسبيا، مقابل 325 دبابة من طراز T-72، و290 دبابة من طراز T-62، و270 دبابة من طراز T-55. ما الذي تعنيه هذه الأرقام؟ إنها تقول ببساطة أن الدبابات الحديثة في الجيش الجزائري (الطراز الأول فقط) لا تتجاوز نسبتها 40% من مجموع دبابات الجيش، وأن ال 60 بالمئة المتبقية (الطرازات الثلاثة الباقية) هي من مخلفات الاتحاد السوفييتي، على الرغم من محاولات التحديث “الترقيعي” التي طالت بعضها! وضع العربات المقاتلة أسوأ، إذ أن ال 980 عربة التي يمتلكها الجيش هي سوفييتية بنسبة 100%. نفس الوضعية تعرفها عربات القتال المصفحة، إذ يمتلك الجيش 124 عربة، سوفييتية الصنع بالكامل. أما ناقلات الجنود المصفحة، فتعرف أقل نسبة من الأسلحة السوفييتية، إذ من بين 4305 ناقلة، يقتصر السوفييتي منها على 13% (550 ناقلة) مقابل 3000 ناقلة إماراتية، و600 ألمانية- جزائرية، و100 أمريكية، و55 فرنسية. وللاختصار نقول أن 76% من مدفعيات الجيش الجزائري سوفييتية، و96% من مدافعه المتحركة (المحمولة) هو سوفيتي، و80% من راجمات صواريخه، و86% من مضادات طيرانه، و60% من مضادات دباباته هي سوفييتية الصنع!! وبالنسبة للقوات الجوية، الأكثر تكلفة في العادة، يمتلك الجزائر من الصواريخ أرض- جو: 8 راجمات من صواريخ S-400 الروسية الحديثة نسبيا، متساوية مع عدد مماثل من النسخة السوفييتية الأقدم S-300، مع اقتنائها 9 منظومات صواريخ صينية من طراز HQ-9B. أما الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، فنسبة السوفييتي منها هي 78% (387 قاذفة)، مقابل 22% روسية الصنع (108 منظومة بانتسير). أما الطائرات المقاتلة، فالوضع ليس أفضل، إذ مقابل 70 طائرة Su-30 الحديثة نسبيا روسية الصنع (تشكل ما نسبته 46%)، نجد 39 طائرة سوفييتية من طراز Mig-29 و42 طائرة سوفييتية من طرازSu-24، أي ما نسبته 54%!! ولا يوجد طائرات سوفييتية للتدريب من بين 59 طائرة تشيكية وروسية، بينما يقتصر أسطول طائرات التزود بالوقود على واحدة سوفييتية (إليوشن2). وهناك 11 طائرة من نفس الطراز الأخير مخصصة للنقل (ما نسبته 38%)؛ بينما يمتلك الجيش 210 طائرات هليكوبتر سوفييتية مقاتلة (بنسبة 71 %)!

وبالانتقال إلى القوات البحرية فالوضع مشابه إلى حد كبير. حيث يمتلك الجيش غواصتين سوفييتيتين مقابل أربع غواصات روسية أحدث؛ وسفينة برمائية إيطالية الصنع، وسفينتي إنزال بريطانيتين تم اقتناؤهما في ثمانينيات القرن الماضي. أما بالنسبة للفرقاطات وسفن الحراسة (كورفيت)، فيبلغ الرصيد السوفييتي 3 سفن من أصل 8 للنوعين. أخيرا، طلبت الجزائر 24 طائرة مسيرة صينية (درون)، و16 درون تركية، و10 من جنوب أفريقيا، مع تشجيع اقتناء أنواع محلية الصنع من شركة Yabhon united. أي أن هذه الأسلحة لا تزال في نطاق الطلب ولم يتم استلامها بعد.

نصل إلى محاولة الإجابة على السؤال الصعب: هل يمكن أن يبلغ ثمن الأسلحة الروسية والصينية الموجودة في الترسانة الجزائرية إلى 182 مليار دولار، على فرض أنها قد استلمت بالكامل بعد عام 2010، وهو الأمر الذي ليس دقيقا، إذ أن البحث في الأسلحة الروسية يظهر أن كثيرا منها قد تم اقتناؤه في عقد التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي. وللتدليل على ما نقول، يمكن إيراد مصدرين. الأول يخص إعلانات الجزائر عن صفقات تسلح روسية، ويتعلق الأمر ب 4.2 مليار دولار قالت الحكومة أنها ذهبت لشراء أسلحة روسية ما بين 2016- 2020. والإعلان عن “نية” الجزائر عقد صفقة تسلح مع روسيا بقيمة 7 مليارات دولار وذلك عام 2021، وهو ما تكرر عام 2022 بالإعلان عن نية الحكومة لاقتناء أسلحة روسية بقيمة 12 مليار دولار، علما أن ميزانية التسلح المعلنة لنفس العام (2022) لم تتجاوز 9.15 مليارا. وحتى على فرض صحة هذه الأرقام فهي لا تزيد، مجتمعة، عن 23 مليار دولار، فأين ذهب الباقي؟! الدليل أو المعطى الثاني يقول أن إعلان الجزائر نيتها تحديث ترسانتها عبر اقتناء 14 طائرة Su-57 الشبحية الحديثة، ومنظومة صواريخ S-500 المتطورة لحماية الأماكن الحساسة! لن يحل مشكلة الفرق، حيث تبلغ قيمة صفقة الطائرات أقل من 850 مليونا، و1.6 مليار دولار للصواريخ!!

كخلاصة، لو صح إنفاق الجزائر أزيد من 180 مليار دولار على التسلح خلال ال 15 سنة الماضية، لما كان هناك مكان لقطعة سلاح سوفييتية واحدة في الجيش الجزائري، وليس ما نراه اليوم من أرقام تثبت أن معظم السلاح الجزائري هو سوفييتي الصنع، ولأصبح هذا الجيش الأقوى عربيا وأفريقيا، بل وفي مصاف جيوش جيران الشمال! لكن الحقيقة التي تبينها الأرقام المتيسرة تقول بأنه على فرض أن الجيش أنفق ضعف ما تقوله الأرقام السابقة (أي 50 مليار دولار وليس 25 مليارا) فلن يعدو ذلك أن يشكل سوى قرابة ربع الموازنات المعلنة؛ وهنا يحق للجزائريين وكل الغيورين على ثروات الواقفين في طوابير السكر والغاز والسميد وباقي المواد الغذائية: أين ذهبت ثلاثة أرباع ميزانية التسلح؟!

اقرأ أيضا

محلل تونسي.. التقارب الفرنسي المغربي يزعج النظام الجزائري

كشف الكاتب والصحافي التونسي نزار بولحية، أن أكثر عواصم الشمال الافريقي انشغالا بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، والتي ستفتح فصلا جديدا بين البلدين، هي الجزائر. وتساءل المحلل التونسي، في مقال جاء تحت عنوان "لماذا يزعج التقارب الفرنسي المغربي الجزائر؟"

سبتة ومليلية

الاصطياد في المياه العكرة.. النظام الجزائري يحاول معاكسة المغرب عبر بوابة مليلية المحتلة

استغل النظام العسكري الجزائري، الذي يبني سياسته الخارجية على ركيزة "الاصطياد في المياه العكرة"، الجدل القائم حول موضوع فتح الجمارك التجارية في كل من مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، لينفث من جديد سمومه ضد المغرب.

المغرب وفرنسا

وسط تدهور العلاقات مع الجزائر.. ماكرون في زيارة للمغرب تتويجا لمرحلة جديدة من العلاقات بين الرباط وباريس

يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الإثنين بالمغرب، في زيارة رسمية يعتبرها العديد من المراقبين تتويجا لمرحلة جديدة من العلاقات بين الرباط وباريس، كما يتوقع أن تعطي زخما جديدا لشراكة تاريخية بين البلدين،