بقلم: هيثم شلبي
كعادته دائما، يصر الإعلام الدعائي للنظام الجزائري على التمسك بروايته للواقع “الافتراضي” الذي يعيش فيه، دون أن يهتم بما إذا كان المتلقين لخطابه (المواطنين الجزائريين في هذه الحالة) يشاطرونه هذه القراءة أم أن لديهم قراءتهم الخاصة لهذا الواقع.
مناسبة الحديث، ما جرى قبل أيام في العاصمة اليابانية طوكيو خلال الاجتماع الوزاري لدول أفريقيا واليابان “تيكاد”، والاجتماعات التمهيدية له، حيث يصر إعلام النظام الجزائري على اعتبار ما جرى فتحا مبينا، “سيكون له ما بعده” على حد وصف ممثل البوليساريو في أوروبا أبي البشرايا البشير!!
لكن عندما نتعمق بحثا، في محاولة إيجاد ما يبرر هذا الاحتفال بما جرى في طوكيو، فماذا نجد؟! أن الوفد الجزائري وجد مقعدا فارغا بين مقعدي موزمبيق وزامبيا، فأجلس فيه ربيبه ممثل البوليساريو بدل أن يستمر في الجلوس في حضنه!!
وقد يبدو التشبيه مبتذلا للبعض، لكنه في غاية الدقة التمثيلية: عندما تذهب سيدة ما لحفل عرس رفقة ابنتها غير المدعوة، تتمثل قمة انتصارها في إيجاد مقعد لابنتها يعفيها من احتضانها طيلة الحفلة، وحبذا لو كان المقعد بجانبها، وإن كان ليس شرطا.
أما غاية الأماني، فهو أن تتمكن الأم من توفير وجبة لابنتها غير المدعوة، تعفيها من اقتسام وجبتها معها.. أليس هذا ما حدث في اليابان، للجزائر وربيبتها البوليساريو؟! لقد كان قمة الانتصار أن تنجح في إجلاس ممثل البوليساريو داخل القاعة، بدل جعله يجلس بين الصحفيين أو الانتظار في الفندق، لكنها مع ذلك فشلت في توفير وجبة خاصة به، وستستمر في صرف مليارات الشعب الجزائري على هؤلاء المرتزقة!!
سلوك يخالف رغبة المضيف المعلنة بعدم استعداده لدعوة أي ممثل لدولة ليست عضوا في الأمم المتحدة، ناهيك عن مخالفته لقرار أفريقي اتخذ في العاصمة الغانية قبل أيام، بقصر المشاركة الأفريقية في اجتماعات الشراكة مع القوى العظمى على الدول الممثلة في الأمم المتحدة، وهو ما لا ينطبق على حالة “جمهورية تندوف”؛ فلماذا الإصرار على إحراج النفس والمضيف وباقي الأفارقة بهذه السلوكيات، التي ينجم عنها “شوهة” في كل مرة، مع أنه كان يمكن لمندوب الجزائر أن يحضر لربيبه مندوب البوليساريو الذي ينتظره في الفندق، بعض اللحم في خبزة، أو بعض الحلوى ملفوفا في ورقة!!
ولنسأل هنا دهاقنة النظام الجزائري: ما هي الأهداف العظمى التي تبرر دفعهم هذا الثمن الغالي من سمعتهم وكرامتهم (أو ما تبقى منها، إن بقي شيء!!) لفرض حضور مندوب جمهورية تندوف إلى هذا الاجتماع أو ذاك؟! هل سيغير ذلك من واقع الاعترافات الدولية بالبوليساريو، والتي تنحصر حاليا في حوالي 29 دولة من أصل 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة، رغم أن معظم هذه الاعترافات هي مجمدة عمليا، وموروثة من حقب ماضية لم يحن أوان التخلص منها وتحديث الموقف بشأنها بعد.
ثم ما قيمة اصطحاب مندوب البوليساريو، والنجاح في إيجاد كرسي لإجلاسه منفردا، أمام تصريح وزارة الخارجية اليابانية بأنها لا تعترف بالبوليساريو، ولن تعترف بها، ولا ترحب بوجود أي دولة ليست عضوا في الأمم المتحدة في هذا الاجتماع. بكلام آخر، مع تأكد النظام الجزائري من عدم وجود إمكانية لتغيير موقف اليابان من البوليساريو، ما الذي سيضيفه إدخال ممثل البوليساريو للقاعة؟!
ثم كيف تمتلك بعض المنابر الجزائرية الجرأة- حتى لا نقول الوقاحة- من أجل التلميح أو التصريح بأن ما حدث في طوكيو يقترب من الرد على الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء؟!
هل يمتلك إعلاميو النظام الجزائري حدا أدنى من الفهم لتبين المسافة الشاسعة بين النصر المغربي بانتزاع اعتراف فرنسي بمغربية صحرائها، والذي هو في نفس الوقت هزيمة جزائرية (هكذا هم أرادوا تصوير المعادلة)، وبين إيجاد كرسي داخل قاعة اجتماع لا يعني البوليساريو من قريب أو بعيد. ولمن يقول العكس، عليه التكرم بإيضاح: ما هو نصيب جمهورية تندوف من اتفاقيات التعاون بين اليابان وباقي بلدان القارة الأفريقية؟! هل سيصلها جزء من المعونات أو الاستثمارات اليابانية؟! بل كم ستخصص اليابان للاستثمار في الجزائر نفسها؟! فلماذا كل هذا الاحتفال بحدث هامشي تافه؟!
ثم ليجيبنا إعلاميو النظام الجزائري: ما هي الفوائد التي عادت على ربيبتهم البوليساريو من مشاركة إبراهيم غالي نفسه في اجتماع تيكاد السابق في تونس؟! وما هي الفوائد المماثلة التي عادت على الجزائر وربيبتها جمهورية الوهم من توفير مقعد لوفد البوليساريو في اجتماع شراكة مع اليابان أو الاتحاد الأوروبي؟! ولماذا لم تنجح في توفير مقعد مماثل لربيبتها في اجتماعات الشراكة مع الولايات المتحدة، روسيا، الصين، الهند، كوريا الجنوبية، تركيا والدول العربية؟!
هل تعتبر فشلها في توفير مقعد مماثل في جميع هذه الاجتماعات هزيمة دبلوماسية أمام خصمها المغربي؟! إذا كان الأمر كذلك، فنتيجة المباراة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، حول القدرة على تأمين إجلاس البوليساريو داخل اجتماعات الشراكة الدولية، من بين الاجتماعات التسعة هي 7-2 لصالح المغرب!! فما الداعي للاحتفال بربكم؟!
نقطة أخرى أهم، تاهت في زحام التغطية التافهة “للا حدث” طوكيو، تمثلت في هجوم الإعلام الجزائري على الجهود الدبلوماسية المغربية من أجل تأمين حضور ممثلين عن الدول ذات العضوية المعلقة في الاتحاد الأفريقي، بسبب وقوع انقلابات فيها (غينيا، السودان، الغابون، مالي، النيجر، وبوركينافاسو)، وهو الهجوم الذي يصدق عليه تماما القول المنسوب لرسولنا الكريم: إذا لم تستح فاصنع ما شئت!!
حيث كيف يعقل أن يصبح الدفاع عن حق جمهورية وهمية في حضور الاجتماع مشروعا، بينما الدفاع عن حق دول أفريقية كاملة السيادة، تمر بظروف خاصة، أمرا غير مشروع؟! ويلكم كيف تحكمون؟!
إن المغرب الذي لطالما كان منبرا لباقي الشعوب الأفريقية، يدرك أن تسوية الأوضاع السياسية لهذه الدول الست ما هي إلا مسألة وقت وستحل، وهو ما لا يجب بحال من الأحوال أن يبرر استبعاد استفادة الملايين من شعوب هذه الدول، من خيرات التعاون الياباني الأفريقي. وعليه، لا يمكن لعاقل أن يرحب بالدفاع الجزائري عن حضور جمهورية وهمية، ويدين السعي المغربي لحضور الدول الأفريقية الست ذات الوضعية القانونية الخاصة -بشكل مؤقت-.
ختاما، فمهما صنعت الدبلوماسية الجزائرية، يدرك أركان هذا النظام العسكري أنه لا قبل لهم بعكس حركة التاريخ، وبالتالي إيقاف مد الاعتراف العالمي بمغربية الصحراء.
وعليه، ليس أمامهم إلا الاستمرار في هذه الألعاب الصبيانية، والاحتفال بانتصاراتهم “الدونكيشوتية” علّهم ينجحون في تسويقها لشعب جزائري توجد هذه القضية في آخر سلم اهتماماته؛ هذا إن وجدت أصلا! وعليه، فما معارك الدبلوماسية الجزائرية المعاندة للوحدة الترابية المغربية، سوى محاولات يائسة دون أفق حقيقي، تعبر أفضل تعبير عن إفلاس هذه الدبلوماسية التام، في انتظار الحسم النهائي لهذا الملف، داخل الاتحاد الأفريقي، بل وداخل الأمم المتحدة!