بقلم: هيثم شلبي
لا يتمثل غباء الدبلوماسية الجزائرية، ومن ورائها النظام العسكري برمته، في إصرارها الغريب على تكرار مواقف وعبارات “منتهية الصلاحية”، من أجل إبقاء النزاع المفتعل حول مغربية الأقاليم الجنوبية الصحراوية للمملكة قائما دون حل، من قبيل تكرار التمسك بالاستفتاء الذي دفنه مجلس الأمن حتى قبل أن يقدم المغرب مقترحه للحكم الذاتي بأربع سنوات كاملة، بل يتمثل غباؤها في اعتقادها أن بقاء هذا النزاع “باردا” من الناحية العسكرية، كفيل بإبقائه في أروقة الأمم المتحدة نصف قرن آخر!
انطلاقا مما سبق، نقول بأن أول وأهم خسائر النظام الجزائري التي لا تركز عليها النقاشات الدائرة حاليا، هو اتجاه الأمم المتحدة لإقفال هذا الملف، بأي صيغة كانت، وذلك عبر تحديد مهلة الشهور الثلاثة لبعثة المينورسو من أجل حسم الخيارين المطروحين أمامها (دون أن يكون هناك خيار ثالث): إما التحول إلى بعثة لمرافقة تطبيق المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، أو سحبها بشكل كامل وترك الأطراف المختلفة لمواجهة مصيرها.
وتعبيرا عن حجم الهزيمة الاستراتيجية الساحقة التي سيتعرض لها النظام العسكري في الجزائري، مع نهاية هذا الشهر، ومرة أخرى، أيا كانت الصيغة النهائية التي سيصدر بها القرار، يستنجد نظام الجنرالات بالمهارات اللغوية لجوقته الدعائية، داخل وخارج الجزائر، من أجل البحث عن أي وسيلة تحرم المعسكر المغربي المقابل من التمتع بنصرهم الدبلوماسي المؤزر. مهمة صعبة إن لم يكن مستحيلة، ليس فقط لتواضع قدرات هؤلاء الإعلاميين والسياسيين في ظل نظام شمولي لا يملك جزائري واحد فرصة لإبداع أي شيء، حتى ولو كان من قبيل الدعاية الكاذبة للنظام، بل بالأساس، لأن الواقع الموضوعي أكبر من أن يكون بمقدور “فذلكات” و “سفسطات” لغوية قلب حقائقه وتحويل هزائمه إلى انتصارات، بل حتى التخفيف من عمق هذه الهزائم على مختلف الأصعدة. وسنحاول هنا استباق بعض أبرز الحجج التي سيبنون عليها خطابهم الدعائي التبريري، طمعا في قدرتهم على بيع هذه البضاعة الفاسدة للشعب الجزائري، كما اعتادوا خلال نصف القرن الماضي.
أول وأبرز هذه الحجج التي سنسمعها عشرات المرات خلال الأيام المقبلة على لسان مختلف أبواق النظام داخل وخارج الجزائر، تلك المتعلقة بالحذف المحتمل لعبارة “الوحيد” في وصف مقترح الحكم الذاتي المغربي، كأساس لحل هذه القضية المفتعلة، إذ تقول التسريبات أن تسويات اللحظات الأخيرة نجحت في جعل مقترح الحكم الذاتي أساسا واقعيا وقابلا للتطبيق ومقبولا أمميا، دون أن تجعله الأساس الوحيد، حيث يجري الحديث عن فتح المجال لمقترح أو اثنين ليس من بينهما الاستفتاء بطبيعة الحال، نظرا لكون هذا الاستفتاء قد تم دفنه في عام 2003، بعد أن تأكد للعالم أجمع استحالة تنفيذه، بسبب العراقيل التي وضعتها الجزائر ومرتزقتها أمام عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة فيه. ولا يشك أحد أن النظام العسكري يعض أصابع الندم حاليا على عرقلته الاستفتاء بشكل أدى إلى حذفه من الأجندة الأممية، حتى وإن كان هذا الحذف قد عطل الحل أزيد من ثلاثة عقود.
وكالعادة، لا يفكر أبواق النظام العسكري في أهمية حذف كلمة “الوحيد” وفتح النقاش بين الأطراف حول مقترحات أخرى، يصعب تصور إيجاد توافق حولها، لاسيما إن كانت من وحي الرسالة “البليدة” التي وجهتها قيادة البوليساريو للأمين العام للأمم المتحدة، متحدثة عن “مقترح موسع”، يزيد من تأكيد فشل الدبلوماسية الجزائرية، التي اعتبرت أن توسيع خيارات الاستفتاء ليشمل “الاندماج”، مضافا إلى خياري الاستقلال والحكم الذاتي، كما لو كان “اختراقا” سيسهم في بث الروح في خيار الاستفتاء المقبور! إن هذه “الجعجعة” المفتعلة حول نجاح الجزائر في حذف مصطلح “الوحيد” من مقترح القرار الأممي لن يؤدي إلى أي “طحين” يمكنه أن يغطي على الزخم الدولي الذي اكتسبه مقترح الحكم الذاتي خلال العقدين الماضيين، وأن مجرد التنصيص على مقترح المغرب بأي صيغة تضمنها القرار، ما هو إلا إعلان انتصار مدو للدبلوماسية المغربية، وهزيمة ساحقة لنظيرتها الجزائرية.
ولا يزيد على بؤس هذا اللغط اللغوي سوى المشهد المصطنع “لتظاهرات” حملة رايات البوليساريو في مخيمات تندوف، الذين يحمل لهم القرار الجديد (وفق التسريبات) طامة كبرى تتمثل في إجراء تعداد لمن يدعون أنهم صحراويين منتسبين للأقاليم الجنوبية المغربية، لتمييزهم عن صحراويي موريتانيا، وأزواد مالي، وباقي اللاجئين الأفارقة المحتجزين في تندوف. مطلب لطالما تهربت منه الجزائر، ورفضت رفضا قاطعا تمكين الأمم المتحدة من إجراء هذا الإحصاء، الذي سيتيح للمرة الأولى، تقليص أرقام الصحراويين المغاربة في تندوف من عشرات الآلاف إلى بضع مئات، الأمر الذي سيعري نظام الجنرالات، ويقطع عنهم حبل المساعدات الدولية التي ينهب نصفها، ويباع نصفها الآخر في السوق السوداء!! وتدخل أموالها في حسابات الجنرالات ومرتزقتهم في قيادة البوليساريو.
ومن نافل القول، أن نذكر أبواق النظام العسكري أن الانتصارات الدبلوماسية التي راكمها المغرب خلال العقدين الماضيين، جاءت دون أن تنص قرارات الأمم المتحدة على تفضيل مقترح الحكم الذاتي، فكيف سيكون الوضع مع مثل هذا التنصيص الصريح على هذا الخيار من أعلى هيئة أممية، والأهم، اعتباره شكلا من أشكال “تقرير المصير” الذي طالما تغنت به الدعاية الجزائرية. هذا المعنى بالذات، ورد قبل أيام على لسان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وهو ما سبب حالة من السعار في الإعلام الجزائري، ليقينهم أن مثل هذه الاعتبارات ستنفي تماما أي إمكانية للحلم باستخدام الروس لحق النقض الفيتو ضدا في الولايات المتحدة. وإذا أضفنا إلى ما سبق أنه لم يسبق للصين أن استخدمت حق النقض ضد أي قرار يخص الصحراء المغربية منذ عقود. هذه المعطيات وغيرها، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن جل ما يمكن أن تطمح إليه قيادة النظام العسكري في الجزائر، هو بعض التعديلات اللغوية التي لن تؤثر على واقع هزيمتهم الدبلوماسية، وأن القرار المنتظر سيفتح الباب على مصراعيه لطرد “جمهورية تندوف” من الاتحاد الأفريقي، وسحب الملف برمته من اللجنة الرابعة التي لا يمكنها -بما هو متاح لها من صلاحيات- أن تصدر توصيات تناقض قرارات مجلس الأمن.
ختاما، فمهما كانت الصيغة التي سيحملها القرار الأممي الجديد، فلن تغير المهارات اللغوية المتجاوزة لأبواق النظام العسكري من واقع هزيمته شيئا، ولن تعدوا محاولاتهم خلال الساعات المقبلة سوى محاولة “للتبريد”، لن تحجب “صهد” الجحيم الذي سيعيشونه أمام الرأي العام الجزائري.
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير