بقلم: هيثم شلبي
أخيرا، يبدو أن معركة شد الحبل بين أجنحة النظام العسكري الجزائري قد وصلت إلى مرحلتها الأخيرة، عبر السماح للرئيس تبون بخوض الانتخابات الرئاسية للحصول على عهدة ثانية، لاسيما في غياب منافس جدي من بين المرشحين المحتملين الآخرين. وكما جرت العادة، جاء الإعلان عن ترشح تبون عبر نفس الديباجة السخيفة التي تزين بلاغات الإعلان عن ترشح الرئيس لعهدة جديدة، الجاري بها العمل فيما تبقى من “أنظمة ثورية”، شمولية، متخلفة -زمنيا على الأقل-، لم تحاول أبواق النظام الإعلامية الاجتهاد في ابتداع مبرر جديد، واستسهلت استنساخ نفس العبارة “الغبية”: نزولا عند رغبة الجماهير والأحزاب والهيئات المدنية والسياسية، بما يذكرنا -حرفيا- بانتخابات الرئيس بشار الأسد، التي لا يعلم أحد عددها!
لكن بعيدا عن هذه البلاغات التي لا تجد صدى يذكر في أوساط الرأي العام الجزائري، يمكن أن يطرح سؤال حول المبررات التي دفعت الرئيس تبون لإعلان ترشحه، وبمعنى أصح، مبررات جناحي النظام العسكري المؤثرين: رئاسة الأركان، والمخابرات، من أجل السماح له بمثل هذا الترشح.
بداية، لا ينطلي على أحد، ورغم الدعاية “الفجة” التي تحاول استغباء المواطنين الجزائريين الذين يقفون في عشرات الطوابير للحصول على أبسط متطلباتهم المعيشية، أن ترشح الرئيس تبون يأتي بسبب “النجاحات” التي حققتها “الجزائر الجديدة” في عهده الميمون! فالإنجاز الوحيد لفخامته، والذي لا يد له فيه على الإطلاق، هو زيادة دخل الجزائر من العملة الصعبة، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، على إثر الحرب الروسية الأوكرانية! أما ما عدا ذلك فمجرد تلاعب بالأرقام، ودعاية متهافتة للترويج لمنجزات وهمية، سرعان ما تتكشف حقيقتها أمام أي بحث بسيط عبر الانترنت. وعليه، وإذا استثنيا قدرات “السوبر رئيس تبون”، ما هي الأسباب المتبقية إذا؟
يمكن إرجاع السبب الأول إلى عدم قدرة جناحي رئاسة الأركان والمخابرات، وتحديدا هذا الأخير، على فرض مرشح بديل. فمعارضة جناح المخابرات للتجديد للرئيس تبون ليست سرا، وقد عملت على تقويض جهوده تبعا لتوجيهات المتحكم الأساسي فيها، الجنرال محمد مدين (توفيق)، في إعادة لسيناريو معارضته للعهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، والتي كلفته منصبه في النهاية بعد تحالف جناحي الرئاسة والجيش ضده. أما الجنرال شنقريحة، فلم يكن واضحا وجود مرشح بديل له، بمقدار وضوح محاولاته لابتزاز الرئيس الضعيف تبون من أجل منحه مزيدا من الصلاحيات، وهو ما يبدو أنه حصل على معظم أو بعض ما يريد.
ثاني الأسباب يتمثل في وجود قوة ذاتية لجناح الرئاسة، وإن كانت لا ترقى إلى قوة الجناحين الآخرين، استطاع بناءها عبر استقطاب الغاضبين أو المنبوذين في الجناحين الآخرين، واستغلال ما يمنحه النظام من هوامش سلطة لمنصب الرئيس. وبالتالي يمكن القول أن جناح تبون امتلك ما يكفي من قوة لإقناع الجناحين الآخرين بصعوبة أو تكلفة تجاهله على مستقبل النظام؛ هذا على الرغم من ضعف الرئيس تبون نفسه، والذي يعلمه القاصي والداني.
ثالث الأسباب المحتملة، يكمن في تفضيل جناحي النظام العسكري (بقيادة شنقريحة وجبار مهنا) وجود رئيس ضعيف يستطيعان ابتزازه وفرض ما يريدان عليه، حفاظا على مكاسبهما المباشرة، مع الجنرالات الذين يضمهم كل جناح. وبالتالي، وكما فضل الجنرال الراحل القايد صالح تبون الضعيف على ميهوبي الأقوى، كانت التسوية المقترحة الحفاظ على الوضع الحالي دون تغيير، على ما تحمله عهدة ثانية فاشلة للرئيس تبون من تبعات ثقيلة على مستقبل النظام الجزائري.
رابع هذه الأسباب، المباركة التي استطاع الرئيس تبون الحصول عليها من “العراب الأكبر” للنظام العسكري، الرئيس الفرنسي ماكرون، وذلك خلال قمة مجموعة الدول السبع في إيطاليا قبل أيام. وقد ظهر حرص الرئيس تبون واضحا -بل وفجا- على استعراض “حميمية” لقائه بماكرون، من أجل توجيه الرسائل لمن يهمهم الأمر في الجزائر. وترجع هذه المباركة إلى نفس الأسباب السابقة، وهي عدم قدرة جناحي النظام العسكري على إقناع “السيد” الفرنسي بمرشح بديل جدي، يحفظ المصالح الفرنسية في مستعمرتها السابقة، بنفس الطريقة التي يقوم بها ثلاثي النظام الجزائري الحالي، في وجود الرئيس تبون في قصر المرادية.
وهكذا، ومع تثبيت ترشح الرئيس تبون لعهدة ثانية، مع بضعة مرشحين، استدعى الإيهام بوجود حياة ديمقراطية في الجزائر وجودهم، تفقد هذه الانتخابات أي إثارة محتملة، أو رهان على كسب مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات، معروفة النتيجة سلفا، ليتبقى أمام النظام، مهمة تزوير نسبة المشاركة الشعبية، لاسيما في منطقة القبايل، والولايات التي لطالما عرفت نسب مشاركة متدنية، كالجزائر العاصمة، مع ما يتطلبه ذلك من توجيه لكاميرات الإعلام الدعائي الجزائري نحو الدوائر التي تعرف “حشودا” جماهيرية، لمحاولة الإيحاء بأن هذا هو الواقع في مختلف أنحاء “الجزائر القارة”!!
وأيا كانت ملامح المشهد الختامي، الذي سيدار كالعادة بطريقة “هاوية”، ستكون مثار سخرية نشطاء الجزائر الأحرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي لشهور بعدها، فإن الأكيد أن النظام العسكري في الجزائر، بالخيار الذي أقدم عليه بالتجديد للرئيس تبون، وإجراء انتخابات صورية متحكم في جميع تفاصيلها، إنما يعلن عن عجزه عن التجدد، وعدم قدرته على تجديد هذا النظام، ناهيك عن الجزائر نفسها، وأن محاولة كسب مزيد من الوقت هي أقصى طموح هذه الزمرة الجاثمة على صدور الجزائريين منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا. وسيكون موعدنا المقبل عام 2029، من أجل التعرف على خليفة تبون، هذا إن كان في عمر النظام بقية، وعاش حتى يشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد خمس سنوات!