قمة منظمة التعاون الإسلامي

حضور مغربي طاغ مقابل غياب جزائري صارخ.. المغرب يكتب البيان الختامي للقمة الإسلامية ببانغول

بقلم: هيثم شلبي

كما كان متوقعا، لم تشذّ قمة منظمة التعاون الإسلامي الخامسة عشر التي اختتمت أعمالها في العاصمة الغامبية بانغول عن سابقاتها من القمم الإسلامية والعربية، ونشرت في ختام أعمالها بيانا ختاميا لم تجد وسيلة إعلامية مكتوبة أو إلكترونية -حتى ساعة كتابة هذا المقال- الحيز أو الاهتمام الكافيين لنشره كاملا، لاسيما وأنه كسابقيه من بيانات ختامية لا بد وأن عدد بنوده قد تجاوز المئة!! وعليه، يمكن لوسائل الإعلام في الدول الإسلامية ال 57 أن تجد ما يخصها في بنوده العديدة، وبهذا يخرج الجميع راضيا، ويعود الرئيس ووزير خارجيته “فاتحين منصورين” لحصول جهودهم في أي مجال على إشادة “دولية”!!

لكن بالمقابل، فالعين الفاحصة، تستطيع التمييز بين البنود “الإنشائية” المصاغة بنفس “مجامل” للقادة الحاضرين، وتلك البنود التي تتطرق إلى أحداث أو جهود أو مبادرات مهمة؛ وكذا ما تركز عليه وكالات الأنباء الحاضرة من “قرارات” تتعلق بالموضوع الرئيس المعروض على القمة. وفي بانغول، لم يكن خافيا أن الحرب في غزة ستكون سيدة الحدث، وبالتالي حصل الفلسطينيون على ما يرغبون فيه من “إدانة” لوحشية إسرائيل، “ومناشدات” لوقف هذه الحرب الهمجية. قبل ذلك، كان لافتا أن تنتشر تقارير عن “مساعدة حاسمة” حصلت عليها غامبيا من أجل تسهيل احتضانها للقمة من طرف ثلاثة من أبرز شركائها الأفارقة: المغرب وموريتانيا والسنغال، وهو ما أعطى انطباعا بأن هذه الدول ستحظى بمعاملة تفضيلية، وتحصل على إشادة خاصة من طرف الرئيس الغامبي أداما بارو، وهو ما كان. لكن ما بدا لافتا للأنظار بشكل لا تخطئه عين، الحيز الذي شغله المغرب في البيان الختامي، والإشادة التي حصل عليها مرات متعددة، أكثر من أي بلد إسلامي حاضر، لدرجة يخيل للقارئ أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة وكبار مساعديه هم من كتبوا البيان الختامي بأيديهم، واستطاعوا إجازته دون تعديل من طرف الدول الحاضرة، أمام عجز صارخ أبانت عنه الدبلوماسية الجزائرية، المعنية تحديدا بكثير من هذه البنود، الأمر الذي يعكس المكانة الدولية للملكة المغربية. فكيف كان ذلك؟

قبل الخوض في البنود الخاصة بالمغرب، لنعرج على ما تناولته وسائل الإعلام الجزائرية والتونسية “الحساسة” تجاه أي إشادة بالمغرب، والتي سبق للجزائر أن كررت محاولاتها الفاشلة عدة مرات من أجل منع صدور أي إشادة بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دون أن يكتب لها النجاح مرة واحدة! وهنا، لم تجد وسائل الإعلام الجزائرية في عشرات البنود التي تضمنها البيان الختامي، سوى “إشارتين”: أولاهما ترحيب عام بجهود الجزائر في نصرة القضية الفلسطينية، واحتضانها للاجتماع “الفاشل واليتيم والفارغ من أي محتوى” للفصائل الفلسطينية، وثانيهما تهنئة على بناء مسجد الجزائر!! أما تونس الرئيس قيس سعيد، فقد تلقت بدورها عددا مماثلا من الإشارات، رحبت الأولى بالاجتماع الثلاثي لرؤساء تونس والجزائر وليبيا، من زاوية كونه جهدا تنسيقيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وليس كإطار بديل لاتحاد المغرب العربي؛ بينما رحبت الثانية باحتضان تونس لمعرض “المنتجات الحلال” الخاص بالدول الإسلامية في أكتوبر المقبل!! وهنا يبدو واضحا هزالة هذه الإشارات وطبيعتها المجاملة، مقارنة بما سيأتي ذكره بخصوص المغرب.

فعلاوة على الإشادة بجهود المغرب وعاهله الملك محمد السادس ولجنة القدس التي يرأسها، وذراعها المالي “بيت مال القدس”، الذي يسعى بإمكاناته الذاتية إلى “إنجاز مشاريع تنموية وأنشطة لصالح سكان المدينة المقدسة ودعم صمودها”، وهي إشادة مفصلة وعملية “بجهود الملك محمد السادس لحماية المقدسات الإسلامية في القدس الشريف، والوقوف في وجه الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدف تهويد المدينة المقدسة”، وليست مجرد إشارة عامة إلى جهود دعم القضية الفلسطينية، فقد حظيت مبادرة الملك محمد السادس لجمع الدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي في إطار حلف أو تجمع إقليمي فريد، يمزج ما بين الاهتمام بالقضايا السياسية والأمنية، بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بل والثقافية والروحية، بطريقة لا يعتمدها أي تجمع أفريقي آخر. إشادة مماثلة حملها البيان الختامي بمبادرة العاهل المغربي لربط دول الساحل الحبيسة (مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد) بالمحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة الذي هو قيد الإنشاء، كأحد مظاهر “التضامن الفاعل للمغرب مع البلدان الأفريقية الشقيقة عموما، ومنطقة الساحل على وجه الخصوص”.

كما جدد البيان الختامي الإشادة بالجهود المغربية لتقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين؛ وكذا “إعلان الرباط” الصادر عن مجموعة أصدقاء البلدان متوسطة الدخل، الهادف إلى تدعيم جهود التنمية في هذه الدول. كما رحب البيان الختامي باختيار الرباط لاحتضان مكتب “برنامج مكافحة الإرهاب والتكوين في إفريقيا”، مشيدا بالتجربة المغربية المعترف بتميزها عالميا في محاربة الإرهاب بمختلف أنواعه. ولم ينس البيان الإشادة بدور الملك محمد السادس “كرائد في قضايا الهجرة على الصعيد الأفريقي.. وتنفيذ الميثاق العالمي للهجرة”، وهو ما يشكل “غمزا” في قناة الجزائر التي تطرد المهاجرين الأفارقة “بطريقة غير إنسانية” بشهادة السلطات النيجرية التي قامت باستدعاء السفير الجزائري المعتمد لديها مؤخرا لنقل تحذير له بهذا الصدد.

إشادة ثامنة أو تاسعة جاءت في شكل ترحيب، باختيار المغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (ممثلا للعرب والأفارقة والمسلمين)، والذي اعتبره البيان “اعترافا من قبل المجتمع الدولي بدور المغرب في الدفاع المتواصل عن القضايا المحورية لحقوق الإنسان”، خاتمة هذا البند بالإشادة بإعلان مراكش الصادر عن المؤتمر الدولي الأول حول الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والمتابعة في مجال حقوق الإنسان، الذي انعقد في ديسمبر 2022.

ونظرا لتعدد المبادرات المغربية، وتنوع مجالاتها، لقيت جهود المملكة المغربية الخاصة بتقديم الدعم التقني وزيادة القدرة على الزراعة وتعزيز الأمن الغذائي في العديد من مناطق العالم، تثمين الدول الإسلامية الحاضرة في القمة، مما جعل البيان الختامي يحمل إشادة بتخصيصها (أي المملكة المغربية) 4 ملايين طن من الأسمدة “لتعزيز الأمن الغذائي في أفريقيا خلال عام 2023، ما من شأنه زيادة مردودية 44 مليون فلاح في 35 بلدا”. نفس الإشادة طالت “مركز محمد السادس لحوار الحضارات” بمدينة “كوكيمبو “بتشيلي، الذي يعمل كجسر للتواصل الحضاري بين العالم الإسلامي والدول الأطلسية الأفريقية وقارة أمريكا اللاتينية. ولم يغفل البيان الختامي في هذا الخصوص، عن الإشادة بالمبادرة المغربية التي قادت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اعتماد قرار يدفع باتجاه “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية” وذلك في يوليو 2023، وهي المبادرة التي أشادت بها في حينها جميع الدول الإسلامية (اللهم باستثناء الجزائر كالعادة)!

وبدا لافتا أن إشادة البيان الختامي بكل “ما يمتّ للملكة المغربية بصلة” جعلته يشيد حتى بتسجيل المملكة المغربية “لتراث الملحون في قائمة التراث العالمي غير المادي لليونسكو” في الاجتماع الذي عقدته المنظمة في بوتسوانا في نوفمبر 2023!! وهي إشادة تثبت بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن مندوب الجزائر في اجتماع وزراء الخارجية، وقبلها كبار الموظفين، الذين صاغوا هذا القرار، إما أنه كان متغيبا عن الاجتماع، أو مشغولا بأمر يخص “جمهورية تندوف”، أو أنه قوبل بما لم يدع له أي مجال لحذف هذه الإشادة، أو على الأقل، تسجيل نظير لها بتراث جزائري مشابه للحالة المغربية.

ولأن مصائب دولة الجنرالات لا تأتي فرادى، فقد حمل البيان الختامي إشارتين موجهتين مباشرة للجزائر، تتعلق الأولى منهما “بالرفض التام لكل المخططات الانفصالية التي تستهدف المس والإضرار بسيادة الدول في منظمة التعاون الإسلامي، ووحدة وسلامة أراضيها”، معتبرا أن “التهديد الذي تشكله الكيانات الانفصالية لا يقل خطورة عن تهديدات الجماعات الإرهابية والمتطرفة”! هذه الإشارة تستهدف أول ما تستهدف مرتزقة البوليساريو الذين يحرص جنرالات الجزائر على احتضانهم وتسليحهم ومحاولة جعلهم عنصر تهديد لوحدة المغرب الترابية وأمنه واستقراره. وما ورود هذه التوصية بهذه الصياغة إلا دليلا إضافيا على هزالة الحضور الجزائري إقليميا وقاريا ودوليا، بل وغيابه التام، عكس ما تنسجه وسائل إعلامه من “خرافات وهمية” عن قدرات “القوة الضاربة”. إشارة أوضح تلك التي جاءت في شكل تأييد لقرار السلطات المالية “بامتلاك زمام عملية السلام بأنفسهم، من خلال إنشاء إطار للحوار بين الأطراف المالية لتحقيق السلام والمصالحة”، مما يعني عمليا تأييد قرار هذه السلطات في التخلي النهائي عن “اتفاق الجزائر” الموقع عام 2015، والذي كان بأوامر مباشرة من السادة الفرنسيين، وتاجرت به سلطات الجزائر في جميع المحافل! وهذين البندين تحديدا، حتى وإن لم يكونا قد صيغا بيد مغربية، فهما يترجمان حرفيا فلسفة الدبلوماسية المغربية، ويعبران بدقة عن مواقفها ومسلماتها.

ختاما، هذه مجرد عينة من الإشارات التي حملها البيان الختامي للقمة الإسلامية في بانغول، والتي تظهر بما لا يدع مجالا لأي شك، إلى أي مدى تتفوق الدبلوماسية المغربية على نظيرتها الجزائرية، وهو تفوق منطقي بسبب الفارق الشاسع بين من يتقدم بمبادرات تؤسس لتعاون ومنافع جنوب- جنوب متبادلة، وبين من يهدر مقدراته وجهوده على مطاردة “أشباح حرب الرمال”، بأساليب موروثة من الحرب الباردة، التي لم تعد تعتمدها أو تعمل بها إلا بضع دول في العالم كله، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة!

اقرأ أيضا

خبير لـ”مشاهد24″: قرار مجلس الأمن يضع الجزائر وصنيعتها “البوليساريو” في مواجهة الشرعية الدولية

أكد الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية أن القرار 2756، الذي يمدد ولاية "المينورسو" إلى غاية 31 أكتوبر 2025، يضع الجزائر وصنيعتها "البوليساريو" في مواجهة الشرعية الدولية، ويحملها مزيدا من الضعوط الدولية على اعتبار ما تعملان عليه من الزيادة في أسباب تهديد الأمن والاستقرار الدوليين.

ماذا استفادت الجزائر من عضويتها في مجلس الأمن.. قضية الصحراء نموذجا؟!

بقلم: هيثم شلبي كما كان منتظرا، مدد مجلس الأمن ولاية بعثته “المينورسو” عاما كاملا حتى …

4625

حاول الكابرانات التكتم عليها.. تفاصيل جديدة عن مقتل سائحة سويسرية بالجزائر

كشفت وسائل إعلام فرنسية بشاعة جريمة القتل التي راحت ضحيتها سائحة سويسرية عندما كانت تقضي …