عندما قدّمت الجزائر لصندوق النقد الدولي، قرضا بخمسة مليارات دولار، فأدهشتنا وأدهشت العالم، أسمعتنا السلطة حينها إلياذة مدح في حق هذا الصندوق، الذي ذبحنا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، عندما دفعنا نحو أزمة اقتصادية، فجّرت بعد سنوات أنهارا من الدماء، فقالت إنه صندوق الأمان الواقف على الدوام مع البلدان النامية، وأخطأت ربما، عندما وصفت تقاريره بالدقيقة، خاصة أنه بمجرد أن تسلّم القرض حتى منحنا غيثا من الثناء، ولم تكن تدري أو ربما لم يكن يهمّها أن تدري، أن عاصفة انهيار الأسعار ستهبّ على الجزائر، وسيقول هذا الصندوق الذي وصفته بالجامعة الاقتصادية، الحقيقة التي ستكشف عن هشاشة الاقتصاد الجزائري ووهن بيته العنكبوتي.
فصندوق النقد الدولي الذي شكرنا منذ ثلاث سنوات، ونحن نمدّه بما في صندوقنا من نقد وطني، أكد أن الاقتصاد الجزائري، من أهم المنظومات التي ستواجه خلال السنة الحالية – وليس بعد ثلاث سنوات- كما قال المتشائمون من الجزائريين، وضعية حرجة، تدفعه نحو مستقبل حالك السواد، وقدّم هذا الصندوق “الصديق”، أرقاما غير قابلة للتأويل، أكدت أن القائمين على الاقتصاد الجزائري، زرعوا الريح طوال سنوات الربيع النفطي، وعليهم الآن مواجهة العواصف التي تحدّث عنها هذا الصندوق الذي وصفوه بصاحب التقارير الدقيقة، وعليهم الآن أن يبصموا على هذا التقرير، أو على الأقل ألا يهملوه، وألا يشكّكوا فيه، كما فعلوا مع تقارير وضعت جامعاتنا في المؤخرة، ووصفت عاصمتنا بمنتهية الصلاحية، وديمقراطيتنا بالهشّة وفلاحتنا بالمتخلفة، وألا يواصلوا عملية الطمأنة المُسكّنة، التي لم يحدث وأن استعملها صندوق النقد الدولي، الذي لا يعترف إلا بمادة الرياضيات، وبشكل أدق بالحساب البسيط، الذي بدأ عندما ارتفع سعر النفط في بداية الثمانينيات إلى أربعين دولارا، فاستهلكناه في أكل الموز واللوز و”التسكّع” في بلاد العالم، ولما انخفض إلى ما دون العشرة دولارات، ارتمينا في أحضان صندوق النقد الدولي، الذي منحنا “حقنة” مال مخدّرة، وفرض علينا شروطه، التي عصرتنا دموعا ودماء، ولما ارتفع سعر النفط مرة أخرى إلى ما فوق المائة دولار، في أواخر القرن الماضي، عدنا إلى الموز واللوز وأيضا إلى التبذير والاختلاس، وإرجاع ثمن الحقنة المخدّرة بالطريقة الربوية المعروفة لدى صندوق النقد الدولي. وعندما تراجع سعر النفط مرة أخرى إلى حدود الخمسين دولارا، صرنا على مشارف أخذ نفس الحقنة القديمة، التي خدّرتنا وأغرقتنا في دموعنا ودمائنا، ولكنها هذه المرة بجرعة أقوى، قد تبعثنا نحو ما بعد التخدير وربما ما بعد الإنعاش؟
في الاقتصاد لا توجد مادة الإنشاء، وصاحب جائزة نوبل في الاقتصاد في عام 2006 البولوني ليونيد هورفيتش، عندما سلّموه الجائزة، وقد بلغ عمره حينها تسعين عاما، سألوه: لماذا عشت صامتا، لم يظهر أبدا على التلفزيون ولم يجر حوارا صحفيا، فردّ بالحرف الواحد: الاقتصاد هو أرقام وعمل من دون كلام، وهذا بالتحديد ما يقوم به صندوق النقد الدولي الذي اعتبرناه من أهلنا فمنحناه خمسة ملايير دولار وهاهو يقدّم شهادته عنا؟
*صحفي جزائري/”الشروق”