في الندوة التي أقامها مدير ديوان رئيس الدولة أحمد أويحي الثلاثاء الماضي بالجزائر العاصمة، أعلن نيابة عن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، أن تعديلات الدستور التي سيصادق عليها البرلمان قريبا تتضمن الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية بعد أن اعترف بها الدستور السابق كلغة وطنية فقط، ولكن الصيغة التي نصَ عليها هذا الدستور غير المصادق عليه بعد هي: “تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، وإنشاء أكاديمية للغة الأمازيغية تحت إشراف رئيس الجمهورية مكلفة بتوفير الشروط المطلوبة لهذه المكانة للغة الأمازيغية”، تبين فقط أنها رسمية شكلا، ولكنها لا توضح جهرا بأنها لغة رسمية للدولة مثلما هو الأمر بالنسبة إلى اللغة العربية كما يبدو ذلك بوضوح في المادة التي ورد فيها أن “اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية وتظل اللغة الرسمية للدولة”. وبعبارة أخرى فإن نسخة الدستور الموزعة على الإعلاميين لم تؤكد أن اللغتين العربية والأمازيغية هما لغتان رسميتان للدولة.
إن هذا الالتباس محيَر، ويمكن أن يفهم منه أن الأمازيغية لغة رسمية صوريا، وليست لغة رسمية فعلية للدولة بمختلف أجهزتها.
لا شك أن الجزائر قد تخلفت عن المغرب الشقيق بسنوات طويلة بخصوص الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية، وجراء هذا التخلف دفعت البلاد ثمنا غاليا، تمثل في الضحايا الذين قتلوا أو أودعوا السجون، وفي بروز الحركة الأمازيغية الانفصالية التي هدَدت الوحدة الوطنية، وفي الكتابة الانتقائية الديماغوجية للتاريخ الوطني.
فهل يمكن أن يكون الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية معقولا وفاعلا قبل ترسيم الحروف التي ستكتب بها في مختلف الأجهزة الإدارية للدولة، وفي المنظومة التعليمية لتكون ضمانة لاستقرار الوطن؟
لا شك في أنه لا توجد لغة رسمية ليس لها حروف موحدة متفق عليها مسبقا. وبسبب انعدام هذا الاتفاق على حروف هذه اللغة في المشهد السياسي الجزائري، فإن المعركة القادمة سوف تنفجر دون شك لأن التيار الأمازيغي الفرانكفوني يصر باستمرار على كتابة اللغة الأمازيغية بالحروف اللاتينية، أما التيار الأمازيغي المتشبث بالأصول التاريخية فيطالب باستخدام حروف التيفناغ، في حين نجد التيار الأمازيغي الذي يحمل الازدواج الثقافي الأمازيغي العربي يدعو إلى كتابة اللغة الأمازيغية بالأبجدية العربية، مع العمل على توحيد مختلف لهجاتها وترقيتها من ناحية المفاهيم، وما يسمى في علم اللسانيات باللغة الواصفة التي تعد الشرط الجوهري الذي يمكَنها من الحياة والاستمرار، علما أن الحروف العربية تتوفر على كل العناصر والمكونات التي تحتاج إليها الأمازيغية.
إقرأ أيضا: تعديل الدستور ولعبة النظام الجزائري النمطية
من الواضح أن التيارات الأمازيغية نفسها لم تشرع بعد في الحوار المسؤول حول الكيفية التي تكتب بها اللغة الأمازيغية، وبالإضافة إلى ذلك فإن النظام الحاكم في الجزائر لم يوفر القيادة التي تؤدي إلى حسم هذه المشكلة الحقيقية التي تمثل العقبة الأولى الكبرى، ونتيجة لهذا الوضع، فإن إعلان مدير ديوان رئيس الجمهورية أحمد أو يحي أن الدستور القادم سيرسم اللغة الأمازيغية، أمر يدخل في تقدير أي محلل سياسي عاقل في إطار التعامل مع اللغة الأمازيغية كورقة سياسية بشكل براغماتي مكشوف لسحب البساط فقط، وعلى نحو مؤقت، من تحت أقدام التيار الأمازيغي الانفصالي الذي يقوده المغني والناشط السياسي السيد مهني من موقعه بباريس.
إن النظام الجزائري لا ينظر إلى اللغة الأمازيغية بجدية، ولا يملك أي استراتيجية لإنقاذ هذه اللغة من الموت البطيء، ولبناء الوحدة الوطنية على أسس الاعتراف بالتعددية الإثنية وحمولاتها الثقافية واللغوية. وجراء هذا كله، نجد النظام الجزائري لا يفعل شيئا سوى إعادة إنتاج ميراث التلاعب بالمسألة الأمازيغية التي تحولت منذ 1936 إلى تناحر سياسي لم تسلم منه سياسات مرحلة الاستقلال التي لم تتجاوز هذا الإرث الثقيل. وبالعكس فقد عمق النظام الجزائري وطوال مرحلة الاستقلال ممارسات كبت وتأجيل البعد اللغوي والثقافي الأمازيغي في المجتمع، أما المحاولات الترقيعية فإنها لم تعالج هذه القضية معالجة جذرية في إطار علمي وديمقراطي حقيقيين.
هذا التلاعب بمصير الهوية الجزائرية، يحدث في الوقت الذي غيبت فيه الذاكرة الثقافية التاريخية للأجيال الجديدة في الجزائر، التي لا تعرف تعقيدات الجذور التاريخية للصراع حول القضية الإثنية الأمازيغية في الجزائر والأطوار التي مرَت بها والمشكلات التي أفرزتها ولا تزال تفرزها.
هذه الأجيال لا تدرك أن نشوء النزعة الأمازيغية في الجزائر ليست بنت مرحلة الاستقلال، بل تعود إلى ما يقرب من 80 سنة، وبهذا الصدد يقول أحد أقطاب حركة التحرر الوطني والمؤرخ محمد حربي “مرجعية شعور البربر بخصوصيتهم اللغوية والتاريخية تعود إلى أن المنطقة الريفية الأمازيغية متقوقعة في موقف دفاعي ومنغلق على ذاته وهجرة الكثير من فلاحي وعمال هذه المنطقة إلى فرنسا، ووجود أدب شفوي شديد الحيوية، واعتراف الحزب الشيوعي الجزائري بالفرادة البربرية، إضافة إلى الصراعات التي نشبت بين الزعيم مصالي الحاج ومنافسيه البربر أثناء انتخابات 1936، إلى جانب القرار الصادر من قبل قيادة حزب الشعب الجزائري القاضي بقتل المرشحين البربر”.
* كاتب جزائري/”العرب”