تشهد الساحة السياسية الجزائرية توترا على جميع الأصعدة، ويبدو جليا أن مستوى الدولة ينحدر أكثر من أي وقت مضى على مستوى الأخلاقيات السياسية وأسلوب الحكم، والمؤسسات التي تحولت إلى مزارع لهذه الشلة أو لتلك المجموعة، إذ لا توجد في البلاد مرجعية محددة بل هناك عدة جهات تتصرف كما يحلو لها في الشأن العام ووفقا لمصالحها، أما المعارضة فهي مجرد فسيفساء غير موحَدة فضلا عن انعدام حاضنة شعبية حقيقية تؤمن بها وتسندها.
وهكذا أصبحت الجزائر أسيرة للتصريحات المتضاربة وقد طال هذا التدهور عددا من مسؤولي مؤسستيْ الجيش والأمن اللتين كانتا في الماضي تتمتعان بالهيبة، إذ أصبح بعض قادة الأحزاب يسخرون من الشخصيات العسكرية والأمنية التي كانت في السابق محصنة من زوابع وتناقضات السياسيين. ففي الكلمة التي ألقاها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني، أثناء لقائه بمرشحي حزبه للتجديد النصفي لمجلس الأمة، هاجم مجددا الجنرال توفيق مدين المحال على التقاعد منذ مدة قصيرة وسخر من تصريحه الذي أدلى به مؤخرا لصالح الجنرال حسان (عبدالقادر آيت وعرابي) المحكوم عليه بالسجن من طرف المحكمة العسكرية وشبهه بأغنية عبدالحليم حافظ “رسالة من تحت الماء”، كما قال إن تنحية هذا الضابط هو قضاء على النظام الموازي ومنطلق لبناء الدولة المدنية.
وهذا يعني أن قضيتي تنحية الجنرال توفيق من منصبه والتي قدمت للرأي العام الوطني على أنها مجرد إحالة على التقاعد، وإدانة ومحاكمة الجنرال حسان المكلف سابقا بخلية الاستخبارات ومحاربة الإرهاب في جهاز المخابرات الجزائرية، تتفاعلان على الصعيد الشعبي والسياسي والعسكري والأمني، وخاصة بعد إصدار حكم قضائي عسكري ضده بخمس سنوات سجنا. وأكثر من ذلك فإن جهات أجنبية متمثلة في النشرة الاستخباراتية “ساحل إنتلجنس” التي يوجد مقرها بفرنسا قد أكدت أن وضع الجنرال حسان في السجن أمر مخطط له ولا علاقة لمثل هذه المسألة بالخرق المزعوم للتعليمات الأمنية التي أدين بسببها، وإنما له صلة بالصراع الدائر حول السلطة وتحديدا حول الاستحقاقات الرئاسية القادمة.
إقرأ أيضا:الجزائر..رسالة الجنرال توفيق..بين مشجع ومعاتب!!
لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة يخرج وزير دفاع سابق، برتبة جنرال وهو خالد نزار وجنرال آخر قاد لسنوات طويلة جهاز الاستعلامات في المخابرات الجزائرية وهو توفيق مدين، إلى العلن في مواجهة صريحة مع المحكمة العسكرية التابعة للجيش الوطني الشعبي ومع رئيس الدولة والجنرالات الجدد الذين عينهم مؤخرا في المناصب الحساسة في جهازي الجيش والمخابرات. هذا ما حدث هذا الأسبوع عندما ندَد وزير الدفاع الأسبق خالد نزار بالحكم الصادر ضد الجنرال حسان والذي اعتبره فعلا إجراميا. إلى جانب ذلك فقد أوضح نزار أن القوانين التي تعمل بها المحكمة العسكرية الجزائرية لا تنطبق على وضعية الجنرال حسان وأنها “لا تدخل ضمن المجال الجنائي بل تقتصر على الجوانب التأديبية فقط”.
في التصريح الذي أدلى به الجنرال نزار للصحافة الجزائرية أكد أن الذي يحدث الآن هو ترجمة منحرفة للصراعات في الهرم الأعلى للسلطة الحاكمة وبين الأجنحة المتنفذة فيها، في سباق للوصول إلى الحكم في ظل المرض المزمن للرئيس وغيابه عن الساحة السياسية.
التصريح الرسمي الذي أرسله الجنرال توفيق المسؤول المباشر على الجنرال حسان يسقط التهمة الصادرة ضد هذا الأخير ويسحب الشرعية الأخلاقية والقانونية من حكم المحكمة العسكرية. ففي هذا التصريح – الوثيقة نوه الجنرال توفيق بالجنرال حسان قائلا “في ما يخص العملية التي أدين بسببها بتهمة الإخلال بالتعليمات العامة، فإنني أؤكد بأنه عالج هذا الملف باحترام المعايير وبتقديم التقارير في الوقت المناسب. بعد النتائج المرضية التي تم إحرازها في المرحلة الأولى هنأته هو ومساعديه وشجعته على استغلال كل الفرص السانحة بفضل هذا النجاح.. وبالتالي فقد سيَر هذا الملف وفق القواعد المعمول بها، أي باحترام مدونة العمل والخصوصيات التي تستوجب تسلسلا عملياتيا موصى به بشدة في الحالة المعنية”.
أما ما يتعلق بالتهمة الثانية الموجهة ضد الجنرال حسان وهي “إتلاف وثائق ذات طابع عسكري” فإن المحامي المكلف بالدفاع عنه وهو خالد بورايو نفى حقيقتها وقال “لم تكن وثائق عسكرية إطلاقا. هي خاصة بشخص العميد حسان (عبدالقادرآيت وعرابي) وصرح بذلك. والغريب في موضوع الوثائق، أنه قيل إنه تم اكتشافها في قناة للصرف الصحي ليلة 4 إلى 5 فبراير 2014”. وفضلا عن ذلك فقد نفى تهمة إتلافها لأنها “أوراق سليمة وغير مقطعة، وبيضاء ناصعة وكأنها صدرت لتوَها من المطبعة، بينما يفترض أنها قضت أياما داخل قناة للصرف الصحي».
هذه الصراعات الحادة التي تخلخل بنية الدولة تشير إلى أن الجزائر مقبلة على مرحلة خطرة لا أحد يعرف متى تنفجر بالضبط، وما هي الضريبة التي ستدفعها البلاد ولكن الوضع العام ينبئ حقا بزلزال عاصف.
*كاتب جزائري/”العرب”