كنا نود منذ مطلع القرن الواحد والعشرين أن نكتب عن جزائر جديدة، جميلة ومتصالحة مع أبنائها، ونكتب عن الجزائر التي تجمع ولا تقصي، وتحتضن أبناءها ولا تتنكر لهم، ونكتب عن العلم والفن والثقافة والرياضة، وعن النجاح والحب والاحترام والكفاءة والذكاء في الجزائر، لكننا للأسف مازلنا رهائن المواضيع نفسها، ورهائن الأفكار والمصطلحات والأسماء التي نكررها كل مرة، وكأننا من دون ماض أو حاضر، ومن دون مستقبل وآفاق تجعلنا نناقش الأفكار والمشاريع بعيدا عن الجدل العقيم الذي نخوض فيه كل يوم!
كل الجزائريين يتحدثون عن تغول رجال المال وانخفاض أسعار النفط وقيمة الدينار وتراجع المداخيل والقدرة الشرائية ومشروع قانون المالية الجديد، وكلنا يتحدث عن رحيل أو بقاء الناخب الوطني كريستيان غوركوف، كأن حياتنا متوقفة على هؤلاء، وعلى الماديات والمواقع والمناصب!
حتى المصطلحات المستعملة في الآونة الأخيرة هي نفسها التي تعود كل مرة في الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية، وكأن قاموسنا اللغوي لا يحتوي سوى كلمات الموالاة والمعارضة والاختطاف والتسويد والإقصاء والتخوين والفشل، ولم نعد نسمع عن مشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية، ولم نعد نناقش الأفكار والمشاريع، بل صرنا نركز على أصحابها وعلى النوايا، وصار مجتمعنا مقسماً بين موالاة ومعارضة عوض ان نصف الناس حسب ما يقدمونه من جهد وعطاء!
الحياة عند الآخرين ليست كل هذا الذي نكتب عنه كل يوم، والجزائر والجزائريون يستحقون منا كلاما ونقاشا من نوع آخر يقربنا ويجمعنا ويلبي حاجياتنا ويكفينا شر الحاجة التي نحن فيها اليوم.
إقرأ أيضا: الجزائر تحيل عدة مشاريع للثلاجة بسبب الأزمة الاقتصادية
نحن في أمس الحاجة للحديث عن الثقافة والفن والإبداع والفلاحة والسياحة والتربية والتعليم والصحة، والحديث عن الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والعزاب والمطلقين، وعن العلماء والمبدعين والباحثين والناجحين في مختلف المجالات. نحن بحاجة لمناقشة الأفكار والمشاريع البعيدة المدى إلى غاية 2030 وأكثر، عوض الاكتفاء بمواعيد الاستحقاقات الانتخابية التي صارت همنا الوحيد بعيدا عن كل الهموم الأخرى التي تلاحقنا!
كم هي كثيرة الفئات الاجتماعية التي تستحق منا الاعتناء بها، وكم هي كثيرة مجالات الحياة التي يمكن أن نخوض فيها لتصحيح الاختلالات ورسم معالم مستقبل أفضل لأبنائنا من دون حقد أو كراهية، ومن دون إقصاء أو تمييز، لكن للأسف لم نتخلص من تسليط الضوء على أبطال من دون بطولات، وعلى أسماء مستفزة وفاشلة وفاقدة للمصداقية والكفاءة!
أما مسؤولية هذا الحراك المتخلف الذي يخوض فيه الجميع في عصر العلوم والتكنولوجيات الحديثة والنظريات الجديدة فإنها تقع على عاتق السلطة ومؤسساتها، وعلى عاتق الإعلاميين والنشطاء والمثقفين، وحتى المواطنين العاديين الذين راحوا يبحثون عن الإثارة والمصلحة الآنية، ويخوضون في مجالات ومواضيع فكرية وعلمية من اختصاص النخبة التي غيبت عن المشهد لصالح الرديئين والفاشلين و”أصحاب الشكارة”!
*صحفي جزائري/”الشروق”