بقلم: معن البياري*
لاتوحي المؤشرات المتيسّرة لمراقبٍ من بعيد بأن الحوار الوطني الشامل الذي تنشط الحكومة الموريتانية من أجل عقده، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، سيصيب نجاحاً يخرج البلاد من الاحتقان السياسي الذي تغالبه، ذلك أن حوارات ومشاورات تمهيدية عُقدت، في الأسابيع الماضية، لم تفلح في تهيئة المناخ المناسب لنجاحه المتوخّى، فتكتل المعارضة الأبرز الذي يضم 11 حزباً وعدة نقابات، (المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة)، يتمسك بمقاطعته الحوار المرتقب، ما لم توافق الحكومة على بحث نقاط حددها في رسالةٍ معلنة. وإذ يمكن تفسير هذا المسلك باعتباره وسيلة ضغط من أجل أن يكون الحوار جدياً، وليس مهرجانياً، على ما يقول التكتل الموصوف بالراديكالية، فإن البادي أن السلطة على حماسها من أجل عقد الحوار، ولو بمن حضر، ومن دون تقديم تنازلاتٍ مسبقة، ولا سيما أن التكتل المعارض الآخر (المعاهدة من أجل التناوب السلمي)، والذي تأتلف فيه ثلاثة أحزاب، يُبدي مرونةً، بل ويتوسط بين السلطة و”المنتدى”.
ولا يملك المواطن العربي، من المشرق غير السعيد، غير دعوة الموريتانيين إلى تغليب كل أسباب الوئام والتفاهم على كل ما من شأنه توسيع الشقاق والخلاف، لكن هذا المواطن نفسه يرتاب من طرائق السلطات العربية في انتهاجها تظاهرات الحوار الوطني، الفلكلورية التفاصيل، والبعيدة عن جوهر الحقائق القائمة، وعن التحديات العويصة الماثلة قدّام الجميع. ودلّت تجارب منظورة على أن حماس السلطات المذكورة في إقامة هذا الحوار إنما للتزوّد بشرعيةٍ من الفضاء السياسي العام، الأحزاب وتشكيلات المجتمع المدني مثلاً، على خياراتها وسياساتها، باعتبارها مباركة شعبية. وتعمد السلطات العربية الحاكمة، غير الديمقراطية المرجعيات والأدوات، إلى توسل فلكلوريات الحوار الوطني المعهودة، من أجل إشاعة أجواء تنفيس احتقان داخلي في البلاد، تتنوّع مظاهره السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.
للمزيد: هل موريتانيا بلاد “الديمقراطية بلا ديمقراطيين”؟
وإذا صحّ ما نشر عن تعامل أمني شديد الفظاظة مع مظاهرةٍ سلمية أمام وزارة الصحة في نواكشوط، بادر إليها، الأربعاء الماضي، شبان موريتانيون، احتجاجاً على تقصير السلطة في معالجة أوضاع صحية مقلقة في البلاد، فإن أي حوار بين الحكومة والمعارضة سيكون مظهرياً، ولا نفع منه. وإذ تتضمن ورقة “المنتدى” المعارض إلى الحكومة مطلباً من الإدارة والمؤسسة الأمنية بأن تكون على مسافةٍ واحدةٍ من كل الفرقاء السياسيين، فإن الانطباع البديهي أن شروط الحوار الوطني الشامل الناجح ليست متحققة بالكيفية الواجبة واللازمة، لتكون استحقاقاً للنجاح المشتهى. أما إذا كان صحيحاً أن الغرض من مداولات الحوار المرتقبة هو التمهيد لـ”خريطة طريق”، تمكّن الجنرال محمد ولد عبد العزيز من تمديد ولايته الرئاسية، فإن الإخفاق المتوقع لهذا الحوار سيرتدّ على موريتانيا بما يزيد من حدة الاحتقان الواسع في البلاد، والذي لا نظن، بصدده، أن الرئيس الدوري الحالي لـ”المنتدى”، أحمد ولد داده، بالغ في قوله إن موريتانيا الآن في وضع خطير جداً، وإن أزمتها السياسية تتسع منذ انقلاب أغسطس/ آب 2008.
عرفت موريتانيا مظاهرات محدودة في أجواء ثورات الربيع العربي في العام 2011، كما شهدت في العام 2012 مظاهرات طالبت برحيل نظام ولد عبد العزيز، غير أن السلطات تمكّنت من تجاوزها، الأمر الذي تأكّد في تنظيمها الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران 2014، والتي جدد فيها الرئيس ولد عبد العزيز مكوثه في موقعه، وقد أقام فيه رئيساً في انتخابات يوليو/ تموز 2009، بعد عام من انقلاب أطاح فيه رئيساً منتخباً. وقد قاطعت عدة أحزاب وتكتلات معارضة ذينك الموسمين الاقتراعيين، وها هي ترتاب من “حوار وطني شامل”، تتجه إلى مقاطعته، ما سيعني أن الحاجة هناك إلى رعاةٍ ديمقراطيين ووطنيين لحوار وطني مغاير، هو الأكثر إلحاحاً في موريتانيا، حماها الله.
* كاتب وصحفي من الأردن/”العربي الجديد”