إذا صحت الأنباء التي تتحدث عن توقيع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (أو من يقوم مقامه) مرسوما رئاسيا في السابع والعشرين من أكتوير، بإلحاق جهاز المخابرات العسكرية، الذي يوجد على رأسه مستشار الرئيس السابق للشؤون الأمنية اللواء عثمان طرطاق (البشير)، فسنكون أمام متغير، يفتح باب التأويلات على مصراعيه. صحيح أن معظم صلاحيات الجهاز الذي تغوّل في عهد الفريق محمد مدين (توفيق) قد سحبت منه، بعضها ألغي وبعضها ألحق بهيئة أركان الجيش التي يرأسها الفريق أحمد قايد صالح، لكن الصحيح أيضا أن بقاء جهازي الأمن الداخلي والخارجي فيه، يعطي للمتحكم في هذا الجهاز ميزات قوية، لاسيما جهاز الأمن الداخلي، وهو الوضع الذي قد يلجأ الجيش مستقبلا لتغييره، بمنح جهازي الأمن الداخلي والخارجي استقلالهما، في إطار المنظومة العسكرية الشاملة، بعيدا عن التأثير والتأثر بما يجري داخل القصر الرئاسي والحياة السياسية.
هذا المتغير، إن صحت الأنباء المتداولة بشأنه، فسيعني من بين ما يعني أن الرئاسة قد قررت القيام بخطوة استباقية، تتيح لها قطع الطريق على هيئة الأركان، التي تقول تسريبات أنها بصدد استكمال هيكلة جهاز المخابرات في حلته الجديدة، لجعله جهازا محترفا لا يتدخل في الحياة السياسية، وإنما يساهم في حفظ الأمن الداخلي والخارجي للجزائر، وهي المهمة التي سيعلن عن اكتمالها قريبا، بعزل اللواء طرطاق وتعيين قادة جدد منسجمين مع “تيار الاستقلال الوطني عن النفوذ الفرنسي” في المؤسسة العسكرية، والذي يدافع البعض عن مسؤوليته عن ما يسمونه “حملة تطهير الجيش” الأخيرة.
معنى آخر لهذه التطورات، يتمثل في دخول الصراع المستتر بين الجيش والرئاسة طورا تصعيديا جديدا ينبئ بأن “حزب فرنسا” قد استشعر الخطر وقرر الذهاب بعيدا في إجراءاته المواجهة لتوجه الجيش الوطني، وهو ما قد يجر الجيش لتسريع وتيرة حملته التطهيرية، والقفز إلى الخطوة التي لطالما فضل التريث فيها: عزل الرئيس !!. فكما يعلم القاصي والداني أن الرئيس الجزائري العاجز لا يقوى على ممارسة أي من مهامه، وأن شقيقه الأصغر السعيد بوتفليقة وتحالف رجال الأعمال والسياسة المحيط به، والمشترك معه في الحفاظ على المصالح الفرنسية في الجزائر، هو من يصدر المراسيم باسمه، ويقود معركة “الوجود” بالنسبة للنفوذ الفرنسي في الجزائر. وعليه، فاستمرار يد السعيد طليقة في إصدار المراسيم باسم الرئيس، سيمكنها من أن تطال رأس الفريق قايد صالح بعد ضم جهاز المخابرات، بحجة كبر سنه وضرورة تقاعده، وإن كان ما يمنعها عن هذا الأمر حتى الساعة، كون الفريق ما هو إلا واجهة لمجموعة كبيرة من الجنرالات المشتركين في هدف التخلص من النفوذ الفرنسي، وما قد يكون لمثل هذا القرار من تداعيات مزلزلة. أما هيئة الأركان التي لم تكن ترغب في فتح معركة مباشرة مع الرئاسة قبل تمهيد الأرض، بتنظيف المؤسسة العسكرية والأمنية من جميع رجالات فرنسا فيهما، والالتفات بعدها لجهاز الأمن الوطني البعيد حتى الآن عن حملة التطهير، والذي يرأسه أحد رجالات بوتفليقة المخلصين، اللواء عبد الغني هامل، فيبدو أنها قد تجد نفسها مجبرة قريبا، على تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري، وبالتالي الإعلان عن شغور منصب الرئاسة نظرا لعجز الرئيس عن إكمال ولايته، وهو الأجراء الذي لا يتوقع أن يتم بسلاسة ودون تبعات، ربما تكون دموية- لا قدر الله-، لأنها ستعلن بدء حرب الوجود للجزائر نفسها ككيان، ولا مجال فيه لتسويات، بل نتيجة واحدة حاسمة: كيان حر مستقل أو تابع يدور في فلك فرنسا. في هذا السياق يمكن قراءة حدث عودة رجل الأعمال يسعد ربراب، بعد أن تلقى تأكيدات اللواء هامل بأنه لا وجود لأي أمر متابعة ضده، واختياره العودة مباشرة إلى معقله في منطقة القبايل، وتلك قصة أخرى.
اقرأ أيضا: هل دخل الصراع على السلطة في الجزائر منعطف الحسم: الجيش في مواجهة الرئاسة؟!!
مجمل القول، أن الأيام المقبلة ستشهد دخول الفريقين في حالة “السرعة القصوى”، والتي تتطلب كشف كل فريق عن أوراقه كاملة أمام الشعب الجزائري استقواء به وكسبا له، وستكون الغلبة لمن يستطيع منطقه أن يقنع الناس البسطاء بصدقه. الأكيد، أن أياما صعبة تنتظر الجزائر نظرا لضخامة الرهان الوطني الذي تدور حوله “معركة الاستقلال الحقيقي للجزائر”، واستعادتها لخدمة رفاه أبنائها، وكذا بالنظر إلى قوة طرفي الصراع. الأكيد أيضا، أن ضبابا كثيفا سيحيط بالمعركة في ظل الاستقطاب الطائفي المحتقن بين العرب والأمازيغ، والشعارات المتضاربة التي سيرفعها كل فريق: بين اتهامات الجيش لفريق الرئاسة بالعمالة لفرنسا، واتهام الرئاسة لقيادة الجيش بالانقلاب لدفع البلاد نحو حكم العسكر، وهو الوضع الذي يصلي كل عربي ومسلم أن يمر سريعا وبدون خسائر، لتخرج الجزائر سالمة لشعبها وأمتها.