بعد أشهر من الجدل الذي صاحب التغييرات على مستوى جهاز المخابرات العسكرية، الجهاز القوي داخل الجيش والنظام الجزائري، والتي تخللتها الإطاحة بعدد من الرؤوس قبل أن تتوج بإحالة الرأس الكبرى، الفريق “توفيق”، على التقاعد، خرجت الرئاسة الجزائرية عن صمتها لتشرح أسباب التغييرات.
بيان رئاسة الجمهورية حاول أن يضع ما يقع من تغييرات في إطار ما أسماه إعادة هندسة للجهاز منذ ربع قرن من أجل تقوية قدرات وفعالية جهاز الاستخبارات في البلاد وموائمته مع التغيرات السياسية التي شهدتها الجزائر.
بذلك يكون بيان الرئاسة لم يخرج عن ما سبق الترويج له سابقا من أطروحات لا يبدو أنه يمكن أن تنطلي على عدد من المتابعين للشأن الجزائري أو حتى الرأي العام، والتي حاولت إبعاد شبهة الصراع بين أجنحة السلطة من خلال القول بأن الأمر يتعلق بتشبيب المؤسسة العسكرية وتعزيز فعالية جهاز المخابرات وتمدين نظام الحكم في الجزائر.
ما قالته الرئاسة ردده زعيم حزب النظام (جبهة التحرير الوطني) عمار سعداني في حوار يوم أمس الخميس مع موقع TSA.
سعداني قال إن ما جاء في بيان رئاسة الجمهورية هو ما كان يقوله الحزب منذ أكثر من سنة حول التغييرات في جهاز المخابرات. تغييرات لا تعكس حسب قوله أي صراع بين دوائر السلطة وليست موجهة أي شخص بعينه، في إشارة إلى الفريق “توفيق”.
وإن كان زعيم “الأفالان” ينفي وجود صراع بين أجنحة النظام وأن تكون هاته التغييرات موجهة ضد شخص ما، إلا أن خرجته الإعلامية ضد الفريق “توفيق” العام الماضي في حوار مع ذات الموقع الإخباري كانت أبلغ دليل بالنسبة للعديد من المتابعين على وصول الصراع بين جماعة بوتفليقة ورئيس المخابرات ذروته.
الخرجة كانت شديدة اللهجة حيث تفنن سعداني في اتهام الرجل القوي والذي كان يوصف بأنه “رب الجزائر” بكونه عديم الكفاءة وبأنه فشل في حماية المنشآت النفطية من هجوم الإرهابين وفي ضمان سلامة رهبان تيبحيرين الفرنسيين وغيرها من الاتهامات.
اللغة القوية التي استعملها سعداني آنذاك جعلت العديدين يجزمون بكون الرجل “مكلف بمهمة” وبأنه ما كان ليتجرأ على مهاجمة الفريق “توفيق” لو يكن ذلك بإيعاز من أطراف أخرى داخل النظام الجزائري.
هذه التصريحات كان لها وقع القنبلة في بلد لم يكن فيه أحد يجرأ على ذكر اسم الفريق “توفيق” ناهيك عن انتقاده، يقول باحث جزائري في مقال له بأحد المواقع الفرنسية. خرجة سعداني الإعلامية ضد رئيس المخابرات، والتي جاءت متزامنة مع بداية مسلسل قص أجنحة هذا الجهاز في أعقاب الهجوم على المنشاة النفطية بعين أميناس، كانت مؤشرا على أن ساعة الحسم بالنسبة لمن كان يوصف بأنه “صانع الرؤساء” قد دقت.
إقرأ أيضا: هل تعزز الإطاحة بالجنرالات الأقوياء قبضة محيط بوتفليقة على السلطة؟
الخرجة الإعلامية لسعداني ربطها البعض بخرجة أخرى ضد شقيق الرئيس بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، من قبل ضابط المخابرات السابق هشام عبود والذي ذهب إلى حد التعريض بشقيق الرئيس في ما قال إنها ميولات جنسية شاذة لديه.
عبود، وإن كان قد نفى أن تكون خرجته ضد السعيد بوتفليقة تدخل في إطار الحرب الدائرة بين أجنحة السلطة، إلا أنها دفعت الكثيرين لوضعها في هذا السياق والحديث على أن الصراع بين الجانبين أصبح يتخذ طابع الضرب تحت الحزام.
من جهة أخرى ربط العديد من المحللين المتابعات القضائية التي طالت بدورها مقربين سابقين من الفريق توفيق، في شخص الجنرال المتقاعد “حسان” والجنرال المتقاعد حسين بالصراع بين الرئاسة ورئيس المخابرات السابق.
هذه المعطيات وغيرها تجعل من الصعب تصديق ما تقوله الرئاسة الجزائرية بكون تقزيم أهم جهاز عسكري في الجزائر خلال 25 سنة الأخيرة هو مجرد سعي حثيث لتعزيز فعالية وأداء المؤسسات الأمنية.