لا تزال قضية وزير الطاقة والمناجم الجزائري الأسبق شكيب خليل، الذي عاد إلى الجزائر من الولايات المتحدة في 20 مارس الماضي بعد أن أقام فيها منذ 2013، تتفاعل على المستويات السياسية والإعلامية والشعبية منذ اتهامه بالفساد المالي، لما كان في عام 2001 رئيسا ومديرا عاما للشركة النفطية الجزائرية العملاقة سوناطراك.
فمنذ أربعة أيام كادت زيارته للزاوية الدينية عمر بن الخطاب بمحافظة الشلف في الغرب الجزائري أن تتسبب في كارثة سياسية وذلك عندما قام الناشط السياسي ومرشح الرئاسيات السابقة رشيد نكاز وأنصاره بمحاولة الدخول إلى مقر هذه الزاوية لمنع إقامة حفل تكريم وزير الطاقة والمناجم السابق، ولكن محاولة رشيد نكاز لم تنجح جرّاء تمكّن حرس الزاوية من إخراج شكيب خليل من باب القاعة الخلفي بعد انتهاء مراسم التكريم، وبذلك أسدل الستار على هذا الحدث. والجدير بالذكر أن منظمي حفل تكريم الوزير الأسبق في هذه الزاوية لم يستدعوا الشرطة أو الدرك الوطني لمنع نكاز وأنصاره من الدخول، كما أنهم لم يلوّحوا بمتابعتهم قضائيا، ويفهم من هذا أن السلطة السياسية التي تقف وراء زيارات شكيب خليل للعديد من الزوايا الدينية في مختلف المحافظات الجزائرية أرادت أن تتفادى إعطاء هذا الحدث حجما سياسيا ضخما كي لا تحوّل رشيد نكاز إلى بطل شعبي.
لا شك أن زيارات شكيب خليل للزوايا الدينية فور عودته من الولايات المتحدة ليستقرّ في الجزائر تعني الكثير سياسيا في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها النظام الجزائري، خاصة وأنه لم يقم بمثلها عندما كان في قمة هرم السلطة، كما أن استقباله والاحتفاء به في هذه الزوايا الدينية له تأثير كبير رغم أنه ليس قطبا دينيا في الساحة الوطنية ولم تعرف عنه من قبل أيّ ميول للتصوّف أو لممارسة العبادة في المساجد. ولا شك أيضا أنه ليس بإمكانه أن يقوم بهذه الزيارات بدون إيعاز من رئاسة الجمهورية والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه.
ينبغي أن نستعرض مواقف بعض المحللين والناشطين السياسيين الجزائريين وكذلك زعماء الأحزاب المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية من زيارات شكيب خليل للزوايا الدينية وتأويلاتهم لها، لكي يتضح السيناريو الذي يرتب في الخفاء وينفذ بطرق غير مباشرة من أجل إعداد المناخ الملائم للنظام الجزائري للإعلان في المستقبل القريب عن انتخابات رئاسية مبكرة على الأرجح.
الباحث في علم الاجتماع زبير عروس صرّح لصحيفة الخبر الجزائرية أن “جولات الوزير شكيب خليل إلى الزوايا الدينية تهدف إلى تبييض سمعة الرجل، ومن خلاله تبييض سمعة النظام من تهمة الفساد المعمّم”، ورأى كذلك أن مثل هذه التحركات الدينية من طرف وزير سابق معروف بعلاقته الجيدة مع الرئيس بوتفليقة تعني “إعادة لدور الزوايا السياسي، وقد كان لها دائما دور في التاريخ السياسي الجزائري”. أما رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، فيعتقد أيضا أن مثل هذه الزيارات للزوايا من قبل وزير سابق متهم بالفساد المالي ولم يقل القضاء الجزائري بعد كلمته في هذا الموضوع، تعني أن شكيب خليل يسعى إلى تبييض ذمته. ولكن رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عبدالله جاب الله، مضى في تعليقاته إلى أبعد من كل هذه التأويلات، حيث أكد أن زيارات شكيب خليل للزوايا تهدف ظاهريا إلى تبييض صورته، أما في العمق فإن زياراته هذه للزوايا الدينية تعني تحضيره ليخلف بوتفليقة في منصب رئيس الدولة.
ويبدو أن العضو القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مقران آيت العربي قد فجّر قنبلة من العيار الثقيل في الحديث الذي أجراه معه التلفزيون التابع لمؤسسة الخبر في الأيام الماضية حينما علق عن زيارات شكيب خليل للزوايا الدينية، قائلا حرفيا بأن “الرئيس الجزائري القادم هو شكيب خليل وهذا بإيعاز من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة نفسه وفريقه في الرئاسة وكذلك مؤسسات النظام الحاكم”. وأكثر من ذلك فإن هذا الناشط السياسي الذي يعرف الكثير من التفاصيل عن الملفات الحساسة في الساحة السياسية الجزائرية قد أكد أن المقصود من تفكيك الرئيس بوتفليقة وجماعته للأجهزة الأمنية والعسكرية في الأشهر الماضية وإقالة الجنرال توفيق وعدد من كبار الضباط الأمنيين والعسكريين في أعلى هرم الدولة وتعويضهم بضباط آخرين موالين يدخل في تنفيذ مخطط إعادة ترتيب البيت السياسي والأمني الجزائري بشكل جذري، تمهيدا لقطع الطريق على جميع أشكال المعارضة الفعلية داخل الجيش وأجهزة الأمن لفسح المجال لتقديم شكيب خليل كمرشح السلطة وأحزاب الموالاة، وبهذا فإن صفقة خلافة الرئيس بوتفليقة قد حسمت وأن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون مجرد “حفل” بقفازات دينية.
إقرأ أيضا:حينما يعطي وزير العدل الجزائري الدروس دفاعا عن شكيب خليل
يمكن القول بأن سيناريو هذه الزيارات المكوكية للوزير السابق شكيب خليل للزوايا الدينية ليست فقط لكي يحصل، ومعه النظام، على صك الغفران وإنما تعني أمرين مهمين؛ أولهما يتمثل في استخدام هذه الزوايا ورمزيتها وتأثيرها وأتباعها لتوجيه ضربة للأحزاب الإسلامية التي عارضت ولا تزال تعارض ترشيح الرئيس بوتفليقة للعهدة الرابعة، وتعلن باستمرار عن شغور منصب رئيس الدولة جراء مرضه الذي أبعده عن ممارسة العمل السياسي وقيادة البلاد. وثانيهما يمكن تلخيصه في أن النظام الجزائري قد شرع في توجيه الرسائل المشفرة للأغلبية المتديَنة في الجزائر ومضمونها أن الرئيس القادم شخصية مسلمة وأن الدولة الجزائرية في ظل حكمه ستكون إسلامية دينية.
لا شك أن النظام الجزائري يعتمد على أيديولوجية الهيمنة الدينية وهو يعرف أن الزوايا الدينية الجزائرية لها تأثير في أوساط نسبة كبيرة من الشباب وفي اللعبة السياسية، وهي في آخر المطاف ليست مجرّد تنظيمات دينية بحتة ومستقلة ينحصر عملها في التعليم والإرشاد الدينيين، بل هي جزء من الآلة الأيديولوجية المركبة للنظام الجزائري وهذا ليس بخفي، فهي مدعومة ماليا ومعنويا من هذا النظام على مدى سنوات طويلة، كما أن الرئيس بوتفليقة نفسه له علاقة وطيدة بها حيث أنها لعبت طوال حكمه أدوارا حاسمة من قبيل ترشيح كثير من الشخصيات التي عينت في ما بعد في مناصب حساسة.
كاتب جزائري/”العرب”