تُشكل ظاهرة داعش وأخواتها خطراً يُهدد مصير كافة أنظمة الحكم العربية، كما يهدد رسالة الإسلام الإنسانية ومستقبل العقلانية في الوطن العربي والعالم الإسلامي بوجه عام. وفي ضوء إدراك غالبية أنظمة الحكم العربية لخطر داعش، وبسبب رد الفعل الأمريكي على ما ترتكبه تلك المنظمة من جرائم بحق الإنسانية، فإن فرصة جديدة تلوح اليوم في الأفق العربي، ربما كانت الفرصة الأخيرة، ما يستوجب قيام العرب باستغلالها لإعادة ترتيب البيت العربي على أسس سليمة قبل ان يلتهم غول داعش ما تبقى لهم من فضاء يتمتعون فيه بنوع من الأمن والحرية والاطمئنان. وسأحاول في هذه الدراسة المتواضعة التركيز على القضايا التالية: ظاهرة التطرف، التحدي الإيراني، التحالف الغربي الذي يدعي معاداته للتطرف، إسرائيل والقضية الفلسطينية، محنة العرب والإسلام، والمستقبل العربي وكيفية إدارته.
داعش والتطرف: إن التطرف الذي تمثله داعش وجبهة النصرة فكراً وممارسة موجود في التراث الإسلامي، يختفي أحياناً ويطفو على السطح أحياناً أخرى تبعاً لتغير الأحوال المعيشية ومواقف الحكومات العربية، واستقرار الأوضاع السياسية، وتطور التحديات الداخلية والخارجية. وعلى سبيل المثال، لم تقم الجماهير العربية والإسلامية برفض جرائم داعش بشكل واضح والتظاهر ضدها، كما أن أصوات الفقهاء التي أدانت أفعال داعش جاءت خافتة ومترددة. وهذا يعني أن الخلايا السرطانية للتطرف الديني تجري في عروق رجال الدين وعامة المؤمنين، ما يجعلها بحاجة لعلاج شامل يقوم باستئصال هذا المرض وحرمانه من فرصة العودة مجدداً. ومع صعوبة هذا الأمر، إلا أنه ممكن من خلال تطوير الثقافة الدينية والشعبية السائدة، وتصميم برامج إعلامية ومناهج تعليمية وتربوية هادفة، وتعميمها على كافة المستويات. ولما كانت الحكومات العربية هي التي تتحكم في كل هذه الأمور، وأن قدرتها على التحكم غير مضمونة بعد حين، فإن عليها أن تبادر برسم خطة شاملة لعلاج أمراض التطرف الديني والتشوه الثقافي والغوغائية الإعلامية وتخلف مناهج التعليم والتدريس، فأنصاف الحلول لا ترضي أحداً من الناس، سواء وقفوا على اليمين أو على اليسار، كما أنها لا تعالج مرضاً مزمناً ينخر في العظام منذ زمن طويل.
التحدي الإيراني: مما لا شك فيه أن إيران في ظل الفلسفة المهيمنة على الحكم حالياً، والتي تجمع بين الأصولية الدينية والقومية الفارسية، تشكل تحدياً للدول العربية عامة ودول الخليج العربية خاصة. لذلك من حق هذه الدول أن تبدي تخوفها من الأطماع الإيرانية التي تحاول مد نفوذها خارج حدودها ليشمل العديد من الدول العربية الخليجية وغير الخليجية. لكن مواجهة التحدي الايراني لا يمكن، ولا يجوز أن تتم من خلال تدمير بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق، لأن تدمير قطر عربي يُسهم في تراجع القوة العربية وإضعاف موقف العرب بوجه عام، ويتسبب في قتل وتهجير مئات الآلاف من الأبرياء العرب وحرمان أطفالهم من التعليم، كما أنه يؤدي إلى غياب الاستقرار والطمأنينة وانكشاف أنظمة الحكم العربية الواحد تلو الآخر. وفيما يتسبب تراجع القوة العربية في جعل عامة العرب لقمة سائغة لكل وحش طامع في خيرات بلادهم، فإن الفقر والجهل والدمار يُسهم في تعميق جذور التطرف في البنية الثقافية العربية، ويخلق عداوات بين الأنظمة والشعوب تضعف مناعة الجسم العربي ضد التحديات الحياتية بكافة أشكالها.
وهنا لا بد من التساؤل لماذا استطاعت إيران أن تستحوذ على قدرة صاروخية من إنتاجها، على الرغم من الحصار الاقتصادي والعلمي الذي يفرضه الغرب عليها، فيما فشلت مصر في تحقيق انجازات مماثلة، علماً بأن مصر تتفوق على إيران من حيث الإمكانيات البشرية، ولا تعاني من حصار اقتصادي أو علمي. وهذا يعني أن ضعف العرب يكمن أساساً في ضعف إرادة القيادات العربية على التعاون والسعي لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية. وهذا يستوجب تجميع الإمكانيات العربية وتوجيهها نحو بناء قدرة علمية واقتصادية بإمكانها توحيد مواقف الحكومات العربية، وصيانة الأمن العربي المشترك، وتوعية الشعوب العربية، وتحقيق طموحاتها في التنمية والعدالة، وتحريرها من الفقر والتخلف وفكر التطرف.
التحالف الغربي المعادي للتطرف: الدول الغربية الرئيسية التي تبدي حماسها لمواجهة التطرف بالقوة هي ستة دول: بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، استراليا، وإسرائيل؛ وهذه قوى لها مصالح وأطماع في المنطقة العربية، ولديها أقليات كبيرة من المسلمين تحتم عليها اتخاذ موقف حاسم من قضية التطرف وما يتنتج عنه من عنف وإرهاب. وهنا أود الإشارة إلى أنني سأتحدث عن النخب السياسية الحاكمة والنخب الاقتصادية المتحكمة في تلك البلاد، وليس عن الشعوب؛ لأن شعوب تلك البلاد تعاني من آفات كثيرة. ويأتي في مقدمة تلك الآفات: ارتفاع معدلات البطالة، تراجع فرص العمل والأجور، اتساع فجوتي الدخل والعلم بين الأثرياء والأقوياء من ناحية والفقراء والمستضعفين من ناحية ثانية، الخوف من تنامي دائرة الفقر، التخويف من الإرهاب، واستمرار عمليات تزييف الوعي الشعبي العام. وفيما مارست بريطانيا وفرنسا أسوأ استعمار في تاريخ البشرية كان للعرب نصيب كبير من كوارثه، فإن النخب السياسية والاقتصادية فيها لم تكن يوماً صديقاً لدولة عربية أو حاكم عربي تتعامل معه باحترام وندية، وإنما كانت دوماً عدواً لدوداً لأماني العرب في النهضة والوحدة والتقدم والخلاص من التبعية.
أما فيما يتعلق ببقية الدول التي تبدي استعدادها لمواجهة التطرف، وهي أمريكا وكندا واستراليا وإسرائيل، فهي دول تطورت عبر نظام استعماري استيطاني قام على إبادة نسبة كبيرة من سكان البلاد الأصليين، وسلب أموالهم وممتلكاتهم وحرياتهم واستعبادهم ردحاً من الزمن. إن تحالف هذه الدول يأتي اليوم نتيجة لإدراكها أنها نتاج عمليات ظالمة بحق البشرية، وأن ضمان بقائها يستوجب عليها إفقار غيرها من الشعوب والهيمنة عليها بقوة السلاح والمال. وعلى سبيل المثال، كانت كندا قبل عقدين من الزمن دولة مسالمة لا تعادي أحداً ولا يعاديها أحد، لكن النخب الحاكمة فيها والمتحكمة في مصيرها تذكرت فجأة أنها تقف في نفس الخندق الذي تقف فيه أمريكا واستراليا وإسرائيل، والذي يتحمل وزر أكبر عمليات التطهير العرقي في تاريخ البشرية. ويمكن القول باختصار إن تحالف النخب السياسية والاقتصادية المتحكمة في الدول الاستعمارية القديمة والاستيطانية الحديثة لا تعادي الإرهاب فقط، وإنما تعمل أيضاً على استغلال كافة شعوب الأرض، بمن فيها شعوب بريطانيا وفرنسا وأمريكا وكندا واستراليا وإسرائيل نفسها.
ومن أجل فهم مشاريع هذه القوى وأهدافها، علينا أن نتذكر أن أمريكا هي الجهة التي قامت بتدريب وتسليح قوى القاعدة، فيما قامت دول الخليج العربية وأثرياء النفط بتمويل عمليات التدريب والتسليح. ومع أنني لا أتعاطف مع نظام الحكم السوري ولم أكن من مؤيديه يوماً، إلا أن الحقيقة تشير إلى أن بريطانيا كانت أول من تآمر على سوريا؛ إذ قامت بتدريب فريق من العملاء والمرتزقة لغزو سوريا من الخارج في عام 2009، أي قبل الربيع العربي بعامين. ولقد قام وزير خارجية فرنسا الأسبق ميشيل دوما بالكشف عن هذا السر في مقابلات تلفزيونية أجراها بالانجليزية والفرنسية، يمكن الرجوع إليها بسهولة عبر اليوتوب. إن تعاون السعودية مع أمريكا في أفغانستان على محاربة السوفييت أعطى ميلاداً لتنظيم القاعدة الذي لم يتوقف عند حدود أفغانستان، بل تمدد إلى الجزيرة العربية والصومال وشمال إفريقيا ونيجيريا وغيرها. وهذا ما يحدث اليوم بالنسبة لداعش وأخواتها. وعلى سبيل المثال، جاء على لسان قائد أحرار الشام القول إن هدفهم هو إقامة نظام حكم إسلامي في سوريا على غرار نظام طالبنان في أفغانستان.
نشر ديفيد إغناشيوس يوم 1/10/2014 في جريدة الواشنطن بوست فحوى مقابلة أجراها مع السيد حمزة الشمالي قائد “حركة حزم”، إحدى فئات “الجيش السوري الحر”. ومما جاء في تلك المقابلة قول حمزة الشمالي “إن الشارع السوري فقد ثقته بالجيش السوري الحر، وإن السؤال الذي يوجهه السوريون لقوى المعارضة عامة هو: “هل ستجلبون لنا الفوضى أم النظام؟” ويضيف الشمالي: “إن المعارضة المعتدلة التي تدعمها أمريكا هي ضرب من الخيال إلى حد بعيد”؛ ويضيف رجل استخبارات عربية القول: “إن الجيش السوري الحر عبارة عن مافيا (عصابة إجرامية) يريد كل شخص فيها أن يكون رئيساً، وإن الشعب السوري تعب من هذه المافيا”. أما فيما يتعلق بحركة حزم، فيقول إغناشيوس، “إنها تتكون من حوالي 4200 مقاتل قامت أمريكا باختيارهم وتدريبهم وتسليحهم، وأنها تدفع لكل مقاتل 150 دولار شهرياً”. ومع أن أمريكا تدرك أنه ليس هناك إمكانية لخلق جيش معتدل، إلا أنها ما تزال تدرب وتسلح وتمول حركة حزم وغيرها، لأن الهدف الحقيقي ليس تحقيق السلام والاستقرار، أو إسقاط نظام بشار الأسد، وإنما إفشال الدولة السورية وتدمير مدنها واقتصادها، وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي لشعبها.
إن نجاح تحالف بعض الدول العربية مع قوى الاستعمار الأوروبية والأمريكية من أجل إسقاط نظام الأسد أدى حتى الآن إلى تدمير معظم المدن السورية بما فيها من تراث عربي وإسلامي، وقتل ربما ربع مليون إنسان وتشريد الملايين من السكان وحرمان ملايين الأطفال من المدارس. وعلى افتراض أن هذا التحالف سينجح في مسعاه ويُسقط نظام الأسد، فكيف يمكن أن يكون عليه الوضع بعد ذلك؟ هل سيكون الوضع أفضل مما هو عليه في العراق أو ليبيا أو الصومال؟ كم مجموعة مسلحة ستدخل حلبة الصراع على السلطة سعياً لتحقيق مصالح خاصة أو حماية نفسها مما هو أسوأ؟ وكم منظمة إرهابية جديدة ستولد في رحم المنظمات الناشطة اليوم في مجال القتل والتدمير؟ ومن أجل إعطاء فكرة عن الطرف المستفيد مما يجري في سوريا، نشير إلى تقرير صدر عن هيئة الأمم، وبالذات عن قوى حفظ السلام على حدود سوريا مع إسرائيل، يقول التقرير إن إسرائيل تقوم بمعالجة جرحى مقاتلي داعش وجبهة النصرة في مستشفياتها. وهذا يعني أن الحكام والأثرياء العرب لم يتعلموا من تجربة أفغانستان والقاعدة، وإن دول المنطقة التي تعاونت على تدريب وتسليح وتمويل قوى التدمير في سوريا لن تنجو من عواقب أفعالها وقصر نظرها وفشلها من التعلم من تجاربها، إلا إذا تداركت الأمر قبل فوات الأوان.
إسرائيل والقضية الفلسطينية: إن الحركة الصهيونية العالمية التي تقف خلف الكيان الإسرائيلي لا تشكل خطراً على فلسطين وشعبها فقط، وإنما على كافة الدول والشعوب العربية، بل وعلى الحضارة الغربية التي تحميها، وعلى الإنسانية جمعاء. إذ إن إنشاء دولة إسرائيل قام على أنقاض شعب فلسطين حيث تم تفريغ فلسطين من غالبية سكانها عام 1948 ضمن عملية تطهير عرقي بشعة جاءت بتواطئ بريطانيا وفرنسا وأمريكا. ولما كان هدف تلك الدول هو تجزئة الوطن العربي والحيلولة دون وحدة العرب ونهضتهم، فإنها استمرت في دعم إسرائيل بالمال والسلاح والدبلوماسية، واستخدامها أداة لشل قدرة العرب على تحقيق نهضة علمية وتنسيق سياسي، وبناء نظام أمن مشترك ووحدة اقتصادية.
أما فيما يتعلق بالحضارة الغربية، فإن قيام بريطانيا وفرنسا وأمريكا واستراليا وبلجيكا واسبانيا وغيرها بتغيير بعض القوانين في بلادها كي تحمي إسرائيل من الملاحقة القانونية، كان له نتائج سلبية كبيرة على مجال الحريات العامة في دول الغرب المعنية. ولقد جاء تغيير القوانين وسن الجديد منها لحماية إسرائيل من العقاب بسبب ما ترتكبه من جرائم في بلاد العرب؛ وحماية الصهيونية من الإدانة بالعنصرية، مع أنها تجمع بين العقيدة الدينية والعقيدة القومية الشوفينية. وفيما انتفض الغرب بكل قوته ليقضي على نظام صيربيا العنصري المماثل وحرمانه من التوطن في أوروبا، فإن نفس الدول الغربية تقوم اليوم بحماية العنصرية الصهيونية. ولقد تسببت الاجراءات القانونية والسياسية لحماية إسرائيل والصهيونية في تضييق مجال الحريات العامة والحريات الأكاديمية في كافة دول الغرب المساندة لإسرائيل، وحرمان الكثير من المثقفين من ممارسة البحث العلمي بموضوعية وأمانة خوفاً من فقدان الوظيفة والحرمان من النشر. أما فيما يتعلق حرية الرأي والفكر، فلا تزال في تراجع، علماً بأنه لم يعد لها وجود في أمريكا. إن الصهيونية حركة استعمارية استيطانية تستهدف الاستيلاء على مساحات كبيرة من الوطن العربي، والتحكم في حركة الأموال على مستوى العالم، واحتكار سلطة المال والتحكم في النظام الرأسمالي العالمي. وهذا يعني أن إسرائيل تعمل على تدمير الحضارة الغربية التي تقوم أساساً على فكرتي الديمقراطية والرأسمالية، ما يجعل الصهيونية خطراً يهدد أمن الإنسانية جمعاء، ومستقبل كافة الشعوب الفقيرة والثرية على السواء.
وفي ضوء تراجع مصادر القوة الذاتية لدول الغرب الاستعمارية في العقود الأخيرة، فإنها رأت ضرورة تفتيت الدول العربية إلى دويلات على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وإدخالها في حروب أهلية تدميرية تقوم بتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي للشعوب العربية، وتشويه مصداقية دينهم وتراثهم الحضاري. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإن العقل المفكر للمؤسسة العسكرية الأمريكية قام باختراع نموذج الدولة الفاشلة والعمل على تطبيقه على الأرض، وهو النموذج الذي نراه بثقله في الصومال وليبيا والسودان والعراق وسوريا واليمن. وهذا يعني أن ما يشهده الوطن العربي اليوم من حروب أهلية ودينية هو جزء من خطة استعمارية عدوانية تستهدف أولاً، وقبل كل شيء، ضمان وجود إسرائيل كقوة طاغية وطامعة على الأرض العربية، وضمان تخلف العرب وخضوعهم لهيمنة القوى الاستعمارية، وتأمين ذهاب ريع ثرواتهم النفطية لبنوك الغرب التي تسيطر عليها قوى الصهيونية العالمية.
وعلى سبيل المثال، بعد ان التزم اوباما بضرب سوريا قبل سنة تقريباً، تراجع فجأة لأنه أدرك أن تدخل أمريكا قد يؤدي إلى هزيمة النظام السوري وتوقف القتال، وهذا يتعارض مع سياسة خلق دولة فاشلة في سوريا. كما أن علينا أن نتذكر أن اوباما رفض التدخل في العراق بعد قيام قوات داعش باحتلال الموصل، لكن حين قامت داعش بالهجوم على المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في العراق، فإن اوباما امر بضرب قوات داعش فوراً، فالهدف النهائي في العراق وسوريا ليس القضاء على داعش ولا تحقيق الاستقرار، وإنما تجزئة البلدين وبقاء كل منها دولة فاشلة تسهل السيطرة عليها واستغلال مواردها. ولقد جاء في مقال كتبه ديفيد إغناشيوس يوم 3/10/2014 أن الحرب في سوريا هي حرب بالوكالة تقوم مختلف الأطراف المشاركة فيها بمحاربة إيران. وهكذا تتورط عدة دول عربية في تدمير سوريا والسكوت على ما يجري في العراق من تجزئة وجرائم بهدف احتواء إيران واضعاف نقوذها خارج حدودها.
ومما ينذر باحتمال وقوع مجازر أكبر وأبشع في السنوات القادمة أن العدو الإسرائيلي يسيطر سيطرة شبه تامة على مراكز صنع القرار الأمريكي فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ويقوم بتوظيفها لتزييف حقائق التاريخ وحمايته من طائلة القانون الدولي، وتبرير جرائمه بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني. إن أطماع إسرائيل المعلنة في برنامج الحركة الصهيونية تشمل أراضي فلسطين والأردن، وجزءاً كبيراً من العراق ومصر، وأجزاء من سوريا ولبنان، والحصول على تعويضات من عدة دول عربية، في مقدمتها مصر والعراق وسوريا والسعودية. قد يقول البعض إن إسرائيل وقعت معاهدات سلام مع مصر والأردن، لكن من يراجع مدى التزام إسرائيل بالاتفاقات التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية يدرك أن إسرائيل لا تحترم عهداً، وإن كل معاهدة كانت بمثابة هدنة مؤقتة لكسب المزيد من الوقت وحشد المزيد من القوة والانطلاق نحو تحقيق الهدف النهائي. وهذا يعني أنه لن تستطيع دولة عربية تحقيق نهضة وسلم اجتماعي واستقرار سياسي ما دام الكيان الصهيوني جاثماً على أرض فلسطين العربية.
إن سياسة الدول الاستعمارية ورسالة إعلامها الذي تهيمن عليه قوى الصهيونية العالمية استطاعت ان تقنع معظم الحكام العرب بمن فيهم حكام الشعب الفلسطيني أن إسرائيل باقية إلى الأبد. لكن الرجوع إلى التاريخ، بدءاً بالحروب الصليبية يثبت أنه لم يكن بإمكان حركة استعمارية استيطانية أن تغتصب أرض شعب وتعمر طويلاً، وتصبح جزءاً من المجتمع الذي يشغل المجال الحيوي الأكبر من حولها. ولنا في تجارب البيض في روديسيا وجنوب افريقيا، وتجربة فرنسا في الجزائر، وبريطانيا في هونج كونج، وهولندا في الجزر الأندنوسية خير مثال على ذلك. فبعد كل عمليات القتل والدمار واستعباد ملايين البشر، فإن كل تلك الكيانات الاستعمارية انتهت بالفشل، وهذا هو مصير إسرائيل، إذ إن استخدام أقصى درجات العنف ضد سكان فلسطين الأصليين لن ينتهي إلا بنهاية إسرائيل نفسها. قد يقول البعض لكن أمريكا وكندا واستراليا والبرتغال نجحت في مشاريعها الاستيطانية في العالم الجديد. هذا صحيح، ولكن لا يمكن المقارنة مع جنوب افريقيا أو إسرائيل وذلك لثلاثة عوامل رئيسية:
العامل الأول هو أن البيض الأوروبيين الذي استعمروا استراليا وأمريكا الشمالية والجنوبية وغيرها من جزر وصلوا إلى تلك البلاد مدججين بالسلاح فيما كان سكان البلاد الأصليين لا يعرفون سوى الرماح، ما جعل بإمكان الطرف الأول هزيمة الطرف الثاني وإبادته تقريباً. أما السبب الثاني فهو أن المستعمرين كانوا مسلحين بايديولوجية دينية تقول بتفوقهم على غيرهم من البشر، وأن سكان البلاد الأصليين كانوا همجيين ما يستوجب إبادتهم. أما السبب الثالث فهو أن هناك اليوم ضمير عالمي وتراث فكري ضخم يدحض هذه المقولات جميعاً ويقف ضدها بالكامل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصليبيين الذين وصلوا إلى الأرض العربية المقدسة فشلوا في استيطانها لأنهم فشلوا في التفوق على العرب بالنسبة لقضيتي نوعية السلاح وعدد السكان، وذلك على الرغم من الايديولوجية الدينية العدوانية التي تسلحوا بها.
وعلى سبيل المثال، فيما استطاع المستعمرون الييض في كندا والبرتغال إبادة معظم السكان الأصليين والتفوق عليهم عددياً، لم يكن باستطاعة المستوطنين الفرنسين في الجزائر، ولا الهولنديين في جنوب إفريقيا، ولا اليهود في فلسطين إبادة سكان هذه البلاد الأصليين والتفوق عليهم من الناحية العددية. إذ يشير آخر إحصاء نشرته جريدة هاآرتس الإسرائيلية أن سكان فلسطين يقدرون اليوم بحوالي 12 مليون نسمة، حوالي 6.1 مليون من العرب وحوالي 5.9 مليون من اليهود، علماً بأن المقارنة من المفروض أن تكون بين العرب عامة واليهود عامة، لأن فلسطين جزء من الوطن العربي ككل، وأن اليهود الذين يقومون اليوم باستعمارها واستيطان معظمها قدموا إليها من مختلف بلاد العالم. وكما أثبت العديد من علماء أمريكا المعنيين بالاستعمار الاستيطاني، فإن المستعمرين يعيشون حياتهم يعانون من الشعور بعقدة الأمن وذنب إبادة غيرهم من البشر. لكن قناعتهم بعدم القدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وخوفهم من عواقب المحاولة تجعلهم يتمسكون بما سرقوه من غيرهم، فيما يدفعهم الشعور بفقدان الامن والأمان إلى شن الحروب للدفاع عن وجودهم واثبات تفوقهم وقدرتهم على هزيمة غيرهم من شعوب فقيرة وضعيفة.
إن من حق كل حاكم ومثقف عربي أن يتخلى عن القضية الفسطينية، لكن القضية الفلسطينية لن تخرج من عقله أو ثقافته مهما فعل. فعلى الرغم من كل التطورات التي عاشتها الشعوب العربية، وكثرة الثروات التي حصلت عليها الفئات الحاكمة والمتحكمة، والحروب التي خاضتها بعض الدول والإرهاب الذي تعرضت له، والردة الثقافية التي تحمل راية الإسلام، إلا أن فلسطين وقضيتها كانت الأكثر تأثيراً في مواقف تلك الدول وسياساتها وثقافة شعوبها بدءاً بالشعر والفن، ومروراً بالفكر والعلم والتربية، وانتهاء بالغناء والرقص والمأكولات الشعبية. وفي الواقع ليس هناك موقف عربي شعبي مشترك غير فلسطين التي تشكل بكل مآسيها محور الوحدة الثقافية بين مختلف الشعوب العربية. إذ إن فشل الحكام العرب في بناء هوية وطنية تقوم على حب الوطن، جعل الهوية القائمة على العداء للصهيونية وتحرير فلسطين هي الهوية الوحيدة القادرة على تحقيق شبه اجماع شعبي في كل دولة عربية. وعلى سبيل المثال، أخبرني مسئول عراقي كبير قبل أسابيع من استيلاء داعش على الموصل أن حكومة المالكي طلبت منه التحضير لعقد مؤتمر عن فلسطين في واشنطن، ينتقل بعدها إلى بغداد. وحين سألته عن السبب، قال إن المالكي أدرك أن تبني صدام حسين للقضية الفلسطينية مكنه من تجميع كافة طوائف الشعب العراقي من حوله.
محنة الإسلام والعرب: إن الإسلام والمسلمين يواجهون اليوم محنة صعبة تشبه المحنة التي واجهتها المسيحية والمسيحيون في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر؛ وكل محنة تحتاج لحزم وحكمة ووعي. لذلك كان على قادة المسلمين من حكام وفقهاء ومثقفين أن يعترفوا أولاً أن العديد من الآيات القرآنية والكثير من الأحاديث المنسوبة للرسول عليه السلام قابلة للتأويل بطرق مختلفة تجعلها تبدو متناقضة. وهذا يعني أن كل تيار ديني قد يكون على حق، وأنه لا يوجد تيار ديني على حق دون سواه، ما يفرض على فقهاء كل تيار احترام الرأي الآخر كما فعل الأئمة في الماضي. إن تعدد التيارات الدينية التي تُكّفر بعضها البعض وتتمسك بأكثر التأويلات تشدداً يشكل بحد ذاته أخطر التحديات التي تواجه العرب في هذه المرحلة من تاريخهم. إن الفشل في التوصل لصيغة توافقية للتعايش السلمي، كما فعل المسيحيون، سيقود إلى جر الأمة العربية إلى حروب دينية دامية توصلها إلى حضيض التجزئة والتخلف والفقر. وهذا من شأنه أن يُحوّل الوطن العربي برمته إلى مرتع لعصابات مسلحة تعادي وطنها وشعبها وأمتها وثقافتها ودينها، فيما تأتمر بأوامر قوى استعمارية هي الأكثر استغلالاً وعنصرية وعداء للإسلام والمسلمين في التاريخ.
إن العرب بحاجة لموقف عقلاني يقبل التعددية الفكرية والثقافية والمذهبية داخل الإسلام وخارجه، وذلك حرصاً على مصداقية الإسلام وحرية الرأي والاجتهاد أولاً، وحفاظاً على وحدة العرب وأوطانهم من التشرذم والتمزيق ثانياً. كما أن الاعتراف بالتعددية الفكرية والثقافية والدينية والإثنية وحرية العبادة أمر لا بد منه للحفاظ على التراث العربي بشقيه الإسلامي والمسيحي، وصيانة العقل العربي من الانزلاق نحو الجنون الذي يدق على الأبواب بقوة. ومع أهمية التعددية بكافة أشكالها، إلا أن اقناع الإنسان العربي بالعودة إلى العقل والضمير يحتاج إلى أشياء تتجاوز التعددية كثيراً؛ إنه يحتاج إلى خلق ظروف حياتية جديدة تمحو من ذاكرته مآسي الوضع القائم، وتبعث فيه الأمل.
إن الشباب العربي الذي يعاني الفقر والبؤس وغياب فرص العمل والتعليم أحياناً، يجد نفسه يعيش في ظل أنظمة حكم استبدادية لا تحترم كرامته، وتقوم باغلاق الطرق أمامه، ما يجعله أمام خيارات ثلاثة لا رابع لها: القبول بحياة بائسة بلا أمل في مستقبل مزهر، فيما تزداد معرفته بأحوال أقرانه من شباب أمريكا وأوروبا وآسيا؛ أو محاولة الهجرة من الوطن والمخاطرة بحياته كي يصل إلى شواطئ أوروبا التي لا تريده، وتخشى ما يحمله في رأسه من أفكار ومعتقدات؛ أو الانضام لصفوف حركات الإسلام السياسي المتطرفة، والتحول إلى مجرم محترف باسم الدين، وذلك على أمل الشهادة والفوز بالجنة والحور العين. وفيما يتحول الشاب البائس المستسلم إلى عبء على نفسه ووطنه وجزء من طابور خامس نائم، يخسر الوطن والأمة الشاب المهاجر وما يملكه من إمكانيات عقلية ومواهب خلاقة. أما الشاب الذي يتحول إلى التطرف فيصبح إنساناً يعادي وطنه وأمته، ويعمل على تدمير بلده وتراثه الحضاري عن ايمان وقناعة.
إن العرب يدفعون اليوم ثمناً باهظاً من دمائهم وتراثهم ومالهم ومستقبلهم ومصداقية دينهم بسبب عدم اهتمام الحكام بتوعية الفرد العربي بما له من حقوق وما عليه من واجبات تجاه وطنه وشعبة وأمته. إن الجهل هو أكبر عدو للإنسان، وكل شيء إنساني في الإنسان؛ أما العدو الأكبر من الجهل فهو تلقين الفرد معلومات بوصفها حقائق وأحكام دينية تخالف مبدأ الحرية الفردية وتعطي الفرد حق فرض رأيه على غيره من الناس. ومع أن المثل العربي يقول “الجاهل عدو نفسه” إلا أن العصر الحالي جعل الجاهل عدو نفسه وأمته ووطنه وإنسانيته، لأن من يعادي نفسه يعادي أيضاً المجتمع الذي ينتمي إليه، وهو مجتمع يتسع كل يوم ليشمل الإنسانية جمعاء. إن تذمر الشباب العربي من تردي الأوضاع المعيشية، وغضبهم من الظلم والاهمال وغياب فرص العمل، وتطلعهم إلى هجرة أوطانهم، والأمل في الجنة والحور العين تُثبت أن الكبت والفقر يدفع الجاهل والمُحبط إلى التطرف، ويحوله إلى شخص مريض على استعداد للمشاركة في تعميق جراح أمته والإساءة لدينه، والإسهام في تدمير وطنه وتراثه وقتل أصدقائه وجيرانه.
إن الحل الإنساني الذي استهدى إليه المسيحيون في أوروبا بعد حوالي 80 سنة من القتل والتكفير والتدمير هو الاعتراف بكتاب مقدس واحد بوصفه مصدر الشرائع الدينية، وبحق كل تيار ديني أن يفسر ذلك الكتاب حسب فهمه له. بناء على ذلك، تم الاعتراف بأن كل شخص يؤمن بالإنجيل يُعتبر مسيحياً بغض النظر عن الطائفة الدينية التي ينتمي إليها ومدى التزامه بتعاليمها. فهل بإمكان المسلمين من العرب أن يقبلوا مبدأ تعدد الطوائف الدينية الذي أصبح حقيقة على أرض الواقع لا يمكن إنكارها؟ إن محاولة كل تيار إسلامي فرض وجهة نظره على غيره من الناس بقوة السيف لن تنجح في إعادة توحيد المسلمين أو حصول إجماع على رؤية مشتركة بالنسبة لأية قضية دينية أو غير دينية. لكن تمسك كل تيار بوجهة نظره ومحاولة فرضها على غيره من المؤكد أن ينجح في تعميق الخلافات بين المسلمين، وربما تدمير الإسلام نفسه كعقيدة ونظام حياة اجتماعي. إن استمرار الصراع بين تيارات الإسلام السياسي سوف يدفع ملايين المسلمين إلى الابتعاد عن دينهم، وقد بدأ يتحول على يد فقهاء التكفير وقطع الرؤوس وجهاد النكاح وسبي النساء من دين عدل وتسامح إلى فلسفة عنصرية لا تعترف بإنسانية الآخر، ولا حتى بحقه في الحياة.
فهل سيدفع العرب نفس الثمن الذي دفعه الأوروبيون قبل معاهدة وستفاليا التي أجبرتهم على إعادة النظر في دور الدين في الحياة العامة وإخراجه من ساحة العمل السياسي؟ هل في مقدور العرب أن يتعلموا من تجربة أوروبا التي راح ضحيتها حوالي عشرة ملايين إنسان، ويقبلوا وجود عدة تيارات دينية تتعايش جنباً إلى جنب في حالة سلم؟ ومع أن من شبه المؤكد أن تقبل أغلبية الشعوب العربية مبدأ تعددية الطوائف الدينية والثقافية وحرية العبادة والتعايش في سلام كما كان عليه الحال في معظم فترات التاريخ العربي، إلا أن أدبيات الحركات المتطرفة تشير إلى أنها تسير في اتجاه رفض التعددية وفرض الإكراه. قال الدكتور حسين مؤنس إن الإسلام “دين وأمة” وليس دين ودولة، وقال الدكتور إبراهيم الوزير إن الأمة هي الدولة، لأن الأمة هي التي تقوم بسن القوانين وتنظيم شؤون الحياة باتباع مبدأي الشورى والتشاور.
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن السبيل الوحيد لوقف الصراع والتدمير الذاتي العربي يكمن في توصل كبار فقهاء السنة والشيعة إلى اتفاق ينص على وحدانية القرآن وقدسيته، والاعتراف بشرعية الاختلاف في تفسيره وتحديد دوره في حياة الناس بعيداً عن السياسة؛ ويمكن لأية مؤسسة تحظى بمصداقية مثل منظمة الدول الإسلامية أن تبادر لدعوة كبار فقهاء المسلمين لمؤتمر يسعى للتوصل إلى توافق في الرأي. ولما كان كل فقيه يفتي في أمور الدين يوظف نفسه خليفة للخالق في الأرض من دون أن يكون لديه تفويض من الله أو من رسوله، فإن التوافق المنشود لا بد أن ينص على قيام السنة بإنشاء دار إفتاء موحدة لهم، وقيام الشيعة بإنشاء دار إفتاء موحدة لهم كذلك، مع خلق آلية للتنسيق وتعاون الدارين فيما يتعلق بالقضايا الشائكة. وهذا من شأنه إذا صفت النفوس أن يقود إلى توحيد المسلمين حول جوهر دينهم، وتخفيف حدة الصراع العقائدي الدائر في بلادهم، والعمل بهدوء على اجتثاث مسبباته على المدى الطويل؛ كما أن من شأن مثل هذا الاتفاق تخفيف حدة الخلاف بين الدول العربية وإيران، والعمل على بلورة رؤية إسلامية مشتركة تجاه معسكر القوى المعادية للعرب والمسلمين عامة.
المستقبل العربي: مع كل الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجه العرب اليوم، إلا أن بالإمكان حدوث نهضة عربية شاملة بسبب ما لدى الامة العربية من إمكانيات بشرية ومادية كبيرة، وموقع جغرافي استراتيجي، وتنوع ثقافي ومناخي وكثافة سكانية. وفي اعتقادي لا بد أن تبدأ عملية التغيير بالاتفاق على مبادئ عامة تحكم خطط الإصلاح، على أن تقوم نخبة من المفكرين الاستراتيجيين والمثقفين والاقتصاديين والسياسيين المتقاعدين والحقوقيين العرب بصياغتها والالتزام بالترويج لها والدفاع عنها بشتى الطرق في كافة المحافل العربية والدولية. وتتكون المبادئ المقترحة أساساً مما يلي:
1. الاعتراف بحرية الفكر والعبادة والتعبير عن الرأي، وشرعية التعددية الثقافية، مع الاهتمام بشكل خاص بنشر اللغة العربية وتطويرها ورفع مستوى المناهج المتعلقة بها.
2. الاعتراف بالحرية الاجتماعية والاقتصادية، وحق الشعوب في المشاركة في العملية السياسية.
3. الإقرار بأن كل دولة بحاجة لنظام اقتصادي اجتماعي جديد يحقق العدالة الاجتماعية.
4. الإقرار بأن هناك حاجة لإعادة هيكلة نظام التعليم بالتركيز على نوعية التعليم والتفكير النقدي والبحث العلمي، والعناية بالمواهب، وتحفيز عمليات الخلق والابتكار، وإعطاء أهمية خاصة للبعد التربوي، ونشر ثقافة المواطنة والتآلف بين الناس، وحل الخلافات بطرق الحوار السلمية.
5. توفير الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية والفرص التنموية لكافة أفراد الشعب بالتساوي.
6. التزام الدولة بحماية الحريات العامة والخاصة بناء على قوانين تُعاقب كل طرف يحاول تعطيل ممارسة تلك الحقوق من خلال الاعتداء على غيره من المواطنين أو تهديدهم أو ابتزازهم، خاصة القوى الدينية التكفيرية والقوى الثقافية التقليدية.
7. التزام الدولة بمحاربة الفساد بكافة أشكاله، بما في ذلك المحسوبية والعشائرية والواسطة.
8. تشجيع الشعب على النظر إلى الثقافة بوصفها كائن حي يتطور مع تطور معطيات الحياة المادية، ويتغير مع تغير الظروف الاجتماعية، ما يعني أنه ليس هناك شيء ثابت أو مقدس فيما يتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف وطرق التفكير المتوارثة.
إن مبادئ عملية الاصلاح التي ندعو لها متواضعة جداً إذا ما قورنت بما فعلته اليابان أو الصين حين قررت أن تنهض من غفوتها، كما أن الخطة المقترحة لاحقاً تقوم على التطور والتحول التدريجي وليس على الثورة وهدم ما هو قائم من ترتيبات سياسية واجتماعية. لذلك ندعو النخب العرية الحاكمة إلى أخذ زمام المبادرة وبدء عملية إصلاح وتغيير شاملة تعيد الأمل للجماهير العربية، وتستثير خيالها، وتحيي حبها للحرية والحياة وأوطانها، واحترامها لقادتها. إن لدى العرب من الأموال والموارد البشرية ما يكفي لبناء اقتصاد في عقود يضاهي اقتصاد ألمانيا الذي يعتبر من أقوى الاقتصاديات وأكثرها كفاءة وإنتاجية في العالم. لكن أصحاب الثروات من العرب يقفون حيارى أمام فرص الاستثمار في الوطن العربي الكبير بسبب انعدام الأمن والاستقرار، وشيوع الفساد على نطاق واسع، وتخلف القوانين، وانخفاض إنتاجية العامل العربي بوجه عام، فيما يقامرون بالاستثمار في دول الغرب التي تخرج من أزمة اقتصادية لتدخل أزمة أخرى. كما أن تردد المستثمرين العرب على الاستثمار في بلادهم يعود، على الأقل جزئياً، إلى ارتباطهم بقوى الرأسمالية العالمية والصهيونية التي لا تريد خيراً لشعب عربي أو حتى لطفل من أطفاله.
إن غياب المؤسسية من البلاد العربية جعل تفكير العرب أحادي الجانب، ينظر إلى الأمور من زاوية ضيقة تُخفي من الحقيقة أكثر مما تكشف بكثير، ما يجعلهم غير قادرين على استيعاب تعقيدات العصر الذي نعيش فيه، ووعي ما يشهده عالم اليوم من تغيرات ديناميكية وقضايا متشابكة. وعلى سبيل المثال، اتجه العرب خلال صراعهم مع الصهيونية إلى المقاومة المسلحة في بادئ الأمر، وحين فشلوا في كسب الحرب اتجهوا إلى المفاوضات السياسية، من دون أن يدركوا أن الحرب عمل سياسي بطريقة أخرى، وأن عزل العمل السياسي عن العمل العسكري يجعل من الصعب تحقيق الأهداف المرجوة. إذ فيما تعزز المفاوضات المقاومة المسلحة، تقوم المقاومة المسلحة بتعزيز المفاوضات من خلال زيادة الضغوط على الخصم ودفعه نحو تقديم المزيد من التنازلات. لكن العرب حين اختاروا خيار السلام مع العدو اتجهوا إلى التصرف كأنهم يعيشون شهر عسل مع عدو يضع نصب عينية استيطان المزيد من أراضيهم واستعمار كل شبر في بلادهم مستخدماً أمريكا التي استعمر عقول أبنائها واشترى ضمائر ساستها.
تحتاج الدول العربية أولاً إلى خطة عملية لوقف نزيف الدم في سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان، وتحتاج ثانياً إلى مشروع سياسي عسكري أمني يخرجها من طاحونة العنف والعنف المضاد، ويحمي فقراء الأمة العربية من المجاعة التي تهددهم، ويضمن قيام المدارس والجامعات بواجباتها التعليمية والتربوية بأمانة وإخلاص. أما على المدى الطويل، فإن البلاد العربية تحتاج إلى مشروع نهضوي شامل يقوم على أساس حوارات سياسية وفكرية بين كافة أطياف المجتمع العربي، وإشراك كافة القوى الشعبية الفاعلة في عمليات استنهاض الهمم ومواجهة تحديات العصر، وتكليف مفكري وعلماء ومثقفي هذه الأمة برسم استراتيجية تنموية تحررية إنسانية، تبني ولا تهدم، تحقق المساواة والعدالة والأمن والاستقرار. إذ في غياب مثل هذا المشروع لن تقم للعالم العربي قائمة، ولن يتحقق حلم الجماهير العربية في الحرية والنهضة، ولن تستمر دول النفط العربية بالتمتع بإيرادات النفط طويلاً.
لذلك نقترح أن تسارع الدول العربية إلى انقاذ سوريا أولاً، وذلك بتشكيل لجنة عربية تقوم بوضع خطة لحل سياسي يقوم على المشاركة بين مختلف أطياف المجتمع السوري؛ على أن تقوم اللجنة، في حال نجاحها، بالعمل على ايجاد حلول سياسية لمشاكل الصراع الدائر في ليبيا واليمن والعراق والسودان. كما أن على الدول العربية أن تقوم ثانياً بعقد مؤتمر كبير نسبياً لمفكرين استراتيجيين ومثقفين وعلماء ورجال أعمال عرب من داخل الوطن العربي وخارجه، مهمته تحديد الأخطار الداخلية والخارجية التي تحيق بالوطن العربي ككل، وتقدير الإمكانيات والفرص المتاحة التي يمكن توظيفها في عملية هادفة تفضي إلى نهضة مجتمعية، وتقييم خطورة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الداخلية التي تواجه كل قطر عربي على حدة، وإعداد استراتيجية شاملة لمواجهة تلك الاخطار والتحديات. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يشكل المؤتمر المقترح لجان عمل متخصصة تقوم بالمهام التالية:
1. حصر عناصر القوة العربية السياسية والاقتصادية والبشرية، واقتراح خطة لحشدها وتوظيفها في خدمة مصالح الأمة العربية، وإدارة علاقات العرب مع الغير من دول ومنظمات دولية.
2.تحديد معالم خطة إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي لكل قطر عربي تتلائم مع ظروفه واحتياجاته الخاصة، بشكل يضمن تكاملها مع الخطة القومية.
3. وضع استراتيجية لتحقيق وحدة عربية نهضوية، تنطلق من قاعدة اقتصادية وتأخذ بعين الاعتبار الحقائق السياسية على الأرض وخصوصية كل قطر عربي، وترمي لتحرير الوطن العربي من التبعية بكافة أشكالها الاقتصادية والعلمية والعسكرية والأمنية.
4. رسم خطة لإقامة نظام أمن عربي مشترك تكون مهمته حماية حدود الوطن العربي، والدفاع عن مصالح وسيادة كل دولة عربية، ومساعدتها على تحرير نفسها من الوصاية الأجنبية.
5. رسم خطة عمل سلمية لإيقاف المد الصهيوني وتحرير فلسطين وإقامة دولة واحدة على أرضها، تشارك فيها قوى السلام والعدل العالمية، بمن فيها القوى اليهودية المناوئة للصهيونية والعنصرية.
6. رسم خطة إعلامية لمواجهة الصهيونية وحلفائها في كافة الساحات الرسمية والشعبية في العالم.
يعيش الواقع العربي اليوم حالة فراغ لم يسبق لها مثيل؛ وهذا يعطي دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والمغرب والأردن مجتمعة فرصة هامة كي تقود العرب إلى الخروج من المأزق التاريخي الذي وضعوا أنفسهم فيه. إن الأخطار التي تحيق بالعرب شعوباً وحكاماً وأرضاً كبيرة للغاية، وإن أمن كل نظام عربي مهدد من الداخل والخارج على السواء. كما أنه لم يعد هناك أي احتمال لحل الصراع العربي الصهيوني من خلال التفاوض مع إسرائيل وأمريكا؛ فإسرائيل تريد التوسع والاستيطان والهيمنة على العرب، فيما تقوم أمريكا بدعم التوسع والاستيطان بالمال والسلاح والمعلومات الاستخباراتية عن العرب، وتعمل على تمكين إسرائيل من انتهاك القوانين الدولية وتجنب العقاب، وتعارض فكرة قيام دولة فلسطينية، ما يستوجب وضع خطة تحرير بديلة. ولقد جاءت تصريحات نتينياهو ووزير دفاعه خلال الأسبوع الأخير من شهر ايلول 2014 لتقول إن إسرائيل لن تنسحب من الضفة الغربية ولن توافق على قيام دولة فلسطينية
حين بدأت عملية الاستعداد لعقد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، أرسل الملك حسين، بناء على طلب أمريكا، السيد عدنان أبو عودة إلى واشنطن كي يجتمع مع السيد جميس بيكر وزير خارجية أمريكا، وذلك من أجل أن يُطلعه على موقف أمريكا من المباحثات. جلس أبو عودة يستمع لبيكر حتى انتهى الوقت المحدد للاجتماع من دون أن يفهم أبو عودة مغزى رسالة بيكر، وبعد تمديد اللقاء مرتين بناء على طلب أبو عوده، قال بيكر بصراحة: “إن أمريكا لا ترى أن من مصلحتها قيام دولة فلسطينية، لذلك لن تكون هناك دولة فلسطينية”. وهذا يوضح سبب مماطلة أمريكا، وقيامها بوأد كل خطوة ايجابية نحو السلام، وامتناعها عن طرح مشروع لحل سلمي. وفي غياب حل سلمي للقضية الفلسطينية لن ترى المنطقة العربية سلماً أو استقراراً، وسيخسر كل حاكم عربي يتقرب من إسرائيل ويغازلها شعبيته ومصداقيته على المستوين العربي والدولي. إن القول بأن المرحلة الحالية خطرة يستصغر فداحة الخطر، كما أن القول بأن علينا أن نسرع يقلل من أهمية السرعة. وهذا يعني أن من ينظر من الحكام العرب لهذه التحديات من زاوية مصلحية خاصة فسوف يستيقظ بعد فوات الأوان ليجد نفسه وحيداً، وقد فقد كل شيء وأصبح لا شيء، فالفرص لا تسامح مُستهتر ولا تنتظر مُغفل، والعدو لا يكترث لما يحدث لضحاياه من آلام ومآسي.
إن سياسة الدول الاستعمارية القديمة والحديثة تستهدف إضعاف مصر لكونها أقوى الدول العربية، وبالتالي حرمان الأمة العربية من قيادة فعلية، وتعطيل مشاريع التنمية في البلاد العربية عامة. فالنخب الحاكمة في الدول الاستعمارية لا تريد أن ترى العربي يقف على قدميه، لكنها لا تريده أيضاً أن يصل إلى درجة اليأس وفقدان الأمل واللجوء إلى التطرف والعنف. ولهذا سعت تلك الدول وما تزال تسعى لأن يبقى العربي طفلاً يحبو على يديه ورجليه باستطاعتها توجيهه باستخدام الجزرة والعصا، لأنه إذا وقف على رجليه فسيكون بإمكانه أن ينظر في عين المستعمر، تلك العين القبيحة التي لا ترمش خجلاً ورهبة إلا حين تقف وجهاً لوجه أمام ضحيتها.
إن تراجع القوة الاقتصادية والقدرة التنافسية لكل دول الغرب الاستعمارية تسبب في تراجع قوتها العسكرية النسبية. من ناحية ثانية، يعمل الشلل السياسي داخل أروقة صنع القرار في أمريكا على اضعاف قدرة الإدارة الأمريكية على بدء سياسة تعتمد على القتال او المال بإمكانها الاستمرار طويلاً، فأضعف حليف لأمريكا في سياستها الخارجية هو الكونجرس الأمريكي نفسه، إذ لم يعد بالإمكان الاعتماد عليه لأن مصالح أعضائه تختلف وأحياناً تتناقض مع مصالح أمريكا وشعبها. لذلك اتجهت أمريكا بالتنسيق مع غيرها من دول استعمارية إلى تبني سياسة الدولة الفاشلة لضمان سيطرتها على الدول العربية واستغلال موارد العرب وثرواتهم الطبيعية والبشرية. كما أن تلك القوى اتجهت منذ استقلال الدول العربية إلى تعطيل مشاريع التنمية في البلاد العربية بشكل عام، لأن التنمية تمكن العربي من استعادة كرامته وثقته بنفسه، والوقوف منصوب القامة واحياء تراثه العلمي والإنساني، وتجديد طموحاته الحضارية.
إن تراجع ما لدى الغرب عامة من قوة اقتصادية وعسكرية نسبية يحرمها من القدرة على حماية أي نظام عربي “حليف” يتعرض لهجوم مجموعات مسلحة مثل داعش وجبهة النصرة والقاعدة، ولنا في اليمن والعراق خير مثال على ذلك. كما أن على العرب أن يدركوا أن الإمبراطوريات التي قامت في العصور القديمة والحديثة لم تعامل دولة أخرى بوصفها حليف، فهي تنظر لكل دولة تلجأ إليها وتحتمي بها بوصفها عميل، تتعامل معه بدرجات متفاوتة من الاحترام تتناسب مع أهميته وحاجتها للخدمات التي يؤديها لها. وهذا يجعل كل دولة كبرى على استعداد للتخلي عن أي عميل إذا رأت أن مصلحتها الوطنية تتطلب ذلك، ما يجعل كل علاقة بين دولة صغيرة وأخرى كبيرة هي علاقة غير دائمة، مصيرها الزوال، خاصة وأن المصالح لا تتوقف عن التغير والتحول. وعلى من يشك في قولنا هذا أن يراجع تجارب الشعوب المختلفة مع هذه الدول الاستعمارية، فهناك تجربة الجزائر والمغرب وسوريا وفيتنام مع فرنسا، وتجربة الفلبين وفيتنام وباكستان وأفغانستان مع أمريكا، وتجربة مصر وفلسطين والصين وماليزيا مع بريطانيا.
وقبل أن نختتم هذه الدراسة نوجه للحكام العرب ثلاثة أسئلة بريئة، هدفها حثهم على التأمل.
1. ماذا كسبت كل دولة أسهمت في تدمير سوريا، وكم كسبت من حلفاء جدد لديهم الاستعداد للوقوف إلى جانبها في المسرات والمضرات؟ وكم خسرت من الأصدقاء والشعوب العربية والأموال التي كان يمكن توظيفها لاقناع الأسد بتغيير سياساته وتنمية بلاده ومشاركة السلطة مع غيره.
2. كم نصيحة سمعها حاكم عربي من بريطانيا أو فرنسا أو أمريكا أو إسرائيل وكان لها دور ايجابي في تنمية اقتصاد بلده، أو استقرار نظام حكمه، أو طمأنته واطمئنان شعبه.
3.هل اضطرار الأردن إلى التعاقد على شراء غاز من إسرائيل يصب في مصلحة أي بلد عربي خليجي او غير خليجي؟ إن شراء الغاز من إسرائيل يجعل اعتماد الأردن على إسرائيل للحصول على مصادر الماء والطاقة شبه كامل، ما يجعل الأردن تحت رحمة عدو لدود يتطلع إلى احتلال أراضيه واستيطانها؟ هل إمداد الأردن بالغاز الخليجي والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة يخدم مصالح العرب ويحافظ على استقلال الأردن ويعزز دوره في حماية الأمن العربي؟
4. ما فائدة المال الذي لا يوفر لصاحبه الشعور بالأمن والاطمئنان، ولا يجلب له حب أو احترام الغير من الناس؟ هل استثماره في تنمية البلاد العربية قد تبعد عنه خطر الحرب والتطرف؟
من ناحية ثانية، إن على من يعتقد أن لدى أمريكا رغبة في مساعدة دولة فقيرة كي تنمو وتتحرر ان يفكر في حال دول أمريكا الجنوبية وما آلت الأوضاع فيها. إذ مع أن تلك الدول تشكل بالنسبة لأمريكا أرضاً بكراً قابلة للاستثمار، وأسواقاً ذات إمكانيات كبيرة، وحديقة جميلة للمتعة والترفيه عن النفس، ومصدراً رئيسياً للجريمة والعنف والمهاجرين غير الشرعيين، إلا أن امريكا اهملت تلك القارة، بل قامت بالاسهام في انهاكها وحرمانها من فرص التنمية والنمو. وعلى من يعتقد أنني أبالغ في قولي هذا، وأن أمريكا تسعى لمساعدة دول أمريكا الجنوبية أن يلقي نظرة على ما وصلت إليه أحوال تلك الدول من فقر وبؤس وتخلف. وعلى افتراض حسن نوايا أمريكا، فإن تجربتها في أمريكا الجنوبية تثبت أنها فشلت فشلاً ذريعاً في مساعدة أية دولة على تحقيق التنمية أو الاستقرار أو التخلص من عصابات تهريب المخدرات، وما تقترفه تلك العصابات عادة من جرائم بحق الأطفال والنساء والابرياء عامة.
قال أحد المسئولين الأمريكيين قبل عقود مخاطباً اليهود في نيويورك: “إن من حق اليهود أن يعيشوا ]في أمريكا[، ولكن ليس من حقهم أن يزدهروا Jews have the right to exist, but have no right to prosper” لكن اليهود استطاعوا، على الرغم من هذا الموقف الأمريكي العنصري، أن يعيشوا ويزدهروا ويسيطروا على نشاطات حيوية في كل مجال من مجالات الحياة الأمريكية، وأن يتحكموا في مؤسسات علمية ومالية وثقافية وإعلامية وترفيهية وتعليمية كثيرة جعلتهم أهم جالية في أمريكا، وأكثر الجاليات قوة ونفوذاً من النواحي السياسية والمالية والإعلامية والثقافية والتعليمية.
واليوم، يواجه العرب نفس الموقف العنصري من النخب الحاكمة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا وإسرائيل، فهل باستطاعة العرب ان يستمروا في العيش في أوطانهم، وأن ينهضوا على أرضهم، وأن يزدهروا في بلادهم كما فعل اليهود في بلاد كانت قبل عقود لغيرهم؟ حين تصر إسرائيل على اعتراف العرب بحقها في الوجود كدولة يهودية، وتقوم كل القوى الاستعمارية بتأييد مطلبها هذا ودعمها بالمال والسلاح وتعطيل القوانين الدولية، فإن تلك الدول تقول في الواقع إنه لا يحق لغير اليهود العيش في الأرض التي يتطلع الصهاينة إلى احتلالها واستيطانها من النيل إلى الفرات.