مع انطلاق الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي بدأ سيل الوعود يتدفق على ألسنة كل رؤساء القوائم… ألسنة تعد ببحار من اللبن المصفى وبسيل من الانجازات التي ستقلب حياة التونسي رأسا على عقب… مطلقو هذا السيل من الوعود قد يكونون صادقين في وعودهم.. وقد تكون وعودهم في صميم اهتمامات وانتظارات وشواغل المواطن.. لكن هؤلاء، وفي غمرة حماسهم واندفاعهم لإقناع الناخبين وكسب أصواتهم عادة ما ينسون عنصرا جوهريا بدونه تصبح وعودهم من قبيل بيع الريح لأهل المراكب.
هذا العنصر يتمثل في الاعتمادات والامكانيات اللازم حشدها وتوفيرها لانجاز وعودهم الانتخابية.. وهي اعتمادات وموارد وامكانيات شحيحة جدا.. ولا ينتظر أن تمطر السماء ذهبا في السنوات الخمس القادمة ليتمكن هؤلاء من الوفاء بوعودهم وعهودهم.. ثم ان هؤلاء يقفزون على معطى آخر لا يقل أهمية وسيكون له دور محدد في تعديل وتائر الانجاز في الخماسية القادمة ويخصّ اهتراء هيبة الدولة وتراجع قيمة العلم وتعالي وتائر الاحتجاجات الاجتماعية.. حتى أن وزير الداخلية لم يتردد في حديثه لـ«الشروق» (انظر عدد الخميس 4-9-2014) في التأكيد مستغربا بأن عدد الاحتجاجات الاجتماعية التي تطلبت حضورا وتدخلا أمنيا قد تجاوزت التسعة آلاف في الاشهر التسعة الأولى مع أن الحكومة موعودة بهدنة اجتماعية.. فكيف سيكون الوضع اذا «شمرت» الأحزاب الخاسرة يوم غد على «سواعد الجد» وانطلقت تضع العصي في عجلات الحكومة الجديدة؟
انها مفارقات تستدعي من كل مرشحينا المحترمين والذين لا نشك في صدق نواياهم الى وضع أقدامهم على الارض… والى بلورة برامج واقتراحات عملية وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع ووفق الظروف الصعبة والدقيقة التي تمر بها البلاد.
التونسي اليوم مرعوب من تنامي ظاهرة التطرف والارهاب وهو يحتاج الى أجوبة تطفئ نيران خوفه وحيرته على مستقبله ومستقبل أبنائه.
التونسي اليوم يكتوي بنيران الأسعار… ويعاني من تدهور قدرته الشرائية ومن تعطل دواليب الاقتصاد. وهو ينتظر جرعات اكسجين تعيد له الامل المفقود.
التونسي اليوم يحنّ الى زمن الدولة القوية والأجهزة القادرة على ضبط الأمور واعادة الحياة الى نسقها العادي.. التونسي يريد القطع مع تنكيل جماعة «الترويكا» بالدولة وتلاعبهم بمقدراتها ما أوصلنا الى حافة الهاوية.. وهو ينتظر من ينتشل الدولة وينقذها من الانهيار.
التونسي يريد أن يرى بلاده تستعيد دورها ومكانتها اقليميا ودوليا.. وينتظر ساسة غير مبتدئين يقطعون مع كل الخطوات العشوائية ومع كل الهرطقات الثورجية التي عشنا الكثير من فصولها في سنوات حكم الترويكا ورئاسة المؤقت تحديدا.
تلك هي انتظارات التونسي.. وهي بسيطة في مظهرها عميقة في جوهرها.. وهي تنتظر من يلتقطها ويلتحم بها وينجح في حشد تأييد التونسيين والتونسيات حولها.
“الشروق” التونسية