محاكمة إسرائيل بين القانون والسياسة

عوضاً عن المقدمة!
مع عملية الرصاص المسكوب  أو “المنصهر” و” الثأر المبرر”(1) التي أطلقتها اسرائيل على حربها المفتوحة، تدفق الدم على جنبات الأسفلت في قطاع غزة، وتوشّحت بالموت مدينة فلسطينية جديدة مثلما حدث لمدن أخرى، وتدحرجت رؤوس الأطفال في الطرقات والملاعب والمدارس، وقفز السؤال مجدداً، خارج إطار الصراعات السياسية الفلسطينية والخلافات العربية والمشاريع والشعارات… هل هناك أمل هذه المرة في مقاضاة المرتكبين، لاسيما وأن حجم التضامن العالمي ارتفعت وتائره الى حدود كبيرة، والعالم كلّه شاهد ما ارتكب من جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين؟ ولكن ما السبيل الى ذلك وكيف يمكن جلب المتهمين الى قفص الاتهام امتثالاً لمعايير وقيم العدالة وحكم القانون الدولي؟ ثم هل اقترب الحلم من الواقع أم ثمت عقبات جدية تحول دون ذلك؟ وكيف يمكن تذليل بعض الصعوبات العملية والموانع الدولية لمقاربة العدالة؟ وبالتالي كيف يمكن بحث جدلية السياسي بالقانوني؟
 لعل ذلك كان استعادةً لم تغادرني، لاسيما منذ أكثر من ربع قرن من الزمان حين تكدّست في ذاكرتي ما ارتكبه الصهاينة في لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، خصوصاً ما حصل في صبرا وشاتيلا، حيث تم الانتقام من الفلسطينيين في مجزرة رهيبة راح ضحيتها نحو ألف مدني في ليلة قاسية ومرعبة 17-18 ايلول (سبتمبر) 1982، قتلوا بدم بارد، وهو ما ذكّرنا بمجازر دير ياسين وكفرقاسم ومدرسة بحر البقر ومعمل أبو زعبل والمجازر في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وصبرا وشاتيلا، إضافة الى قصف المفاعل النووي العراقي وقصف مقرّات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وغيرها(2).
واشتغل العقل بعد المحنة عسى أن نرتقي بمساءلة حقيقية لما حدث لا على المستوى السياسي حسب، بل على المستوى القانوني، الأمر الذي تطلّب جمع وتنسيق وتصنيف الجرائم المرتكبة، تمهيداً لتقديم المهتمين بالارتكاب الى القضاء الدولي لادانتهم كجناة يستحقون العقاب. ولم يكن الأمر مجرد رغبة فردية، لكن المبادرة اتخذت هذا الطابع، الذي كان وما يزال يحتاج الى جهد جماعي وطاقات متنوّعة ومبدعة حقوقية ودبلوماسية وقانونية واعلامية، حكومية وغير حكومية، فضلاً عن ارادة سياسية ضرورية.
وظلّت عقبات كثيرة تعترض العقل القانوني، سواءً على الصعيد السياسي أو الواقعي، لاسيما توازن القوى على المستوى الدولي ودرجة الاستعداد الكافية لخوض مغامرة من هذا العيار، يضاف الى ذلك عدم إيلاء مؤسسات المجتمع المدني ما تستحقه في الحشد والتعبئة، وبالتالي في تكوين رأي عام مساند للفكرة، فحتى الآن لم تُدرس مسألةملاحقة شارون عندما كان ينوي زيارة بروكسل، والحلقة المفقودة التي حاول بعض شخصيات المجتمع العربي استثمارها، طالما هناك تقاعساً أو نكوصاً رسمياً أو حسابات خاصة تحول دون ملاحقة المرتكبين لتقديمهم الى القضاء الدولي، خصوصاً وأن مبدأ العقوبة فردية، ولكن ذلك ضمناً سيعني تحميل اسرائيل ” أدبياً ” المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية عن كل ما حصل وما يحصل في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، لاسيما بحق السكان المدنيين الابرياء والعزّل.
وإذا كان البحث العلمي يستوجب عرض الحقائق والمعطيات الواقعية في الظرف الملموس، لكنه في الوقت نفسه وإن عاكسته الظروف والتوازنات السياسية، فإنه سيستشرف آفاق المسقبل، وإذا اعتبر البعض أن محاكمة اسرائيل أو المرتكبين باسمها حلماً بعيد المنال، فإن محاكمة مجرمي الحرب النازيين والقيادات العسكرية التي تسبّبت في الحروب والويلات في الحرب العالمية الثانية كانت هي  الأخرى، حلماً أيضاً لم يتحقق الاّ بعد هزيمة المعسكر النازي- الفاشي!
ان مشروع ” المحاكمة ” هو عمل تحضيري لسيناريو قادم سيكون ضرورياً لرؤية المستقبل بكل تضاريسه وتشابكه، وإذا كان الحديث عن الشجر حسب الشاعر والمسرحي الالماني بريخت يعتبر ” جناية”، لأنه ينبغي السكوت عن جرائم كثيرة، لهذا السبب يحق للباحث العلمي أن يحلم أيضاً، وكان الروائي الروسي مكسيم غوركي قد وصف أحد كبار القادة الثوريين في العالم، بأن نصف عقله يعيش في المستقبل، أي أن نصف تفكيره كان يسكن في الحلم، ولا يمكن لأي باحث الاّ أن يفكر بالمستقبل، والمستقبل يعني فيما يعنيهالحلم بالتغيير، والحلم هو جزء من اليوتوبيا كما نقول في الفلسفة، ولعل في كل فلسفة حلماً والاّ ستصبح يباباً…، إذاً دعونا نحلم، ولعلنا في ذلك نبحث عن الحقيقة، وعن المثل والحب والمساواة والحرية، وكان اينشتاين قد قال : المُثل التي أنارت طريقي ومنحتني المرّة بعد المرة الشجاعة لمواجهة الحياة، هي الحب والجمال والحقيقة.
قبل ربع قرن كنت حالماً أيضاً، ولعلي ما زلت ازداد توغلاً في أحلامي، فالحلم وحده هو الذي يمنحنا هذه القدرة العجيبة على التواصل، رغم كلِّ ما حصل ويحصل لنا، على المستوى العام والخاص، لكن قدرتنا على الحلم تعطينا نوعاً من الأصرار على المواصلة وثقة واطمئناناً لمواجهة التحديات ولرؤية أحلامنا وهي تتجدد على أرض الواقع، رغم أن كل ما حولنا مدعاة للتشاؤم، لكن التشاؤم لا يعني اليأس، انه يعني الاعتراف بأن التغيير ضرورة لا مفرّ منها!!
كان حلمي يتجسد في تقديم سيناريو لمحكمة القدس الدولية العليا(3)، الصورة التي كنت أراها تكبرُ كلّما توغلت اسرائيل في مشروعها العدواني- الاستيطاني الاستئصالي، الالغائي، الاحلالي. ولم تشفع الاتفاقات الفلسطينية -الاسرائيلية التي عُرفت بـ “مدريد – أوسلو” ( 1991-1993) بتخفيض سقف الحلم، بل زادته اتقاداً ويقيناً وأملاً، فكلّما اقترفت اسرائيل المزيد من الارتكابات والجرائم، كان الحلم يقترب من الواقع ويسير حثيثاً باتجاهه.
ان العدوان على غزة العام 2008-2009 وقبله العدوان على لبنان العام العام 2006، يجعل أمر ملاحقة الجناة قضائياً مشروعاً قائماً بل راهنياً وحتى البلدان العربية التي وقّعت على اتفاقيات سلام مع اسرائيل، لا ينبغي أن تصاب بالخدر، بل عليها أن تتحلى بالمزيد من اليقظة لمواجهة الاحتمالات والتحديات المختلفة، لاسيما ما تبيّته اسرائيل ازاءها وما تحضّره من عدوان عليها، خصوصاً وأن اسرائيل بؤرة للتوتر ومشروع حرب دائمة في المنطقة، الأمر الذي يتطلب تهيئة المستلزمات الضرورية للشروع بملاحقة المتهمين الاسرائيليين، ولا بدّ من الاعداد الجيد للشروع به وجعله ممكناً، من خلال دراسة الواقع السياسي والقانوني الدولي، ومن خلال بعض المستلزمات والمعطيات المتوفرة، على أمل تطويرها، الأمر الذي يتطلب معرفة دقيقة وآليات مناسبة وكفاءات قانونية ضرورية وخطة محكمة تأخذ بنظر الاعتبار الممكنات في الظرف الملموس من خلال الوثائق القانونية الدولية، لا أن نسقط الرغبات على الواقع بإرادوية مفترضة!(4)  

القانون الدولي الانساني وتصنيف الجرائم
 
يمكن تصنيف الجرائم الخطيرة والجسيمة حسب اتفاقيات جنيف الاربعة العام 1949 والبروتوكولين الملحقين بها العام 1977 الى 22 جريمة، منها:
 •     13 جريمة ورد ذكرها في المادتين 50 و53 من الاتفاقية الأولى والمادتين 44 و51 من الاتفاقية الثانية والمادة 130 من الاتفاقية الثالثة والمادة 147 من الاتفاقية الرابعة.
•         و9 جرائم وردت في البروتوكولين الملحقين، حيث تضمن البروتوكول الاول المادتين 51 و85 اعتبارها ” انتهاكات جسيمة”.
وقد اعتبرت هذه الجرائم الخطيرة والجسيمة بمثابة ” جرائم حرب” التي هي جرائم ضد قوانين وعادات الحرب وتدخل فيها:
1-      الجرائم ضد السلام.
2-      جرائم الحرب.
 3-      الجرائم ضد الانسانية.
4-      التآمر لارتكاب احدى هذه الجرائم(5).
وأوجبت اتفاقيات جنيف الاربعة وملاحقها، على الدول الموّقعة أن تعدل تشريعاتها لمعاقبة مرتكبي هذه الافعال.
 ويمكن تعداد هذه الجرائم وفقا للتصنيف المذكور (6)
 1-      القتل العمد.
 2-      التعذيب.
 3-      التجارب البيولوجية التي تُجري على الأسرى.
4-      إحداث الآم كبرى مقصودة.
5-      إيذاء خطير ضد سلامة الجسد والصحة.
 6-      المعاملة غير الانسانية (الحاطّة بالكرامة).
7-    تخريب المنشآت والممتلكات والاستيلاء عليها لأسباب لا تبررها الضرورات العسكرية.
 8-   إكراه الأشخاص على الخدمة في القوات المسلحة لدولة تعتبر عدواً لبلادهم.
9-   حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية عادلة وفقاً للمعاهدات الدولية.
 10-ترحيل أشخاص بصورة غير مشروعة.
 11-الاعتقال غير المشروع (التعسفي).
 12-أخذ الرهائن.
 13-سوء استعمال علم الصليب الأحمر وإشاراته أو الاعلام المماثلة.
 14-جعل السكان المدنيين هدفاً للهجوم.
 15-الهجوم العشوائي ضد السكان المدنيين والأعيان المدنية.
16-الهجوم ضد المرافق والمنشآت الهندسية التي تحتوي على مواد خطرة.
 17-الهجوم ضد مناطق منزوعة السلاح أو مجردة من وسائل الدفاع.
 18-الهجوم ضد أشخاص عاجزين عن القتال.
19-نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال الى الاراضي المحتلة، أو نقل سكان الاراضي المحتلة الى مناطق أخرى (حالات الاستيطان والترحيل نموذجا).
 20-التأخير في إعادة أسرى الحرب أو المدنيين الى بلدانهم.
 21-ممارسة التمييز العنصري (الابرتايد).
22-الهجوم على الاثار التاريخية وأماكن العبادة والصروح الثقافية وكل ما له علاقة بالتراث الثقافي والروحي للشعوب.  

حيثيات العدوان والجرائم الدولية!
 
خلال حرب الـ 22 يوماً ضد غزة  التي بدأت في 27 كانون الاول (ديسمبر) 2008 قامت اسرائيل بشن 2500 غارة عسكرية ضد المدنيين وإلقاء ما يزيد عن ألف طن من المتفجرات عن طريق البحر فقط، واستهدفت المدنيين بشكل عشوائي كما تعمّدت استهداف الملاجئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والمنشآت المدنية وتدمير البنية التحتية واستخدام الاسلحة المحرّمة دولياً، تلك التي عُرفت باسم ” القنابل الفسفورية”.
ولعل التصريحات الاسرائيلية الصريحة والضمنية الصادرة عن المسؤولين المتعلقة بنيّة اسرائيل في القضاء على “حماس” واستئصالها كهدف رئيسي للعدوان، ليست سوى الشروع عملياً بحرب إبادة وهي تعني: ارتكاب أي  فعل بنيّة إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية اهلاكاً كلياً أو جزئياً.
 وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم  المتحدة قراراً بتاريخ 9/9/1946 بشأن إبادة الجنس البشري، اعتبرت بموجبه كل عمل من شأنه أن يؤدي الى الابادة جريمة دولية موجهة ضد الانسانية، وهو ما اخذ به نظام محكمة نورمبرغ وأحكامها، كما وافقت الجمعية العامة على اتفاقية لتحريم ابادة الجنس البشري، تلك التي يمكن أن تحدث بصور مختلفة، كالتآمر الذي يرمي الى القضاء على جماعات وطنية، بسبب خصائص جنسية أو دينية أو لغوية أو ما شابه ذلك، وهو ما اعتمدته المحكمة الجنائية الدولية  التي تأسست في روما العام 1998 ودخلت حيّز التنفيذ العام 2002 أيضاً.
ان القانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الانساني يعتبر تلك الأعمال جرائم خطيرة سواءً ارتُكبَتْ في زمن الحرب أو زمن السلم، وقد نصّت المادة الأولى من اتفاقية تحريم ابادة الجنس البشري العام 1954 على تعهد الدول بالامتناع عن القيام بها  ومعاقبة مرتكبيها.
 ولعل القتل الجماعي الذي تعرّض له السكان المدنيون في غزة يعدّ جريمة دولية، وهو ما اعتادت اسرائيل على ممارسته بمبررات ردود الفعل إزاء أعمال المقاومة، وتحت باب الدفاع عن النفس، وهو ما بررته في عملية الرصاص المنصهر أو المسكوب، والثأر المبرر عندما اجتاحت قطاع غزة بآلة عسكرية ضخمة بعد حصار شامل لبضعة أشهر، وقبلها تطويق وحصار جزئي دام أكثر من عامين ونصف.
والابادة الجماعية وفقاً للاتفاقيات الدولية ابتداءً من الاتفاقية الدولية بخصوص منع التمييز بسبب الدين أو الجنس أو اتفاقية منع ابادة الجنس البشري في العام 1954 أو اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما العام 1998، تعني: الأعمال التي تُرتكب على أساس إبادة جماعة سلالية أو عرقية أو دينية، إبادة تامة أو جزئية، كالقتل وإلحاق الأضرار الجسدية أو النفسية وإحداث خلل عقلي أو الاخصاء أو اغتصاب الاطفال ونقلهم الى جماعات سلالية أو عرقية أخرى. ولعل التصريحات الاسرائيلية التي سبقت وهيأت لعملية اجتياح غزة استهدفت القضاء على السكان الفلسطينيين كجماعة تاريخية وسلالية بحجة اجتثاث ” حماس”.
 أما جرائم الحرب بموجب القانون الدولي الانساني وهي النوع الثاني من الجرائم  حسب تصنيف المحكمة الجنائية الدولية، فقد ارتكبت اسرائيل على نحو صارخ مختلف أصناف الجرائم الحربية، ولعل أكثر من سبعة آلاف ضحية بينهم 1232 شهيداً تؤكد ذلك وجلّهم من المدنيين. وقبل ذلك قامت بفرض الحصار ضد سكان غزة ومنعت عنهم الدواء والغذاء، وهو الأمر الذي استمر خلال فترة الحرب.
يعرّف القانون الدولي الجنائي، جرائم الحرب: بأنها الأفعال المخالفة لقوانين الحرب وأعرافها، التي يرتكبها الجنود أو الأفراد غير المحاربين التابعين لدولة العدو، كما جاء في مشروع الامم المتحدة الخاص بتقنين الجرائم التي تقع ضد سلم وأمن البشرية، وتناولت المادة الثانية عشرة الفقرة12، جرائم الحرب بالتأكيد على ” أن الأفعال المرتكبة إخلالاً بقوانين الحرب وأعرافها، تكون جرائم خاضعة لهذا التقنين.” (7)
ويمكن فيما يلي إدراج بعض الجرائم التي ارتكبها الصهاينة والتي تعتبر منافية لقوانين الحرب وأعرافها بشكل سافر، والتي تستحق العقاب.
 1-   استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، لا سيما القنابل الفسفورية.
 2-   الاعتداءات التي ترتكب بطريقة الغدر، حيث تتعارض تلك الأفعال مع اتفاقيات لاهاي وجنيف وملحقيها، اللتان حرمتا مثل تلك الأفعال. كما تحرّم الاتفاقيات الدولية، القتال أثناء وقف اطلاق النار وخلال فترات الهدنة، وهو ما لم تلتزم به اسرائيل في كل حروبها ضد البلدان العربية، ومنها حربها ضد غزة حيث واصلت عدوانها رغم قرار مجلس الأمن رقم 1860 العام 2009 القاضي بوقف القتال، وقرارها المنفرد بوقف اطلاق النار، الذي استمرت هي بخرقه رغم اعلانها، الأمر الذي يعتبر من باب الغدر الذي يعاقب عليه القانون الدولي الانساني.
 3-   الاعتداءات الموجهة ضد المدنيين والمقاتلين الذين أصبحوا في حالة عجزتمنعهم من مواصلة القتال، وقد ارتكبت اسرائيل أعمالاً بربرية منافية لقواعد وقوانين الحرب بهذا الشأن منها:
 أ‌-    مهاجمة المدنيين لاسيما الشيوخ والنساء والأطفال وقصف المنازل والمدارس والجوامع والكنائس ورياض الأطفال ومقرّات المنظمات الدولية والانسانية.
ب‌-     مهاجمة الأماكن غير المدافع عنها.
ج- ضرب الأماكن، التي تتمتع بحماية خاصة كالمستشفيات والمرافق الأثرية والمتاحف والأماكن المقدسة والمراكز الاعلامية وغيرها.
4-     قتل الرهائن، حيث تنصُّ معظم القوانين العسكرية لمختلف الدول على تحريم قتل الرهائن، كما نصت اتفاقية الصليب الأحمر لسنة 1929 على تحريم كل فعل من أفعال القصاص ضد أسرى الحرب، واعتبرت محكمة نورمبرغ، قتل الرهائن جريمة من جرائم الحرب، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قامت اسرائيل بجريمة قتل 250 رهينة في مذبحة دير ياسين و49 رهينة في مذبحة كفر قاسم ومئات من الأسرى المصريين في سيناء العام 1956 وفي العام 1967 ونحو 1000 انسان في مجازر صبرا وشاتيلا، ويعتبر قطاع غزة بكامله وجميع الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة “رهينة” وسكانها بمثابة ” رهائن”، حيث تستوجب القوانين الدولية، لاسيما قوانين الحرب والاحتلال حمايتهم والحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم، طبقاً لاتفاقيات جنيف العام 1949 وقواعد القانون الدولي الانساني.
 5-     سوء معاملة أسرى الحرب، حيث تحرّم الاتفاقيات الدولية، وبخاصة اتفاقية لاهاي العام 1907 واتفاقية جنيف العام 1906 والعام 1949 وكذلك البروتوكولين الملحقان بها العام 1977، المعاملة القاسية لأسرى الحرب . وتؤكد تلك الاتفاقيات على تحريم أي اعتداء يقع على شخصهم وشرفهم وأموالهم. كما تحرّم قتلهم وتعذيبهم أو حجزهم في أماكن غير صحية أو تشغيلهم في أعمال شاقة. ولعل هناك أمثلة كثيرة على هذا الصعيد، أهمها اختطاف رئيس البرلمان الفلسطيني الدكتور عزيز الدويكوعدد كبير من النواب والوزراء في حكومة غزة.
ان الشهادات التي قدمها المواطنون العرب الفلسطينيون واللبنانيون، أصبحت معروفة للرأي العام العالمي، لما فعله الاحتلال الاسرائيلي بحق السكان المدنيين أو الذين جرى اقتيادهم كأسرى وما تركه التعامل المخالف لقواعد القانون الدولي الانساني من نتائج وآثار لاانسانية عليهم.
6- سوء معاملة الجرحى والمرضى، فقد تضمنت الاتفاقيات الدولية وبخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949، موضوع تقديم حماية خاصة للجرحى والمرضى والمنكوبين بسبب الحرب، ولكن اسرائيل خلافاً لكل تلك الاتفاقيات، كانت تعامل الجرحى والمرضى بشكل مزرٍ، وفي أحيان كثيرة تقوم بتصفيتهم والتخلص منهم أو عدم تقديم الدواء اللازم لهم وجعلهم عرضة للهلاك، وهو ما كان صارخاً في عدوانها على غزة، خصوصاً وهي تعرف ماذا يعني اغلاق المعابر واقفال الحدود، الذي يعني موتاً بطيئاً وجماعياً، خصوصاً بقصف المستشفيات والمراكز الصحية.
أما الجرائم ضد الانسانية فهي الصنف الثالث من الجرائم حسب نظام روما، إذ لا يمكن قبول مزاعم اسرائيل بشأن مسألة الدفاع عن النفس حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تلك التي لا تنطبق عليها بتاتاً.
تعتبر جرائم الاغتيال والاسترقاق والابادة والترحيل لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية أو ما شابهها، جرائم موجهة ضد الانسانية. وقد اعتبرت هذه الجرائم دولية أيضاً.
 أما عمليات العقاب الجماعي Collective punishment لأسباب عنصرية وعرقية فهي سياسة مميزة على امتداد الدولة العبرية سواءً بحق المواطنين العرب الفلسطينيين أو سكان الاراضي العربية المحتلة. وهو ما ظهر على نحو جلي في العدوان على غزة والعمل على معاقبة السكان المدنيين على نحو جماعي بحجة صواريخ حماس والمقاومة ضدها.
 العقاب الجماعي يعني إنزال عقوبة على مجموعة من السكان الأبرياء بالرغم من علم السلطات الحاكمة أو المحتلة، ببراءة هؤلاء السكان، ولكن انتقاماً لحادث ما ضد السلطة الحاكمة أو المحتلة، قام به فرد أو بضعة أفراد سواءً لمقاومة تلك السلطة أو التصدي لقوات الاحتلال!
أما الارهاب الجماعي    Collective Terror فإن السلطات الاسرائيلية تمارسه على أوسع نطاق . فتقوم بأعمال تهديد جماعية وحملات تفتيش عشوائية لارهاب المواطنين واخراج الناس من منازلهم وسوقهم الى الساحات العامة وتعريضهم لقسوة الطبيعة وممارسة عمليات انتقام جماعية بحقهم كالتجويع، خصوصاً بفرض الحصار وقد حدث ذلك أيضاً في أثناء الاحتلال الاسرائيلي للبنان ومحاصرة مدينة بيروت وقطع التيار الكهربائي والمياه عنها وكذلك محاصرة المخيمات وتحويلها الى ما يشبه معسكرات الاعتقال، وهو ما حصل في غزة التي ارتدت ثوب الظلام وعانت من انقطاع التيار الكهربائي وشحة الغذاء والدواء والمياه.
 ان القانون الدولي الذي يحرم اعمال الاغتيال والاسترقاق والابادة والترحيل لأسباب عنصرية أو دينية أو سياسية، فإنما يستهدف حماية شخص الانسان وصيانة القيمة والمُثل العليا والمبادئ الانسانية العامة، وهو ما ذهب اليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان العام 1948، واتفاقيات جنيف الاربعة العام 1949 وملحقيها العام 1977 وما أكدّه ميثاق هيئة الامم المتحدة.
أما الصنف الرابع من الجرائم فهو يتعلق بجريمة العدوان ذاتها وخرق قواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وتهديد السلم والأمن الدوليين.(8)

اسرائيل والدفاع عن النفس !!

 أشرنا الى ما تناولته المادة السادسة من نظام محكمة نورمبرغ بشأن تعريف الجرائم الموجهة ضد السلم والأمن الدوليين. ولا بد هنا من التصدي لمزاعم وادعاءات ” اسرائيل” بشأن ” الدفاع عن النفس” مثلما تبرر الدعاية الصهيونية الديماغوجية، فحجة الدفاع عن النفس التي تتعكز عليها الصهيونية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة (المادة 51) مردودة من الاساس، لأنها لا يمكن أن تنطبق على دولة قامت أساساً على العدوان والاغتصاب مشردة شعباً بالقوة من أراضيه ومخالفة حتى تعهداتها باحترام ميثاق الامم المتحدة، التي كانت وراء تأسيسها لاسيما بصدور القرار رقم 181 العام 1947 الخاص بالتقسيم، والذي قامت اسرائيل بخرقه والتجاوز عليه، وكذلك القرار رقم 194 العام 1948 الخاص بحق العودة، ناهيكم عن قرارات مجلس الأمن رقم 242 العام 1967 والقرار رقم 338 العام 1973 بخصوص الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة. فأي قانون دولي ذلك الذي يبيح (تحت هذه الحجة الواهية) القيام بأعمال بربرية وممارسة جرائم وحشية؟
 وتذهب المادة الثانية، الفقرة الأولى، من مشروع قانون الجرائم ضد سلامة وأمن البشرية لتحرّم مثل تلك الأعمال وتعدّها بشكل صريح من قبيل الحروب العدوانية. وتقاضي اتفاقيات جنيف مجرمي الحرب ومشعلي نيرانها، باعتبارهم متسببين في إثارتها.
 ان القانون الدولي المعاصر، منذ ميثاق بريان كيلوك (ميثاق باريس العام 1928) أدان الحروب العدوانية، باعتبارها تشكّل جريمة بحق السلم والأمن الدوليين، وعليه فإن الجرائم التي سبّبها الجناة الاسرائيليون، الذين يتقلدون مناصب سياسية رفيعة (عسكرية ومدنية) أو مراكز هامة في الحياة المالية والصناعية أو الاقتصادية، يعدّون مجرمين بحق السلم والأمن الدوليين، وعلى هذا يُعتبر من مجرمي الحرب الكبار رؤوساء الدولة العبرية ورؤوساء الوزراء المتعاقبين وجميع الوزراء وكبار قادة الجيش، الذين رسموا خطط الغزو والاحتلال والاجتياح وقاموا بإشعال الحروب وممارسة العدوان.
 ان ” اسرائيل” ما تزال تتشبث بقواعد القانون الدولي التقليدي الذي كان يجيز الحق في الحرب، حيث كانت الحرب ” عملاً مشروعاً دائماً، ينطلق من حق الدولة أن تأتيه، كلما كانت مصلحتها تقتضي ذلك” واسرائيل ظلت تتمسك باعتبار الحرب وسيلة لتحقيق مكاسب اقليمية وأساساً لتعديل النظام القانوني الدولي ولفض المنازعات الدولية وهو ما يناقض صراحة التطور الذي حصل في القانون الدولي، حيث فتح مبدأ تحريم الحرب العدوانية ( منذ ميثاق بريان كيلوك) المجال امام استقرار مبدأ جديد في العلاقات الدولية، يقوم على أساس حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية.
 ولم تعد الحرب وسيلة صالحة تتوسل بها الدولة لتنفيذ سياستها القومية، وتحقيق أغراضها وأن لها ما يبررها. ولا يقيّد اللجوء اليها أي اعتبار خارج مصالحها الخاصة، لكن القانون الدولي تطور كثيراً فبدلاً من اعتبار الحرب حقاً مشروعاً أصبحت الحرب محرّمة وتشكل جريمة دولية، فلم يعد القانون الدولي “أداة لتسود به أوروبا على شعوب آسيا وأفريقيا ” كما لم يعد يقتصر على تنظيم العلاقات بين ” الدول المتحضرة” أو بلدان ” العالم المسيحي” كما كان قبل الحرب العالمية الاولى(9).
وقد شهد التطور اللاحق للقانون الدولي المعاصر، وخصوصاً في ميثاق الامم المتحدة وقرارات الجمعية العامة أهمية مبدأ تحريم الحرب العدوانية، وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، وجرى التأكيد على عدم الاعتراف بالنتائج التي يتمخّض عنها، الاستخدام غير الشرعي للقوة، وبخاصة بالنسبة لاحتلال أراضي الغير، كما تم تحميل المسؤوليات الجنائية للأفراد والحكام المسؤولين عن الجرائم التي يقترفونها بحق السلم والأمن الدوليين وبحق الانسانية.
ان ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعاصرة، لا يمكنها تبرير عدوان اسرائيل أو تدعيم وجهة نظر الفقهاء والمنظرّين الحقوقيين الاسرائيليين، الذين حاولوا أن يجدوا غطاءً قانونياً لاسرائيل بحجة الدفاع عن النفس.
فبموجب القانون الدولي المعاصر يمكن استخدام القوة بشكل شرعي وفقاً للحالات التالية:
 1-  حالة الدفاع عن النفس والاجراءات الوقائية، وهو ما حاولت اسرائيل أن تضلل الرأي العام العالمي، باستمرار تحت هذه الحجة. فماذا يقول ميثاق الامم المتحدة بشأن الدفاع عن النفس والاجراءات الوقائية؟ وهل يمكن لاسرائيل أن تستند في دعاواها الى تلك القواعد كيما تبرر عدوانها؟
 ان الاجراءات الوقائية لا يمكن استخدامها الاّ من جانب مجلس الامن الدولي، حيث تؤكد المادة التاسعة والثلاثون : ان مجلس الأمن هو الذي يحدد وجود أي تهديد للسلام وأي خرق له أو أي عمل عدواني وبالتالي فهو يوصي أو يقرر اتخاذ تدابير من شأنها صيانة السلام واعادته عند خرقه وفقاً للمادتين 41 و42. وقد حاولت الولايات المتحدة بغزوها لأفغانستان 2002 واحتلالها للعراق 2003 تبرير ذلك بحجة الدفاع عن النفس إزاء انتهاك وشيك الوقوع، الأمر الذي سوّغ لها ما أسمته بالحرب الاستباقية والوقائية، التي لا سند لها في القانون الدولي.
 أما بصدد الدفاع عن النفس، فإن المادة 51 من الميثاق تنص على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة أو تعرّضت لعدوان مسلح، وذلك لحين أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية للمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
 وتضيف المادة المذكورة، أن الاجراءات المتخذة في إطار الدفاع عن النفس تبلّغ فوراً الى مجلس الأمن على أن لا تؤثر على سلطة المجلس وواجبه في التحرك في كل وقت وبموجب احكام الميثاق وبالطريقة التي يرتئيها مناسبة.
 وهكذا يتضح ان المادة التي تتذرع اسرائيل بها لا تنطبق على الأعمال العدوانية التي قامت بها منذ تأسيسها، فهي لم تكن عرضة للعدوان في يوم من الايام لكي تدافع عن نفسها، كما أن أعمالها لم تكن ردًّا على عدوان أو هجوم مسلح، فضلاً عن أنها لم تبلّغ مجلس الأمن، ولا في أي مرة بالاجراءات التي تنوي اتخاذها، بل كانت تقوم بأعمالها ” الغادرة” بصورة مباغتة، وبهذه الطريقة دمّرت المفاعل النووي العراقي وضربت مقر م.ت.ف في تونس وتنزل طائراتها حمولاتها على رؤوس السكان العرب في غزة.
  2-     بتخويل من الجهاز الخاص للأمم المتحدة مثلما يعرض الفصلان السابع والثامن من الميثاق، أو استخدام القوة ضد دول المحور (المادة 107 من الميثاق) وهذه الحالة هي الأخرى لا تنطبق على عدوان اسرائيل المتكرر على الشعوب العربية ولا تدعم  وجهة نظرها أو تبرر غدرها.
 3-  النضال من أجل التحرر الوطني وحق تقرير المصير، حسبما تقرره مبادئ الميثاق وتعريف العدوان والاعلان عن تصفية الاستعمار وغيرها من قرارات الجمعية العامة والوثائق الدولية الأخرى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير وتكييف العدوان الاسرائيلي، بموجب هذا البند، فليست معركة اسرائيل من أجل التحرر الوطني أو حق تقرير المصير، بل من أجل التوسع والالحاق والضم والاغتصاب، وكجزء من الستراتيجية الامبريايلة- الصهيونية في المنطقة(10).
 يمكن القول أن الجرائم الاسرائيلية مكتملة مادياً ومعنوياً بالأدلة والاسانيد والقرائن والشهود والصوت والصورة، وأركان الجريمة محددة وواضحة، الأمر الذي يتطلب تحريك اجراءات رفع دعاوى ضد المسؤولين الاسرائيليين، وهو ما يدعو الدول الاعضاء في نظام روما وبدعم عربي لرفع دعوى ضد القيادات الاسرائيلية المسؤولة.
أما أهم شهود الواقع والاثبات هو الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي صرّح بعد زيارته الميدانية الى غزة في 20 كانون الثاني (يناير) 2009 بأن الجيش الاسرائيلي قد أفرط في استخدام القوة والقنابل الفسفورية.
 ولعل شهادة أطباء وخبراء منظمة الأنروا الدولية مهمة جداً، فقد كان هؤلاء الأطباء والعاملون في الاونروا على قناعة تامة بأن اسرائيل استعملت فعلاً قنابل الدمار الشامل ضد السكان المدنيين العزّل، وهو من المحرّمات في قوانين الحرب والقانون الدولي الانساني. ويمكن إضافة ما صرحت به منظمة ” أطباء  بلا حدود”  ومنظمة العفو الدولية وهما منظمتان دوليتان محايدتان حول ارتكاب اسرائيل أعمالاً منافية للقانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف، لاسيما بحق السكان المدنيين واستخدامها للقنابل الفسفورية المحرّمة دولياً.
وثائق التجريم
أما أهم الوثائق الدولية(11) التي يمكن بموجبها إحالة اسرائيل الى القضاء الدولي فهي:
1-    ميثاق بريان كيلوك (ميثاق باريس) العام 1928 الذي أدان الحرب العدوانية.
2-      ميثاق الامم المتحدة المبرم في سان فرانسيسكو  العام 1945.
3-      اتفاقية لندن العام 1945 لمحاكمة مجرمي الحرب.
4-      نظام محكمة نورمبرغ العسكرية العام 1946 .
5-      أحكام محكمتي نورمبرغ وطوكيو.
6-      اتفاقية الامم المتحدة لتحريم الاضطهاد بسبب الدين أو الجنس.
* مفكر وباحث عراقي في القضايا الستراتيجية العربية والدولية، خبير في ميدان حقوق الانسان، والقانون الدولي  له مؤلفات عديدة . مدير المركز الوثائقي للقانون الدولي الانساني .

  

اقرأ أيضا

المفتي العام للقدس يشيد بالدعم الذي يقدمه المغرب بقيادة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني

أشاد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ محمد حسين، اليوم الأحد …

المنتدى المغربي الموريتاني يرسم مستقبل تطور العلاقات بين البلدين

أشاد المنتدى المغربي الموريتاني، باللقاء التاريخي بين الملك محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ …

مكسيكو.. مشاركة مغربية في مؤتمر دولي حول حماية البيئة

شارك الأمين العام لحزب الخضر المغربي ورئيس أحزاب الخضر الأفارقة، محمد فارس، مؤخرا بمكسيكو، في مؤتمر دولي حول حماية البيئة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *