استطاع حزب العدالة والتنمية وفقًا لنتائج الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أن يشكِّل الحكومة التركية الرابعة والستين بمفرده بعد أن حامت الشكوك حول إمكانية تحقيقه لذلك إثر الانتخابات التي أُجريت في يونيو/حزيران 2015، والتي فتحت الباب أمام تشكيل حكومة انتقالية في تركيا كان من شأن تشكيلها أن يعوق خطط حزب العدالة والتنمية على جميع الصعد بما في ذلك السياسة الخارجية، وذلك بسبب الخلافات المتعلقة بشأنها بين حزب العدالة والتنمية وبقية أحزاب المعارضة.
المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب خلال العمليتين الانتخابيتين بدءًا من حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، فحزب الحركة القومية، ووصولًا إلى حزب الشعوب الديمقراطية(1).
وكانت هناك انعكاسات واضحة لنتائج انتخابات يونيو/حزيران 2015 على السياسة الخارجية التركية ظهرت على سبيل المثال من خلال الحرص على تجنُّب الخلاف مع واشنطن وفتح قاعدة “إنجرليك” أمام طيران التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وفتح ملف مباحثات إعادة العلاقات مع إسرائيل، وتهدئة أسلوب توجيه النقد للدول التي تختلف معها في المنطقة، ولكن كان واضحًا ثبات تركيا على كثير من توجهات سياستها الخارجية خاصة في المسائل المتعلقة بأمنها القومي(2).
ومع إعلان نتائج الانتخابات الجديدة ساد الحديث عن أن صانعي السياسة الخارجية التركية قد حصلوا على ثقة كبيرة وأنهم سيكونون أكثر راحة من حالهم خلال الأشهر الخمسة الماضية، وكذلك بدا أن السياسة الخارجية التركية ستستمر على نفس مساراتها التي سارت عليها خلال السنوات الأخيرة.
وقد تأكَّد استمرار تركيا على نفس مسارات السياسة الخارجية عندما أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 برنامج حكومته الجديدة أمام البرلمان(3)؛ فخلال تطرقه للسياسة الخارجية طرح داود أوغلو نقاطًا عامة للسياسة الخارجية التي ستسير عليها تركيا فيما يتعلق بأهم القضايا:
أن حكومات حزب العدالة والتنمية السابقة وضعت السياسة الخارجية التركية في مسار “المدافع عن الحق”، وأن الحكومة الحالية ستستمر في البقاء أملًا للشعوب المظلومة وسيبقى التوجه الأخلاقي في مركز سياستها.
استمرار السياسة الخارجية متعددة الأبعاد.
تعجيل عملية المواءمة مع معايير الاتحاد الأوروبي ومطالبة دول الاتحاد بالتعاطي بنفس المستوى من الصدق.
مواصلة الجهود لتحقيق تحول سياسي يسمح بإجراء عملية انتقال سياسي في سوريا.
الاستمرار في سياسة مساعدة اللاجئين السوريين والعراقيين.
العمل على إيجاد حلٍّ عادل ودائم للقضية الفلسطينية وبذل الجهد للمحافظة على قدسية المسجد الأقصى.
الاستمرار في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة كحليف في إطار الاحترام والثقة المتبادلة(4).
لكن عددًا من التطورات والمستجدات المهمة التي طرأت على الساحة الدولية والإقليمية تتقاطع فيما بينها في بعض الجوانب، سيكون لها تأثير على مسار السياسة الخارجية لتركيا. وفيما يلي سنحاول التعرف عليها ثم تناول خيارات تركيا في التعامل معها:
أولًا: الموقف الدولي من الأزمة السورية
بات من المعروف أن المطالب التركية لحل الأزمة السورية تتمثل في إقامة منطقة آمنة، وانتهاج استراتيجية شاملة تواجه نظام الأسد وتنظيم الدولة معًا، والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة دون بقاء بشار الأسد.
وما زالت تركيا تكافح وحدها تقريبًا أو بتوافق مع عدد محدود من الدول مثل السعودية وقطر دون هذه المطالب ولكن الرياح الدولية لم تأتِ كما تريد أنقرة حيث أشار البيان الختامي لمحادثات فيينا في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أن المشاركين اتفقوا على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة أشهر واجراء انتخابات خلال 18 شهرًا، وقد تم الاتفاق على بدء مفاوضات بين ممثلين عن النظام وممثلين عن المعارضة فيما لا يزال هناك اختلاف أميركي-روسي حول مصير الأسد وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الأميركي(5).
مما سبق يتضح أن كل ما تطالب به أنقرة إن لم يكن مرفوضًا من الدول الغربية، فهو مجهول أو يتم التعامل معه بغموض فلم يتم الحديث في فيينا عن المنطقة الآمنة أو عن محاربة الأسد بل إن المؤتمر الذي تلا المحادثات التي جمعت الرئيس الأميركي باراك أوباما بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة العشرين بعد محادثات فيينا أسفر فقط عن امتداح الرئيس الأميركي لموقف تركيا من التحالف ضد تنظيم الدولة ومن موقفها في عملية إيواء اللاجئين. وقد أشار الرئيس الأميركي إلى أنه بحث مع أردوغان تنسيق الجهود لمراقبة الحدود السورية-التركية لمحاصرة أنشطة تنظيم الدولة، وأن بلاده تعمل مع تركيا على الحدِّ من تدفق اللاجئين(6).
أمَّا في مسألة رحيل الأسد فقد كان الموقف الفرنسي يعد الموقف الغربي الأقرب إلى تركيا، وهو ما دلَّل عليه الفرنسيون في السابق عبر أكثر من موقف منها المؤتمر الصحفي الذي عقده وزيرا الخارجية التركي والفرنسي في أكتوبر/تشرين الأول 2014، وقد قال آنذاك وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس: إنه يجب ألا نختار بين “بربرية داعش وبربرية الأسد”، مشيرًا إلى أنه يجب تعزيز المعارضة السورية “المعتدلة” التي تواجه “داعش”(7). ومع بدايات القصف الروسي في سوريا استنكرت فرنسا الغارات الروسية بسبب أنها تدعم نظام الأسد ولا تستهدف تنظيم الدولة؛ حيث أعلنت فرنسا أنه من “الغريب” أن الضربات الجوية الروسية في سوريا لم تستهدف مقاتلي داعش(8).
ولكن بعد تفجيرات باريس بدا أن فرنسا أصبحت أقرب إلى التركيز في المواجهة مع داعش وجعلها أولويتها في المرحلة الحالية، ثم تلا ذلك التأكيد على العمل بشكل منسق بين روسيا وفرنسا في سوريا بالرغم من الخلاف حول مصير الأسد، وقد أكَّد الرئيس الفرنسي في لقائه بالرئيس الروسي، بعد محادثات في الكرملين، أنه “سيتم تكثيف الضربات ضد داعش وستكون موضع تنسيق”(9).
وفيما كانت أنقرة والرياض قد أكَّدتا قبل محادثات فيينا رفضهما لوجود الأسد في أي حلٍّ يتعلق بمستقبل سوريا فقد جاء ردُّ الفعل التركي الأوَّلي على نتائج محادثات فيينا عن طريق وزير الخارجية التركي السابق، فريدون سينيرلي أوغلو، الذي قال: إن الأسد سيسلِّم صلاحياته للحكومة الانتقالية بعد 6 أشهر من الفترة الانتقالية التي من المقرر أن تبدأ في أول يناير/كانون الثاني، وإن الأسد لن يترشح للانتخابات الرئاسية(10).
ولعل ما جعل موقف أنقرة إيجابيًّا من محادثات فيينا اعتبارها الاتفاق حلًّا سياسيًّا يمهِّد لرحيل الأسد؛ فقد وصف الرئيس التركي اتفاق فيينا الهادف إلى حلِّ الأزمة السورية بأنه خطوة مفعمة بالأمل نحو الأمام؛ “حيث إن الأسد لن يضطلع بأي دور في مستقبل سوريا”(11).
وربما ما يُطمئن الأتراك قليلًا هو أن الموقف الدولي ما زال في غالبيته يرى وجوب رحيل الأسد لكن الخلاف على توقيت رحيله وطريقة ذلك؛ فقد أكَّد الرئيسان الأميركي والفرنسي موقفهما حول وجوب “رحيل” الرئيس السوري، بشار الأسد، كجزء من حل أزمة سوريا؛ إذ قال أوباما: إن “انهيار سوريا.. بدأ في اللحظة التي بدأ فيها السيد الأسد بقتل شعبه دون تمييز”. ووافقه هولاند الرأي قائلًا: “لا يمكن أن نتخيل أن السوريين سيجتمعون حول القائد المسؤول عن مقتل أكثر من 300 ألف شخص في الماضي، في غضون سنوات قليلة”(12).
ويضاف لما سبق أن أحد أسباب تماشي الأتراك مع محادثات فيينا هو العقبات الكبيرة التي تقف أمام بدء تطبيق الاتفاق بسبب تعدد تعقيدات التفاصيل ومصالح الأطراف المتصارعة التي قد تحول دون تطبيقه، لكن الغموض الغربي والتناقض أحيانًا وتحديدًا الأميركي يبقى أحد عوامل القلق التركي، ولعل ليونة الموقف الأميركي تجاه الأسد قد بدت عبر تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يوم 4 ديسمبر/كانون الأول، عندما تحدث بشأن إمكانية تعاون قوات النظام السوري ومقاتلي المعارضة المسلحة لمواجهة تنظيم الدولة، دون حسم مسألة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة الذي لطالما تحدثت الإدارة الأميركية عن تآكل شرعيته وليس انتفاءها(13).
ثانيًا: التدخل الروسي المباشر في سوريا
شهدت السنوات الخمس الماضية خلافًا كبيرًا بين كلٍّ من روسيا وتركيا فيما يتعلق بالثورة السورية حيث وقفت روسيا في صف النظام وحاولت الدفاع عنه في المحافل السياسية الدولية وسعت لتشكيل معارضة سوريَّة وفق مزاجها فضلًا عن المساندة العسكرية واللوجستية للنظام، بينما وقفت تركيا كطرف داعم إلى جانب المعارضة السورية، ولكن مع تقدم المعارضة السورية تنامى الإحساس الروسي بتقهقر النظام في سوريا وعدم إمكانه الصمود، وفي ظل تردد الإدارة الأميركية وخلافها مع تركيا حول الحلول المستقبلية في تركيا قامت روسيا بالتدخل بشكل علني ومباشر في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2015 لدعم النظام ولكن تحت غطاء مواجهة تنظيم الدولة الذي لم ينجح التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في القضاء عليه(14).
وكان التدخل الروسي، الذي بدأ على شكل ضربات جوية على خطوط المواجهة بين قوات الأسد وقوات المعارضة، قد سُبِق بعدة خطوات، منها:
تعزيز التواجد العسكري في سوريا عبر نشر 50 طائرة مقاتلة من مختلف الأنواع.
إرسال قوات بحرية إلى قاعدتها في ميناء طرطوس.
تقديم معدات عسكرية متطورة للحكومة السورية.
تحويل مطار حميميم في منطقة جبلة إلى قاعدة عسكرية روسية ضخمة(15).
إطلاق صواريخ بعيدة المدى عبر بحر قزوين(16).
وأخيرًا، وصول منظومة صواريخ دفاعية S400 ودبابات من طرازT90 .
في هذا الوقت كانت تركيا التي تقودها حكومة مؤقتة تستعد للانتخابات البرلمانية وكانت منشغلة بالأوضاع الداخلية بشكل مكثف، وبالتأكيد فقد جاء التدخل الروسي المباشر في سوريا كعامل إرباك للحسابات التركية، خاصة أن الروس كثفوا قصفهم على المعارضة المعتدلة التي تراهن عليها أنقرة ومناطقَ التركمان الذين تعتبر أنقرة نفسها مسؤولة عن حمايتهم بحكم الرابط القومي، فضلًا عن استفزاز الطائرات الروسية للأتراك مرتين خلال أكتوبر/تشرين الأول باختراقها المجال الجوي التركي(17).
لقد حاولت تركيا التواصل مع الروس عبر الطرق الدبلوماسية والتفاهم والإقناع التي كان آخرها خلال لقاء بوتين وأردوغان على هامش قمة العشرين، ولكن أزمة إسقاط طائرة السوخوي 24 من قِبل الطائرات التركية بعد اختراق الأولى للأجواء التركية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي وقعت بعد حوالي 20 يومًا من فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات وقبل الإعلان عن الحكومة الجديدة، عملت على توسيع الفجوة بين الطرفين وجعلت المواجهة بينهما أكثر سخونة(18).
ومما يزيد من قلق أنقرة توجه الروس للانتقام عبر تعقيد المشهد في سوريا عبر عدَّة خطوات، منها على سبيل المثال: تواصل الروس مع حزب العمال الكردستاني واستخدام ورقة الكيان الكردي كعامل ضغط على أنقرة التي كانت تسخِّر كل جهدها لمنع التواصل بين الأميركان وحزب العمال الكردستاني وهذا بالتالي يقود لتحطيم آمال الأتراك بإقامة منطقة عازلة، ولعل هذا التخوف كان أحد أسباب فتح أنقرة لقواعدها العسكرية أمام التحالف قبل عدة أشهر.
وقد تمتد تداعيات الخلاف الروسي مع تركيا إلى أبعد من سوريا حيث ربما يشمل مزيدًا من التنسيق مع اسرائيل التي تربطها علاقات سيئة بأنقرة حاليًا. وفي ذات السياق، فإن موقف العراق الأخير الذي دعا تركيا إلى سحب قواتها التي دخلت بالقرب من الموصل لتدريب القوات الكردية في مواجهة داعش يمكن قراءته في سياق حالة الاستقطاب التي ظهرت بشكل أكبر بعد تشكيل التحالف الرباعي بين روسيا وإيران والعراق والنظام السوري حيث اتخذ هذا التحالف بقيادة روسيا من بغداد مقرًّا لمكتب التنسيق الاستخباري له(19).
تبقى الإشارة هنا إلى تداعيات التوتر الحالي على ملف الطاقة الذي تعتمد فيه تركيا بشكل كبير على كلٍّ من روسيا وإيران، ولعل التغيير في الوقائع والاتفاقات الحالية غير مرجح لكن الأزمة الحالية قد تعطِّل اتفاقات مستقبلية، كما أن هذا يستدعي من أنقرة التفكير بشكل أكثر جدية في البدائل خاصة في حال تصاعد الأزمة.
ثالثًا: التقارب التركي-السعودي
لعل المشهد الأكثر إيجابية بالنسبة للسياسة الخارجية التركية هو التقارب مع المملكة العربية السعودية وتطوير التنسيق بين البلدين بشكل متنامٍ منذ وصول الملك سلمان إلى سُدَّة الحكم في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد بدا أن هناك توافقًا متزايدًا فيما يتعلق بالشأن السوري من حيث دعم الفصائل السورية المسلحة وتنسيق المواقف في مؤتمر فيينا فيما يتعلق برفض وجود الأسد في أي حلٍّ سياسي فيما أيَّدت تركيا ما تقوم به السعودية في اليمن فضلًا عن وجود عناصر مشتركة كالاستياء الكبير من الدور الإيراني في المنطقة وتراجع الثقة من البلدين بالإدارة الأميركية.
وقد ظهر بعض إشارات التوافق بين البلدين في العناية التركية الكبيرة باستقبال الملك سلمان وولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، خلال حضورهم قمة العشرين في مدينة أنطاليا التركية ما بين 15 إلى 16 نوفمبر/تشرين الثاني(20).
ويمكن القول: إن العلاقات الحالية تجعل الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتوثيق التعاون بين البلدين بالإضافة إلى دولة قطر لتشكيل محور ضاغط نحو تحقيق وجهة النظر المشتركة تجاه القضايا الإقليمية، وربما تحتاج السعودية في هذا السياق إلى إقناع كلٍّ من مصر والإمارات للوقوف بجوار رؤيتها للحل في سوريا أو عدم الوقوف ضدها على الأقل ولا يبدو هذا عملًا سهلًا في ظل حرص القاهرة وأبي ظبي على وجود مسافة فاصلة بين أنقرة والرياض.
خيارات السياسة الخارجية التركية
بناء على ما سبق، يمكننا القول: إن تركيا بشكل نظري أمام عدَّة خيارات، وهي كالتالي:
أن تكتفي بعرض رؤيتها للحل وتستمر في مطالبة واشنطن بالمنطقة الآمنة مع رفض وجود الأسد وتدعو الروس والإيرانيين لعدم المُضي في سياستهم وأن تستمر في دعم المعارضة السورية سياسيًّا وعسكريًّا بنفس الأسلوب الحالي؛ وهذا غير فعَّال في ظل ما تصنعه روسيا والتحالف الدولي على الأرض من تغيير.
أن تقوم تركيا بالعمل على تنفيذ رؤيتها بشكل أحادي أو بالعمل مع أطراف محددة والقيام بتدخل عسكري موازٍ؛ مما يعني المواجهة المباشرة مع روسيا وإيران وهو خيار مستبعد في ظل الظروف الحالية، ولكن قد تضطر لاستخدامه بأشكال محدودة في حال شعرت بالخطر.
خلاصة
يُلاحَظ مما سبق أن خيارات السياسة الخارجية التركية كلها تقريبًا تأتي في سياق ردِّ الفعل وتفتقر إلى المبادرة وهي أقرب إلى المحدودية، والخيارات الفعَّالة منها تعتمد في الغالب على موقف الولايات المتحدة وحلف الناتو بناء على مصالح الأخير أو على القدرة على إقناعه من خلال الضغط أو بتوفير مزايا جديدة. قد تستفيد أنقرة من السياسة الأخلاقية التي تنتهجها على المدى البعيد لكن ما لم تقم باتخاذ إجراءات عملية مبادِرة أمام فرض الوقائع على الأرض من قِبل خصومها قد تتعرض سياستها لمزيد من التراجع وتقلُّص الفرص، ومع وجود حسابات لهذه الإجراءات العملية فإن هذا يُصعِّب من اتخاذ القرار التركي بشأنها. لذا، فإن اتخاذ هذه القرارات مرتبط بالشعور بحالة الخطر الشديد وتعرض الأمن القومي للتهديدات المباشرة. تستطيع تركيا إيجاد بدائل جيدة في مجال الاقتصاد والطاقة عن روسيا وإيران لكن هذا يشكِّل عائقًا وعنصرًا مؤخِّرًا للصعود التركي المخطط له، كما أن هذا يعني بشكل غير مباشر وجود بيئة مضطربة في ظل حاجة تركيا لتوفر الاستقرار تحديدًا في المجال الاقتصادي.
يتمثل أحد عناصر قوة السياسة الخارجية التركية في ظلِّ الظروف الحالية على قدرتها على تشكيل محور ضاغط بالتعاون مع السعودية وقطر من جهة وبدعم المعارضة السورية لتحقيق إنجازات على الأرض من جهة أخرى. ومن التحديات التي تواجه أنقرة أنه بالإضافة إلى الخلاف مع الأطراف الدولية مثل واشنطن وموسكو فإن هناك أطرافًا إقليمية تواجه الرؤى التركية؛ فدول مثل مصر والإمارات، ويضاف إليهما إيران والعراق، تختلف مع الموقف التركي-السعودي-القطري في سوريا وملفات أخرى.
المصادر والهوامش
1. نتيجة الانتخابات البرلمانية، صحيفة صباح، 2 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (1 من ديسمبر/كانون الأول 2015). http://www.sabah.com.tr/secim/1-kasim-2015-genel-secimleri
2. الرنتيسي، محمود، الانتخابات والسياسة الخارجية التركية… انعكاس النتائج، مركز الجزيرة للدراسات، 1 من يوليو/تموز 2015، تاريخ الدخول ( 5 من ديسمبر/كانون الأول 2015). http://studies.aljazeera.net/reports/2015/07/201571102910189462.htm
3. برنامج الحكومة الرابعة والستين في تركيا، موقع رئاسة الوزراء التركية، 25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول( 1 من ديسمبر/كانون الأول 2015). http://www.basbakanlik.gov.tr/docs/KurumsalHaberler/64.hukumet_programi.pdf
4. المرجع السابق.
5. اختتام محادثات فيينا وخلاف بشأن مصير الأسد، الجزيرة نت، 14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (1 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/fg1RJJ
6. أوباما: تركيا شريك فاعل ضد تنظيم الدولة، الجزيرة نت، 15 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول(1 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/JHA2pU
7. المسعودي، سعد، فرنسا وتركيا: نظام الأسد و”داعش” وجهان لعملة واحدة، العربية نت، 10 من أكتوبر/تشرين الأول 2014، تاريخ الدخول (1 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/4YbLKR
8. فرنسا تستنكر: غارات روسيا تدعم بشار الأسد، العربية نت، 1 من أكتوبر/تشرين الأول 2015، تاريخ الدخول (1 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://ara.tv/ywf5d
9. تنسيق فرنسي-روسي رغم الخلاف حول الأسد، سكاي نيوز عربية، 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (1 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/vOM2Mt
10. وزير الخارجية التركي يعلن توصُّل قمة فيينا الى اتفاق حول مصير بشار الأسد في سوريا، ديلي صباح، 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (2 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/EVYhz1
11. أردوغان: لا يمكن للأسد أن يضطلع بأي دور في مستقبل سوريا، بي بي سي عربي، 16 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (2 ديسمبر/كانون الأول 2015)،)، http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/11/151116_syria_g20_turkey
12. أوباما: من حق تركيا الدفاع عن أجوائها.. توافق مع هولاند على “وجوب” رحيل الأسد و”تدمير داعش”، سي إن إن بالعربية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (2 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://arabic.cnn.com/world/2015/11/24/obama-francois-hollande-washington
13. تقلبات واشنطن.. من الأسد إلى تنظيم الدولة، الجزيرة نت، 5 من ديسمبر/تشرين الأول 2015، تاريخ الدخول (5 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/GwAV2i
14. حدود التدخل العسكري الروسي في سوريا.. وآفاقه، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 22 من سبتمبر/أيلول 2015، تاريخ الدخول (3 من ديسمبر/كانون الأول 2015) . http://www.dohainstitute.org/file/Get/6ac2c2c8-d3b9-4bc4-89a4-86164d3cd0bb.pdf
15. ما أهداف التدخل الروسي في سوريا؟، بي بي سي عربي، 5 من أكتوبر/تشرين الأول 2015، تاريخ الدخول (3 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، إضغط هنا.
16. صواريخ من بحر قزوين توسِّع القصف الروسي بسوريا، الجزيرة نت، 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2015، (3 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/BbJa2a
17. داوود أوغلو: العمليات الروسية تخدم داعش ولا تستهدفه، ديلي صباح العربية، 2 من أكتوبر/تشرين الأول 2015، (3 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://www.dailysabah.com/arabic/arab-world/2015/10/02/davutoglu-russian-airstrikes-serves-isis
18. سوخوي 24 إسقاط طائرة وتصاعد أزمة، الجزيرة نت، 24 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (5 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/njcnxf
19. مصدر عسكري: اتفاق روسي-سوري-عراقي-إيراني على إنشاء مركز معلوماتي في بغداد لمحاربة “داعش”، روسيا اليوم، 26 من سبتمبر/أيلول 2015، تاريخ الدخول (5 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، https://goo.gl/Ey6vco
20. الملك سلمان، نتائج قمة العشرين، صحيفة الشرق الأوسط، 18 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تاريخ الدخول (5 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/s11kvz
21. كردستان العراق: القوات التركية لتدريب البشمركة، الجزيرة نت، 5 من ديسمبر/كانون الأول 2015، تاريخ الدخول (5 من ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://goo.gl/soC9m0
*باحث متخصص في الشأن التركي /مركز الجزيرة للدراسات