(رصيف 22ــ صلاح باديس )
الأنماط الموسيقية كثيرة ومتنوّعة في الجزائر، تنتشر في كلّ جهة من جهات البلاد التي تفوق مساحتها المليوني كيلومتر. هذه المساحة الكبيرة والمفتوحة على جغرافيات عديدة، بالإضافة إلى التحوّلات التاريخية التي عرفتها المنطقة، من دخول الإسلام إليها، إلى هروب الموريسكيين إلى شمال أفريقيا من الأندلس، وفترة حكم العثمانيين، جعلت هذا التنوّع الموسيقي ممكناً.
تطوّرت هذه الأنماط بمرور الوقت وتراكم التجارب، لكن كل مجموعة منها كما نعرفها اليوم تعود إلى لون موسيقي واحد. فالغناء الأندلسي مثلاً تتفرّع منه كل الأنماط الكلاسيكية في الحواضر الكبرى: “الحَوزي” و”الغرناطي” في مدينة تلمسان الحدودية مع المغرب، “الصنعة” في العاصمة وضواحيها، والمالوف في قسنطينة.
أمّا في غرب البلاد، فينتشر الشعر الملحون الذي ترافقه آلتي القصبة والبندير وكان يقال في المناسبات قديماً، وقد تفرّع منه الغناء “البدوي” و”الوهراني” كما، “الراي” في بداياته، عندما كان مؤدوه يسمّون الشيوخ (مثل الشيخة الريميتي)، قبل أن تأتي في السبعينيات من القرن الماضي مرحلة الشباب (الشاب خالد والشاب مامي). ومع تعدد هذه الأنماط وتنوعها، نذكر تلك التي خرجت إلى العالمية منذ عقود من الزمن.
الطابع الأمازيغي:
تتفرّع من هذا الطابع أنواع كثيرة، تعتمد على النصوص القديمة باللّغة الأمازيغية. أبرز هذه الأنواع الأغنية القبائلية التي يمثّلها فنّانون كبار بدأوا مسيرتهم قبل منتصف القرن العشرين، أمثال “الشيخ الحسناوي”، و”سليمان عازم”، و”شريفة”… وأخرجوا الأغنية والنصوص القبائلية من القرى والجبال وحكايات الجدّات إلى الإستديوهات. اليوم، برزت أسماء كبيرة على الساحة الفنية، وباتت تتمتع بسمعة عالمية .
هنالك أيضاً في مجال الأغنية الشاوية، (نسبة إلى المنطقة التي تحيط بجبال الأوراس شرق البلاد) “عيسى الجرموني” و”حدّة بقار” .
الطابع الشعبي:
تأسّست موسيقى الشعبي في أربعينيات القرن الماضي على يد الحاج العنقى، في مدينة الجزائر، العاصمة. وهي مزيج من الموسيقى الأندلسية التي كانت تغنى في سهرات خاصة وفي أعراس أبناء بعض العائلات الكبرى، مع المدائح النبوية، أولى تجارب الموسيقى الأمازيغية، كما بعض التقاليد الموسيقية في التراث الجزائري.
صنع العنقى لنفسه لوناً جديداً موجّهاً للشعب، وافتتح سنة 1947 كونسرفاتوار لتعليم موسيقاه. ومنذ ذلك الحين تطوّر الشعبي، مروراً بأسماء كثيرة:
الراي:
تعود أصول الراي إلى الغناء البدوي في غرب المغرب العربي، علماً أن شكله الذي قُدّم به للعالم منذ سنوات ليس إلاّ اندماج ألوان موسيقية عدة. قبل أن تنطلق مرحلة “الشباب” في الراي في سبعينيات القرن الماضي مع المغني الحامل لقب “الشاب”، كان مغنّو الراي يلقبون بالشيوخ. ومع موت الرئيس بومدين نهاية السبعينيات وظهور جيل جديد من مغنيي الراي، تغيّرت نظرة النظام إلى الراي على أنّه طابع موسيقي “يخدش الحياء” ويؤدى في الكباريهات فقط، ووصلت مجموعة من الشباب (صحراوي، فضيلة، خالد، مامي، حسني، الزهوانية) إلى الإذاعة والتلفزيون والحفلات، قبل أن ينطلقوا إلى العالمية عبر إستديوهات باريس ولندن. أمّا اليوم فالراي يعيش مرحلة مخاض، مستمرة منذ مطلع الألفية الثالثة، قد تبعث فيه روحاً جديدة ونجوماً جدداً، أو تدفعه إلى الأفول.
الديوان أو القناوة:
يعود أصل هذا الطابع الغنائي إلى الأفارقة الذين جُلبوا من وسط أفريقيا إلى الشمال كـ«عبيد»، واستقروا في المنطقة التي تقع بين المغرب والجزائر اليوم، ويعرفون بعائلات “القناوة”. في مناطق مثل بشار والنعامة وتندوف، يطلق على هذا النوع الغنائي “الديوان”، ويسمّى أيضاً الـ«ڨناوة»، على غرار تسميته في المغرب. منذ أن وصل الأفارقة إلى الشمال قبل قرون إلى اليوم، اختلطت موسيقاهم بالموسيقى الصوفية أو موسيقى “الموالد” مثلما تسمى في مصر. لكن مع ازدهار السيّاحة في المنطقة الصحراوية، خرج النمط القناوي أو الديوان إلى العالمية، وشكّل ثقافة كاملة من لباس، وآلات موسيقية (الڨمبري)، ولغة وطريقة عيش.
الترقي:
أصل الكلمة من التوارق أو الطوارق، وهو نمط موسيقي يغنّى في جنوب الجزائر (اليزي، تمنراست…). ويتميّز بعزف المرأة على الآلات الموسيقية، وأشهرها التندي، في حين ينشد الرجال الأغاني باللغة الترقية الأمازيغية.
كن هذا النمط تطوّر في الثمانينيات في منطقة الساحل التي تضمّ قبائل (مالي، النيجر، ليبيا، الجزائر) عندما شهدت مواجهات مع النظام، ونشأت فيها حركات انفصالية تطالب بالاستقلال أو الحكم الذاتي، وترفض الأوضاع المترديّة والفقر والبطالة. ترافقت مع هذه الحركات نشأة موسيقى “الطوارق-بلوز” Touareg-blues، مع بضعة مغنين منهم عبد الله أغ اومبادوغو وعلي فاركا توري، ووصلت إلى الجزائر بعد سنوات واعتمدتها فرق عدة مثل: إمزاد وترهانين.