عندما وقف أمام جمهور حزبه بمدينة المحمدية، طالب زعيم العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران مؤيديه، بالاكتفاء بلعب دورهم، والتصويت بكثافة، دون الاهتمام لكيفية تشكيل الحكومة. وها قد صدق ما توقع، وأصبح طريق تشكيل الحكومة ممهدا، إن لم نقل مفروشا بالورود!! وبعيدا عن وصف بنكيران لمهمته بأنها أسهل من سابقتها عام 2011، فإن منطق الأمور، وتضافر عدة عوامل، كلها ترشح الرجل للانتهاء من هذه المهمة في وقت سريع، وبشكل سلس إلى حد بعيد. ولعل استعراضا بسيطا لأبرز هذه العوامل، من شأنه أن يؤكد هذا الأمر:
- تعدد البدائل: لقد أفرزت الانتخابات الأخيرة قطبين أساسيين، كان أيا منهما مرشحا لتشكيل الحكومة بسهولة، بشرط الفوز بالمركز الأول. وها قد فعلها العدالة والتنمية، ليجد أمامه ستة أحزاب لا يضع أيا منها “فيتو” على الدخول في الحكومة الجديدة، والأهم، أن استنكاف أحدها لن يعطل تشكيلها، حيث يوجد بدائل عديدة لتعويضه.
- غياب اللاعب الوازن: لقد احتاج العدالة والتنمية عام 2011، بمقاعده التي تزيد قليلا عن المائة، إلى وجود دعم خارجي قوامه أزيد من تسعين نائبا، وهو ما جعله يرضخ لشروط اللاعبين الكبيرين: الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، ويعوض أحدهما بالآخر. أما اليوم، وبمقاعده ال 125، فهو بحاجة إلى أزيد قليلا من سبعين نائبا. وبإضافة مقاعد الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية شبه المضمونين، يصبح لدى الحزب، وقبل أن يبدأ بالتفاوض مع الأحزاب الأخرى 164 نائبا، لا تحتاج معها لأكثر من 34 نائبا! مع استحضار أن خروج الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار من هذه الموقعة وقد خسرا قرابة ثلث قوتهما، يضيق أمامهما هامش المناورة جدا، حيث أن حاجتهما لدخول الحكومة، تعادل أو تفوق حاجة بنكيران لمثل هذا الدخول.
- ضعف الغريمين: ارتباطا بما سبق، فالاستقلال بمقاعده ال 46، والأحرار بمقاعده ال 37، هما أنسب ما يكونان لمشاركة العدالة والتنمية في الحكومة الجديدة، حيث أن حجمهما الصغير نسبيا يصعب احتمال مبالغة أيهما في الثمن الذي يريده لهذا الدخول، حيث يمكن بسهولة تعويضه عبر التحالف مع الآخر، أو حتى التحالف مع حزبين من حجم أصغر، كالحركة الشعبية والاتحاد الدستوري. لا نقول أن خيار حزبين أفضل من حزب واحد، لكن نقول أن وجود هذه الإمكانية من شأنه زيادة هامش المناورة كثيرا أمام الحزب الفائز.
- ضعف شباط: إن المرشح الأول للدخول إلى الحكومة المقبلة هو حزب الاستقلال، الذي يوجد قائده حميد شباط في موقف لا يحسد عليه، بسبب تزايد المطالبة برأسه لدفع ثمن ما جرى للحزب العريق تحت قيادته. وعليه، فالحكومة المقبلة بالنسبة لشباط، يمكن أن تشكل طوق النجاة الأوحد، الذي يمكن أن يطيل عمر حياته السياسية، إن كان ذلك ما زال ممكنا، أما لو صحت نية العدالة والتنمية لمنح الاستقلال وزعيمه رئاسة مجلس النواب، فمن شأن ذلك أن يزيل جميع ما تبقى من تحفظات لدى الحزب المكلوم، وقائده الجريح.
- غياب مزوار: وهو المعطى الذي يجعل التجمع الوطني للأحرار يخوض التفاوض مع بنكيران حول دخول الحكومة بدون “فيتو”. مصادر قيادية من داخل التجمع أكدت ل”مشاهد24″ أن لا وجود لمثل هذا الفيتو على دخول الحكومة، وأننا يمكن أن نعتبر إلى حد كبير، أن المشكلة الأكبر كانت بين رئيس الحزب المستقيل صلاح الدين مزوار وبين العدالة والتنمية، وليست بين التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية، وإن كانت تجربة العمل سويا لم تكن مريحة للطرفين على امتداد مختلف مراحلها.
- دفء المشاركة في الحكومة: لقد خرجت الأحزاب الستة من هذه الانتخابات خاسرة لعدد كبير من مقاعدها، وباستحضار أن أربعة منها قد جربت “منافع” الوجود داخل الحكومة، مقابل اختبار من بقي خارجها (الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري) لصعوبة التواجد في المعارضة على مدى خمس سنوات مقبلة، إذا ما أرادت الاحتفاظ بما تبقى لديها من نواب في انتخابات 2021. بالنسبة للاتحاد الدستوري، فقد عبر وبأكثر من لغة وعلى لسان أكثر من مسؤول أنه يرغب في دخول الحكومة، بعبارات صريحة ودون مواربة. أما الاتحاد الاشتراكي، فمعلوم أنه يعاني انقساما حادا تجاه هذه المسألة، وأن إجبار أمينه العام ادريس لشكر على دفع ثمن مواقفه “الأيديولوجية” وتسييره السياسي للحقبة الماضية، والتي جعلته أبرز الخاسرين في استشارتين انتخابيتين متواليتين، نقول، أن الاستقالة المنطقية للشكر، ستقوي صوت المرحبين بالدخول في الحكومة، ولم لا، تحت يافطة “الكتلة الديمقراطية” لرفع الحرج عن الاستقلال والاتحاد الاشتراكي معا.
- خطأ المراهنة على التصويت العقابي: لقد بدا واضحا، أن المغاربة لم يستجيبوا لنداءات معاقبة العدالة والتنمية بالتصويت ضدها، حيث بينت التجربة أنها ربحت 18 مقعدا إضافيا، بينما كانت العقوبة من نصيب من طالبوا بمثل هذا التصويت، والتي ذهبت معظم أصواتهم لصالح القطب الآخر، الأصالة والمعاصرة. وهكذا، تدرك جميع الأحزاب الستة، أن انتظار سنوات خمس أخرى في صفوف المعارضة، للطلب من المغاربة بمعاودة معاقبة العدالة والتنمية، ربما لن يجدي، وإن حدث، فلن تذهب الأصوات المحتجة إلى حساب الأحزاب المعارضة الضعيفة، بمقدار ما ستختار من تراه قادرا على كسب الانتخابات. وهكذا، فالوجود داخل الحكومة هو الخيار الأكثر عقلانية بالنسبة لهذه الأحزاب الستة.
لكن، وأمام صورة كهذه، هل يكتفي بنكيران بتشكيل حكومة مصغرة تضمن له الأغلبية العددية البسيطة، بحيث تكون مشكلة من ثلاثة أحزاب، أو أربعة على أبعد تقدير، أم أنه يمكن أن يوسع دائرة الاختيار ويبدل شروط اللعبة، بمحاولة ضم باقي الأحزاب داخل حكومة أشبه ما تكون بحكومة “الوحدة الوطنية”، مع بقاء الأصالة والمعاصرة وحيدا في المعارضة، وعلى أبعد تقدير بمجاورة التجمع الوطني للأحرار؟؟ أيام فقط تفصلنا عن معرفة الجواب، وإن كان ما سبق يؤكد أن الانتظار لن يكون طويلا.