الرئيسية / سياسة / إسبانيا فخورة بالانتماء الأوربي.. أخرجها من العزلة وضمن لها الاستقرار
إسبانيا

إسبانيا فخورة بالانتماء الأوربي.. أخرجها من العزلة وضمن لها الاستقرار

مع مطلع السنة الجديدة، تكون قد مرت ثلاثة عقود على انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، لتصبح عضوا فاعلا فيه  على مدى العقود الثلاثة الماضية. تكفي الإشارة إلى أنها رأست البرلمان الأوروبي في “ستراسبورغ” خلال ثلاث ولايات.

عدة عوامل سهلت التحاق إسبانيا بالأسرة الأوروبية، منها الخوف على التجربة الديمقراطية الفتية التي استقرت عليها البلاد بعد وفاة الديكتاتور”فرانكو” نهاية العام 1975  الذي، وهنا المفارقة، قدم طلبا لعضوية  المجموعة الأوروبية في شهر فبراير 1962 لكنه    رفض بعد اقل من شهر، في مارس من نفس العام، ما يدل على أن الضمير الأوروبي،  لم ينس أهوال الحرب الأهلية التي تسبب فيها  تمرد “فرانكو” عام 1936 على الشرعية الدستورية الممثلة في النظام الجمهوري الذي اختاره  الشعب بإرادته الحرة.

ويعود  الفضل الكبير  للزعيم الاشتراكي السابق، فيلبيي غونثالث، الذي نجح حزبه ” الاشتراكي العمالي”  بأغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية الأولى  في ظل الدستور الإسباني الجديد، فأصبح رئيسا للوزراء منذ عام 1982 لثلاث ولايات متتالية إلى غاية 1996، علما أنه كان بإمكانه البقاء رئيسا للحكومة بأغلبية  نسبية، مستندا على تحالفه مع الأحزاب القومية، لكنه آثر الانسحاب احتراما للعرف الديمقراطي، ما دام حزبه لم يحصل على المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية.

وساهمت “كاريزما” الزعيم الاشتراكي وشعبيته العارمة في بلاده  وكذا معرفته، أثناء أقامته  في المنفى، بالكثير من القادة الأوروبيين من اليمين واليسار، في تذليل صعوبات الفترة الانتقالية التي فرضت على مدريد،قبل منحها صفة العضوية الدائمة وحصولها على  مزايا  تفضيلية جعلت  الاستثمارات الأجنبية تتدفق عليها، فتحققت  نهضة اقتصادية  سريعة في البلاد  ودخلت إسبانيا نادي المجتمعات الغربية  الاستهلاكية بامتياز، بما يعنيه  ذلك من دخل فردي مرتفع ورفاهية العيش وتوفير الخدمات الاجتماعية.

ويمكن القول إن إسبانيا لم تصطدم  بأزمة كبيرة مع شركائها الأوروبيين؛ وباستثناء مسألة التحكم في عجز الميزانيات واشتراط بروكسيل على الأعضاء معدل نمو معقول، فإن العلاقات بين مدريد وبروكسيل  لم تعرف فترات توتر حتى في ظل الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي غرقت في إسبانيا والتي تتعافى منها حاليا، مستفيدة من تفهم الجانب الأوروبي الذي لم يمارس على مدريد نفس الإجراءات القاسية التي فرضتها أوروبا  على اليونان والبرتغال، جارة إسبانيا  التي انضمت في نفس التاريخ إلى المجوعة الأوربية.

وإضافة إلى العوامل المؤثرة السابقة، فإن الطبقة السياسية الإسبانية وخاصة الحزبين الكبيرين: المحافظ والاشتراكي، راهنت  على الخيار الأوروبي، كونه  وفر لها  قفزة اقتصادية مثلما ضمن لها الاستقرار السياسي فتلاشي الخوف من مغامرة عسكرية يمكن أن يقدم  عليها الجيش الإسباني، لإحياء نظام “فرانكو”وأجواء الحرب الأهلية.

gonzalesse

وفي هذا السياق وبمناسبة ذكرى الالتحاق بالركب الأوروبي، كشف استطلاع للرأي أنجزته أخيرا مؤسسة إسبانية “غاد3” نشرت تفاصيله  يومية “أ ب ث” المحافظة  أن الأسبان، وبنسبة عالية (3 على 1) ما يعادل  76 في المائة، متشبثون بالانتماء  إلى أوروبا بل فخورون بذلك، لما يجلبه  لهم من فوائد.

والعينة المستطلعة عددها  800 شخصا  جرى استطلاع  أرائهم خلال  فترة قصيرة، من 12 إلى 16 ديسمبر الجاري، في مقابل نسبة متدنية للمتشككين في وجود بلادهم  ضمن الحضن  الأوروبي  وأكثر من ذلك تعتقد الغالبية أن الانتماء الأوروبي يضمن لإسبانيا الاستقرار السياسي.

لكن الأسبان لا يخفون انزعاجهم من أمر واحد  يتمثل في البيروقراطية التي  تسري في أوصال الإدارة الاتحادية  في بروكسيل.وهم يشتركون مع مواطني أغلب الأعضاء في نفس الشكوى وانتقاد نفس الظاهرة.

ولا يكتسي تعلق  الإسبان بالمصير الأوروبي المشترك أية غرابة، فهم خلاف  باقي الشعوب الأوروبية لا توجد بينهم أحزاب يمينية متطرفة  قوية،تسعى بكل الوسائل إلى الخروج من أوروبا، مستعملة أساليب التخويف من انفتاح الحدود والتنافسية الاقتصادية، وبإظهار مشاعر الكراهية  والعنصرية حيال الأجانب، وهم كثيرون في إسبانيا، يحملونهم  مسؤولية الأزمة الاقتصادية.

ويبدو أن الأحزاب القومية ذات النزعة العرقية والهوية المتشددة، تمتص بعض  غضب الإسبان؛ فالقوميون  يدعون صراحة إلى الانفصال عن الحكم المركزي، وفي نفس الوقت البقاء ضمن النادي الأوروبي، أي  أن خلافهم  ا مع مدريد، يعود إلى  أسباب  تاريخية.

وفي هذا الصدد يعارض  الاتحاد الأوروبي  الدعوة الاستقلالية في إقليم كاتالونيا، رافضا  فكرة تفتيت إسبانيا بإعلان  الجمهورية  في كاتالونيا، بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فإنه لن يقبلها عضوا بالاتحاد إذا ما أصرت على  الخروج من ظل التاج الإسباني

وقدرت حكومة مدريد الوطنية  الموقف الأوروبي الرافض للانفصال،فكان دعما لها  وساهم في  التخفيف من حدة  النعرات  الانفصالية الأخرى  التي ترفع رأسها في بعض الأقاليم بين الفينة والأخرى.

صحيح أن اليسار الشعبوي الممثل في حركة، بوديموس، وحلفائها، يوجهون  انتقادات للسياسات الأوروبية، إنما  في شقها  الاقتصادي والاجتماعي  (فرض قيود على الميزانيات من طرف البنك المركزي  الأوروبي والتحكم في العجز والتضخم  والنمو).

ويشبه  اليسار الشعبوي في موقفه من أوروبا  حزب “تزيريسا” اليوناني، الذي يعارض الخروج من الاتحاد ولكنه ينتقد  إملاءات  بروكسيل.

من المؤكد أن إسبانيا  وجارتها البرتغال  مستمران في الاتحاد الأوروبي بل داعمان  له وعنصر استقرار وتوازن  بين أعضائه. هذا ما تبين من خلال احتفال رمزي أقامه البلدان في بروكسيل، قدم فيه  للمدعوين طبق مستوحى من تقاليد المطبخ في البلدين  اشرف على إعداده  طباخان من البلدين بينما اقترح  الفكرة رئيس وزراء البرتغال الذي استقبل المدعوين إلى جانب نظيره الإسباني ماريانو راخوي.