أعلنت وزارة التربية الوطنية الجزائرية في هذا الأسبوع عن برنامج خطير رسمي للدولة سيتم الشروع في تنفيذه ابتداء من العام القادم ويتمثل في إحلال تعليم اللغة العربية الدارجة في سلك التعليم الابتدائي محل اللغة العربية الفصحى ولقد برر المسؤولون بهذه الوزارة هذا الإجراء الذي سيحطم اللغة العربية كما يلي “إن الكثير من التلاميذ لا يحسنون إلا لهجتهم التي تعلموها في المنزل”، وجراء ذلك فإن “تعليم اللغة العربية الفصحى سيتم تدريجيا”.
المزيد: ورقـة لغـويـة :اللغة العربية والصراعات المتداخلة
وأكثر من هذا فإن وزارة التربية الجزائرية قد أكدت أنه “لا بدّ من تكامل بين لغة الأم وبين اللغة الفصحى”. في هذا السياق فقد نقلت يومية الخبر منذ أربعة أيام فقط عن المفتش العام بهذه الوزارة وهو السيد نجادي أنه “يجب أن يتعلم التلميذ في مرحلة أولى اللغات الجزائرية”.
ولكي يتم تمرير هذا القرار بدون معارضة من طرف أمازيغ الجزائر الذين يبلغ تعدادهم ما لا يقل عن 10 ملايين نسمة فقد لمحت الوزارة نفسها أن اللغة الأمازيغية ستعمم انطلاقا من السنة الدراسية القادمة على “20 محافظة” عبر القطر الجزائري دون أن يسمي هذه المحافظات. بطبيعة الحال لم يذكر مسؤولو هذه الوزارة ماذا سيفعلون باللغات الأجنبية مثل اللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية وهل ستدرسان في البداية كلغات دارجة جنبا إلى جنب اللغات الجزائرية الدارجة أم أنهما ستدرسان كلغتين فصيحتين؟ في البداية لا بدّ من التذكير أن اللهجات الدارجة في الجزائرية كثيرة وهذا يعني أن تعليم العربية الدارجة لن يكون موحدا وأن الأجيال الجزائرية القادمة ستصبح جزرا لغوية دارجة متفرقة ومتنافرة لا يجمعها جامع، ويعني هذا أيضا أن هويات هذه الأجيال اللغوية البدائية لن تكون واحدة بل متناقضة كما يعني أيضا أن التخاطب في ما بينها سوف يحتاج إلى مترجمين متنقلين بالملايين يوميا وبذلك تكون هذه الوزارة سباقة ورائدة في خلق شعوب جديدة تتكلم لهجات لا صلة ببعضها البعض.
ثم ما هو المقصود بلغة الأم؟ وهل اللهجات الدارجة المدعوة بالعربية التي تتكلمها الأمهات الجزائريات في مختلف القرى والمدن ترقى إلى لغات العلم، والإدارة، والفكر والآداب والفنون الراقية؟ إن الجواب على هذا السؤال هو: لا، لأن هذه اللهجات المستعملة والمدعوة بالعربية ليست سوى إعاقة لغوية بامتياز وحقا. من المعروف أيضا أن اللهجات الأمازيغية في الجزائر متعددة ومختلفة مفردات ونطقا، وأنه إلى حدّ الآن لم تفعل الدولة الجزائرية بما في ذلك دعاة الأمازيغية شيئا يذكر لتوحيدها، وترقيتها، ورسم الحروف الموحدة التي تكتب بها لتصبح لغة راقية تستوعب وتنتج الفكر والعلم والثقافة العالمية.
* كاتب من الجزائر/”العرب”