أعطاب الجزائر عديدة على ما يبدو، ولا يبدو أن بعض المتابعين الجزائريين وحدهم من يروج صورة قاتمة عن بلد يقولون أنه أضاع فرصته مع التنمية بسبب سياسات النخبة الحاكمة منذ استقلال البلاد عام 1962.
أستاذ مادة الاقتصاد بالكلية البحرية مونتيري بولاية كاليفورنيا، روبرت لوني، كتب مقالا بمدونة مجلة “فورين بوليسي”، تساءل فيه عن قدرة الجزائر على الخروج من أزمتها الحالية.
نفط وفرص تنمية ضائعة
لوني أكد أن الجزائر، رغم كونها القوة النفطية الأبرز في إفريقيا، فشلت رغم توالي سنوات الإنتاج في تحقيق التنمية. بدلا من ذلك، فإن البلاد تواجه تناميا للضغوطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي “تتدهور فيه الخدمات العمومية في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والسكن”، بالإضافة إلى غياب الشفافية حيث تعتبر البلاد “من بين أكثر 10 بلدان في العالم التي تعاني من الفساد”.
وتظل البطالة بدورها معضلة في الجزائر حيث أن نسبتها تصل في صفوف الشباب إلى 20 بالمئة، ما يجعل أن العديد من الشباب المتعلمين يرغبون في الرحيل عند أول فرصة.
التحديات التي تواجهها الجزائر، قادت حسب روبرت لووني إلى انهيار أنظمة في المنطقة إبان “الربيع العربي”. نجاة الجزائر من مصير مماثل كان راجعا بشكل كبير إلى التخوف السائد من “اندلاع اضطرابات سياسية واجتماعية قد تؤدي إلى حرب أهلية شبيهة بتلك التي عصفت بالبلاد خلال ما يعرف باسم “العشرية السوداء” في سنوات التسعينات”.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت الحكومة، من أجل تهدئة المواطنون، على سياسة الدعم وخلق مناصب الشغل وزيادة الرواتب في القطاع العام، “كل ذلك بفضل أموال النفط”. بيد أن الأمور تغيرت مع انهيار أسعار النفط في سنة 2014، حيث تراجعت العائدات بنسبة 50 بالمئة وزاد العجز الضريبي والتجاري وبدأت الاحتياطات من العملة الأجنبية بالنفاد بسرعة، كما تم خفض قيمة الدينار بنسبة 30 بالمئة.
في مقابل ذلك، يشير روبرت لوني إلى ارتفاع ميزانية الدفاع إلى أزيد من الضعف منذ سنة 2004 حيث وصلت اليةن إلى سقف 10 ملايير دولار، وذلك من أجل مواجهة الاضطرابات القادمة من ليبيا في الشرق ومالي في الجنوب.
من جهة، عرفت الجزائر منذ التسعينات هجرة 270 ألف شخص من أفضل متعلميها، الذي ذهبوا للبحث عن فرص أفضل في الخارج.
على المستوى الاقتصادي وجدت الحكومة نفسها مطالبها بخلق فرص شغل في الوقت الذي يتوقع فيه هذه السنة أن يتراجع الناتج الداخلي الإجمالي بحيث ينتقل من 3.7 بالمئة في 2015 إلى 1.9 بالمئة هذا العام. الحكومة أطلقت في يوليوز الماضي ما أسمته نموذجا اقتصاديا جديد كبديل للنظام المعتمد على النفط، عنوانه العريض تنويع الاقتصاد المرتهن للمحروقات، والتي تشكل ثلث الناتج الداخلي الإجمالي وثلثي عائدات الحكومة و95 بالمئة من الصادرات الجزائرية السنة الماضية.
وفي حين لم تبرز تفاصيل هذه الخطة الاقتصادية الجديدة، ما رشح يفيد أن الحكومة تأمل في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات مثل الصناعات الغذائية والاتصالات والطاقات المتجددة من خلال خفض الضرائب وتبسيط المساطر والقوانين.
على مستوى آخر، قامت الحكومة، ولأول مرة منذ أزيد من عقد من الزمن، برفع أسعار المحروقات والكهرباء.
خطة اقتصادية مصيرها الفشل
في حين يبرز التساؤل حول قدرة هذه الخطة الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة في تحقيق الاستقرار الذي تسعى إليها، يرد الأستاذ روبرت لوني بالقول إن التاريخ والتجربة الدولية تفيد بأن الإجابة على هذا السؤال هو: “لا”.
فالمشكلة الكبرى هي أن الحكومة تبنت مقاربة مركزية وبيروقراطية للغاية للتنمية الاقتصاد ما لا يفسج مجالا لمقاربات تشاركية أخرى، مضيفا أن خططا مماثلة نجحت في بلدان مثل اليابان وكوريا وإثيوبيا ورواندا لأنه تمت صياغتها من قبل تكنوقراطيين ليست لها مصلحة في الاستثمارات التي يعتزم إطلاقها، وهو ما لا ينطبق على الجزائر.
روبرت لوني يقول صراحة إنه لا يبدو من الواضح من المسؤول عن الخطة، بل من المسؤول عن إدارة البلاد برمتها. فخلف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، توجد السلطة في يد أجنحة عسكرية وأمنية إلى جانب رجال أعمال من المنتظر أن يستفيدوا كثيرا من الاستثمارات التي أعلنت عنها الخطة الاقتصادية.
“الجزائر اليوم في مرحلة يلعب فيها مستوى جودة الحكامة دورا مهما في تحديد مدى النجاح الاقتصادي”، يقول الأستاذ بالكلية الحربية بمونتيري. بيد أنه، إذا ما تم الاحتكام إلى هذا المبدأ، يظهر أن الجزائر ما يزال أمامها طريق طويل. فالبلاد توجد في رتب متدنية في أغلب مؤشرات الحكامة التي وضعها البنك الدولي، وذلك مقارنة بكل من المغرب ومصر وتونس.
المعطيات تفيد بأن الجزائر ضعيفة على مستوى سيادة القانون ومحاربة الفساد والفعالية الحكومية ومؤشر جودة التشريعات وتطبيقها، وهي كلها نقط أساسية لنجاح أي تنمية اقتصادية. فعلى مستوى جودة التشريعات وتطبيقها، توجد الجزائر اليوم في مرتبة دون دول مثل هايتي.
ضعف الحكامة في الجزائر، يضيف الأستاذ الأمريكي، قاد إلى وجود أسواق تغيب في الفعالية والتنافسية. من جانب آخر، يبدو أن النموذج الاقتصادي مليء بالافتراضات، منها على سبيل المثال، الاعتقاد بأنه سيتم جلب الاستثمارات الأجنبية، وهو جانب ظلت فيه الجزائر على مدار السنوات الماضية متخلفة عن جيرانها في المغرب وتونس.
تصنيف البنك الدولي حول سهولة ممارسة الأعمال يصف الجزائر على أنه بلد ليس فيه مناخ أعمال محفز للمستثمرين الأجانب. هذا الاعتقاد تعزز بعد الإصلاحات الأخيرة التي أبقت على البند الذي يفرض امتلاك الدولة الجزائرية الغالبية في الشركات ما يحول دون امتلاك الرأسمال الأجنبي للأغلبية في أي شركة أو مشروع.
على مستوى آخر، يصنف معهد Heritage للحرية الاقتصادية الجزائر أنها بلد “غير حر في الغالب”، في الوقت الذي لا يبدو فيه أن الدولة تتجه للقيام بإدخال أي تحسينات بهذا الخصوص.
ضعف الأمن يهدد الاستثمار
عامل آخر يحول دون تشجيع الاستثمار في الجزائر، كما يقول روبرت لوني، وهو ضعف الأمن. فقطاع الطاقة في البلاد كان هدفا لعدد من الهجمات الإرهابية، ما دفع الشركات الأجنبية الكبرى لنقل عمالها خارج البلاد.
القطاع السياحي عانى بدوره من الضعف الأمني، كما أن مشاريع استغلال الغاز الصخري قادت إلى مظاهرات ما جعل شركات أجنبية غير راغبة بالمخاطرة بالاستثمار في هذا القطاع.
“من خلال سعيها إلى الدفع بالنمو الاقتصادي في الوقت الذي تتجنب فيه القيام بإصلاحات من شأنها أن تقود البلاد نحو مزيد من الديمقراطية، تقوم الجزائر بمجازفة كبيرة”، يؤكد أستاذ الاقتصاد الأمريكي، مضيفا أنه في غياب إصلاحات ضرورية، من سخرية القدر أن النموذج الاقتصادي على النفط الذي من المفترض أنه يسعى لإنهاء تبعية الاقتصاد الوطني له.
و”مالم ترتفع أسعار النفط مجددا خلال السنوات المقبلة بحيث تسهل عملية الاستثمار الداخلي الكبيرة والضرورية لأجل تمكين النموذج الاقتصادي الجديد من الإقلاع”، فإن نسبة النمو الحالية المقدرة بـ 2.7 بالمئة سنويا، غير قادرة على ضمان نجاح هذه الخطة.
على صعيد متصل، لا يبدو أن النظام الذي قام في الجزائر على اقتصاد معتمد على عائدات النفط، قابل للتحول نحو الديمقراطية لأن المصالح التي نشأت في ظل هذا النظام ستوقف أي إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية حقيقية.
لذلك، فإن “الإصلاحات” التي تم الإعلان عنها، جاءت من طرف نفس الجهات التي لها مصالح، من داخل الجناح الفساد المرتبط بالحكومة، كما أنه من “غير الوقع توقع أن تقود هذه الخطة الاقتصادية” إلى تغيير حقيقي.
ويختم الكاتب مقاله عن أعطاب الجزائر بالتأكيد على أن استمرار أسعار النفط في مستوى منخفض يهدد الجزائر بأن تصبح رهينة لإملاءات البنك الدولي أو مهددة باضطرابات على شاكلة الربيع العربي أو على شاكلة ما عرفته البلاد خلال “العشرية السوداء”، يقول روبرت لوني محذرا.
للمزيد: سفيان جيلالي: السلطة في الجزائر وجدت نفسها أمام تناقضاتها