في ذروة الحملة الانتخابية التي تسبق اقتراع 7 أكتوبر المقبل، تبرز التساؤلات بخصوص الطرق التواصلية للأحزاب المغربية ومدى تطورها خاصة في الوقت الحالي الذي يعرف تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعل المواطنين، خاصة الشباب، مع الأحداث السياسية. للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، أجرينا الحوار التالي مع الأستاذ يونس ساوري، الباحث في سلك الدكتوراة في مجال التواصل السياسي.
في عصر ميزته الثورة التكنولوجية وتزايد استهلاك المتلقي للمعلومة السياسية والتفاعل معها، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كيف تأثر التواصل السياسي بالمغرب بهذا المعطى سلبا أو إيجابا؟
لقد أنتجت الثورة التكنولوجية المميزة لعصرنا الحالي نوعا من إعادة اهتمام الشباب بالشأن السياسي بالمغرب وكذا بالمعلومة ذات الصبغة السياسية خصوصا إبان الثورات العربية التي أبرزت للسياسيين قدرة الإنترنت -كوسيلة للتواصل -على التأثير في مكامن القرار وعلى المس بالسلم الاجتماعي، كما أظهرت للشباب إمكانية لعبهم دورا طلائعيا في مسلسل التغيير والتأثير على البيئة السياسية.
هذا التحول نجم عنه تغيير جذري في مفهوم التواصل السياسي بالمغرب المبني سلفا على توجيه الرسالة أو القرار السياسي من السياسيين إلى عموم المواطنين بشكل عمودي لا يفتح المجال للمناقشة أو للمطالبة بالتعديل. أما اليوم، مع استعمال الإنترنت كوسيلة للتواصل، فقد أصبح المجال السياسي مرغما على الانفتاح على المجتمع وأكثر قابلية للتفاعل مع عموم المواطنين.
من الجلي في بادئ الأمر أن تأثير التكنولوجيا الحديثة على التواصل السياسي بالمغرب إيجابي، بل وأكثر من ذلك، أنها تساهم في تحقيق ماهية هذا المفهوم المعرف من طرف الباحث الفرنسي في مجال التواصل السياسي Dominique Wolton “كفضاء واسع يتم فيه تبادل الخطابات المتعارضة من طرف ثلاثة فاعلين يملكون جزء من الشرعية السياسية والديمقراطية وهم رجال السياسة والصحفيون والرأي العام من خلال استطلاعات الرأي”.
لكن من الواجب طرح السؤالين التاليين: هل للمواطن المغربي القدرة الكافية لإدراك قواعد اللعبة السياسية وترتيب الأولويات قبل عرضها على رجال السياسة أو مناقشتها؟ هل بإمكانه التمييز بين المعلومة السياسية وبين التلاعب السياسي la manipulation politique من خلال قراءته لبعض الأخبار الزائفة المسوقة من طرف بعض المنابر الإعلامية؟
الجواب – وللأسف سلبي – لأن مبادئ العلوم السياسية والفكر السياسي مهملة في منظومتنا التعليمية ولأن النقد البناء لا مجال له في منظومة التنشئة الاجتماعية بالمغرب. بالتالي فانفتاح المجال السياسي على عموم المواطنين من خلال التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي يمكنه التأثير سلبا على التواصل السياسي وكذا على العمل السياسي. وخير دليل على ما أقول مشكلة النفايات المستوردة من إيطاليا والتي قوبلت بزوبعة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى إلى تناقض واضح في الخطابات السياسية – حتى الرسمية منها – وإلى إلغاء الصفقة دون انتظار نتائج تحليل هذه النفايات.
إذن، وبدل اهتمام السياسيين بالفعل السياسي وتدارس إيجابياته وسلبياته فقد أصبحوا يولون اهتمام أكثر لسمعتهم الرقمية ولتجنب الانتقادات خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
عطفا على ما سبق، هل ترى أن الأحزاب المغربية، طورت من أساليبها التواصلية أم أنها ما تزال تعتمد على الأساليب التقليدية؟
الأحزاب السياسية المغربية لم يعد أمامها الاختيار، فهي مجبرة على ركوب موجة التقدم وتطوير أساليبها التواصلية.
من جهة، العالم الافتراضي تهيمن عليه فئة الشباب والتي لا تستطيع الأحزاب السياسية التواصل معها بالوسائل التقليدية، إضافة لكون هذه الشريحة تمثل نسبة مهمة من الطبقة المنتخبة والتي يسودها العزوف السياسي وبالتالي فالأحزاب السياسية واعية بضرورة استقطابها، ناهيك عن قدرة هذه الوسيلة التواصلية على التفاعل مع عدد مهم من المواطنين بأقل تكلفة وبأدنى جهد.
الأحزاب ملزمة أيضا من جهة أخرى بعدم ترك مكانها شاغرا بالعالم الافتراضي خصوصا بعد نجاح بعض الأحزاب في مجال التواصل السياسي الرقمي من خلال نشر أخبارها واستقطاب عدد كبير من المناضلين عبر مواقعها على الانترنت أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
لكن وجب التأكيد على ضرورة استعمال الأحزاب السياسية لأساليب التواصل التقليدية إلى جانب الوسائل الحديثة لوجود فجوة رقمية مهمة خصوصا بالمدن الصغيرة، ولارتفاع نسبة الأمية المعلوماتية حتى في صفوف الفئة المثقفة.
هل تملك الأحزاب المغربية، خاصة في لحظات الانتخابات، استراتيجيات تواصلية واضحة أم أنها تعاني من التخبط في هذا الجانب؟
مع الأسف الأحزاب السياسية المغربية لا تتعامل مع الوسائل التواصلية الحديثة بمبدأ الجدية فهي لا تعتمد على استراتيجيات تواصلية واضحة المعالم وبينة التأثير سواء في الفترة الانتخابية أو في الفترة العادية. هذا المعطى يخص غالبية الأحزاب بل وحتى من يتربع منها على عرش التواصل السياسي الرقمي بالمغرب.
فقد سبق وقمت بدراسة تحليلية للتواصل السياسي الرقمي للأحزاب السياسية خلال فترة الانتخابات الجماعية لـ 2015 وبدا واضحا أن جل الأحزاب لا تعتمد على مخطط استراتيجي للتواصل عبر الانترنت، فمعظم الصفحات الحزبية على “فايسبوك” مثلا اعتمدت على طرق مدفوعة لجلب المعجبين غير آبهة بما تكتسيه هذه العملية من مخاطر.
كما أن الأحزاب تعتمد على نشر أكبر عدد من المواد على مواقع التواصل الاجتماعي مما يبرز عن إيمانها بمبدأ الكم وليس الجودة في اختيار وصياغة هذه المواد، ناهيك عن الغياب شبه الكلي للتفاعل بين أعضاء الصفحات الحزبية والقائمين عليها مما يجرد هذه الوسيلة التواصلية من أحد أهم مزاياها ألا وهي التفاعل الآني.
بالإضافة إلى ذلك هناك غياب تام لـ Community managers المكلفين بإدارة المجتمع الافتراضي على الصفحة والذين لهم دور كبير في تنظيم وتأطير عملية التواصل.
وأخيرا فقد لاحظت غياب شبه تام لمبدأ Virality أو قابلية المحتوى للانتشار السريع وهذا المشكل مرتبط أساسا بكل ما سلف ذكره وناجم عنه تطور ضعيف للصفحات الحزبية وبالتالي ضعف – إن لم نقل فشل -آليات التواصل السياسي الرقمي.
بعض السياسيين والمرشحين يحاولون التسويق لصور معينة عن أنفسهم مثل التواضع أو التدين أو الوطنية، لكن مسعاهم قد يفشل ويتحولون إلى مادة للسخرية أو الانتقاد. هل ذلك راجع لكون عملية التسويق السياسي هاته تتم بطريقة مرتجلة وغير مدروسة؟
ليس من العيب أن يسوق السياسي صورة معينة لنفسه فجل السياسيين الغربيين يعتمدون على هذه الوسيلة. لكن المشكل يطرح حين يتم التسويق لهذه الصورة بطريقة ارتجالية وهاوية أي بعيدة عن أسس التواصل السياسي -ومن أهمها في هذا المجال مبادئ التسويق السياسي-. هذه الأخطاء تحول دون وصول السياسي لهدفه بل وكما قلتم يتحول إلى مادة للسخرية والانتقاد.
هذا المشكل مطروح بصفة عامة لدى السياسيين المغاربية لكونهم لا يتوفرون على خبراء في مجال التواصل السياسي يصيغون استراتيجيات تواصلية لتقريب السياسة من المواطنين، ويلمعون صورة السياسي بطرق مدروسة وذات أهداف مسطرة مسبقا ويسوقون من الصور ما يمكنه التأثير الفعلي والإيجابي على المواطن.
للمزيد: متى يتجدد الخطاب السياسي عند زعماء الأحزاب المغربية؟