مرة أخرى تخلف الجزائر الموعد مع التاريخ، بسبب تعنت حكام قصر المرادية وإمعانهم في معاكسة المغرب بخصوص وحدته الترابية، وبالتالي عرقلتهم لقطار الوحدة المغاربية، ووقوفهم في وجه كل الطموحات التي تغمر شعوب المنطقة من أجل التكتل لمواجهة كل التحديات.
ومن يستعرض صفحات التاريخ سوف يلمس بما لايدع مجالا للشك، أن المغرب، ووفقا لقناعاته الراسخة المتشبعة بروح السلم والتعايش واحترام حقوق الغير، دأب على مد اليد إلى الجزائر من أجل طي صفحة الماضي، والاتجاه نحو المستقبل، اعتبارا لعدة قواسم مشتركة من بينها الجوار والكفاح المشترك للتحرر من ربقة الاستعمار .
وقد كان احتفال المغرب بالذكرى 63 لثورة الملك والشعب فرصة لاسترجاع جزء من هذا التاريخ، حين توقف الملك محمد السادس في خطابه عند إحدى هذه المحطات المفصلية والحاسمة في ملحمة التحرير، حين ذكر بما تميزت به تلك المرحلة من تنسيق وتضامن، بين قيادات المقاومة المغربية، وجبهة التحرير الجزائري، وما قدمته المقاومة المغربية من دعم مادي ومعنوي للثورة الجزائرية، حيث ساهمت ” تلك الانتفاضة، وذلك التضامن ، في إعادة الروح للثورة الجزائرية”.
إنها فقرة من بين جملة فقرات أخرى تنطوي على الدعوة إلى إحياء تلك الروح التضامنية، لرفع التحديات التنموية والأمنية المشتركة، وهو ما عبر عنه العاهل المغربي بالتطلع إلى “تجديد الالتزام، والتضامن الصادق، الذي يجمع على الدوام، الشعبين الجزائري والمغربي، لمواصلة العمل سويا، بصدق وحسن نية، من أجل خدمة القضايا المغاربية والعربية، ورفع التحديات التي تواجه القارة الإفريقية.”
وتفاعلا مع هذا النداء الحكيم، نشرت الصحافة العربية، أراء لباحثين ومسؤولين عرب، ومن بينهم علي جاروش، مدير الشؤون العربية السابق بجامعة الدول العربية، الذي أوضح أن “العلاقة بين الشعبين طيبة ومستمرة، ولكن الخلاف بين النظامين أدى إلى افتعال مشاكل إضافية، ومنها غلق الحدود بين الدولتين لفترة طويلة زاد من معاناة الشعبين.”
أما الدكتورة هبة البشبيشي، الأستاذة بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية، فقالت، في تصريحات لبوابة ” العين”، إن مبادرة ملك المغرب جاءت في وقتها، واصفة عاهل البلاد، بأنه “يمتلك ثقافة عالية ويتعامل مع المشكلات بطريقة مبتكرة ولديه انفتاح في أفكاره”.
فماذا كان رد فعل القيادة الجزائرية؟ إنها عوض أن تستثمر هذه المبادرة المغربية الجديدة، التي أشاد بها الجميع، وتتجاوب مع ما تتضمنه من قيم نبيلة، ورغبة صادقة في ترسيخ أسس البناء المغاربي، سارعت إلى إبداء رد فعل معكوس، الهدف منه أولا وأخيرا، قطع الطريق على أي خطوة تروم تدارك ما فات، أو تسعى لتقريب وجهات النظر، ورأب الصدع بين البلدين.
وتكفي قراءة سريعة لما صدر عن القيادة الجزائرية في الآونة الأخيرة من مواقف للتأكد من أنها لاتفكر أبدا في تغيير سياستها الخارجية تجاه المغرب، وباستثناء ما ورد في تهنئة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من كلمات بروتوكولية، عن “تعزيز علاقات الأخوة والتضامن”، لا تغير من الواقع في شيء، فإن الثابت هو معاداة المغرب، في كل المحافل الإفريقية والدولية.
وليس أدل على ذلك من تصريحات أدلى بها مؤخرا، رمطان العمامرة، وزير الخارجية الجزائري، لبعض المنابر الإعلامية، ويتضح من خلالها أنه يعارض بشدة عودة المغرب إلى حضن البيت الإفريقي، ومع ذلك، ولذر الرماد في العيون، يدعي أن بلاده “ترغب في توثيق التعاون مع المملكة المغربية”، والتي تشهد العلاقات معها توترا متواصلا بسبب ملف الصحراء والحدود البرية المغلقة منذ العام 1994.
أي “توثيق للتعاون”، إذا كانت الجزائر هي التي تصب المزيد من الزيت على مشكل مفتعل، في الصحراء، هي التي خلقته، ودعمت كيانا وهميا لا وجود له لا في التاريخ ولا في الجغرافية؟
أي “توثيق للتعاون”، إذا كانت هذه الجارة هي التي تمانع في عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي، وهو حق مشروع بالنسبة لها؟
أي “توثيق للتعاون”، إذا كانت الجزائر هي التي تمعن في إغلاق الحدود البرية مع المغرب، رغم كل النداءات المرفوعة لها لوضع حد هذه الحواجز التي تحول دون التواصل بين الشعبين الشقيقين؟