مع ما يتطلبه المقام من احترام لمشاعر ذوي الداعيتين، وإحساس بما يعيشونه من حرج وحالة نفسية سيئة، وضعهما فيه المعنيان بالأمر أساسا، دون أن يعطيا الأمر ما يستحقه من تفكير أو إحساس بما يمكن أن يسببانه من أذى لذويهما، وحركتهما الدعوية، ولجميع من يشاركهما الانتماء إلى هذه الأسرة الكبيرة التي تتخذ من قيم الإسلام السمحة هاديا وموجها، نقول، رغم هذه الاعتبارات، فإن المقام لا يحتمل سوى الرفض الصريح، وبأوضح المفردات والمصطلحات، دون مواربة أو غمغمة أو محاولة لتوزيع المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، للفعل الشنيع التي أقدم عليها نائبا رئيس حركة الإصلاح والتوحيد، والمتابعان “بجريمتهما” أمام القضاء، ليطبق عليهما ما يطبق على من يرتكب مثل فعلهما. وننتهز بالمناسبة هذه الفرصة، لنبدي كامل التعاطف مع ذوي المعنيين بالأمر، ونطلب من الله أن يخفف عنهم جميعا، أبناء وبناتا ما هم فيه من وضع نفسي صعب.
ولسنا هنا في مقام “الفتوى” وتبيان “حكم الشرع” في النازلة، حيث أن المعنيين بالأمر أقدر منا على التصدي لمثل هذا الأمر، لكن جريمة “عمر بن حماد” و “فاطمة النجار”، واستنادا لما يتم تداوله من أنباء عن ضبطهما في “وضع مخل أو مناف للآداب العامة”، وهو مصطلح فضفاض لا يعني شيئا محددا، ويترك الباب مفتوحا أمام خيال المواطنين لتخيل ما يعنيه هذا المصطلح، وهي بالمناسبة محسوبة من قبل خصومهما سلفا على ما سبقها من “جرائم أخلاقية” داخل “الحركة الإسلامية” في المغرب ومصر وغيرهما من أقطار العالم الإسلامي، لا تتمثل في خيانتهما لأسرتيهما الصغيرتين فحسب، وإنما خيانتهما للخطاب الذي كانا يرددانه على مسامع آلاف الشباب والفتيات عبر برامجهما “الدينية”، وكذا لمبادئ حركتهما التي يقودانها وتحديدا مبدأ عدم جواز “الزواج العرفي” ومحاربة استيراده للمغرب، وأخيرا خيانتهما لكن من سيدفع ثمن فعلتهما من المؤمنين بضرورة تخليق المشهد العام وتحلي المتصدين لإدارته بالأخلاق الحميدة التي تعارف عليها المغاربة على مر العصور.
وفي انتظار اطلاع الرأي العام على محتوى محضر الضابطة القضائية، الذي نطالب بضرورة نشره بالسرعة الممكنة للحسم بين الرواية المتداولة في غالبية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي ترقي بما اقترفه الشيخان إلى مرتبة اتهامهما “بممارسة الجنس الصريح داخل سيارة”، وبين رواية المعنيين التي تؤكد أنهما كانا جالسان على شاطيء البحر يناقشان ترتيبات إشهار زواجهما، فمن غير المجدي أن يحاول بعض أصدقاء وزملاء الداعيتين إبعاد التهمة عنهما، من خلال التهجم على من مارس عمله وضبطهما “بالوضع المخل”، وهو ما استدعى برأي البعض محاولة “بن حماد” الخروج من المأزق باختراع خرافة “الزواج العرفي”، وهو عذر أقبح من ذنب. كما لن يفيد التهجم على من “يتشفى” بالحركة الإسلامية وقادتها، ممن يحاولون –بدون وجه حق طبعا- تعميم “جريمة الداعيتين” على باقي رموز الحركة الإسلامية، فهي كلها محاولات لن تنجح سوى في مزيد من تأليب الرأي العام وإثارته، وهي قبل كل شيء معركة خاسرة سلفا أمام مجتمع شاب يوجد ملايينه على الفيس بوك مسلحين بسلاح دمار شامل لا قبل لأحد بمواجهته، ألا وهو: السخرية.
إن الموقف المقبول، والذي جاء بيان حركة التوحيد والإصلاح متضمنا لأضعف أيمانه، بل وحده الأدنى، هو إدانة الفعل الذي قام به المعنيان بالأمر بغض النظر عن هوية مرتكبه، والانتصار المحمود لعدم جواز الزواج العرفي، أيا كان المدافع عنه، دون الحاجة طبعا للإشادة “بجهودهما الدعوية” التي لم تنسجم أفعالهما مع مضامينها. أما ما عدا ذلك فهو محض هروب إلى الأمام لن يفيد الحركة ولا الدعوة ولا الحزب المنبثق عنها، وسيسهم في مد الواقعة بأسباب الاستمرار والحياة إلى ما بعد الانتخابات.
وإذا تجاوزنا الواقعة المباشرة، فإن الدرس الأهم هو ضرورة أن يتحلى الدعاة بالواقعية، وأن لا يكتفوا بتكرار مواعظ فارغة على مسامع الشباب، تدعوا إلى مكارم الأخلاق في انقطاع تام عن ظروف الحياة الفعلية، وإن يجتهدوا في استبدال الحلول الكاريكاتيرية التي يقترحونها على هؤلاء الشباب من أجل تحصينهم، بأخرى أكثر علمية وواقعية، بدليل أنها لم تحصن كثيرا من الشيوخ والشيخات في أكثر من بلد عربي وإسلامي من مغبة الوقع في الحرام.
نصيحة أخرى، تهم ضرورة القطع مع التنزيه المبالغ فيه للشيوخ والشيخات “القدوات”، وتصويرهم كجنس متسامي ومنفصل عن واقع البشر. وهو الأمر الذي لا يهم الدعاة وحدهم، بل ويهم جميع من يطلبون منا تقديم فروض الولاء لهم من “أسلافنا الصالحين”، بدءا من عصر الصحابة الكرام وحتى الآن، لأن خصوم “المرجعية الإسلامية” يستغلون أي خطأ بشري يصدر عن أحد هؤلاء “البشر غير المعصومين”، من أجل هدم كامل المنظومة الأخلاقية التي بنيت عليها هذه المرجعية. وعليه، من المهم أن يعود الشيوخ والدعاة “بشرا مثلنا”، وأن يفكروا مرارا قبل تكرير مواعظ لا يستطيع أي واحد منهم اتباعها.
ومن المهم أخيرا أن يدرك كل من يتصدى للعمل العام، أيا كانت أيديولوجيته ونشاطه، سياسيا كان أو دعويا، بأنه في اللحظة التي يدخل فيها هذا الغمار، فهو يختار طواعية التخلي عن “خصوصيته”، لتصبح كل شؤونه الخاصة تحت سمع وبصر الرأي العام ووسائل الإعلام، منصفها ومغرضها. وعليه، فتوالي “الفضائح”، أو ما يعتبرها خصوم الحزب والحركة الإسلاميين كذلك، من طرف قيادات هذا التوجه لدليل على عدم إدراكهم لهذه البديهية، وبالتالي يخلطون بين ما هو عام وخاص، ويطلبون من غيرهم دفع هذه الفواتير. وهنا، فأيا كان السبب الذي جمع الداعيتين في السابعة صباحا في مكان استدعى تحرير محضر من طرف الضابطة القضائية، فلن يغير من واقع إدانة هذا الفعل واعتباره عملا يفتقر للحصافة في حده الأدنى، ويفتقر للأخلاق في حده الأعلى، وفي الحالتين، ليس هناك من مبرر حقيقي له.
في المقابل، من المهم أن لا يتحول الهجوم على سلوك الشيخين، المرفوض أيا كانت مبرراته، إلى هجوم على كامل منظومة الأخلاق في الإسلام، أو أن تتم المطالبة بتعديل القوانين المتعلقة بممارسة الأفعال المخلة بالحياء في الأماكن العامة وإباحتها. إن “الجريمة المرتكبة”، هي فرصة لتأكيد رفض استيراد جميع اشكال الزواج التي تخرج عن نطاق ما تعارف عليه المغاربة وقننه الفقه المالكي، وتأكيد سلطة وسطوة الرأي العام ووسائل الإعلام شريطة أن لا تنجر تحت مبررات الإثارة إلى تحريف الحقائق ورجم الناس بالباطل، ناهيك عن ضرورة التأكيد على أن الهجوم الجاري ليس على من يؤمن بمرجعية الإسلام الأخلاقية، بل على من ينتهك هذه المرجعية، أيا كان طول لحيته أو لون خمارها!!