الجزائر

أيهما أفضل للنظام الجزائري.. التعنت أم التجاوب مع القرار 2797؟!

بقلم: هيثم شلبي

منذ صدور قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797 حول الصحراء المغربية، والذي وضع مقترح الحكم الذاتي للمنطقة تحت السيادة المغربية سقفا لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي ستافان دي مستورا الرامية لإيجاد تسوية سياسية للنزاع، لا يزال النظام الجزائري وأبواقه الإعلامية ترسل إشارات متناقضة تجاه القرار، وتصر على “استغباء” متابعيها بالتأكيد على أن القرار ليس فيه ما يبرر موقف المغرب المرحب به، وأنه لا يحمل أي تغيير عما قبله من قرارات!! هذا التناقض في المواقف والتصريحات يعكس عمق الأزمة الجزائرية التي يجب على نظامها تحديد ما إذا كان سيتجاوب مع القرار بشكل إيجابي، أم العكس. بكلام أوضح: هل ستجلس الجزائر إلى طاولة المفاوضات التي سيرعاها دي مستورا تحت نظر الولايات المتحدة، أم ستجد مبررا لاستمرار القول بأنها غير معنية بهذه المفاوضات وانها تمتنع عن الحضور، استمرارا لما تفعله منذ أكثر من 12 عاما، والوقوع بالتالي في ورطة المخالفة الصريحة للقرار الأممي؟!

لو رجعنا إلى تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف خلال الأسبوعين الماضيين، والتي تعيد وسائل الإعلام الرسمية والخاصة إعادة صياغتها وتكرارها، نجد تخبطا عجيبا في المواقف. فمن جهة، يؤكد النظام الجزائري أن القرار إيجابي -رغم رفضها التصويت عليه بالتأييد أو الرفض- وأنه احتفظ “بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره” بالطريقة التي يراها مناسبة بما في ذلك الاستفتاء، باعتباره الوسيلة الأمثل التي تقررها الشرعية الدولية، دون ذكر كلمة واحدة حول مقترح الحكم الذاتي الذي تكرر في جميع فقرات القرار 2797، كما لو أن الحديث يدور حول أحد قرارات مجلس الأمن في تسعينيات القرن الماضي! ومن جهة أخرى، يكرر النظام في كل مناسبة أن المفاوضات التي يدعو لها القرار هي حصريا بين “طرفي” النزاع، ولا علاقة للجزائر بها، في مخالفة أوضح لمنطوق القرار الأممي. هذه المواقف “الإيجابية” المفاجئة من القرار بدأت في الازدياد خلال الساعات الماضية فقط، في شكل يناقض تماما ردة الفعل الأولية التي اعتبرت القرار مجحفا و”خروجا عن الشرعية الدولية” و”تكريسا للهيمنة الأمريكية”، والذي يعبر عن انحياز صارخ لرؤية المغرب تجاه هذا النزاع، الأمر الذي دفعها لرفض التصويت على القرار والترافع ضده في مجلس الأمن، وكذا لإعلان مقاطعة متسرعة لكل الموائد المستديرة المقبلة، وحشدها على عجل بضع عشرات ممن قالت أنهم صحراويون للاحتجاج على القرار في مخيمات تندوف، ودفع البوليساريو لمراسلة الأمين العام للتعبير عن موقف سلبي من القرار. فكيف تحولت اللهجة الأخيرة لعطاف إلى التركيز على “إيجابيات” القرار، الذي “لم يحمل أي تغيير للوضع القائم” برأيه؟!

ببساطة، لقد وجد النظام الجزائري نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، ورغم ذلك اختاروا -كالعادة- “اختراع” خيار ثالث!! فكيف ذلك؟

إن الوضع الحالي يحتم على الدبلوماسية الجزائرية إما قبول القرار وبالتالي الجلوس إلى مائدة التفاوض كأحد أطراف النزاع، من أجل “نقاش مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية” كما ينص على ذلك القرار حرفيا؛ أو التعبير عن رفض واضح وصريح لمضمون القرار، وبالتالي الامتناع عن حضور الاجتماعات التي يفترض أن يدعو لها دي مستورا قريبا، بمجرد استلام التفاصيل التي يقترحها المغرب لنموذجه من الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية. أما محاولة الاعتماد على الفذلكة اللغوية من أجل اختراع خيار ثالث، فلن يكون ممكنا عندما يوجه دي مستورا دعواته، لأنه مجبر على إخبار الولايات المتحدة ومجلس الأمن بجواب الجزائر وسلوك دبلوماسيتها تجاه القرار 2797 قبل نهاية مارس المقبل، لتحديد مستقبل بعثة المينورسو. فكيف تتصرف الدبلوماسية الجزائرية؟!

تفيد تصريحات عطاف على أنها اختارت المنهج العقيم، ومحاولة اختراع خيار ثالث يحاول اللعب على الوقت الذي يسبق دعوات دي مستورا، عبر إرسال رسائل متناقضة تقول: نرحب بالقرار الأممي كونه يبقي خيارات الصحراويين في الاستفتاء والاستقلال، ونرفض الجلوس إلى مائدة التفاوض لنقاش مقترح الحكم الذاتي كخيار لا وحيد ولا رئيسي، وندعو إلى إعادة طرح خيار الاستفتاء، ودعوة مجلس الأمن إلى الالتزام بما تقرره اللجنة الرابعة والعشرين المختصة بتصفية الاستعمار، في خلطة عجيبة لا تمت إلى القوانين الدولية ولا صلاحيات هياكل الأمم المتحدة، ولا القرار 2797 بصلة؛ وتتجاهل ما تراكم على الساحة السياسية على مدى نصف قرن هي عمر هذا النزاع المفتعل. فما الذي يدفع النظام الجزائري إلى مثل هذا السلوك الذي يناقض أبسط بديهيات الدبلوماسية بل والمنطق؟ وإي هذين الخيارين يعبر عن الموقف الحقيقي للنظام: الترحيب بالقرار أم رفضه؟!

إن ترحيب أحمد عطاف اللفظي بالقرار، والمبررات الأربعة التي ساقها لتبرير هذا الترحيب بدون أي قيمة، كونه يناقض روحا ونصا القرار 2797، وبالتالي فهي رسالة موجهة للداخل الجزائري أساسا، للقول بأن دبلوماسية نظامه لم تهزم كما يحلو للمغرب ومعارضي الجزائر في الخارج أن يقولوا. وهو يعلم، أن قول ما قاله في تصريحاته الأخيرة لدي مستورا كفيل لإنهاء اجتماعه به بعد ربع ساعة من بدايته، لأن الأخير (دي مستورا) سيطلب بأدب من عطاف أن يعيد قراءة القرار الأممي، لأن ما يقوله يؤكد أنه لم يطلع على القرار، بل على ملخص له من قبل أحد مساعديه!! أضف إلى ذلك أن ترحيب عطاف “الزائف”، جاء مرفقا بسلسلة من الشروط التي تفرغ هذا الترحيب من محتواه، عندما يتحدث عن أن القرار لن يمنع البوليساريو من إعادة طرح الاستفتاء وخيار الاستقلال عن المغرب خلال المفاوضات المقبلة، وهو الزعم الذي أنهاه فعليا دي مستورا في تصريحاته الأخيرة، عندما تحدث عن مفاوضات لنقاش مقترح الحكم الذاتي حصريا، وأن ما هو غير محدد سلفا هي نتائج هذه المفاوضات (التي قد تفضي إلى اتفاق وقد لا تفضي)، وليس إطار المفاوضات وسقفها بأي حال؛ وإلا فما معنى انتظاره تفاصيل المقترح المغربي قبل توجيه الدعوات؟!

نصل إلى محاولة تفسير هذا السلوك الملتبس للنظام الجزائري. إن وجود شنقريحة على رأس هذا النظام يؤكد دون أدنى شك أمرين اثنين: لا يمكن التجاوب مع أي جهود أممية تظهر المغرب في موقف المنتصر؛ ولا يمكن الحديث عن صلح أو اتفاق مع المغرب أيا كانت شروط هذا الصلح! وعليه، يحتاج كل من هم تحت سلطة شنقريحة، بدءا بالرئيس عبد المجيد تبون وانتهاء بوزير الخارجية أحمد عطاف، إلى التركيز في كل خطاب على عدم تخليهم عن القضية الصحراوية وعن “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال عن المغرب عبر استفتاء تنظمه الأمم المتحدة”، مع محاولة عدم الظهور في مظهر المعاكس للجهود الأممية خشية غضب الولايات المتحدة صاحبة المقترح!! وبنفس الدرجة، يحرص النظام الجزائري على إسماع مبعوثي الرئيس ترامب، مسعد بولص وكوشنر وويتكوف، ترحيبهم بجهودهم المبذولة لتحقيق مصالحة مع المغرب، مع الحرص على أن تبقى هذه التصريحات منسوبة للمسؤولين الأمريكيين، دون تأكيد أو نفي رسمي من الجانب الجزائري تجنبا لغضب شنقريحة!

وعليه نقول، أنه في ظل استمرار وجود شنقريحة على قمة هرم السلطة في الجزائر، فمن المستبعد جدا أن تستمر الدبلوماسية الجزائرية في لهجتها الإيجابية تجاه الجهود الأممية، وستضطر للخضوع لرغبات الرجل القوي في النظام، مهما كانت التبعات، التي لا تعنيه في النهاية، لعلمه بأن هذا النظام الذي يشرف عليه يعيش أيامه الأخيرة، سواء وافق على القرار الأممي أم رفضه. بل يمكن القول أن فاتورة التعنت تجاه جهود الأمم المتحدة هي أقل من فاتورة التجاوب بالنسبة للنظام العسكري في الجزائر، حيث أن التعنت -على الأقل- ستظهره في مظهر الوفي لمبادئ نصرة الشعوب الضعيفة، بينما سيهدم التجاوب جميع سرديات النظام الجزائري حول مكة الثوار منذ عهد مخترع هذا النزاع، الرئيس الراحل هواري بومدين إلى اليوم، وسيجعل فاتورة إنهاء النظام من طرف الشعب الجزائري أكبر وطأة!

كخلاصة، فاللعب على عامل الوقت بإطلاق تصريحات متناقضة تجاه القرار الأممي الأخير، هو مخرج بائس مؤقت للنظام الجزائري، في انتظار متغير جوهري سيقلب كل المعادلات: إما الإطاحة بشنقريحة وتبون، وبالتالي الادعاء بأن جزائر “جديدة جدا” قد ولدت للتو، وستتجاوب مع جهود إنهاء البوليساريو والنزاع معا، كونها ليست مسؤولة عن إيجاده؛ أو الرفض الصريح للتجاوب مع الجهود الأممية، وترتيب أمور القفز من قارب النظام الغارق في مارس المقبل عندما تصدر إحاطة دي مستورا، ويتم تصنيف البوليساريو كتنظيم إرهابي، والجزائر كدولة راعية للإرهاب بالتبعية! عموما هي أيام قليلة تفصلنا عن تقديم المغرب لتصوره لمقترحه للحكم الذاتي في إطار سيادته الوطنية، لنعرف ما إذا كانت الجزائر (والبوليساريو بالتبعية) ستلبيان دعوة دي مستورا للحضور إلى واشنطن لنقاشه، أم أنها ستقرر الامتناع!

اقرأ أيضا

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

محكوم عليه في الجزائر بـ7 سننوات سجنا.. الصحافي الفرنسي غليز أمام محكمة الاستئناف

من المقرر أن يمثل الصحافي الفرنسي كريستوف غليز، اليوم الأربعاء، أمام محكمة الاستئناف بمدينة تيزي وزو، الواقعة نحو 100 كلم إلى شرق العاصمة الجزائرية،

الجزائر وإسبانيا

رغم تشبتها بموقفها من مغربية الصحراء.. زيارة محتملة لتبون لإسبانيا

يكثف النظام العسكري الحاكم في الجارة الشرقية، الذي يعيش عزلة في جواره ومحيطه الأفريقي وأزمة دبلوماسية مع فرنسا، خلال الآونة الأخيرة، جهوده للمصالحة مع إسبانيا،

الصحافي الفرنسي كريستوف غليز

مسجون ظلما في الجزائر.. دفاع الصحافي الفرنسي غليز يأمل بـ”نتيجة إيجابية” في الاستئناف

ينظر قضاء عصابة قصر المرادية، يوم غد الأربعاء، استئنافيا في ملف الصحافي الرياضي كريستوف غليز المحكوم عليه بسبع سنوات سجنا في الجزائر، في قرار مجحف بحق مراسل مهني ومتمرس في السجن بالجزائر،