بقلم: هيثم شلبي
على بعد أيام من “الدخول السياسي” المقبل في الجزائر (في أعقاب العطلة الصيفية)، تسود على الساحة السياسية الجزائرية أجواء ترقب لا علاقة لها بالملفات المطروحة على أجندة النظام، رئاسة وجيشا ومخابرات، وكذا حكومة وبرلمان، وإن كان هذان الأخيران لا يملكان من السلطة شيئا يذكر. فالسؤال الذي تحول إلى مصدر للتندر على وسائل التواصل الاجتماعي، يتعلق “بسرّ” اختفاء الرئيس تبون، وما إذا كان سبب غيابه يتعلق بظرف صحي “طارئ”، ام بإجازة سنوية معتادة.
لكن بعيدا عن الجدل المتعلق بهذا الأمر، والذي ينتظر أن يتحول الناس عنه إلى موضوع آخر خلال أيام، يبرز تساؤل مشروع حول: ما هي أبرز القضايا المطروحة على أجندة النظام الجزائري خلال الربع الأخير من عام 2025؟!
بداية، لن نحاول عمل جرد لكل ما هو موضوع على طاولة الرئاسة أو الحكومة أو البرلمان من قوانين وقرارات وملفات، حيث أن معظمها يأخذ طابعا عاديا، حتى وإن اجتهد الجهاز الإعلامي الدعائي في إحاطتها بأجواء “إثارة” افتراضية مفتعلة. وعليه، فسنمر مرورا سريعا على القضايا العادية، مع التركيز على قضيتين او ثلاثة نعتقد أن النظام منكب على نقاشها بجدية بعيدا عن أعين المواطنين والإعلام، لأنها تمس مستقبله بشكل مباشر.
على رأس القضايا العادية، يأتي الحديث عن التعديل الحكومي الذي ينتظر إجراؤه مباشرة بعد الدخول السياسي الجديد، من أجل محاولة “ضخ دماء جديدة”، وهي العبارة التقليدية التي لم تؤد يوما إلى إنجاز يذكر على امتداد الحكومات السابقة!!
فاستبدال موظف بآخر، مع بقاء صانع السياسة العقيمة في مكانه، لن يجلب أي تغيير يمكنه تبرير أي أمل بمستقبل أفضل في أوساط الشعب الجزائري. ثاني الملفات العادية، المطروحة على جهاز أقل جدوى من الحكومة، ونقصد البرلمان، يتعلق بحزمة القوانين التي يجب أن تصدر عن المؤسسة، دون أمل يذكر في إمكانية مساهمتها كذلك في تغيير واقع الجزائريين، لأن طريقة صياغتها “معطوبة”! ونتحدث هنا عن قوانين البلديات والولايات، قانون الأحزاب، مراجعة قانون الانتخابات، وبضعة قوانين أخرى على نفس الشاكلة.
في الشأن الاقتصادي، المجال الأثير لدعاية الرئيس وحكومته وإعلامه، لن تجد إلا متابعة “الهروب إلى الأمام” بتكرار نفس الأكاذيب حول واقع الاقتصاد الجزائري الذي تحول إلى “رقم واحد في أفريقيا” دون المرور بالمركز الثاني، كما يبشرنا الإعلام الدعائي هذه الأيام!!
طبعا، ستضاف هنا بضعة مليارات على الرقم الخاص بصادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات، حتى لا يظهر الرئيس عبد المجيد تبون في مظهر الكاذب. ألم يبشر بأن هذا الرقم قد تجاوز 7 مليارات عام 2023، قبل أن يتجاوزه في العام الموالي، مع توقع ارتفاعه إلى 13 مليارا هذا العام، ليبلغ رقم 29 مليارا مع حلول عام 2030!!
هذه الأرقام يكذبها الواقع بشقيه: المعيشي لملايين الجزائريين الواقفين في طوابير المواد الأساسية؛ والرقمي الذي يقول بفشل محاولات الجزائر لتجاوز رقم 5 مليارات التي تشكل قرابة 10% من صادراتها، بعد أن أصبح ثابتا مساهمة صادرات قطاع المحروقات بما يقرب من 90% من مجمل صادرات البلاد التي تدور حول رقم 50 مليار دولار.
أخر الملفات التي يفترض أن تحتل جانبا كبيرا من النقاش والدعاية، هو ذلك المتعلق بقانون المالية 2026، ليس فقط لمعرفة مصير توازنات البلاد المالية خلال العام المقبل، بل بالأساس، لمعرفة كيف تمكنت الحكومة من علاج عجزها في الموازنة الحالية 2025، والذي تجاوز 50% من مجمل الميزانية (62 مليار دولار من أصل 124 مليارا).
عجز يحتاج إلى الاستعانة بأعظم برامج الذكاء الصناعي من أجل ضبط أرقامه، لاسيما في ظل عدم تحقيق طفرة في مداخيل الصادرات النفطية، التي تتراجع -باعتراف الحكومة- عاما بعد آخر، وعدم تحقيق اختراق في دعايتها حول مشاريع الحديد والفوسفات، والمحاولة المستميتة للحفاظ على شعار تبون الانتخابي: جزائر بدون ديون خارجية، وهو الشعار الذي يعتبر في حد ذاته “نكتة” تستجلب السخرية من الجزائريين وغيرهم.
بعد هذا الجرد لما يروج له في وسائل الإعلام الدعائي على أنها أهم ملفات الدخول السياسي، واعتبار الملفات السابقة “ملفات عادية” لا تستحق التوقف عندها، فما الذي يتبقى من ملفات حقيقية، يجري التعامل معها بعيدا عن متابعة الإعلام والمواطنين؟
أول هذه الملفات هو ذلك المتعلق بسؤال ترتيب شؤون المؤسسة العسكرية، التي يعاني جميع رؤساء أجهزتها من مشكلة تقدمهم في السن، حيث يبدو أصغرهم في منتصف السبعينيات من عمره. وما يزيد من تعقيد هذا الملف، هو حقيقة أن خروج الجنرالات من مكاتبهم الوظيفية لا يكون عادة باتجاه منازلهم، بل إلى السجن!! وهو ما يسبب ظاهرة تكدس عشرات الجنرالات في السجون الرئيسية، دون معرفة متى سيخرجون منها.
ملف آخر مرتبط بالمؤسسة العسكرية ويتعلق بملف شراء الأسلحة، والذي أعلنت الحكومة مطلع العام أنها خصصت له مبلغ 25 مليار دولار، دون أن ينجح الجيش في الإعلان عن إبرام أي صفقة تذكر، اللهم باستثناء طائرات سوخوي 57، التي تصدر أخبار متناقضة عن “قرب” امتلاكها قبل نهاية العام، من جهة؛ وبدء الجزائر في استلام 20 طائرة من طراز سوخوي 35 “كبديل مؤقت”، نظرا لتوقع تأخر استلام سو-57 الموعودة، من جهة أخرى.
هذا على صعيد الجيش، أما على صعيد الدبلوماسية، فإن التحدي الأبرز أمام النظام الجزائري يكمن في سبل التعامل مع حقيقة حسم المغرب لملف وحدته الترابية، وانتظار “زلزال” على صعيد قرار مجلس الأمن الدوري الخاص بالقضية في أكتوبر المقبل.
فالمهلة التي منحت للجزائر، ومن ورائها ربيبتها البوليساريو مرت دون تسجيل أي تقدم يذكر، أو إشارة إلى أن النظام الجزائري يدرك حجم التغيرات الدولية الهائلة التي شهدها الملف خلال العقدين الماضيين، وقلصت خريطة المعترفين فعليا “بجمهورية تندوف” إلى عدد يقارب أصابع اليدين. وبالتالي، فالنظام وإعلامه الدعائي اكتفيا بتكرار نفس “الأسطوانة المشروخة” المتعلقة ب “حق تقرير المصير للشعب الصحراوي عبر الاستفتاء”، دون أن تقدم على محاولة استكشاف الإمكانيات المتاحة خلف دعوة الملك محمد السادس، لإنهاء هذا النزاع المفتعل وفق مبدأ “لا غالب ولا مغلوب”.
آخر الملفات التي ينكب عليها أصحاب القرار في الجزائر، يتعلق بكيفية توفير “سلّم” ينزلهم عن شجرة التصعيد مع فرنسا، بسبب كلفة هذا التصعيد على النخب الجزائرية، أبناء “الجالية الجزائرية المقيمة في الجزائر”! إقفال هذ الملف يتطلب حسما داخليا بين أجنحة النظام، يسهل بعدها الحديث مع فرنسا بصوت واحد، هادئ، بدون عنتريات “وكرامة وطنية” فارغة، كما حدث مع إسبانيا، ويجري مع الولايات المتحدة، اللذان اتخذا -مع عشرات الدول الأخرى التي تحتفظ الجزائر بعلاقة معها- مواقف مشابهة للموقف الفرنسي من مغربية الصحراء.
عموما، وامام نظام امتهن سياسة “الهروب إلى الأمام” وشراء الوقت، ردا على غياب المشروعية الشعبية، لقيامه على أنقاض الحراك الشعبي الجزائري المبارك 2019، يصعب توقع مآلات الأوضاع فيه، مما يجعلها مفتوحة على أي احتمال قد يبدو مرجحا أو مستبعدا!
مشاهد 24 موقع مغربي إخباري شامل يهتم بأخبار المغرب الكبير